«خلايا التماسيح»... خطة «داعش» لإزعاج أوروبا

عناصرها انغماسيون يشنون «هجمات انتحارية»

إجراءات أمن بعد الهجمات التي استهدفت فنادق وكنائس في سريلانكا الشهر الماضي
إجراءات أمن بعد الهجمات التي استهدفت فنادق وكنائس في سريلانكا الشهر الماضي
TT

«خلايا التماسيح»... خطة «داعش» لإزعاج أوروبا

إجراءات أمن بعد الهجمات التي استهدفت فنادق وكنائس في سريلانكا الشهر الماضي
إجراءات أمن بعد الهجمات التي استهدفت فنادق وكنائس في سريلانكا الشهر الماضي

«الخلايا النائمة» لتنظيم داعش الإرهابي إشكالية كبرى تتجدد مع أي هجوم أو استهداف في الدول الغربية أو الأفريقية، خصوصاً مع خسائر التنظيم في سوريا والعراق، وفرار معظم عناصره المؤثرة... وأخيراً ظهر مُصطلح «خلايا التماسيح»، وهو نهج أقرب إلى عمليات «الذئاب المنفردة»، ضمن محاولات التنظيم لمواجهة الخسائر التي تعرض لها أخيراً، بالتهديد لتنفيذ هجمات من وقت لآخر لإزعاج أوروبا.
يقول خبراء في الأمن والحركات الأصولية لـ«الشرق الأوسط»، إن «دولاً كثيرة تتخوف حالياً من إقدام (الخلايا النائمة) أو (العائدين الدواعش) على ممارسة العنف والإرهاب داخل حدودها، خصوصاً مع عدم وجود بيانات تفصيلية لهؤلاء»، مؤكدين أن «(العائدين) لن يتخلوا عن (التكفير والتفجير) وأفكار التنظيم». وأوضح الخبراء أن «(خلايا التماسيح) أعلى مراحل الموت الداعشية، وتختص باقتحام السجون والوحدات العسكرية والمدن، وهي عبارة عن مجموعات من (الانغماسيين)، وتكون على شكل مثلث كامل الأضلاع في عمليات الهجوم الإرهابية... والانغماسي التمساح يرتدي حزاماً ناسفاً، أو يقوم بتفخيخ السيارات أو السفن أو الطائرات المدنية، ويكون مزوداً بأسلحة خفيفة».
وأخيراً، كشفت أجهزة الاستخبارات البريطانية عن معلومات لمخططات «داعش» لتنفيذ هجمات في بريطانيا وأوروبا، عبر ما يعرف بـ«خلايا التماسيح». وقالت إنها «تدرس خطط هذه الخلايا التي تتكون من (عناصر نائمة) تتبع التنظيم وتنفذ أوامره».
وقالت تقارير غربية إن «تحقيقات بريطانيا جاءت عقب الكشف عن أن عبد اللطيف جميل محمد (36 عاماً)، قائد الجماعة المتطرفة، التي نفذت الهجوم الدامي في سريلانكا، عمل بناءً على أوامر تلقاها من (إرهابيين) في سوريا».
وأكد مراقبون أن «(الذئاب المنفردة) أو (الانفراديين) يقصد بهم تحول شخص أو اثنين أو 3 أو أكثر إلى مقاتلين يقومون باستخدام المتاح لديهم من أسلحة أو عتاد، دون وجود رابطة عضوية أو تنظيمية يمكن تتبعها، من خطوط عامة، أو مناشدات من التنظيم لأعضائه أو أنصاره، باستهداف دولة أو رعاياها بالقتل، كما حدث في استهداف المساجد والكنائس، والقتل بالدهس أو سكين المطبخ».
ولا يزال تسجيل الناطق باسم «داعش» أبو محمد العدناني، الذي دعا فيه عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم إلى قتل رعايا الدول في أي مكان، باستخدام أي سلاح مُتاح دون العودة إلى قيادة «داعش» أو حتى الانضمام إليه تنظيمياً، يأتي بثماره الآن، بحسب المراقبين.
في هذا الصدد، قالت دراسة مصرية حديثة إن «(داعش) اعتمد على نهج جديد في تنفيذ عملياته الإرهابية، وهو ما أطلق عليه (خلايا التماسيح)، وهو نهج أقرب إلى عمليات (الذئاب المنفردة)، وذلك ضمن محاولات التنظيم لمواجهة الخسائر التي تعرض لها أخيراً، وهو مصطلح يشير إلى توظيف (الخلايا النائمة) التابعة للتنظيم التي تعمل تحت الأرض لتنفيذ هجمات من وقت لآخر على معاقل وأهداف يحددها قادة التنظيم لهؤلاء».
ويشار إلى أن «خلايا التماسيح» استراتيجية تم الكشف عنها في إحدى الوثائق السرية التي تم العثور عليها عقب مواجهات بين عناصر من التنظيم والقوات الحكومية شمال شرقي سوريا، مارس (آذار) الماضي... وتتمثل في زيادة الهجمات الإرهابية عبر «الذئاب المنفردة» أو دعم «العائدين» من بؤر الصراع إلى بلدانهم، وتفجير المركبات، والاستهدافات، واختراق الحواسب، وهي خطط قد يتبعها «داعش» مستقبلًا، بحسب المراقبين.
وكشفت الدراسة التي أعدتها وحدة الرصد والتحليل بمرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة بدار الإفتاء المصرية، أن «من بين هذه الوثائق مُراسلات بين أحد أعضاء التنظيم يُدعى أبو طاهر الطاجيكي، يشرح فيها كيف يُمكن تشكيل (خلايا التماسيح)، وأهم أهدافها»... وأن «الطاجيكي تقدم إلى (داعش) بإنشاء ما يُسمى (مكتب العلاقات الخارجية لإدارة العمليات بأوروبا) لدعم الخلايا الجديدة التي ستتولى الهجوم على ما يعتبرهم (داعش) أعداءه».
