قلق على التعايش المتناغم بين الأديان في بوركينا فاسو بسبب المتطرفين

قلق على التعايش المتناغم بين الأديان في بوركينا فاسو بسبب المتطرفين
TT

قلق على التعايش المتناغم بين الأديان في بوركينا فاسو بسبب المتطرفين

قلق على التعايش المتناغم بين الأديان في بوركينا فاسو بسبب المتطرفين

تزعزع الهجمات الأخيرة للمتطرفين على المسيحيين، التعايش المتناغم بين الأديان في هذا البلد الفقير الواقع في منطقة الساحل، حيث بدأت أعمال عنف طائفية تلوح في الأفق. وقال الرئيس روش مارك كريستيان كابوري، إن «بوركينا اشتهرت دائماً بأنها بلد التسامح، ويتعين علينا بذل الجهود للحفاظ على الثروة التي أورثها لنا أجدادنا». وتفيد أرقام تعود إلى 2018 بأن «بلد الرجال الشرفاء» يضم في المائة من المسلمين مقابل 35 في المائة من المسيحيين، وغالباً ما كان يُطرح حتى ذلك الحين مثالاً للتعايش السلمي بين المجموعتين.
ومنذ أربع سنوات، تواجه بوركينا فاسو هجمات متكررة ومؤذية تنسب إلى جماعات جهادية؛ «جماعة أنصار الإسلام»، «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» وتنظيم «داعش في الصحراء الكبرى». وهذه الهجمات التي تركزت أولاً في الشمال، استهدفت لاحقاً العاصمة واغادوغو وغيرها من المناطق، خصوصاً في الشرق، وأسفرت منذ 2015 عن نحو 400 قتيل، كما يفيد إحصاء لوكالة الصحافة الفرنسية.
ومنذ أسبوعين، يتعرض المسيحيون خصوصاً لهجمات. وتثبت الهجمات الثلاثة الأخيرة على ما يبدو أنها استراتيجية جديدة.
وقد قُتل أربعة كاثوليك، الاثنين، في الشمال، خلال تطواف، فيما تعرضت كنيستان؛ بروتستانتية وكاثوليكية، لهجمات في الأيام السابقة (12 قتيلاً). وقال أبو بكر هوغو، من «اتحاد الجمعيات الإسلامية» في بوركينا فاسو، إن «الهجمات تستهدف بشكل متزايد مباني ومسؤولين دينيين، وتستهدف بذلك التصدي لمختلف الأديان».
وتتزايد النداءات إلى الهدوء والاتحاد ضد الإرهاب من جميع الإثنيات والطوائف.
ورد زعيم المعارضة زفيرين ديابري، بالقول إن «التكتيك الجديد لعدونا المشترك يقضي بتقسيمنا، وزرع الشقاق بيننا. يتعين علينا تجنب الوقوع في هذا الفخ، من خلال العمل على تعزيز التسامح الأسطوري الذي ميز العلاقات بين جميع الطوائف الدينية في بلادنا». وقال الأسقف فيليب أويدراوغو، رئيس أساقفة واغادوغو، «يتعين علينا، الطوائف الدينية والشعب بأكمله، أن نقول: لا، لن ننزلق إلى هذا المنحدر، هذه المنزلق العرقي والديني». وأضاف: «نحن شعب، سنبقى شعباً، حبوب سلة واحدة». لكن تصدعات قد ظهرت، وتختلط الفروق الإثنية مع الدين في بعض الأحيان. ويتعرض «الفولاني» (مسلمون) لمزيد من التشهير. وينتمي عدد كبير من «الجهاديين» إلى هذه المجموعة العرقية، ما يؤدي إلى الخلط بين «الفولاني» و«الجهاديين»، وحتى بين المسلمين والمتشددين. والخلافات التاريخية (الرعاة الرحل من «الفولاني» الذين يعبرون حقول السكان المقيمين) يؤيدون هذه الظاهرة. وفي أوائل يناير (كانون الثاني)، قتل 48 شخصاً، كما تقول الحكومة، وأكثر من 200، كما يؤكد المجتمع المدني، خلال عمليات انتقامية من «الفولاني» بعد هجوم على قرية ييرغو (وسط)، نسب إلى «الجهاديين». وفي مطلع أبريل (نيسان)، قتل 62 شخصاً في هجمات «جهادية»، تلتها اشتباكات بين الطوائف في أربيندا (شمال). وقال الشيخ عبد الله وادراوغو، مدرس القرآن في واغادوغو، إن «الخوف يستولي على الجميع بسبب ما يحصل. لا نعرف إلى أين يريد الذين يهاجمون المساجد والكنائس دفع مؤمني هاتين الديانتين، إن لم يكن إلى حملهم على كراهية بعضهم البعض». وأضاف وادراوغو أن «هذا يمكن أن يؤدي إلى صراع بين الأديان، كما هي الحال في البلدان الأخرى».
ويتردد صدى التوتر والارتياب في تفاصيل الحياة اليومية. وقالت أديسا كابوري (27 عاماً)، وهي مسلمة تملك متجراً، «اضطررت إلى الانفصال عن صديقي بعد أربع سنوات، لأنه كان كاثوليكياً».
وأضافت: «عارض والداي زواجنا، فثمة أعداد كثيرة من الأزواج المختلطين، لكن حالات رفض هذا الزواج أكثر. إنه شكل شائع من التعصب. والتعبير عن الاستياء يجب ألا يقتصر على استنكار الاغتيالات أو شن هجومات على الكنائس أو المساجد». ويتذكر إيسوف تيمتوري، البائع المتجول (38 عاماً) والمسلم في واغادوغو، تبادل التهاني خلال الأعياد بين المجموعتين في عادة اختفت. وقال: «منذ وقت طويل في الأعياد المسيحية، كان الجيران المسلمون يذبحون الدجاج. اليوم هذا في طريقه إلى الزوال. أصبح كل فرد منطوياً إلى حد ما على معتقداته، لدرجة أنه في بعض الأحياء المحيطة بواغادوغو هناك مناطق لا يعيش فيها سوى أشخاص من جماعة واحدة. يسمح لهم بذلك، والأمر يبدأ بهذا الشكل، ثم نصبح متطرفين».


