قصص قصيرة تهرب من فضاءاتها

الكاتبة هدية حسين في «إحساس مختلف»

قصص قصيرة تهرب من فضاءاتها
TT

قصص قصيرة تهرب من فضاءاتها

قصص قصيرة تهرب من فضاءاتها

تعرض الروائية والقاصة العراقية هدية حسين في كتابها «إحساس مختلف» مجموعة من المواضيع كالموت، والفراق، والشيخوخة، والألم، والخذلان، وعنجهية السلطة، والاغتراب، والاغتصاب، والمعتقل، والظلم، والحروب، والصراعات الإنسانية الداخلية للمرأة، والخوف من المجهول، تعرضها كلها في قصص قصيرة أقل ما يمكن القول عنها إنها ناجحة في دلالاتها التي تتجاوز فضاء القصة القصيرة، بلقطاتها الحياتية الصغيرة المحملة بأبعاد كبيرة، يمكن حتى أن تتسع إلى فضاء روائي؛ مما يذكرنا ببعض قصص الكاتب الروسي أنطون تشيخوف.
إنها تشدنا أيضا بأسلوبها الوصفي الشاعري، ساحبة القارئ إلى أجوائها الرحيبة من خلال عنصر المفاجأة الذي يأخذ بأنفاسنا في أفضل قصصها في المجموعة، كما في قصة «بداية ونهاية» التي استمدت عنوانها من رواية نجيب محفوظ، وهي تدور حول رجل كبير السن جلس إلى جوارها في التاكسي وهو يقرأ رواية نجيب محفوظ «بداية ونهاية»، رجل غريب لم تمنحه فرصة التحدث معها، وتفاجئنا في نهاية القصة بأن السائق أكد لها أنها كانت بمفردها في السيارة، وما من رجل كان بقربها.. ولكنها تجد الرواية على المقعد وفي صفحتها الأولى «خط مائل لا يمكن أن تخطئ الأصابع التي كتبته!» وهو خط والدها.
البطلة كانت قد هربت من وطنها العراق وكأنها برحيلها عن الوطن تخلت عن بداياتها.. لكن تستحضر صورة الأب المتوفي، وهي في التاكسي إلى المنفى، وكأنها أرادت أن تحتمي به، وتتخذ من إهدائه «إن ضاعت عليك البداية فلتحفظ النهاية» شعارا لها في المنفى المجهول لإعادة بناء ذاتها.
يمكننا القول إن هدية حسين كاتبة ذات أسلوب خاص يميزها، في هذه المجموعة والمجموعات السابقة التي أصدرتها، فحين تبدأ بقراءة نص سرعان ما يسهل عليك معرفة هويته، وتنشأ علاقة مودة ومعرفة بينك وبينه، وهي ميزة يفتقد إليها كثير من الكتاب، خصوصا كتاب القصة القصيرة.
وأكثر ما يدلنا على كتابتها هي تلك النهايات المحملة بعنصر المفاجأة التي تتفجر بها دائما السطور الأخيرة من القصة، كما نجد داخل القصة الواحدة قصصا قد تكون ضمن فقرة أو أحيانا تختبئ خلف سطر واحد، قد يكون محملا بشحنات شعرية، ولكنه أيضا مثقل بدلالات حياتية ووجودية وثقافية.
في قصة «بيتك الصغير» تقول: «كيف للسيسبان الرقيق أن يقاوم ثقل الحب في قلبي ويرفعه إلى النافذة؟»، وتقول أيضا في القصة نفسها: «نحن نحتمي بالحب، والحب كائن رقيق لا يعيش تحت مظلة الحروب».
وفي قصة أخرى: «الواقع يا حبيبتي يفرض علي أن أجيب وأوضح، ولكن جوهر الفن يفرض أن تبقى الأسئلة بلا إجابات. كلانا على حق لأننا ننظر إلى اللوحة بإحساس مختلف».
كم من القصص تختبئ خلف هذه السطور! إنها تفتح للقارئ أبعادا خيالية لكن عناصرها مستمدة من الواقع الذي يعيشه.
