بريان هوك... المحامي والدبلوماسي المولج ملف إيران

يعمل في ظل إدارة «صقور» ترمب

بريان هوك... المحامي والدبلوماسي المولج ملف إيران
TT

بريان هوك... المحامي والدبلوماسي المولج ملف إيران

بريان هوك... المحامي والدبلوماسي المولج ملف إيران

حتى الآن، لا يمكن اعتبار برايان هوك، المسؤول الأميركي الحالي عن ملف إيران، أنه صاحب بصمات خاصة في ملف التفاوض معها. فهو باستثناء تصريحاته وتعليقاته على الأحداث المتتالية في هذا الملف، ردّد فيها رؤية الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بالكاد يمكن العثور على مواقف تضمّنت عروضاً أو اقتراحات منسوبة له، أو على الأقل تسريبات تشير إلى أنه منخرط في مفاوضات عبر أبواب خلفية أو علنية مع الجانب الإيراني.
السبب لا يعود إلى قصور في قدراته الخاصة، أو لافتقاره إلى التجربة السياسية والدبلوماسية في التعامل مع هذا الملف. بل، وببساطة شديدة، يكمن السبب في أن ترمب قرّر – على ما يبدو – اعتماد مقاربة جديدة في تعامله مع ملف إيران، وذلك انطلاقاً من إيمانه بأن ما تحقق حتى الآن، وبالأخص في ملفها النووي، لا يعكس ولا يتماشى مع نظرته الجديدة للعلاقات الدولية.
بريان هوك، الذي يشغل إضافة إلى منصبه كمسؤول الولايات المتحدة الخاص عن ملف إيران، هو أيضا كبير مستشاري السياسة لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو. وكان قبل تعيينه في منصبه قد شغل منصب مدير فريق تخطيط السياسات من 2017 وحتى 2018. وقبل ذلك أدار شركة استشارات استراتيجية دولية في واشنطن من العام 2009 وحتى عام 2017.
كذلك شغل هوك – وهو محام ممارس – في إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن مناصب مساعد وزير الخارجية للمنظمات الدولية، وكبير مستشاري سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ومساعد خاص لرئيس السياسة في مكتب كبير موظفي البيت الأبيض، ومحامي مكتب السياسة القانونية في وزارة العدل. بيد أنه رغم كونه أحد كبار الموظفين في الإدارات الجمهورية الأخيرة في البيت الأبيض، لم يخرج دوره في إدارة ترمب - كما سبقت الإشارة – عن الشق التسييري لكونه أحد الأمناء المولجين بتنفيذ رؤية الرئيس الخارجية وشعاراته الجديدة.