مقالات ذات صلة

تركيا مستعدة لدعم السلطة السورية الجديدة... وأولويتها تصفية «الوحدات الكردية»

المشرق العربي جانب من لقاء وزير الدفاع التركي الأحد مع ممثلي وسائل الإعلام (وزارة الدفاع التركية)

تركيا مستعدة لدعم السلطة السورية الجديدة... وأولويتها تصفية «الوحدات الكردية»

أكدت تركيا استعدادها لتقديم الدعم العسكري للإدارة الجديدة في سوريا إذا طلبت ذلك وشددت على أن سحب قواتها من هناك يمكن أن يتم تقييمه على ضوء التطورات الجديدة

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية جانب من الدمار الذي خلفه الهجوم المزدوج في ريحانلي عام 2013 (أرشيفية)

تركيا: القبض على مطلوب متورط في هجوم إرهابي وقع عام 2013

أُلقي القبض على أحد المسؤولين عن التفجير الإرهابي المزدوج، بسيارتين ملغومتين، الذي وقع في بلدة ريحانلي (الريحانية)، التابعة لولاية هطاي جنوب تركيا، عام 2013

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا أسلحة ومعدات كانت بحوزة إرهابيين في بوركينا فاسو (صحافة محلية)

بوركينا فاسو تعلن القضاء على 100 إرهابي وفتح 2500 مدرسة

تصاعدت المواجهات بين جيوش دول الساحل المدعومة من روسيا (مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو)، والجماعات المسلحة الموالية لتنظيمَي «القاعدة» و«داعش».

الشيخ محمد (نواكشوط)
آسيا الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

عزام أحمد (إسلام آباد - كابل)
أوروبا استنفار أمني ألماني في برلين (أرشيفية - متداولة)

ألمانيا: دراسة تكشف استمرار ارتباط كراهية اليهود باليمين المتطرف بشكل وثيق

انتهت نتائج دراسة في ألمانيا إلى أن كراهية اليهود لا تزال مرتبطة بشكل وثيق باليمين المتطرف.

«الشرق الأوسط» (بوتسدام )

بوركينا فاسو تعلن القضاء على 100 إرهابي وفتح 2500 مدرسة

أسلحة ومعدات كانت بحوزة إرهابيين في بوركينا فاسو (صحافة محلية)
أسلحة ومعدات كانت بحوزة إرهابيين في بوركينا فاسو (صحافة محلية)
TT

بوركينا فاسو تعلن القضاء على 100 إرهابي وفتح 2500 مدرسة

أسلحة ومعدات كانت بحوزة إرهابيين في بوركينا فاسو (صحافة محلية)
أسلحة ومعدات كانت بحوزة إرهابيين في بوركينا فاسو (صحافة محلية)

تصاعدت المواجهات بين جيوش دول الساحل المدعومة من روسيا (مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو)، والجماعات المسلحة الموالية لتنظيمَي «القاعدة» و«داعش»؛ خصوصاً في بوركينا فاسو؛ حيث قُتل أكثر من 100 إرهابي، وفي النيجر التي قُتل فيها 39 مدنياً.

وبينما كان جيش بوركينا فاسو يشن عملية عسكرية معقدة شمال غربي البلاد، لمطاردة مقاتلي «القاعدة»، شن مسلحون يعتقد أنهم من تنظيم «داعش» هجوماً دامياً ضد قرى في النيجر، غير بعيد من الحدود مع بوركينا فاسو.

أسلحة ومعدات كانت بحوزة إرهابيين في بوركينا فاسو (صحافة محلية)

بؤرة «داعش»

وقالت وزارة الدفاع في النيجر، السبت، إن الهجوم استمر ليومين، واستهدف عدة قرى في محافظة تيلابيري، الواقعة جنوب غربي البلاد، على الحدود مع بوركينا فاسو، وتوصف منذ عدة سنوات بأنها بؤرة يتمركز فيها تنظيم «الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى» الموالي لتنظيم «داعش».

