لندن تنقل من بغداد رسائل مزدوجة لطهران

حملت رغبة في التهدئة وتحذيراً من إساءة فهمها

السفير البريطاني لدى العراق، جوناثان ويلكس، مع نظيره الإيراني، أريك مسجدي
السفير البريطاني لدى العراق، جوناثان ويلكس، مع نظيره الإيراني، أريك مسجدي
TT

لندن تنقل من بغداد رسائل مزدوجة لطهران

السفير البريطاني لدى العراق، جوناثان ويلكس، مع نظيره الإيراني، أريك مسجدي
السفير البريطاني لدى العراق، جوناثان ويلكس، مع نظيره الإيراني، أريك مسجدي

التقى في بغداد، أمس، السفير البريطاني لدى العراق، جوناثان ويلكس، مع نظيره الإيراني، أريك مسجدي، في مقر السفارة الإيرانية. ويُعدّ هذا اللقاء الأول المعلن بين الجانبين منذ اندلاع أزمة التصعيد بين إيران والولايات المتحدة بعد فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب الحزمة الأخيرة من العقوبات الاقتصادية ضد طهران، وذلك بتصفير صادرات النفط الإيراني.
وطبقاً لمعلومات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، فإن «السفير البريطاني نقل إلى الإيرانيين رسائل تهدئة أميركية وغربية مع التحذير في الوقت نفسه من إساءة فهم رسائل التهدئة هذه». وبينت هذه المصادر أن «البريطانيين حذروا الإيرانيين من خطورة الموقف في حال حدثت أخطاء»، في إشارة إلى ما باتت تلمسه واشنطن من تهديدات إيرانية محتملة لمصالحها في العراق والمنطقة، سواء من إيران مباشرة، أو من حلفائها وأذرعها في العراق ولبنان.
ويأتي هذا اللقاء في وقت تسربت فيه أنباء عن بدء العراق وساطة بين الجانبين بعد الزيارة الخاطفة التي قام بها إلى العراق الأسبوع الماضي وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الذي نقل بدوره رسائل تحذير حادة إلى القادة الإيرانيين طالباً من القيادات العراقية نقلها إليهم. وتقول التسريبات التي لم يجر التأكد رسمياً منها من الجانب العراقي إن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي كلف وزير الخارجية محمد علي الحكيم وفالح الفياض، مستشار الأمن الوطني، ومصطفى الكاظمي، مدير جهاز المخابرات الوطني، تولي الوساطة.
وحول ما إذا كان العراق مهيَّأً للقيام بدور الوساطة في هذه الأزمة يقول الدكتور إحسان الشمري مدير «مركز التفكير السياسي» في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «الخلاف بين أميركا وإيران كبير وواسع، وبالتالي ليس بوسع هذه الشخصيات الثلاث القيام بمثل هذا الدور على مستوى الوساطة»، مبيناً أن «العراق يمكن أن يكون على الأرجح دولة جسرية بالتحديد في هذا الخلاف، بمعنى قيامه بنقل رسائل بين الطرفين ومحاولة استيضاح بعض الأمور والتفاصيل، لكن أن يكون مسؤولاً عن ملف إنهاء الخلاف، أرى أن الموضوع أعقد وأعمق، خصوصاً إذا ما نظرنا إلى تشعب النفوذ الإيراني على مستوى المنطقة، مثل اليمن، حيث لم يتحرك العراق، وفي سوريا كذلك وفي لبنان أيضاً لم يتحرك العراق، لذلك من المستبعد أن يأخذ العراق موقع الصدارة في معالجة هذه الأزمة الخطيرة».
وبشأن اللقاء بين السفيرين الإيراني والبريطاني في بغداد، يقول الشمري إن «الواضح أن العراق أصبح مساحة للأطراف الرئيسية وليس هو الطرف الرئيسي في جمع هذه الأطراف، وبالتالي فإن هذا اللقاء يحمل عدة رسائل بأن هناك وساطة بريطانية، إذ إن الإيرانيين يعولون كثيراً على البريطانيين في كثير من المسائل، وهناك مسارات وقنوات بين الإيرانيين والبريطانيين».
إلى ذلك أعلنت ألمانيا استئناف تدريب القوات العراقية بعد أن أعلنت تعليقها خلال اليومين الماضيين بعد تصاعد الأزمة بين واشنطن وطهران. وقالت وزارة الدفاع الألمانية، أمس، إنها ستستأنف مهمة التدريب العسكرية في العراق عقب إعادة تقييم الأوضاع الأمنية التي أشارت إلى انخفاض مستوى التهديد، مضيفة في بيان أن عملية إعادة التقييم تمت من قبل قوات التحالف العاملة في العراق بقيادة الولايات المتحدة، وأشارت إلى أن مستوى التهديد انخفض في الوقت الحالي، ويمكن للجنود الألمان مغادرة قاعدتهم واستئناف مهمتهم في أقرب وقت.
وكانت الولايات المتحدة قالت، الأسبوع الماضي، إنها رصدت إشارات على وجود استعدادات إيرانية لشن هجمات محتملة على القوات الأميركية ومصالحها في الشرق الأوسط، وتم رفع مستوى التهديد في العراق إلى أعلى مستوياته، ما دفع ألمانيا إلى تعليق مهمة تدريب الجنود العراقيين في الشمال، وإصدار الأوامر للجنود الألمان البالغ عددهم 160 جندياً بالبقاء داخل قاعدتهم.
إلى ذلك، عدّ فصيلان عراقيان مقربان من إيران أن حديث واشنطن عن وجود تهديدات لمصالحها في العراق ليس إلا «ذرائع»، وذلك بعدما أعلنت الولايات المتحدة سحب موظفيها غير الأساسيين من العراق. وقال نصر الشمري، المعاون العسكري لـ«حركة النجباء» المقربة من إيران، في تصريح، أمس، إن واشنطن اليوم «تحاول صنع ضجة في العراق والمنطقة تحت أي ذريعة». من جانبه، أكد مدير المكتب السياسي لـ«عصائب أهل الحق»، ليث العذاري، أن ذلك يندرج في إطار «الحرب النفسية».



بعد ضرباتها في سوريا... إسرائيل تفترض «السيناريو الأسوأ»

دبابات إسرائيلية تتنقل بين السياجين داخل المنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا (إ.ب.أ)
دبابات إسرائيلية تتنقل بين السياجين داخل المنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا (إ.ب.أ)
TT

بعد ضرباتها في سوريا... إسرائيل تفترض «السيناريو الأسوأ»

دبابات إسرائيلية تتنقل بين السياجين داخل المنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا (إ.ب.أ)
دبابات إسرائيلية تتنقل بين السياجين داخل المنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا (إ.ب.أ)

يرى محللون أن إسرائيل بتنفيذها ضربات واسعة على أهداف عسكرية سورية، وسيطرتها على المنطقة العازلة الخاضعة لمراقبة الأمم المتحدة في مرتفعات الجولان، تسعى إلى «تجنّب الأسوأ» بعد سقوط حكم آل الأسد.

وقال يوسي ميكيلبرغ، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في معهد تشاتام هاوس في لندن، إن «الحكومة الإسرائيلية... تتصرف على أساس أسوأ السيناريوهات»، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وأشار محللون إلى أن بقاء بشار الأسد في السلطة كان أهون الشرور بالنسبة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، رغم تحالفه مع إيران، العدو اللدود للدولة العبرية، وحليفها «حزب الله» اللبناني، وذلك خوفاً من أن تؤدي إطاحته إلى فوضى.

وبُعيد سقوط الأسد، الأحد، شنّت إسرائيل خلال 48 ساعة مئات الضربات من الجو والبحر، قالت إنها طالت «أغلبية مخزونات الأسلحة الاستراتيجية في سوريا؛ خشية سقوطها بيد عناصر إرهابية».

واحتلت إسرائيل معظم هضبة الجولان السورية خلال حرب يونيو (حزيران) عام 1967. وبعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، أُقيمت منطقة عازلة منزوعة السلاح تحت سيطرة الأمم المتحدة، عقب اتفاق لفض الاشتباك بين القوات الإسرائيلية والسورية عام 1974. وضمت إسرائيل القسم المحتل من الجولان عام 1981، في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي باستثناء الولايات المتحدة.

ومنذ اتفاق فض الاشتباك، لم تشهد جبهة الجولان أي تحرك عسكري من جانب سوريا.

والآن، يبدو أن القادة الإسرائيليين يخشون أن تكون الفوضى قد حلّت في سوريا أصلاً، ويتصّرفون وفقاً لذلك.

وفي يوم سقوط الأسد، أعلن نتنياهو أن اتفاق 1974 انهار، وأمر قواته بالسيطرة على المنطقة العازلة.

وقالت الولايات المتحدة، الداعم الرئيسي للدولة العبرية، إن انتشار القوات الإسرائيلية في المنطقة العازلة يجب أن يكون «مؤقتاً»، بعدما قالت الأمم المتحدة إن إسرائيل تنتهك اتفاق الهدنة عام 1974.

ومذاك، شن الجيش الإسرائيلي مئات الضربات ضد أصول عسكرية سورية، مستهدفاً خصوصاً مخازن أسلحة كيميائية ودفاعات جوية تابعة للبحرية السورية؛ لإبعادها عن أيدي المقاتلين.

وقد دعا مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن إلى وقف فوري لعمليات القصف الإسرائيلية.

من جهته، قال المحلّل داني سيترينوفيتش، من معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، إنه يتوقع أن توسّع إسرائيل ضرباتها، موضحاً: «كل شيء استراتيجي في سوريا (...) الصواريخ والطائرات، وكذلك مركز البحوث العلمية (التابع لوزارة الدفاع)، كل شيء سيقصف».

وأضاف: «لا نعرف من سيتصدى لنا من الجانب السوري، سواء كان تنظيم (القاعدة) أو (داعش) أو أي تنظيم آخر، لذلك علينا أن نكون مستعدين لحماية مدنيينا».

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إنه مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أصدر تعليمات للجيش «بإقامة منطقة خالية تماماً من السلاح والتهديدات الإرهابية في جنوب سوريا من دون وجود إسرائيلي دائم».

وقال أفيف أوريغ، المحلل في مركز المعلومات مئير عميت، إن مصدر القلق الرئيسي على المدى القصير بالنسبة إلى إسرائيل هو المخزونات المتبقية من الأسلحة الكيميائية، وغيرها من الأسلحة الاستراتيجية.

وذكّر بالماضي الجهادي لبعض فصائل المعارضة السورية، موضحاً: «إذا وقعت هذه الأسلحة بين أيديهم فمن يدري ماذا سيفعلون بها؟».

لكنّ ميكلبرغ رأى أن تلك الطريقة «ليست الأفضل لبناء الجسور مع الحكومة الجديدة»، لافتاً إلى كثافة الضربات الإسرائيلية وحجمها.

الأكراد والدروز

وفي وقت يسود فيه تفاؤل في سوريا بشأن مستقبل البلاد، يتوقع بعض المحللين الإسرائيليين أن تكون البلاد مجزأة.

وقال إيال بينكو، وهو ضابط بحري متقاعد وخبير أمني، إنه يتوقع أن تنقسم سوريا إلى مجموعات إثنية - دينية، موضحاً: «أعتقد أنه لن تعود هناك سوريا».

من هذا المنطلق، يمكن لإسرائيل أن تختار مجموعات دون أخرى للعمل معها.

والاثنين، قال وزير الخارجية جدعون ساعر إن أكراد سوريا الذين وصفهم بأنهم «قوة الاستقرار»، يجب أن يتمتعوا بحماية المجتمع الدولي، فيما تحدث سابقاً عن العمل مع الأكراد في شمال شرقي البلاد والدروز في الجنوب.

وقال بينكو: «لا أعتقد أنهم سيحكمون سوريا... لكن إسرائيل ستحاول الدخول في سلام مع من يرغب فيه».

من جهته، رأى ميكيلبرغ أن العمل العسكري في الجولان، وتفضيل مجموعات على أخرى، سيشكلان خطأ من شأنه أن يضر بأي علاقة مستقبلية.

محادثات نووية

على مدى عقود، كانت سوريا حليفاً وثيقاً لطهران، والركيزة الأساسية للجسر البري الذي كانت تصل عبره الأسلحة الإيرانية إلى «حزب الله».

وبعدما تضرر بشدّة خلال حربه الأخيرة مع إسرائيل، قد يجد «حزب الله» الآن صعوبة في إعادة تسليحه دون روابط بسوريا.

وقال سيترينوفيتش إن سوريا «أساسية» بالنسبة إلى «حزب الله»، «وأنا أقول إنه دون سوريا تحت تأثير إيران، فلن يكون هناك في الواقع محور مقاومة».

وأيّده بينكو في ذلك قائلاً: «الخطر المرتبط بالمحور، (حزب الله) وسوريا وإيران والميليشيات العراقية أيضاً، أقل بكثير» الآن.

لكن السؤال الأهم هو: كيف يمكن لإيران أن ترد بينما أصبح موقفها أضعف؟ وقال سيترينوفيتش إن طهران قد «تسارع لإنتاج قنبلة (نووية)».

وهو ما قاله أيضاً أوريغ، مشيراً إلى أن ذلك يشكّل مصدر القلق الاستراتيجي الرئيسي لإسرائيل؛ «لأنه عندما تتعامل مع إيران مسلّحة نووياً، فإن الأمر سيكون مختلفاً تماماً».

إذا بدأت إيران تصنيع أسلحة ذرية، فقد تقرر إسرائيل القيام بعمل عسكري كما يتوقع البعض، لكنّ آخرين قدموا فرضية بديلة، وهي أنه يمكن جعل إيران تتفاوض بعدما أُضعفت الآن.