ملف إيران بيد ترمب
يوم 8 مارس (آذار) عام 2015 أعلن السيناتور الجمهوري توم كوتون (ولاية أركنسو) أنه وقّع مع 46 عضوا في مجلس الشيوخ رسالة مفتوحة إلى البرلمان الإيراني، حذّر فيها من أن أي اتفاق يُقرّ من دون موافقة المشرّعين الأميركيين، سيجري العودة عنه من قبل الرئيس الجديد «بجرة قلم». وبالفعل، هذا ما أقدم عليه ترمب بعدما ظلّ الاتفاق معلقاً من دون الحصول على موافقة مجلسي الشيوخ والنواب أو رفضهما، إذ أصدر الرئيس الأميركي أمراً تنفيذياً ألغى بموجبه توقيع الولايات المتحدة عليه.
مما يذكر أن ترمب قبل دخوله البيت الأبيض، هدّد بأنه سيعيد النظر بالاتفاق النووي، في سياق تأكيد التزامه بشعاره «أميركا أولا»، حتى ولو اضطره الأمر إلى التصادم مع الأعداء أو الخلاف مع الحلفاء والشركاء. وبخلاف الرؤساء الأميركيين السابقين، فالذي يتولى إدارة ملف التفاوض مع إيران اليوم، هو الرئيس ترمب نفسه معتمداً على «صقرين» في إدارته، بالتحديد، هما مايك بومبيو وزير خارجيته، وجون بولتون مستشاره للأمن القومي.
وبعد الانسحاب من الاتفاق في مايو (أيار) العام الماضي، ومن ثم، إعادة فرض غالبية العقوبات الأميركية على إيران، وبدلاً من أن يعلن هوك شروط واشنطن الـ12 لإعادة التفاوض معها، تولى بومبيو هذه المهمة. كذلك، ينقل عن أوساط في البيت الأبيض أن القنوات الجانبية لإيصال الرسائل إلى طهران، هي الآن في عهدة بولتون، بينما يعتقد أن دور هوك لم يحِن بعد لتولي هذه المهمة.
من جهة أخرى، كان من المعروف أن سلطنة عُمان استضافت المفاوضات الأميركية – الإيرانية في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وشهدت عاصمتها مسقط اجتماعات متعددة شارك فيها وزير الخارجية الأسبق جون كيري ونظيره الإيراني جواد ظريف مع مساعديهما. وكان يُنظَر في واشنطن إلى السلطنة، يومذاك، على أنها «وسيط نزيه» وفق مقاييس إدارة أوباما، نظراً لعلاقتها الخاصة مع إيران، وشراكتها معها في مشاريع نفطية وغازية ومالية. ولكن، اليوم اختلفت الصورة جذرياً مع إدارة ترمب. وعقوباته على إيران باتت تفرض على سلطنة عُمان الالتزام بها، ولا سيما أن «صقور» إدارته يعتبرون أنها كانت المعبر البرّي الرئيسي لشحنات الأسلحة الإيرانية التي وصلت إلى الانقلابيين الحوثيين في اليمن.
إلغاء سياسة أوباما
إن ما أطاح به ترمب في ملف التفاوض مع إيران هو عامل «الاستمرارية» في المؤسسة السياسية الأميركية. وهو نقيض ما دعا للحفاظ عليه وزير الدفاع السابق الجنرال جيم ماتيس، الذي قال خلال جلسة تثبيته في مجلس الشيوخ عام 2017 «رغم أن الاتفاق النووي ليس مثالياً، لكن عندما تعطي أميركا كلمتها فإنها تحافظ عليها وتعمل مع حلفائها». والاتفاق الذي وقعته إدارة أوباما يوم 14 يوليو (تموز) 2015، اعتبر على نطاق واسع، وخصوصاً من الأوروبيين، أنه اتفاق لإنهاء مخاوفهم من صعود الخطر النووي والباليستي الإيراني، في ظل القرار الاستراتيجي الذي اتخذته إدارة أوباما بالخروج من الشرق الأوسط، والانصراف نحو الخطر الآتي من شرق آسيا.
أوباما الذي اتُّهم بأنه اعتمد سياسة تجريبية في مقاربته لملف إيران، أعطى حيزاً واسعاً لمساعديه، وخصوصا للمفاوضين غير المرئيين، في مراحل إنضاج الاتفاق النووي، كما جرى عام 2014 بعد تكليفه سراً ويليام بيرنز مع فريق خاص لتولي هذه المهمة. في العلن كان الوزير كيري يقود مع مساعدته ويندي شيرمان، مسؤولة ملف إيران، التفاوض معها، إلا أن بيرنز - الذي يتكلم العربية والفرنسية والروسية - حصل من أوباما على فرصة لإنهاء، أو على الأقل، لتهدئة أكثر من 30 سنة من الخلاف بين واشنطن وطهران. وكان الرئيس السابق مقتنعاً بأن الاتفاق ممكن مع طهران، طالما أن خطرها الاستراتيجي لا يقع على واشنطن بل على الآخرين... عندما دخلت المنطقة مسارا من الأحداث، غيّر نهائياً «الستاتوس كو» (أو «الأمر الواقع») الذي كان قائما، بعد اندلاع ثورات ما سمي بـ«الربيع العربي» في نهاية العام 2010.
نعم، ثمة اختلاف جذري في الصورة التي رسمتها إدارة ترمب عن الخطر الذي تمثله إيران في المنطقة، بعدما تبين أن ما تم إنجازه لم يعط الأوروبيين ولا الأميركيين الأمن والأمان المأمول. فبدلاً من تشجيع «خطة العمل الشاملة المشتركة» (وهو الاسم الرسمي والتقني للاتفاق النووي) إيران على التحوّل إلى دولة طبيعية، حصل العكس تماماً. فلقد أظهرت السنوات التي تلت توقيع الاتفاق معها أن رفع العقوبات عنها أدى إلى تصعيدها أنشطتها المزعزعة للاستقرار السياسي في المنطقة، وإلى زيادة مستوى التهديد الذي تمثله، ليس لمصالح الولايات المتحدة ودول المنطقة وإسرائيل فحسب، بل وللأوروبيين أنفسهم أيضاً.
في محطات تدرج الضغوط الأميركية على إيران منذ عام وحتى اليوم، ساهم بريان هوك في شرح الاعتبارات التي تحكّمت بقرارات إدارة ترمب. وأعلن في آخر إيجاز صحافي له قبيل وصول وزير الخارجية بومبيو إلى منتجع سوتشي الروسي للقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن بومبيو حرص على وضع الشركاء الأوروبيين في المعلومات الاستخبارية والتهديدات المتصاعدة من إيران. وأضاف أن واشنطن وحلفاءها الأوروبيين تجاوزوا تقريباً غالبية خلافاتهم حولها، باستثناء النظرة إلى الاتفاق النووي الذي «لم يعد يتطرّق إليه أحد».

