برامج «البث المباشر»... أكسجين محطات التلفزة

محترفوها يعتبرون أن متعتها تكمن في صعوبتها

أنطوان كسابيان مدرّب مذيعي التلفزيونات في لبنان
أنطوان كسابيان مدرّب مذيعي التلفزيونات في لبنان
TT

برامج «البث المباشر»... أكسجين محطات التلفزة

أنطوان كسابيان مدرّب مذيعي التلفزيونات في لبنان
أنطوان كسابيان مدرّب مذيعي التلفزيونات في لبنان

كم من مرة يشدّنا مشهد تلفزيوني ساخن في برنامج حواري ترفيهي أو سياسي تطالعنا به إحدى حلقات البث المباشر المعروفة في لغة الاعلام بـ«اللايف»؟ يكفي أن تظهر كلمة «مباشر» أو «Live» ( بالإنجليزية) في أعلى الشاشة حتى تستوقفنا كمشاهدين.
هي بمعنى آخر تمدنا بخبر صادق أو موقف حقيقي يُصنع مباشرة أمام أعيننا. وتنحصر برامج البث المباشر التي تروج حالياً على الشاشات اللبنانية في تلك المخصصة لفترات الصباح، فيما لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، في برامج أخرى تحتفظ بنكهتها الإعلامية الخاصة. ويصف البعض البرامج التلفزيونية المباشرة على هواء المحطات، بالضرورية، كونها من العناصر الرئيسية التي تشد عصب نسب المشاهدة ضمن شبكة برامج كاملة. وعلى الرغم من أنها تكشف أحياناً كثيرة عن أخطاء لغوية وأخرى تقنية وثالثة تتمثل بمواقف محرجة وحامية تجري بين ضيوف الحلقة الواحدة، فإن غالبية المقدمين التلفزيونيين الذين يحترفونها يعتبرونها بمثابة «نعمة»؛ يستمتعون بعروضها كونها تتحدّى حرفيتهم وتحفّزهم لتقديم الأفضل.
ومن البرامج المباشرة على الشاشات الصغيرة المحلية في لبنان «منّا وجرّ» للمذيع التلفزيوني بيار ربّاط على قناة «إم تي في» اللبنانية، وقد شهد أخيراً موقفاً محرجاً حصل بين أحد ضيوفه الرئيسيين (الفنان علي الديك) وسلام الراسي من الضيوف الدائمين في البرنامج، فشكّل هذا الموضوع حديث الناس ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لأيام متتالية. «الإيجابيات التي تحملها برامج الـ(لايف) التلفزيونية أكثر من السلبيات التي يمكن أن تحدثها للمتلقي». يقول ربّاط في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، ويتابع: «التجربة هنا تكون حيوية تشهد تفاعلاً مباشراً من قبل مشاهدها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وأحياناً عبر اتصال هاتفي مع شخصية عامة تشاركنا فيه، فسابقاً قدّمت البرنامج نفسه مسجّلاً وجاهدت كثيراً كي أحوله إلى (المباشر)، فحقق بعد ذلك قفزة بنسبة مشاهديه تجاوزت النقطتين. فالمشاهد يحب البرامج المباشرة، لأنه يهوى العفوية. وفيها تبقى عبارة (ممنوع الغلط) الشغل الشاغل لدى مقدمها، مما يوجب عليه أن يكون متمرساً بعالمها، وإلا أخفق».
ولكن ما هي برأيك الشروط الأساسية لنجاح مقدم في برنامج مباشر؟ يوضح: «الشرط الرئيسي لنجاح مقدم برنامج يُعرض مباشرة على الهواء هو أن يتسلم عملية إنتاجه شخصياً، وهو الأمر الذي أطبِّقه في برنامجي (منا وجر)، فأكون بذلك المسؤول المباشر عن حبكته وضيوفه وإيقاعه، بحيث لا يتدخل أحد بقرار قد أتخذه مباشرة في سياق الحلقة، إذا ما شعرت بضرورة لذلك. فيكون القرار الأول والأخير لي، خصوصاً أنني أحياناً أُضطر لإلغاء فقرة أو تحديث فقرة أخرى في اللحظة نفسها وحسب ما يتطلّبه الوقت أو طبيعة الحلقة؛ فأنا من اشترى حقوق هذا البرنامج الفرنسي الأصل لأحوله إلى نسخته العربية، كما أنني وضعت خطوطه وعناوينه العريضة ووضعت لي قناة (إم تي في)، وهي مشكورة، على ذلك، ميزانية مالية معينة لتنفيذه.
وهذا الأمر يُطبّق في مختلف برامج (التوك شو) في الغرب، إذ يشترط مقدموها على المحطة التلفزيونية التي يتعاونون معها أن يكونوا منتجي البرنامج». ويختم بيار رباط حديثه: «الأهم هو أن يتمتع مقدم البرامج المباشرة على الهواء بالثقافة والمسؤولية، لأن المشاهد باستطاعته أن يكشف أي خطأ قد يرتكبه المقدم».
وعن كيفية هروبه من موقف ساخن على الهواء كالذي شهدته إحدى حلقاته الأخيرة مع ضيفه الفنان السوري علي الديك، يردُّ: «أنا بطبيعتي لا أحب الهروب من موقف يحصل معي على الهواء، تقنياً كان أو حوارياً، فالمشاهد في هذه الحالة يشكل واحداً من ضيوفي في الاستوديو، ولو بشكل افتراضي، فلماذا أحاول إخراجه من صالوني الإعلامي بينما هو من اختارني ليشاركني هذه التجربة من أولها إلى آخرها؟ وفي بعض الحالات أركن إلى سرعة البديهة عندي من خلال سؤال أوجهه إلى ضيفي يرطب الأجواء ويكسر مشكلة حامية قد تتطور.
وهو ما فعلته في حلقتي مع الفنان علي الديك إذ لم يكن من الضروري أن أستعين بوقفة (البريك) لأنقذ الموقف، لا سيما أن الحلقة كانت تشرف على نهايتها».