وأيضا يجدر بنا أن نذكر إحدى الفقرات في قصة «وحشة»، فقرة يمكن أن نعدها قصة ضمن القصة الأساسية، وهو ما يميز أيضا كتابة هدية حسين: «كان يا مكان، في زمن ضاعت ساعاته وانطوت أيامه، ثمة فتاة حلوة العينين، لماحة، عذبة الحديث، تمناها كثير من الرجال، لكنها تمنت رجلا واحدا أخذته الحياة إلى جهة أخرى بعد أن أذاقها جرعة من الحب، ولم تدرك إلا في وقت متأخر جدا أن السم كان مدسوسا في عسل تلك الجرعة وأن الحياة لم تأخذه إلى الجهة الأخرى بل هو الذي أدار دفة السفينة وآثر الابتعاد. فعندما تستبدل القلوب مشاعرها الرقيقة بحفنة من الحجر ينبغي على الطرف الآخر أن يعرف أي نوع من السم كان مدسوسا في عسل الكلام، لكنها استمرأت اللعبة وظلت تنتظر عودته، ولم يعد.. صار أبعد من النجوم استوطن المجرات البعيدة وتوارى خلف كم هائل من الكواكب... تلاشى... واختل نظام الكون!».
نجد أنفسنا بعد قراءة «إحساس آخر» أمام سؤال هام، هل هدية حسين روائية أم قاصة أم شاعرة؟ على ما يبدو أنها شاعرة القصة، وقد يكون هذا منزلقا لقسم من كتاب القصة القصيرة، فيغرقونها باللغة «الشعرية» على حساب البنية القصصية، ولكن هدية حسين تنجح، في أفضل قصصها، في تجنب ذلك، على الرغم من «تحليقاتها» الشعرية الجميلة كما في قولها: «تهب رياح خفيفة، تغمرني برائحة العشب الرطب، أشم معها رائحة زمن معتق، رائحة ليس لها اسم محدد، تملؤني بمباهج غامضة، كأنها خارجة من زمن قصي، تذكرني بأشياء لا أتذكرها عادة، أشياء منك يصعب تفسيرها، تبدو لي أحيانا مثل طعم الحنظل، وأحيانا كما لو أنها طعم القبلة الأولى التي لم نقترف غوايتها».
الواضح أيضا من حواراتها الفكرية العميقة التي تحتل مكانا مميزا في قصصها، أن هدية حسين متأثرة بإيتالو كالفينو، فنحن نعيش معها لحظات من التأمل محملة بأسئلة فكرية تذكرنا برواية كالفينو «السيد بولمار» في مراقبته الطبيعة والمارة، فتأخذ الأشياء حولها دلالات جديدة.
وأكثر ما يلفت انتباهنا في هذا الخصوص قصة «امرأة غريبة الأطوار» تلك السيدة العجوز التي تلبس قبعة عليها أزهار صغيرة وكبيرة الحجم وبكل الألوان.. تراقب الكاتبة تلك العجوز وورودها وتحركاتها لتصل في نهاية القصة، لتقول لنا على لسان العجوز بأن الورود لا يمكن أن تكون رمزا للقتال، متسائلة بحرقة «لماذا لا يحولون الجنود إلى مزارعين وبذلك يقضون على المجاعة في العالم؟».
كم هو معبر هذا الربط بين شغف العجوز بالورود التي أحبتها فوضعتها على قبعة ترتديها يوميا وبين الدلالة التي حملتها للورود في نهاية القصة.. فهي استحالت وببساطة شديدة إلى اقتراح حل للمجاعة!
لكن الكاتبة ليست على سوية واحدة في كل قصصها، ففي قصة «شارع صاحب السعادة»، التي تدور حول رجل بيده السلطة والمال وباستطاعته شراء كل شيء من الشارع الرئيس في المدينة وصولا إلى أصوات الشعب.. وكان يمكن عرض هذه القصة بمعالجة جديدة، فالطريقة التي عرضت بها القصة كثيرا ما طرحت من قبل في كثير من القصص والروايات العربية والأجنبية.
ونتذكر هنا مثلا معالجة سعد الله ونوس للطاغية في «الفيل يا ملك الزمان» الذي تناولها بشكل جديد مختلف كليا عن المعالجات السابقة التقليدية عن صورة الطاغية ومن هنا كان نجاح المسرحية كبيرا.



مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي
TT

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب وهم: محمد شوقي الزين: صُورَةُ النُّخَب وجَدَل الأدْوَار. محمد الرميحي: المجتمع الخليجي وصناعة النخب: الوسائل والصعوبات! موليم العروسي: صناعة النخب وآلياتها. علي الشدوي: مواد أولية عن النخبة السعودية المؤسّسة. ثائر ديب: روسيا مطلع القرن العشرين وسوريا مطلع الواحد والعشرين: إنتلجنسيا ومثقفون.

أما حوار العدد فكان مع المؤرخ اللبناني مسعود ضاهر (أجراه أحمد فرحات) الذي يرى أن مشروع الشرق الأوسط الجديد يحل محل نظيره سايكس بيكو القديم، مطالباً بالانتقال من التاريخ العبء إلى التاريخ الحافز. المفكر فهمي جدعان كتب عن محنة التقدم بين شرط الإلحاد ولاهوت التحرير. وفي مقال بعنوان: «أين المشكلة؟» يرى المفكر علي حرب أن ما تشهده المجتمعات الغربية اليوم تحت مسمى «الصحوة» هو الوجه الآخر لمنظمة «القاعدة» أو لحركة «طالبان» في الإسلام. ويحكي الناقد الفلسطيني فيصل دراج حكايته مع رواية «موبي ديك». ويستعيد الناقد العراقي حاتم الصكر الألفة الأولى في فضاء البيوت وأعماقها، متجولاً بنا في بيته الأول ثم البيوت الأخرى التي سكنها.

ويطالع القارئ عدداً من المواد المهمة في مختلف أبواب العدد. قضايا: «تلوين الترجمة... الخلفية العرقية للمترجم وسياسات الترجمة الأدبية». (عبد الفتاح عادل). جاك دريدا قارئاً أنطونان أرتو (جمال شحيّد). عمارة: العمارة العربية من التقليدية إلى ما بعد الحداثة (عبد العزيز الزهراني). رسائل: أحلام من آبائنا: فيث أدييلي (ترجمة: عز الدين طجيو). ثقافات: خوليو كورتاثر كما عرفته: عمر بريغو (ترجمة: محمد الفحايم). عن قتل تشارلز ديكنز: زيدي سميث (ترجمة أماني لا زار). سيرة: أم كلثوم ونجيب محفوظ نسيج متداخل وروابط متعددة (سيد محمود). اليوتوبيا ونهاية العالم: القرن العشرون صحبة برتراند راسل: خاومي نافارو (ترجمة: نجيب مبارك). رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم (عبادة تقلا). الأدب والفلسفة: جان لويس فييار بارون (ترجمة حورية الظل). بواكير الحداثة العربية: الريادة والحداثة: عن السيَّاب والبيَّاتي (محمَّد مظلوم). بروتريه: بعد سنوات من رحيله زيارة جديدة لإبراهيم أصلان (محمود الورداني). تراث: كتاب الموسيقى للفارابي: من خلال مخطوط بالمكتبة الوطنية بمدريد (أحمد السعيدي). فيلسوفيا: فيليب ماينلاندر: فيلسوف الخلاص (ياسين عاشور). فضاءات: «غرافيتي» على جدران الفناء (هاني نديم).

قراءات: قراءة في تجربة العماني عوض اللويهي (أسامة الحداد). «القبيلة التي تضحك ليلاً»: تشظي الذات بين المواجهات النسقية (شهلا العجيلي). مختارات من الشعر الإيراني المعاصر (سعد القرش). نور الدين أفاية ومقدمات نقد عوائق الفكر الفلسفي العربي الراهن (الصديق الدهبي). تشكيل: تجربة التشكيلي حلمي التوني (شريف الشافعي). تشكيل: غادة الحسن: تجربتي بمجملها نسيج واحد والعمل الفني كائن حي وله دوره في الحياة (حوار هدى الدغفق). سينما: سعيد ولد خليفة: ما يثير اهتمامي دائماً هو المصاير الفردية للأبطال اليوميين (سمير قسيمي). الفلسفة فناً للموت: كوستيكا براداتان (ترجمة أزدشير سليمان). ماذا يعني ألا تُصنف كاتب حواشٍ لأفلاطون؟ (كمال سلمان العنزي). «الومضة» عند الشاعر الأردني «هزّاع البراري» (عبد الحكيم أبو جاموس).

ونقرأ مراجعات لعدد من الكتب: «جوامع الكمد» لعيد الحجيلي (أحمد الصغير). «حقائق الحياة الصغيرة» للؤي حمزة عباس (حسين عماد صادق). «أنا رسول بصيرتي» لسيد الجزايرلي (صبحي موسى). «طبول الوادي» لمحمود الرحبي (محمد الراشدي). «عقلان» لمحمد الشجاع (محمد عبد الوكيل جازم)

وكذلك نطالع نصوصاً لشعراء وكتاب قصة: برايتون (عبد الكريم بن محمد النملة). في طريق السفر تخاطبك النجوم: أورهان ولي (ترجمة: نوزاد جعدان). بين صحوي وسُكْرها (سعود بن سليمان اليوسف). خرائطُ النُّقصان (عصام عيسى). الغفران (حسن عبد الموجود). أنتِ أمي التي وأبي (عزت الطيرى).