لا لمفاوضة إيران
ترمب و«صقور» إدارته يعتقدون أن إعادة إيران «إلى بيت الطاعة» يشكل اختباراً لقدرة واشنطن على إعادة فرض سياساتها الدولية، انطلاقا من إعادة إحياء مبدأ التفاوض على قاعدة تنفيذ شروط مسبقة، قبل رفع أي عقوبات عنها. وهكذا فاوض ترمب زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، رافضاً رفع العقوبات المفروضة على بيونغ يانغ، حتى ولو أدى الأمر إلى تعليقها، كما جرى بالفعل، رغم لقائه به مرتين.
ومن نافلة القول إن إدارة ترمب تعتمد نهجاً سياسيا مختلفاً في سياساتها الخارجية، تحت شعار «استعادة المكانة والهيبة التي كانت تتمتع بها أميركا» - بعد الأضرار التي خلفتها سياسات الرئيس أوباما - على ما يؤكده ترمب ومسؤولو إدارته. وحقاً، فور تسلمه الرئاسة باشر ترمب إعادة النظر بمعظم الاتفاقات السياسية والاقتصادية والتجارية، سواء مع حلفاء الولايات المتحدة وجيرانها أو مع خصومها. ومارس ضغوطا غير مسبوقة حتى على حلف شمال الأطلسي «ناتو». كما أنه يواصل تنفيذ سياسته التجارية المثيرة للجدل والخلاف، ليس فقط مع الصين - كما يجري الآن بعدما فرض تعريفات جمركية إضافية عليها - بل ومع الحلفاء الأوروبيين في ضوء تهديداته بفرض تعريفات جديدة على واردات قطاع صناعة السيارات منهم.
ترمب الذي يتهمه خصومه الداخليون والخارجيون بأنه يسعى لفرض سياسة الهيمنة والإملاء، لا يعرض على إيران التفاوض. بل يريد منها إذعاناً كاملاً... بعدما لمس أن الرهانات عليها بعد رفع العقوبات عنها فشلت في تغيير سياساتها الإقليمية. حتى مواقف الديمقراطيين، التي كانت تدعم سياسات سلفه أوباما في هذا الملف، منيت بخيبة أمل كبرى عبّر بصراحة عنها العديد من المسؤولين السابقين والحاليين، الذين وقفوا عاجزين عن تبرير العودة إلى السياق نفسه في مقاربة ملف طهران النووي والإقليمي. وحسب تقرير من «معهد الدفاع عن الديمقراطية» في واشنطن، يبدو أن سياسة أقصى التصعيد ضد إيران تعمل بشكل جيد، وأن ترمب يُعد «لتحصين» قراراته بإجراءات قانونية وتشريعية تمنع - أو تخفف من إمكانية تراجع أي إدارة جديدة عن القرارات التي اتخذها في ملف إيران.