وتندرج نشرات الأخبار والملاحق التي ترافقها مباشرة على الهواء تحت حدث معين يجري على أرض الواقع، ضمن مساحات البث المباشر الأشهر على شاشات التلفزة، فهي تحظى بنسب مشاهدة عالية، كما أنها أحياناً تتحول إلى «سبق» إعلامي يشغل الرأي العام.
وفي سياق حديثنا مع يزبك وهبي مقدم نشرات الأخبار على شاشة «إل بي سي آي» يؤكّد لنا أن فترات النقل المباشر هي من أصعب مراحل المباشر على شاشات التلفزة.
ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «على المذيع فيها أن يتمتع بلغة سليمة، فيتحدّث العربية الفصحى بجدارة.
كما يجب أن تكون لديه خلفية ثقافية رفيعة المستوى تخوّله سرد المعلومات للمشاهد بثقة؛ فالمحيط الذي يطل من خلاله يعمّه الضجيج والصراخ، خصوصاً إذا ما كان ينقل أحداث انفجارات وحرائق واغتيالات ووقائع انتخابات نيابية وغيرها، فيجب ألا يترك أثره عليه ويفقد التركيز على المعلومة. كل ذلك إضافة إلى الاختصار الذي عليه أن يتبعه في حديثه، وحسن إطلالته، هي عناصر أساسية على المقدم التلفزيوني أن يتحلّى بها».
ويشدد وهبي على اللغة العربية السليمة التي على الإعلامي إتقانها ويقول: «من النادر اليوم أن نصادف إعلامياً يقوم بنقل مباشر على الشاشة الصغيرة من دون اقترافه أخطاء بالعربية الفصحى، مع أنها ركيزة أساسية في هذا النوع من البث المباشر».
«تجربتي مع (المباشر) قديمة وتعود إلى عام 1998 عندما كنتُ أشارك في تقديم برنامج صباحي على شاشة تلفزيون لبنان»، يقول الإعلامي جورج صليبي الذي يطل حالياً في نشرات الأخبار والبرنامج الحواري السياسي «وهلّق شو» على قناة «الجديد» اللبنانية.
ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «مما لا شك فيه أن هذا النوع من البرامج أجمل وأكثر راحة من تلك المسجَّلة؛ فعنصر المفاجأة والإثارة يكتنفها بشكل عام وفي وقت محدد. بينما الأخرى المسجلة يمكن أن تستغرق ساعات طويلة، كون الضيف قد يطيل في حديثه الذي يصبح رتيباً. ولعل الصعوبة التي ترافقها تدفعني للاستمتاع بمهنتي بشكل أكبر.
فالمباشر بالنسبة لي يعني العفوية والصراحة والمسؤولية الكبيرة مجتمعة. وحتى لو تلونت مرات بمواقف ساخنة تتحوّل إلى معارك كلامية بين ضيوف الحلقة الواحدة، فإن الأمر يُعتبر جزءاً لا يتجزأ من العمل الإعلامي والسياسي والشأن العام؛ فلماذا علينا أن نخفيها بينما هي تمثل واقعاً وحقيقة؟».
ولكن كيف تتخلص عادة من موقف محرج على الهواء؟ يرد: «أترك الأمور تجري على طبيعتها إلى حين شعوري بأنها ستتفاقم وستتجاوز حدودها. عندها أقول (بريك ومنرجع)، فجمالية البرامج المباشرة تكمن في عنصر المفاجأة الذي تتضمنه كما أن عملية ضبط الحوار وإيقاع الحلقة والهواء مجتمعة فنّ بحد ذاته يتطلب الجهد والمسؤولية والحرفية من قبل المقدم التلفزيوني».
ومن الملحوظ في لبنان غياب العنصر النسائي بشكل عام عن برامج البث المباشر، بعد أن انحصرت إطلالات مذيعات كثيرات بالبرامج الصباحية ونشرات الطقس.
وفي المقابل يلفتنا وجود العنصر الذكوري في غالبيتها كطوني خليفة وزافين قيومجيان ومارسيل غانم وجو معلوف وبيار رباط. «في الماضي كانت بعض المذيعات أمثال ماغي فرح وهيلدا خليفة يلونّ الشاشة بإطلالتهن ضمن برامج مباشرة حوارية سياسية أو ترفيهية فنية»، يوضح أنطوان كسابيان أحد المدربين المعروفين في لبنان لمذيعين ومذيعات ومعدين تلفزيونيين.
ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هذا الموضوع يلزمه كثير من التمرين إضافة إلى تمتع صاحبه بسرعة البديهة وإلا فشل. تدرّب على يدي غالبية مذيعي التلفزيون المعروفين اليوم على الشاشة الصغيرة.
وكنت أضعهم في مواقف حرجة مصطنعة كي يتلقوا دروساً حقيقية، كأن يتحدث معهم المخرج أثناء تلقيهم اتصالاً هاتفياً ضمن حلقة يستقبلون فيها أكثر من ضيف.
وهذه الأمور التي ذكرتها تشكل طبيعة أجواء البرامج المباشرة، وعلى الإعلامي أن يتلقفها بهدوء وهو يبتسم دون أن يظهر أي علامات من القلق والعصبية».
وعن أهمية البرامج المباشرة على محطات التلفزة يقول في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «إنها بمثابة الأكسجين الذي تتنفس منه هذه المحطات بعيداً عن البرامج المسجّلة، التي نسميها في عالمنا بـ(المعلّبة)، فناهيك بالوقت الطويل الذي تستغرقه لتنفيذها فهي تفتقد عنصر التشويق والمفاجأة. فحصول أمر غير متوقع من قبل المشاهد أثناء متابعته برنامجاً مباشراً يحيي لديه الشعور بالفضول لمتابعة الحلقة بكاملها، وهو الهدف الرئيسي الذي تعمل له المحطة التلفزيونية والمقدم معاً».


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية وعدد من المقابر تعود للعصر البطلمي، مزينة بنقوش وكتابات ملونة، بداخلها مجموعة من المومياوات والهياكل العظمية والتوابيت، وغيرها من اللقى الأثرية.

وتوصلت البعثة المشتركة بين مصر وإسبانيا من خلال جامعة برشلونة ومعهد الشرق الأدنى القديم، إلى هذا الكشف الأثري أثناء عمليات التنقيب بمنطقة البهنسا في محافظة المنيا (251 كيلومتراً جنوب القاهرة).

وأكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بمصر الدكتور محمد إسماعيل خالد، أهمية هذا الكشف، واعتبره سابقة في الاكتشافات الأثرية، قائلاً: «للمرة الأولى يتم العثور بمنطقة البهنسا الأثرية على بقايا آدمية بداخلها 13 لساناً وأظافر آدمية ذهبية لمومياوات من العصر البطلمي، بالإضافة إلى عدد من النصوص والمناظر ذات الطابع المصري القديم، والتي يظهر بعضها لأول مرة في منطقة البهنسا؛ مما يُمثل إضافة كبيرة لتاريخ المنطقة، ويسلط الضوء على الممارسات الدينية السائدة في العصر البطلمي»، وفق بيان لوزارة السياحة والآثار.

لوحات ومناظر تظهر لأول مرة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وأوضح أستاذ الآثار بجامعة القاهرة ومدير حفائر البعثة المشتركة الدكتور حسان إبراهيم عامر، أنه تم العثور على جعران القلب موجود في مكانه داخل المومياء، في إحدى المقابر المكتشفة، بالإضافة إلى العثور على 29 تميمة لـ«عمود جد»، وجعارين وتمائم لمعبودات مثل «حورس» و«جحوتي» و«إيزيس». في حين ذكر رئيس البعثة من الجانب الإسباني الدكتور أستر بونس ميلادو، أنه خلال أعمال الحفائر عثرت البعثة على بئر للدفن من الحجر المستطيل، تؤدي إلى مقبرة من العصر البطلمي تحتوي على صالة رئيسة تؤدي إلى ثلاث حجرات بداخلها عشرات المومياوات متراصّة جنباً إلى جنب؛ مما يشير إلى أن هذه الحجرات كانت قد استُخدمت كمقبرة جماعية.

وأضاف رئيس البعثة أنه «إلى جانب هذه البئر تم العثور على بئر أخرى للدفن تؤدي إلى ثلاث حجرات، ووجدوا جدران إحدى هذه الحجرات مزينة برسوم وكتابات ملونة، تمثل صاحب المقبرة الذي يُدعى (ون نفر) وأفراد أسرته أمام المعبودات (أنوبيس) و(أوزوريس) و(آتوم) و(حورس) و(جحوتي)».

إلى جانب ذلك، تم تزيين السقف برسم للمعبودة «نوت» (ربة السماء)، باللون الأبيض على خلفية زرقاء تحيط بها النجوم والمراكب المقدسة التي تحمل بعض المعبودات مثل «خبري» و«رع» و«آتوم»، حسب البيان.

مناظر عن العالم الآخر في مقابر البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وكان اللافت للانتباه، وفق ما ذكرته البعثة، هو «وجود طبقة رقيقة من الذهب شديدة اللمعان على وجه المومياء التي يقوم بتحنيطها (أنوبيس)، وكذلك على وجه (أوزوريس) و(إيزيس) و(نفتيس) أمام وخلف المتوفى». وأوضحت أن «هذه المناظر والنصوص تمثل صاحب المقبرة وأفراد أسرته في حضرة معبودات مختلفة، وهي تظهر لأول مرة في منطقة البهنسا».

وقال الخبير الأثري المصري الدكتور خالد سعد إن «محتويات المقبرة توضح مدى أهمية الشخص ومستواه الوظيفي أو المادي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر وجدت الكثير من الدفنات المماثلة من العصرين اليوناني والروماني، وكانت الدفنة سليمة؛ لم يتم نبشها أو العبث بها».

ويوضح الخبير الأثري أن «الفكر الديني في ذلك الوقت كان يقول بوضع ألسنة ذهبية في فم المومياوات حتى يستطيع المتوفى أن يتكلم كلاماً صادقاً أمام مجمع الآلهة».

ألسنة ذهبية تم اكتشافها في المنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أما بالنسبة لتلابيس الأصابع (الأظافر الذهبية)، فهذا تقليد كان ينتهجه معظم ملوك الدولة الحديثة، وتم اكتشافها من قبل في مقبرة «توت عنخ آمون»، وكانت مومياؤه بها تلابيس في أصابع اليد والقدم، وفي البهنسا تدل التلابيس والألسنة الذهبية على ثراء المتوفى.

وتعدّ قرية البهنسا (شمال المنيا) من المناطق الأثرية الثرية التي تضم آثاراً تعود للعصور المختلفة من المصري القديم إلى اليوناني والروماني والقبطي والإسلامي، وقد عثرت فيها البعثة نفسها في يناير (كانون الثاني) الماضي على عدد كبير من القطع الأثرية والمومياوات، من بينها 23 مومياء محنطة خارج التوابيت، و4 توابيت ذات شكل آدمي.

مناظر طقوسية في مقابر منطقة البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وفسّر الخبير الأثري العثور على مجموعة من الأواني الكانوبية في المقابر بأنها «تحفظ أحشاء المتوفى، وهي أربعة أوانٍ تمثل أربعة من أولاد (حورس) يرفعون أطراف الكون الأربعة، وفقاً لعقيدة الأشمونيين، ويتمثلون في ابن آوى والقرد والإنسان والصقر، ويوضع في هذه الأواني المعدة والأمعاء والقلب والكبد، وكانت على درجة عالية من الحفظ، نظراً للخبرة التي اكتسبها المحنّطون في السنوات السابقة».

وأشار إلى أن «اللقى الأثرية الأخرى الموجودة بالكشف الأثري مثل الأواني الفخارية والمناظر من الجداريات... تشير إلى أركان طقوسية مرتبطة بالعالم الآخر عند المصري القديم مثل الحساب ووزن القلب أمام ريشة (ماعت)؛ مما يشير إلى استمرارية الديانة المصرية بكافة أركانها خلال العصر اليوناني والروماني، بما يؤكد أن الحضارة المصرية استطاعت تمصير العصر اليوناني والروماني».

بدورها، أشارت عميدة كلية الآثار بجامعة أسوان سابقاً الدكتورة أماني كرورة، إلى أهمية منطقة البهنسا، واعتبرت أن الكشف الجديد يرسخ لأهمية هذه المنطقة التي كانت مكاناً لعبادة «الإله ست» في العصور المصرية القديمة، وفق قولها، وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المنطقة كانت تضم العديد من المعابد والمنشآت العامة، فهناك برديات تشير إلى وجود عمال مكلفين بحراسة المنشآت العامة بها؛ مما يشير إلى أهميتها».