«خلايا التماسيح»... خطة «داعش» لإزعاج أوروبا

عناصرها انغماسيون يشنون «هجمات انتحارية»

إجراءات أمن بعد الهجمات التي استهدفت فنادق وكنائس في سريلانكا الشهر الماضي
إجراءات أمن بعد الهجمات التي استهدفت فنادق وكنائس في سريلانكا الشهر الماضي
TT

«خلايا التماسيح»... خطة «داعش» لإزعاج أوروبا

إجراءات أمن بعد الهجمات التي استهدفت فنادق وكنائس في سريلانكا الشهر الماضي
إجراءات أمن بعد الهجمات التي استهدفت فنادق وكنائس في سريلانكا الشهر الماضي

«الخلايا النائمة» لتنظيم داعش الإرهابي إشكالية كبرى تتجدد مع أي هجوم أو استهداف في الدول الغربية أو الأفريقية، خصوصاً مع خسائر التنظيم في سوريا والعراق، وفرار معظم عناصره المؤثرة... وأخيراً ظهر مُصطلح «خلايا التماسيح»، وهو نهج أقرب إلى عمليات «الذئاب المنفردة»، ضمن محاولات التنظيم لمواجهة الخسائر التي تعرض لها أخيراً، بالتهديد لتنفيذ هجمات من وقت لآخر لإزعاج أوروبا.
يقول خبراء في الأمن والحركات الأصولية لـ«الشرق الأوسط»، إن «دولاً كثيرة تتخوف حالياً من إقدام (الخلايا النائمة) أو (العائدين الدواعش) على ممارسة العنف والإرهاب داخل حدودها، خصوصاً مع عدم وجود بيانات تفصيلية لهؤلاء»، مؤكدين أن «(العائدين) لن يتخلوا عن (التكفير والتفجير) وأفكار التنظيم». وأوضح الخبراء أن «(خلايا التماسيح) أعلى مراحل الموت الداعشية، وتختص باقتحام السجون والوحدات العسكرية والمدن، وهي عبارة عن مجموعات من (الانغماسيين)، وتكون على شكل مثلث كامل الأضلاع في عمليات الهجوم الإرهابية... والانغماسي التمساح يرتدي حزاماً ناسفاً، أو يقوم بتفخيخ السيارات أو السفن أو الطائرات المدنية، ويكون مزوداً بأسلحة خفيفة».
وأخيراً، كشفت أجهزة الاستخبارات البريطانية عن معلومات لمخططات «داعش» لتنفيذ هجمات في بريطانيا وأوروبا، عبر ما يعرف بـ«خلايا التماسيح». وقالت إنها «تدرس خطط هذه الخلايا التي تتكون من (عناصر نائمة) تتبع التنظيم وتنفذ أوامره».
وقالت تقارير غربية إن «تحقيقات بريطانيا جاءت عقب الكشف عن أن عبد اللطيف جميل محمد (36 عاماً)، قائد الجماعة المتطرفة، التي نفذت الهجوم الدامي في سريلانكا، عمل بناءً على أوامر تلقاها من (إرهابيين) في سوريا».
وأكد مراقبون أن «(الذئاب المنفردة) أو (الانفراديين) يقصد بهم تحول شخص أو اثنين أو 3 أو أكثر إلى مقاتلين يقومون باستخدام المتاح لديهم من أسلحة أو عتاد، دون وجود رابطة عضوية أو تنظيمية يمكن تتبعها، من خطوط عامة، أو مناشدات من التنظيم لأعضائه أو أنصاره، باستهداف دولة أو رعاياها بالقتل، كما حدث في استهداف المساجد والكنائس، والقتل بالدهس أو سكين المطبخ».
ولا يزال تسجيل الناطق باسم «داعش» أبو محمد العدناني، الذي دعا فيه عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم إلى قتل رعايا الدول في أي مكان، باستخدام أي سلاح مُتاح دون العودة إلى قيادة «داعش» أو حتى الانضمام إليه تنظيمياً، يأتي بثماره الآن، بحسب المراقبين.
في هذا الصدد، قالت دراسة مصرية حديثة إن «(داعش) اعتمد على نهج جديد في تنفيذ عملياته الإرهابية، وهو ما أطلق عليه (خلايا التماسيح)، وهو نهج أقرب إلى عمليات (الذئاب المنفردة)، وذلك ضمن محاولات التنظيم لمواجهة الخسائر التي تعرض لها أخيراً، وهو مصطلح يشير إلى توظيف (الخلايا النائمة) التابعة للتنظيم التي تعمل تحت الأرض لتنفيذ هجمات من وقت لآخر على معاقل وأهداف يحددها قادة التنظيم لهؤلاء».
ويشار إلى أن «خلايا التماسيح» استراتيجية تم الكشف عنها في إحدى الوثائق السرية التي تم العثور عليها عقب مواجهات بين عناصر من التنظيم والقوات الحكومية شمال شرقي سوريا، مارس (آذار) الماضي... وتتمثل في زيادة الهجمات الإرهابية عبر «الذئاب المنفردة» أو دعم «العائدين» من بؤر الصراع إلى بلدانهم، وتفجير المركبات، والاستهدافات، واختراق الحواسب، وهي خطط قد يتبعها «داعش» مستقبلًا، بحسب المراقبين.
وكشفت الدراسة التي أعدتها وحدة الرصد والتحليل بمرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة بدار الإفتاء المصرية، أن «من بين هذه الوثائق مُراسلات بين أحد أعضاء التنظيم يُدعى أبو طاهر الطاجيكي، يشرح فيها كيف يُمكن تشكيل (خلايا التماسيح)، وأهم أهدافها»... وأن «الطاجيكي تقدم إلى (داعش) بإنشاء ما يُسمى (مكتب العلاقات الخارجية لإدارة العمليات بأوروبا) لدعم الخلايا الجديدة التي ستتولى الهجوم على ما يعتبرهم (داعش) أعداءه».