وقال عمرو عبد المنعم، الخبير في شؤون الحركات الأصولية: «ظهر أخيراً دور كتيبة عسكرية مقاتلة في صفوف (داعش) تسمى كتيبة (التماسيح) أو (خلايا التماسيح)، وهي عبارة عن مجموعات من (الانغماسيين)، تتكون من (رأس التمساح الأم)، وعائلة، وهم الأبناء، وتكون على شكل مثلث كامل الأضلاع في عمليات الهجوم الإرهابية»، مضيفاً أن «(خلايا التماسيح) مُهمتها الأساسية إزعاج أوروبا على غرار عمليات (الذئاب المنفردة)، وتعتبر هذه الكتيبة من أهم الكتائب المُقاتلة في الفترة الأخيرة»، لافتاً إلى أن «(خلايا التماسيح) أعلى مراحل الموت الداعشية، وأهم صور الانغماس هو الانغماس بالالتحام، وبالتلغيم، والتفخيخ، والعملية الانغماسية يُطلق عليها (المربع صفر) أو (العملية الميتة) لأنها تنتهي بنهاية الانتحاري». وأكد عبد المنعم أن «(داعش) يحاول أن يبث الرعب في نفوس الغربيين بـ(الانفراديين) أو (الذئاب المنفردة) عبر مواقع التواصل الاجتماعي»، موضحاً أن «دولاً كثيرة تتخوف حالياً من إقدام (الخلايا النائمة) أو (العائدين) على ممارسة العنف والإرهاب داخل حدودها».
في هذا الصدد، أوضحت الدراسة المصرية، أن «فكرة (خلايا التماسيح) تعتمد على تجهيز (انتحاريين) وتدريبهم على صناعة المتفجرات والتفجير والخطف، ودعم قراصنة التنظيم عبر مواقع الإنترنت... وهذه الفكرة تأتي في الوقت الذي خسر فيه التنظيم مواقعه المهمة في سوريا والعراق، وأن ذلك يُعد نقطة تحول تخدم التنظيم لتنفيذ العمليات الإرهابية خارج سيطرته».
وقال عبد المنعم إن «الانغماسي يرتدي حزاماً ناسفاً، أو يقوم بتفخيخ السيارات أو السفن أو الطائرات المدنية، ويكون مزوداً بأسلحة خفيفة، كما يزود بكبسولة للموت، حتى يكون على استعداد لو نفدت ذخيرته أو تعطل الحزام الناسف ساعة التفجير، للتخلص من حياته، بأن يبتلع هذه الكبسولة على الفور، حتى لا يتبعه أحد ولا يعرف من وراءه... ويطلق على هذه العملية (المربع صفر) أو (العملية الميتة) أي أول الخيط هو آخره على الإطلاق، وبذلك تنتهي العملية عند حدود هذا التمساح بالقتل، وانتهاء (النقطة صفر) بالمعاونين للتمساح الأم».
وعن مُنظر فكرة الانغماس الذي ابتدع بدعة التمساح، قال عبد المنعم: «يعتبر أبو الحسن الفلسطيني من أشهر من نظر لفكر الأعمال الإرهابية الانتحارية، وكان المفتي الشرعي لتنظيم (القاعدة)، ويقال عنه إنه العقل المفكر وقائد جرائم قتل وخطف وابتزاز وقع معظمها خلال السنوات الماضية؛ لكن على ما يبدو، فإن ما نُسب إليه حتى الآن لا يشكل إلا نسبة صغيرة من خطورته الحقيقية... وتردد في معظم المواقع الجهادية أنه اختفى منذ 4 أعوام تقريباً، وقد انتشر كثير من الشائعات حوله».
من جهته، قال اللواء محمد قشقوش، أستاذ الأمن القومي الزائر بأكاديمية ناصر العسكرية بمصر، إنه «يتم تجنيد عناصر (الذئاب المنفردة) عبر الإنترنت، كما يتم من خلال الإنترنت التعرف على الأهداف التي يضعها التنظيم لشن هجمات إرهابية، وتدريب (الذئاب) على صناعة القنابل الناسفة، واستخدام السلاح».
وسبق أن «حذر مسؤولون في الاتحاد الأفريقي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، من أن نحو 6 آلاف مقاتل في صفوف (داعش) عادوا إلى القارة السمراء. وفي فبراير (شباط) الماضي، أعلن مركز الدراسات الألماني (فيريل) أن عدد المقاتلين الذين يحملون جنسيات أوروبية وأميركية في التنظيم بلغ 21500، وأن عدد (العائدين) إلى دولهم بلغ 8500 شخص». وبث «داعش» أخيراً شريط فيديو وزعته «مؤسسة الفرقان» ظهر فيه زعيمه أبو بكر البغدادي بعد 5 سنوات من الاختفاء، وتوعد بالثأر لقتلى التنظيم، مؤكداً أن «الاعتداءات الأخيرة التي استهدفت سريلانكا في (عيد الفصح) جاءت (ثأراً) للباغوز السورية».
وقال خالد الزعفراني، الخبير في شؤون الحركات الأصولية: «لا شك أن (العائدين) ليسوا مُجرد عناصر مهزومة فقط؛ فمنهم من أصيب بخيبة أمل بعدما تبين لهم وهم (الخلافة) وانهزام تنظيمهم؛ لكنهم لن يتخلوا عن (التكفير والتفجير) وأفكار التنظيم».


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».