هل تخطت برامج الواقع حدود المهنية؟

وقف برنامج بريطاني بعد انتحار مشارك فيه

برنامج جيريمي كايل الذي ألغي بعد انتحار ضيف انطلق في عام 2005 وأحرز مشاهدات عالية في المملكة المتحدة (آي تي في)
برنامج جيريمي كايل الذي ألغي بعد انتحار ضيف انطلق في عام 2005 وأحرز مشاهدات عالية في المملكة المتحدة (آي تي في)
TT

هل تخطت برامج الواقع حدود المهنية؟

برنامج جيريمي كايل الذي ألغي بعد انتحار ضيف انطلق في عام 2005 وأحرز مشاهدات عالية في المملكة المتحدة (آي تي في)
برنامج جيريمي كايل الذي ألغي بعد انتحار ضيف انطلق في عام 2005 وأحرز مشاهدات عالية في المملكة المتحدة (آي تي في)

ما هي حدود المسؤولية لوسائل الإعلام والمذيعين في سعيهم إلى تحقيق معدلات مشاهدة أعلى؟ وكيف يمكن رعاية مصالح الأشخاص العاديين، سواء من المشاركين في البرامج أو غيرهم، من انتهاك وسائل الإعلام لخصوصياتهم وتعريضهم للخطر الذي يصل أحياناً إلى حد الانتحار؟
هذه الأسئلة وغيرها ظهرت على السطح مؤخراً بعدما قررت إدارة محطة تلفزيونية بريطانية اسمها «إي تي في» إلغاء برنامج المذيع جيريمي كايل بالمرة بعد انتحار أحد المشاركين فيه، الأمر الذي اعتبرته أوساط الإعلام البريطانية أكبر فضيحة إعلامية في السنوات الأخيرة.
وبلغ من خطورة الأمر أن لجنة برلمانية تحقق الآن في القضية وفي مسألة حدود برامج الواقع بوجه عام، والمسؤولية تجاه المشاركين طوعاً في هذه البرامج. وترى شركات الإنتاج التلفزيوني أن عليها من الآن مراعاة الخط الرفيع بين الدراما المطلوبة من المشاهدين من ناحية، والحفاظ على كرامة وخصوصية، وأحياناً حياة المشاركين في هذه البرامج.
وكان برنامج جيريمي كايل من نوع برامج الواقع الذي يستقبل ضيوفاً لديهم بالفعل مشاكل نفسية وعاطفية وأحياناً عقلية ويواجههم بمشاكلهم. ويتم تقديم البرنامج في جو مشحون بالمشاعر الجياشة التي تصل إلى حد العنف أحياناً بين المشاركين. ويستعين المذيع ببعض أفراد الحراسة من ضخام الأجسام من أجل الحفاظ على النظام أثناء عرض البرنامج.
بدأ تسلسل الأحداث في قضية وقف برنامج كايل، الذي توقف عن البث الآن، عندما تقدم ستيف دايموند للمشاركة في حلقة لإثبات أنه لم يخن خطيبته كما تدعي. وأورد دايموند العديد من الشواهد التي تثبت إخلاصه كما توسل إلى خطيبته أن تصدق إخلاصه لها. وهنا تدخل المذيع كايل واقترح على دايموند أن يخضع لجهاز الكشف عن الكذب على الهواء.
ووافق دايموند وخضع لأسئلة الجهاز وانتظر الجمهور على شغف نتيجة الاختبار الذي أعلنه كايل بكل ثقة أن المشارك في البرنامج يكذب! وهنا انهار دايموند وبعد محاولات لتهدئته غادر الاستوديو مع خطيبته في سيارة خاصة. وظهرت بعد أيام أخبار بانفصالهما ثم إقدام دايموند على الانتحار.
وقررت إدارة «إي تي في» على الفور وقف بث الحلقة. ولكن وسائل الإعلام الأخرى تناولت القضية على أنها فضيحة وطالبت بوقف بث البرنامج بالمرة. وتدخل مكتب رئيسة الوزراء بالضغط على إدارة المحطة لإلغاء البرنامج. وفي النهاية رأت إدارة المحطة التلفزيونية أن السبيل الوحيد للحفاظ على سمعتها هو إلغاء البرنامج.
ونشر المذيع كايل بعدها اعتذاراً قال فيه إن أخبار انتحار دايموند كانت صادمة له ولفريق العمل في البرنامج. ولكن أحد العاملين السابقين في البرنامج أكد أنه غادر وظيفته بسبب معاملة الضيوف المشاركين فيه. فهم من أصحاب المشاكل العاطفية ويمرون بأزمات في علاقاتهم بآخرين، أحياناً من أفراد أسرهم، ويشاركون في البرنامج بعد وعود بالمساعدة المالية وقضاء ليلة في فندق فاخر مع توفر الطعام وأحياناً السجائر لهم.
دايموند ليس الضحية الوحيدة لبرامج الواقع، فهناك على الأقل ضحيتان أخريان في برنامج آخر للشباب اسمه «جزيرة الحب» لا تزيد أعمارهما عن 26 و32 سنة. ولكن انتحارهما جاء بعد فترة من المشاركة في البرنامج ولذلك لم يتم الربط السريع بين ما حدث لهما وبين المشاركة. الفارق أن الضغوط تأتي على المشاركين في برنامج «جزيرة الحب» من وسائل الإعلام الأخرى بعد المشاركة، أما في برنامج كايل فإن الضغوط تكون على الهواء مباشرة.
ويبدو الشعور العام في محطة «إي تي في» أن مثل هذه البرامج التي تعرض حياة المشاركين فيها للخطر هي من مخلفات التسعينات وحان الوقت للتخلص منها. وتم تقدير خسائر المحطة من إلغاء البرنامج بنحو 10 ملايين إسترليني (13 مليون دولار) مع فقدان 60 فنياً لوظائفهم. وكان بعض هؤلاء يبكي عند تأكيد خبر إلغاء البرنامج كما تم سحب عشرة آلاف لقطة مصورة من سلسلة البرنامج من على «يوتيوب»، واختفت صفحة البرنامج التي يتبعها 1.3 مليون مشاهد على «فيسبوك». واختفى كذلك حساب البرنامج على «تويتر».
ولا بد من الاعتراف بأن تاريخ برامج الواقع مرصع بالانتهاكات والضحايا والاحتيال من كل نوع. وهناك العديد من النماذج الموثقة منها محتال بريطاني اسمه نيكولاس راشيان نشر في عام 2002 إعلانات للبحث عن مشاركين في برنامج تلفزيوني جديد يوفر جوائز قدرها مائة ألف إسترليني (130 ألف دولار) للفائزين. وبعد تلقيه مئات الرسائل اختار منها 30 اسماً وطلب منهم الاستعداد للبرنامج الذي سوف يستمر لمدة عام. وكان أحد شروطه هو الاستقالة من الوظائف ومغادرة السكن والحضور إلى الاستوديو (شقة المصور). وفي يوم بداية التصوير اختفى راشيان تماماً. وعند القبض عليه في ضاحية ريتشموند ادعى أنه لم يحصل على أي أموال من المشاركين وتم الإفراج عنه. وكان الدافع هو رغبة راشيان في أن يصبح مخرجاً تلفزيونياً.
في حالة أخرى في أميركا تم القبض على جراح تجميل ومذيعة تلفزيونية واتهامهما بالاغتصاب والانتهاكات لعشرات الضحايا من النساء تحت غطاء المشاركة في برنامج واقع يبث على شاشات التلفزيون. وكشفت التحقيقات بعد ذلك أن الضحايا هم بالآلاف وأن الانتهاكات تم تصويرها بالفيديو بعد تخدير الضحايا.
وتساهم طبيعة برامج الواقع في وقوع المزيد من الضحايا لأنها تعتمد على أشخاص عاديين وليس على ممثلين محترفين. وانتشرت مثل هذه البرامج في عقد التسعينات واشتهر منها برامج مثل «البقاء على قيد الحياة» (Survivor) و«الأخ الأكبر» (Big Brother) التي انتشرت على نطاق عالمي.
وتعتمد هذه البرامج على حوارات سريعة مع المشاركين واعترافات منهم وأحياناً المنافسة بين المشاركين التي يتم بعدها طرد بعضهم من البرامج، إما بطلب من لجنة إشراف على البرنامج أو بطلب المشاهدين.
ومنذ نشأة برامج الواقع وهي تتعرض للانتقاد في العديد من جوانب تقديمها. فهي لا تعرض الواقع حيث تضع المشاركين في مواقف مصطنعة بعد إجراء مونتاج للحلقات وتلقين المشاركين بما يجب أن تكون عليه أدوارهم والانحياز إلى بعض منهم للفوز. كما أن بعض هذه البرامج تتوجه إلى إهانة المشاركين واستغلالهم كما أنها تبتعد عن القيم وتغذي نزعات الجشع المادي لدى المشاركين.
ويعود تاريخ مثل هذه البرامج إلى بدايات البث التلفزيوني نفسه حيث ظهرت في البداية برنامج «الكاميرا الخفية» في أربعينيات القرن الماضي، وكان مستعاراً من برنامج يذاع في الراديو اسمه «الميكروفون الخفي».
- برامج الواقع العربية لها فضائحها أيضاً
> لعل أشهر ضحايا برامج الواقع العربية كانت فتاة المول في مصر التي تحرش بها شاب في مول تجاري تحت بصر كاميرات المراقبة، وانتهى الأمر بالقبض على المتحرش وسجنه لمدة عام. ولكن الأمر لم ينته عند هذا الحد، حيث اعتدى عليها الشاب مرة أخرى بعد خروجه من السجن وأحدث بها إصابة قطعية بالوجه باستخدام سلاح أبيض. وعاد الشاب إلى السجن مرة أخرى.
ولكن ما حدث تلفزيونياً كان تأثيره على الفتاة أكثر فداحة من الناحية النفسية، فقد تم استدعاؤها إلى الاستوديو كضحية يتعاطف معها الجمهور المصري، وخرجت منه في النهاية كفتاة مشكوك في سمعتها بفضل مذيعة أهدرت أصول المهنة من أجل رفع شعبية برنامجها. فقد أباحت لفريق البرنامج تفريغ صور خاصة من هاتف الفتاة، ومن دون استشارتها أو علمها، لكي «تفضح حقيقتها» وتثبت أن هناك علاقة بينها وبين الشاب الذي اعتدى عليها.
وانتهى الأمر بوقف البرنامج والمذيعة. وفي حالة أخرى للمذيعة نفسها تورطت في خطف أطفال ضمن حلقة عن الاتجار في الأطفال، شاركت من خلاله في جريمة دفع مبالغ مالية لمجرمين شاركوا في خطف أطفال من أجل تسجيل الحوار معهم. وانتهى الأمر بالقبض على المذيعة ومعدي البرنامج للتحقيق معهم.
وفي تونس كشف تحقيق عن برامج الواقع في التلفزيون التونسي أنها لا تمت بصلة إلى الواقع ولاحظ التحقيق أن الفئات التي تبدي اعتراضها وسخطها على هذه البرامج هي نفسها الفئات الأكثر إقبالا على مشاهدتها ومناقشتها.
وتتعرض برامج الواقع التونسية إلى حالات إنسانية وإلى العلاقات بين الأفراد تحت أسماء مثل «سرك في بير» و«المسامح كريم». وقال مراقب لبرامج الواقع التونسية إنه يحق لكل من هب ودب أن يتصل بهذه البرامج ليروي حكايات تبث مباشرة، قد تكون من محض مخيلته دون أي تحرٍ أو دقة، الأمر الذي يظهر المجتمع التونسي وكأنه «متفسخ أخلاقياً».
وتعرض عدة برامج واقع تونسية روايات يندى لها الجبين لتكون في اليوم التالي حديث الـ«فيسبوك». وهي برامج تستقطب فئات مهمشة من المجتمع لم تحظَ بمستويات ثقافية أو تعليمية لائقة. ويرى حبيب بن بلقاسم أستاذ الإعلام في جامعة الملك سعود أن المنافسة الشديدة بين وسائل الإعلام أدت إلى السعي وراء الإثارة التي يساء استخدامها. ومع ذلك فإن برامج الواقع العربية في تونس وغيرها ما زالت تلقى نسب مشاهدة عالية ومتزايدة.



موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.