وقال عمرو عبد المنعم، الخبير في شؤون الحركات الأصولية: «ظهر أخيراً دور كتيبة عسكرية مقاتلة في صفوف (داعش) تسمى كتيبة (التماسيح) أو (خلايا التماسيح)، وهي عبارة عن مجموعات من (الانغماسيين)، تتكون من (رأس التمساح الأم)، وعائلة، وهم الأبناء، وتكون على شكل مثلث كامل الأضلاع في عمليات الهجوم الإرهابية»، مضيفاً أن «(خلايا التماسيح) مُهمتها الأساسية إزعاج أوروبا على غرار عمليات (الذئاب المنفردة)، وتعتبر هذه الكتيبة من أهم الكتائب المُقاتلة في الفترة الأخيرة»، لافتاً إلى أن «(خلايا التماسيح) أعلى مراحل الموت الداعشية، وأهم صور الانغماس هو الانغماس بالالتحام، وبالتلغيم، والتفخيخ، والعملية الانغماسية يُطلق عليها (المربع صفر) أو (العملية الميتة) لأنها تنتهي بنهاية الانتحاري». وأكد عبد المنعم أن «(داعش) يحاول أن يبث الرعب في نفوس الغربيين بـ(الانفراديين) أو (الذئاب المنفردة) عبر مواقع التواصل الاجتماعي»، موضحاً أن «دولاً كثيرة تتخوف حالياً من إقدام (الخلايا النائمة) أو (العائدين) على ممارسة العنف والإرهاب داخل حدودها».
في هذا الصدد، أوضحت الدراسة المصرية، أن «فكرة (خلايا التماسيح) تعتمد على تجهيز (انتحاريين) وتدريبهم على صناعة المتفجرات والتفجير والخطف، ودعم قراصنة التنظيم عبر مواقع الإنترنت... وهذه الفكرة تأتي في الوقت الذي خسر فيه التنظيم مواقعه المهمة في سوريا والعراق، وأن ذلك يُعد نقطة تحول تخدم التنظيم لتنفيذ العمليات الإرهابية خارج سيطرته».
وقال عبد المنعم إن «الانغماسي يرتدي حزاماً ناسفاً، أو يقوم بتفخيخ السيارات أو السفن أو الطائرات المدنية، ويكون مزوداً بأسلحة خفيفة، كما يزود بكبسولة للموت، حتى يكون على استعداد لو نفدت ذخيرته أو تعطل الحزام الناسف ساعة التفجير، للتخلص من حياته، بأن يبتلع هذه الكبسولة على الفور، حتى لا يتبعه أحد ولا يعرف من وراءه... ويطلق على هذه العملية (المربع صفر) أو (العملية الميتة) أي أول الخيط هو آخره على الإطلاق، وبذلك تنتهي العملية عند حدود هذا التمساح بالقتل، وانتهاء (النقطة صفر) بالمعاونين للتمساح الأم».
وعن مُنظر فكرة الانغماس الذي ابتدع بدعة التمساح، قال عبد المنعم: «يعتبر أبو الحسن الفلسطيني من أشهر من نظر لفكر الأعمال الإرهابية الانتحارية، وكان المفتي الشرعي لتنظيم (القاعدة)، ويقال عنه إنه العقل المفكر وقائد جرائم قتل وخطف وابتزاز وقع معظمها خلال السنوات الماضية؛ لكن على ما يبدو، فإن ما نُسب إليه حتى الآن لا يشكل إلا نسبة صغيرة من خطورته الحقيقية... وتردد في معظم المواقع الجهادية أنه اختفى منذ 4 أعوام تقريباً، وقد انتشر كثير من الشائعات حوله».
من جهته، قال اللواء محمد قشقوش، أستاذ الأمن القومي الزائر بأكاديمية ناصر العسكرية بمصر، إنه «يتم تجنيد عناصر (الذئاب المنفردة) عبر الإنترنت، كما يتم من خلال الإنترنت التعرف على الأهداف التي يضعها التنظيم لشن هجمات إرهابية، وتدريب (الذئاب) على صناعة القنابل الناسفة، واستخدام السلاح».
وسبق أن «حذر مسؤولون في الاتحاد الأفريقي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، من أن نحو 6 آلاف مقاتل في صفوف (داعش) عادوا إلى القارة السمراء. وفي فبراير (شباط) الماضي، أعلن مركز الدراسات الألماني (فيريل) أن عدد المقاتلين الذين يحملون جنسيات أوروبية وأميركية في التنظيم بلغ 21500، وأن عدد (العائدين) إلى دولهم بلغ 8500 شخص». وبث «داعش» أخيراً شريط فيديو وزعته «مؤسسة الفرقان» ظهر فيه زعيمه أبو بكر البغدادي بعد 5 سنوات من الاختفاء، وتوعد بالثأر لقتلى التنظيم، مؤكداً أن «الاعتداءات الأخيرة التي استهدفت سريلانكا في (عيد الفصح) جاءت (ثأراً) للباغوز السورية».
وقال خالد الزعفراني، الخبير في شؤون الحركات الأصولية: «لا شك أن (العائدين) ليسوا مُجرد عناصر مهزومة فقط؛ فمنهم من أصيب بخيبة أمل بعدما تبين لهم وهم (الخلافة) وانهزام تنظيمهم؛ لكنهم لن يتخلوا عن (التكفير والتفجير) وأفكار التنظيم».


مقالات ذات صلة

الحساسيات العشائرية السورية تهدد النفوذ الإيراني في البوكمال

المشرق العربي صورة نشرها «المرصد السوري لحقوق الإنسان» لعناصر من الميليشيات الإيرانية

الحساسيات العشائرية السورية تهدد النفوذ الإيراني في البوكمال

تفجر التوتر في البوكمال في وقت تعمل فيه إيران على إعادة تموضع ميليشياتها في سوريا على خلفية الاستهداف الإسرائيلي لمواقعها داخل الأراضي السورية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي نائب منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية ديفيد كاردين يتفقد مشروع معالجة مياه الصرف الصحي في قرية بحورة بمحافظة إدلب السورية يوم 14 مايو الماضي (أ.ب)

منسق الأمم المتحدة يطلق «استراتيجية التعافي المبكر» في سوريا

قال المنسق الأممي بدمشق إن «خطة التعافي» تغطي كل المحافظات السورية، وتشمل قطاعات الصحة والتعليم ومياه الشرب والصرف الصحي، و«من دون الكهرباء لا يمكن إنجاز شيء».

«الشرق الأوسط» (دمشق )
أفريقيا جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

تشاد تنفي استهداف مدنيين خلال عملية ضد «بوكو حرام»

نفت الحكومة التشادية «بشدة» استهداف مدنيين خلال عمليتها ضد جماعة «بوكو حرام» في حوض بحيرة تشاد

«الشرق الأوسط» (نجامينا)
أفريقيا وحدة من جيش بوركينا فاسو خلال عملية عسكرية (صحافة محلية)

دول الساحل تكثف عملياتها ضد معاقل الإرهاب

كثفت جيوش دول الساحل الثلاث؛ النيجر وبوركينا فاسو ومالي، خلال اليومين الماضيين من عملياتها العسكرية ضد معاقل الجماعات الإرهابية.

الشيخ محمد (نواكشوط)
تحليل إخباري مقاتلو «داعش» في شمال أفغانستان (وسائل الإعلام الأفغانية)

تحليل إخباري لماذا ينتج تنظيم «داعش - خراسان» محتوى إعلامياً باللغة الطاجيكية؟

لماذا تصدر خلية «داعش» الإعلامية نشرة جديدة باللغة الطاجيكية للمواطنين في طاجيكستان والعرقيات الطاجيكية في أفغانستان؟ هل لها تأثير ناجح على الرأي العام؟

عمر فاروق (إسلام آباد)

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».