وأضافت الوزارة أن «مأساتين فظيعتين وقعتا في منطقتي ليبيري وكوكورو»؛ لافتة إلى أن «مجرمين حُوصِروا بسبب العمليات المتواصلة لقوات الدفاع والأمن، هاجموا -بجُبن- مدنيين عُزلًا».

وتحدَّث الجيش عن «حصيلة بشرية مرتفعة»؛ مشيراً إلى «مقتل 39 شخصاً: 18 في كوكورو، و21 في ليبيري»، مبدياً أسفه؛ لأن هناك «الكثير من النساء والأطفال» بين ضحايا «هذه الأعمال الهمجية».

في غضون ذلك، تعهَّد جيش النيجر بتعقب منفِّذي الهجومين، واتخاذ تدابير إضافية لتعزيز الأمن في المنطقة المحاذية لبوركينا فاسو؛ حيث وقعت سلسلة هجمات دامية خلال الأيام الأخيرة، آخرها هجوم استهدف قافلة مدنية في منطقة تيلابيري، قُتل فيه 21 مدنياً الأسبوع الماضي، وبعد ذلك بيومين قُتل 10 جنود في هجوم إرهابي.

أحد القتلى ومعدات كانت بحوزة إرهابيين في بوركينا فاسو (صحافة محلية)

مطاردة الإرهاب

على الجانب الآخر، أعلن جيش بوركينا فاسو أنه نجح الأسبوع الماضي في القضاء على أكثر من 100 إرهابي، خلال عمليات عسكرية متفرقة في مناطق مختلفة من محافظة موهون التي تقع شمال غربي البلاد، غير بعيد من حدود دولة مالي.

وتُعد هذه المحافظة داخل دائرة نفوذ تنظيم «القاعدة»، وخصوصاً «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» التي توسعت فيها خلال السنوات الأخيرة، قادمة من الحدود مع مالي، وتنطلق منها لشن هجمات في عمق بوركينا فاسو.

وقال جيش بوركينا فاسو في بيان صحافي نشرته وكالة الأنباء البوركينية (رسمية)، إن «القوات المسلحة لبوركينا فاسو تمكَّنت من تصفية 102 إرهابي في هذه العمليات التي نُفِّذت على مدار يومي 10 و11 من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي».

وأوضح الجيش أن عملياته العسكرية مستمرة في منطقة بومبوروكوي التابعة لدائرة موهون، بينما كان رئيس المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو الكابتن إبراهيم تراوري، قد وجَّه القوات المسلحة لبلاده باستئناف عمليات مكافحة الإرهاب بطريقة فعَّالة، في كلمة بثها التلفزيون الوطني.

جاء ذلك بعد إقالة الحكومة، وتشكيل حكومة جديدة الأسبوع الماضي، ورفعت هذه الحكومة شعار الحرب على الإرهاب، بينما قال وزير الدفاع الجديد -وهو القائد السابق للجيش- إن الانتصار على الإرهاب أصبح «قريباً».

أسلحة كانت بحوزة إرهابيين في بوركينا فاسو (صحافة محلية)

عودة المدارس

ورغم تصاعد المواجهات بين الجيش والجماعات المسلحة، أعلنت السلطات في بوركينا فاسو إعادة فتح أكثر من 2500 مدرسة كانت مغلقة منذ سنوات بسبب الإرهاب.

وقالت وزارة التعليم إنه «على مدى عامين، سمحت العمليات الأمنية التي نفذتها قوات الدفاع والأمن، إلى جانب تضحيات العاملين في قطاع التعليم، بإعادة فتح أكثر من 2500 مدرسة، وتسجيل أو إعادة تسجيل ما يقارب نصف مليون تلميذ».

وأضافت الوزارة أن «عدد المؤسسات التعليمية المغلقة بسبب انعدام الأمن يتناقص يوماً بعد يوم، وذلك بفضل استعادة السيطرة على المناطق من طرف الجيش وقوات الأمن».

وتوقعت وزارة التعليم أن «تساعد العمليات الأمنية المستمرة، في إعادة توطين القرى في الأسابيع المقبلة، وبالتالي فتح مزيد من المدارس، مما يمنح الأطفال الصغار فرصة الوصول إلى التعليم»، وفق تعبير الوزارة.

إرهاب متصاعد

رغم كل النجاحات التي تتحدث عنها جيوش دول الساحل، فإن مؤشر الإرهاب العالمي صنَّف منطقة الساحل واحدةً من أكثر مناطق العالم تضرراً من الهجمات الإرهابية خلال عام 2023.

وجاء في المؤشر العالمي لعام 2024، أن منطقة الساحل شهدت وحدها نسبة 48 في المائة من إجمالي قتلى الإرهاب على مستوى العالم، خلال عام 2023، مقارنة بـ42 في المائة عام 2022، و1 في المائة فقط خلال 2007.

وبيَّن المؤشر أن بوركينا فاسو والنيجر ونيجيريا والكاميرون، شهدت زيادة في عدد قتلى العمليات الإرهابية بنسبة 33 في المائة على الأقل خلال العام الماضي، ما يجعل منطقة الساحل وغرب أفريقيا مركزاً للإرهاب العالمي.