نصائح روسية مسمومة
في المقابل، أشارت أوساط إعلامية أميركية خلال الأسابيع الأخيرة إلى دور تلعبه روسيا لإجهاض نظام العقوبات، وإفشال الاصطفاف الذي نجحت إدارة الرئيس ترمب في حشده وراء موقفها في التعامل مع ملفي كوريا الشمالية وفنزويلا، واليوم مع إيران.
وهوك أشار في الإيجاز الصحافي نفسه يوم الاثنين الماضي إلى أن بومبيو، الذي بحث مع الحلفاء في «الناتو» ملفات فنزويلا وأوكرانيا وسوريا وليبيا، سيبحث مع الروس الملفات والمخاوف نفسها والدور الذي يلعبونه في هذا الإطار!
وكشفت هذه الأوساط أن نصيحة روسية على شكل «خديعة» أدت إلى إجهاض الانقلاب الهادئ الذي كان من المفترض أن ينهي أزمة فنزويلا، وذلك عبر «الإيحاء» بأن الرئيس نيكولاس مادورو يرغب في تسليم السلطة، لكن معارضين كبارا في قيادة الجيش يرفضون الاستسلام. ويبدو أن الإيرانيين يعتمدون النصيحة الروسية نفسها، عبر الإيحاء وتسريب الرسائل لواشنطن، بأن الرئيس حسن روحاني وحكومته وحتى المرشد علي خامنئي، لا يعارضون التفاوض.
لكن المعترضين هم قيادات متشددة في الحرس الثوري، وهم الذين يقفون وراء الاستنفار العسكري الذي أدى إلى إقدام الولايات المتحدة على إرسال قوات إلى المنطقة، ولعلهم يقفون وراء الاعتداء «المشبوه» على السفن التجارية في مياه دولة الإمارات العربية المتحدة والهجوم على منشأة نفطية في المملكة العربية السعودية.
ويذكّر هذا السلوك بالتكتيكات التي حاولت طهران اعتمادها للضغط على الأوروبيين من أجل حثهم على التمسك بحماية الاتفاق النووي رداً على خروج ترمب منه العام الماضي.
إذ حاولت تنفيذ عمليات اغتيال وتفجيرات استهدفت بعض معارضيها في دول أوروبية عدة، لإثارة الخوف لدى الأوروبيين، وإجبارهم على التمسك بالاتفاق، خوفاً من انفلات اليد الإيرانية مجدداً.
هوك، من جهته، أكد في ظل التطورات الأخيرة، أن واشنطن ليست قلقة من احتمال نشوب حرب مع إيران، بل تريد صفقة جديدة معها، مشيرا إلى أن الإجراءات الأميركية الأخيرة هي مجرد رد على «العدوان الإيراني». ثم أوضح أن «كل ما نقوم به دفاعي»، قبل أن يضيف أن إيران «لا تزال الراعي الرئيسي للإرهاب في العالم. وإذا كانوا يتصرفون بهذه الطريقة دون سلاح نووي، تخيل كيف سيتصرفون في حال امتلكوه».
وفي مقابلة سابقة أجرتها معه «الشرق الأوسط»، قال هوك «إن التوصل إلى اتفاق نووي معها يجب ألا يأتي على حساب الاستقرار الإقليمي وحقوق الإنسان، وهو ما نراه الآن». وأردف أن «ثمة رغبة متزايدة وكبيرة من الأوروبيين للضغط أكثر على طهران لوقف أنشطتها العدوانية في المنطقة وفي الدول المجاورة لها. يضغط القادة الأوروبيين على النظام الثوري لوقف انتهاكات حقوق مواطنيه والإرهاب الذي يمارسه في أوروبا... والدول الأوروبية لن تسمح للاتفاق النووي بأن يؤخرها عن القيام بذلك».

بطاقة هوية
- ولد بريان هوك عام 1968، أي أن عمره اليوم 51 سنة.
- يحمل درجة بكالوريوس في التسويق من جامعة سانت توماس بولاية مينيسوتا، وبكالوريوس في الفلسفة من كلية بوسطن، ثم إجازة القانون من كلية الحقوق بجامعة آيوا.
- مارس المحاماة في قطاع القانون التجاري ضمن شركة هوغان وهارتسون القانونية في العاصمة الأميركية واشنطن بين 1999 و2003. وأسس شركة لاتيتيود للاستشارات القانونية الدولية، أيضا في واشنطن، قبل أن يدخل مضمار السياسة.
- تولى منصب مساعد وزير الخارجية في أواخر 2008 وحتى مطلع 2009.
- في عهد دونالد ترمب تولى منصب مدير تخطيط السياسات في الخارجية أيام الوزير السابق ريكس تيلرسون حتى أول سبتمبر (أيلول) 2018.
- منذ سبتمبر 2018 يشغل منصب المسؤول الخاص عن ملف إيران.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».