عندما كان المدير الفني الإسباني جوسيب غوارديولا يستعد لدخول عالم التدريب بعد اعتزاله كرة القدم، قرر أن يقابل عددا من أفضل المديرين الفنيين في العالم في الجوانب الخططية والتكتيكية، وكان من بينهم بالطبع المدير الفني الأرجنتيني المخضرم مارسيلو بيلسا، الذي كان قد استقال لتوه من تدريب منتخب الأرجنتين. ودعا بيلسا غوارديولا إلى منزله في مدينة روساريو الأرجنتينية، وجلسا يتحدثان سويا عن كرة القدم لمدة 11 ساعة كاملة.
صحيح أنه لا توجد نسخة مكتوبة لما تطرق إليه بيلسا وغوارديولا في هذا اللقاء، لكن من المؤكد أنهما تحدثا عن كافة الأمور الخططية والفنية المتعلقة بكرة القدم. وقال بيلسا ذات مرة: «هناك 36 شكلا من أشكال التواصل عبر تمرير الكرة»، وهو الأمر الذي يعكس هوس المدير الفني الأرجنتيني بالخطط الفنية والتكتيكية، للدرجة التي جعلته ذات مرة يرسم الخطوط العريضة لخطته على الحذاء الذي يرتديه، وظل يرتدي نفس الحذاء لمدة ثلاثة أسابيع تالية من دون أن يبالي بشكله أو بما هو مكتوب عليه!.
ويجب الإشارة إلى أن حياة بيلسا مليئة بمثل هذه اللحظات للدرجة التي تجعل الأمر يبدو كوميديا في بعض الأحيان. وخلال الأسبوع الماضي، لعب ليدز يونايتد وديربي كاونتي أفضل مباراة في الموسم على المستوى المحلي، وهي المباراة التي أقيمت في إطار الملحق المؤهل للدوري الإنجليزي الممتاز وكانت رائعة للدرجة التي تجعل المرء يرغب في مشاهدتها ثلاث مرات على الأقل. وقدم بيلسا أفضل ما لديه، رغم مرارة الهزيمة في هذه المباراة.
لكن هذه هي الرياضة، بل والحياة بشكل عام، فدائما ما يكون هناك فائز ومهزوم، وقد رأينا خلال العشرة أيام الأخيرة من الموسم كيف كانت تشعر بعض الفرق بالسعادة الغامرة بعدما نجحت في تحويل تأخرها إلى فوز وكيف كانت أندية أخرى تتجرع مرارة الهزيمة والانكسار في اللحظات الأخيرة بعدما كانت على وشك الفوز.
صحيح أن بيلسا قد فشل في قيادة ليدز يونايتد للصعود للدوري الإنجليزي الممتاز، لكنه قدم كل ما لديه وتعامل مع خصومه بمنتهى الجدية وأثرى هذه التجربة بشكل كبير. وعلى ملعب «آيلاند رود»، الذي يحتضن مباريات ليدز يونايتد، انتهى موسم الفريق بشكل مخيب للآمال، وبشكل يعكس الطريقة التي يعتمد عليها بيلسا في اللعب. وقبل كل شيء، يجب الاعتراف بأن هذه المباراة كانت رائعة للغاية وقوية جدا من الناحية البدنية وبذل فيها كل لاعب من لاعبي الفريقين أقصى مجهود ممكن.
وفي الحقيقة، كان هناك «قدر من الجمال» في الطريقة التي خسر بها ليدز يونايتد أمام فريق سبق وأن فاز عليه ثلاث مرات هذا الموسم، وكان متقدما عليه بفارق تسع نقاط كاملة في جدول ترتيب دوري الدرجة الأولى هذا الموسم قبل خوض مباريات ملحق الصعود للدوري الإنجليزي الممتاز. وعندما كانت الساعة تشير إلى الدقيقة 85 من عمر اللقاء، كانت النتيجة هي التعادل وكان ليدز يونايتد يلعب بعشرة لاعبين، وتقدم الظهير الأيمن لليدز يونايتد لوك أيلينغ للأمام، كما كان يفعل طوال اللقاء، لكن الكرة قطعت منه وشن لاعبو ديربي كاونتي هجمة مرتدة سريعة لاستغلال المساحة الموجودة خلف أيلينغ، ووصلت الكرة إلى جاك ماريوت الذي وضع الكرة في الشباك وقتل المباراة تماما.
وفي الأيام التي تلت ذلك، انتقدت وسائل الإعلام الإنجليزية السذاجة الدفاعية لليدز يونايتد، كما لو كان اللعب بهذا الشكل الهجومي في نهاية المباراة يعد نقطة ضعف وفشل في قراءة المباراة من جانب بيلسا. لكن العكس هو الصحيح تماما في حقيقة الأمر، نظرا لأن ليدز يونايتد كان يلعب بنفس الطريقة حتى الثانية الأخيرة من الموسم، حيث كان يعتمد على الركض المتواصل والضغط على حامل الكرة والتمرير السريع.
