توقيف رئيس الاتحاد العمالي العام بعد تسريب إهانة وجهها للبطريرك صفير

سخط سياسي وشعبي... وبكركي اعتبرت كلامه «جرحاً بليغاً»

TT

توقيف رئيس الاتحاد العمالي العام بعد تسريب إهانة وجهها للبطريرك صفير

أوقفت المباحث الجنائية اللبنانية أمس، رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر، بعد توجيهه إهانات للبطريرك الراحل نصر الله صفير قبيل انعقاد المؤتمر الصحافي الأخير له، وسجلتها كاميرات التلفزة، وهو ما أثار سخط عدد كبير من اللبنانيين الذين طالبوا بمحاكمته وإقالته من موقعه.
وتحركت السلطات اللبنانية على أثر المطالب الشعبية والرسمية لتوقيف الأسمر، فأصدرت المباحث الجنائية مذكرة توقيف وجاهية بحق الأسمر، وتركت 3 أعضاء من «العمالي العام» بسند إقامة، وهي في انتظار وصول عضوين آخرين ممن كانوا مع الأسمر على المنبر للاستماع إلى إفادتيهما.
ومساء أمس صدر عن البطريركية المارونية بيان أعرب فيه البطريرك بشارة الراعي عن أسفه «لما صدر من كلام مهين» بحق البطريرك صفير. وأدان الكلام «الذي تسبب بجرح بليغ في نفوس كل اللبنانيين مقيمين ومنتشرين وسواهم». كما أيد ردات الفعل التي قابلت هذا التصرف اللامسؤول بالبيانات المطالبة باستقالته ومقاضاته. وقالت إن هذا الكلام يُفقد صاحبه الأهلية للاضطلاع بمسؤولية تتعلق بالشأن العام. ويُلزمه بالاعتذار من ومن جميع اللبنانيين الذين أساء إليهم بكلامه. وأضاف البيان أن أبواب بكركي «ستبقى مقفلة أمامه إلى حين تكفيره وتعويضه عن خطيئته بما يحفظ كرامة وفاة البطريرك الكبير واللبنانيين».
وكان وزير العدل ألبير سرحان قال في تغريدة عبر حسابه في «تويتر»: «أتابع منذ الصباح مع النائب العام التمييزي بالإنابة قضية بشارة الأسمر، وأعلمني أنه نتيجة للتحقيق معه تم توقيف الأسمر والتحقيقات مستمرّة مع جميع المعنيين».
كذلك، أعلن وزير العمل كميل أبو سليمان عبر حسابه على «تويتر»: «إننا كوزارة عمل سنتّخذ الإجراءات التي يتيحها القانون في حقه».
وأكد مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبدو أبو كسم أن «الكلام الذي صدر على لسان الأسمر أساء للكنيسة وللبطريرك صفير وللمسيحيين وللعمّال الذين يمثلهم، والقضية هي قضية رأي عام غاضب جداً». واعتبر «أنه عندما يتكلم أحد بهذه الطريقة ويتوجه إلى رجالات كبار أمثال البطريرك الكاردينال نصر الله صفير، فهو لا يستحق البقاء في موقع المسؤولية»، مشيراً إلى «أن الاعتذارات لا تنفع بعد إطلاق الإهانات». وشدد أبو كسم على «أن الاعتذار لا يكفي، بل يجب أن يضع الأسمر نفسه بتصرّف بكركي»، لافتاً إلى «أننا بانتظار ما سيحصل ليُبنى على الشيء مقتضاه».
وكان محامي رئيس الاتحاد العمالي العام قال إن «الأسمر أوضح أنه لم يقصد أي إساءة ونخشى أن يكون توقيفه يحمل عرقلة لهذه الشخصية الرائدة في العمل العمالي ولا تبرير قانونياً واضحاً ومقنعاً لتوقيفه».
وتفاعل كلام الأسمر على الصعيدين السياسي والشعبي، واستدعى استنكاراً لما قيل. وأعلن حزب «القوات اللبنانية» تعليق مشاركة أعضائه في الاتحاد العمالي العام رفضاً للتطاول على البطريرك صفير.
وغرّد عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب بيار بو عاصي عبر حسابه على «تويتر» قائلاً: «لأنه لا حرية دون مسؤولية، ‏ولأن المسؤول مسؤول أمام الذين يمثلهم وأمام الناس، ‏ولأن الرموز تختزن الهوية والمشاعر، ولأن بشارة الأسمر أهان ما يمثله الراحل الكبير غبطة البطريرك صفير في وجدان المسيحيين والشعب اللبناني، ‏فعليه الاعتذار والاستقالة وتحمّل مسؤولية كلامه أمام القضاء».
واعتبر رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن كلام الأسمر «معيباً وغير مسؤول». وأشار إلى أن المجلس يتمنى على النيابة العامة التمييزية «تسريع الإجراءات القانونية، والإيعاز فوراً إلى القوى الأمنية باعتقال المدعو بشارة الأسمر، وزجّه بالسجن ومحاكمته». من جهته، دعا النائب ميشال ضاهر إلى استقالة الأسمر فوراً، معتبراً أن ما قيل «يتنافى تماماً مع أخلاقياتنا الاجتماعية والسياسية، ومع الحد الأدنى من أدبيات الحديث والخطاب تجاه شخصية استثنائية في تاريخ لبنان».
واستنكرت مفوضية العمل في الحزب «التقدمي الاشتراكي» الكلام غير المسؤول الذي صدر عن الأسمر، معتبرة في بيان «أن هذا الكلام المسيء لا يُمحى بالاعتذار فهو أكبر من أن يُطوى بسطرين لا يقللان من فداحة التجريح والاستخفاف والإهانة الموثقة بالصوت والصورة». ودعت المفوضية كل مكونات المجتمع النقابي للوقوف صفاً واحداً رفضاً لهذه الإساءة الخارجة عن الأصول العمالية وأخلاقياتها وأدبياتها.
وذهبت الأمور باتجاه منحى عملي، إذ دعا رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان مارون الخولي كل الاتحادات العمالية المنضوية في الاتحاد العمالي العام إلى الاستنكار العلني والتداعي إلى جلسة طارئة لتحويله إلى لجنة تأديبية لعزله وتقديمه إلى القضاء المختص لمحاكمته.
وبالتزامن، أعلن رئيس التكتل النقابي المستقل جورج العلم تعليق اتحادات عضويتها في الاتحاد العمالي العام، «رفضاً للتطاول على مقام الكاردينال صفير وإلى حين استقالة المفترين وتصحيح الخلل المزمن».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.