ومن هذه الزاوية، يمكن القول إن ليدز يونايتد يعتمد على نفس طريقة اللعب التي يطبقها مانشستر سيتي بقيادة غوارديولا، لكن الفارق الوحيد بين الفريقين يتمثل في أن مانشستر سيتي يضم كوكبة من ألمع وأمهر النجوم في عالم كرة القدم، ويمكن لأي لاعب من لاعبي الفريق أن يفك طلاسم المباريات ويحسم الأمور تماما في الأوقات الصعبة، على عكس الوضع في ليدز يونايتد.
لقد كان ليدز يونايتد هو الأكثر تسديدا على المرمى والأكثر استحواذا على الكرة والأكثر قطعا للكرات. وعلاوة على ذلك، فقد منح بيلسا عشرة لاعبين تقل أعمارهم عن 21 عاما فرصة المشاركة مع الفريق الأول. صحيح أن ليدز يونايتد قد فشل في الصعود للدوري الإنجليزي الممتاز، لكنه قدم على مدار الموسم سلسلة من اللحظات المثيرة والرائعة وقدم أداء ممتعا، بعيدا عن حسابات النقاط والمراكز في جدول الترتيب.
لكن فشل بيلسا قد جعل المدير الفني لديربي كاونتي، فرنك لامبارد، يشعر بأجمل إحساس في مسيرته التدريبية حتى الآن. في الحقيقة، يشعر المرء بالسعادة وهو يرى لامبارد يقف بجوار خط التماس بحضوره الطاغي. وحتى لو كان البعض يرى أن لامبارد عُين مديرا فنيا لديربي كاونتي بسبب شهرته الكبيرة كلاعب وليس بسبب قدراته التدريبية، فإن الشيء المؤكد هو أن لامبارد يتمتع بذكاء كبير، والدليل على ذلك أنه في مباراته أمام ليدز يونايتد غير شكل المباراة من خلال التغيير الخططي الذي قام به قبل نهاية الشوط الأول مباشرة، وهو التغيير الذي سمح للاعبي فريقه بالتقدم للأمام واستغلال المساحات التي يتركها لاعبو ليدز يونايتد خلفهم عندما يتقدمون للأمام.
هناك مقولة صينية مفادها أنه يجب الاحتفال بالهزيمة لأنها تجعل خصمك هو من يقوم بتعليمك. وبالتالي، يمكن القول إن لامبارد قد تعلم من بيلسا. ويبدو أن هزيمة لامبارد أمام بيلسا ثلاث مرات هذا الموسم قد جعلته يجلس ويفكر في كيفية مواجهته في هذه المباراة الحاسمة، وقد نجح في تحقيق هدفه في نهاية المطاف.
قد ينتهي الأمر برحيل بيلسا عن ليدز يونايتد الآن. ولو حدث ذلك فسيكون ذلك خسارة كبيرة لكرة القدم الإنجليزية، التي تحولت إلى مكان معاد للفكر ولعب كرة القدم من أجل كرة القدم بعيدا عن حسابات النقاط والمراكز.
وقد لمح إلى أنه لا يضمن مستقبله بعد هذه النهاية المؤلمة، واعترف بمسؤوليته عن فشل فريقه في التأهل إلى نهائي ملحق الترقي للدوري الإنجليزي الممتاز. وقال بيلسا، الذي ينتهي عقده الحالي بنهاية موسم 2019 - 2020: «كانت هناك أخطاء وهذا يثير الشكوك في المدرب. ليس من المناسب الحديث عن هذا الأمر الآن، تدركون هذه العملية. لو منح لي النادي فرصة الاستمرار في منصبي سأعاود العمل بكل قوة واستمتاع».
ويرجع آخر ظهور لليدز في الدوري الممتاز إلى عام 2004 لكنه كان قريبا من العودة لدوري الأضواء مباشرة هذا الموسم قبل تراجعه في الشهور الأخيرة.
وتصدر فريق المدرب بيلسا ترتيب دوري الدرجة الأولى في فبراير (شباط) الماضي لكنه خسر ست من آخر 13 مباراة وأنهى المسابقة في المركز الثالث خلف نوريتش سيتي وشيفيلد يونايتد ما دفع الفريق لخوض ملحق الترقي للمنافسة على آخر المقاعد المؤهلة للدوري الممتاز.
لكن في كل الحالات، يبقى بيلسا مديرا فنيا رائعا ويجسد مفهوما من أكثر المفاهيم غرابة في عالم كرة القدم وهو مفهوم «الفشل الجميل»، إن جاز التعبير.
معاناة بيلسا مع ليدز يونايتد درس في «الفشل الجميل»
خسارة الفريق أمام ديربي في ملحق الصعود للدوري الممتاز لا يقلل من دور المدرب الأرجنتيني
معاناة بيلسا مع ليدز يونايتد درس في «الفشل الجميل»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة