انتقادات روسية لأميركا حول سوريا عقب «محادثات بنّاءة» لبوتين مع بومبيو

صور وزعتها وكالة «سانا» لعائدين من مخيم الركبان
صور وزعتها وكالة «سانا» لعائدين من مخيم الركبان
TT

انتقادات روسية لأميركا حول سوريا عقب «محادثات بنّاءة» لبوتين مع بومبيو

صور وزعتها وكالة «سانا» لعائدين من مخيم الركبان
صور وزعتها وكالة «سانا» لعائدين من مخيم الركبان

أبدى الكرملين ارتياحه لنتائج المحادثات التي أجراها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مساء أول من أمس. وأعلن الكرملين أن المناقشات التي شارك فيها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف استمرت ساعة ونصف الساعة وتناولت الملفات الدولية والإقليمية، مع التركيز على الشأن السوري. ووصف مساعد الرئيس لشؤون السياسة الخارجية يوري أوشاكوف، أجواء المباحثات بأنها كانت «غنية وجيدة». وقال: إن الطرفين تناولا الوضع في سوريا بشكل تفصيلي، و«تم تبادل معمّق للآراء» متجنباً الإشارة إلى المسائل الخلافية. وأوضح أوشاكوف أن بوتين أكد للوزير الأميركي ضرورة الحفاظ على سيادة ووحدة أراضي سوريا. لافتاً إلى أن «المناقشة حول هذا الموضوع كانت بنّاءة». وزاد أن بوتين وبومبيو «بحثا أهمية محاربة الإرهاب بشكل مشترك، وإطلاق عمل اللجنة الدستورية».
لكن هذه اللهجة لم تنعكس في تصريحات دبلوماسيين روس بارزين، جددوا بعد اللقاء مباشرة توجيه انتقادات حادة لواشنطن بسبب تحركاتها في سوريا. وأشار نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف، إلى «قلق روسي» بسبب وجود الولايات المتحدة في مناطق شرق الفرات، ورأى أن واشنطن «تحاول عرقلة استعادة وحدة الأراضي السورية».
وفي إشارة إلى أن حديث بومبيو مع لافروف وبوتين لم يبدد القلق الروسي، قال ريابكوف: «أود أن أشدد على أننا ما زلنا قلقين من الوجود الأميركي خلف نهر الفرات. نعتبر ذلك خطأ متعمداً وواعياً باتجاه العرقلة المحتملة لحل مشاكل استعادة سيادة ووحدة أراضي البلاد».وأضاف أن موسكو ترى «أن المكون الكردي ضروري من وجهة نظر السعي نحو التطور العام للوضع وآفاق التسوية». لكنه استدرك: «نحن ضد المتاجرة بمصالح هذا المكون، وهو الأمر الذي يقوم بها بعض زملائنا وشركائنا».
وعلى الرغم من هذا الموقف قال ريابكوف إن موسكو تنطلق من أن «اللقاء (مع بومبيو) سيساعد على التقدم بما في ذلك في مسألة إنجاز تشكيل اللجنة الدستورية السورية، وهذا الأمر مهم جداً، ويجري العمل لذلك بشفافية، وزملاؤنا من البلدان الضامنة الأخرى على اتصال دائم مع ممثلي روسيا على المستوى السياسي والعملي. والطرف الأميركي، كما نفهم، يقيّم حواره مع روسيا حول المسائل السورية، ويعتبره مثمراً».
إلى ذلك، حمّلت موسكو ودمشق الولايات المتحدة المسؤولية عن البطء في عملية إجلاء النازحين من مخيم الركبان جنوب شرقي سوريا، وأكدتا أن المخيم لم يغادره سوى ربع سكانه فقط.
وذكر قائدا المركزين الروسي والسوري المعنيين بعودة اللاجئين ميخائيل ميزينتسيف وحسين مخلوف في بيان مشترك صدر أمس، أن «التصرفات غير البنّاءة من الجانب الأميركي، المتمثلة في العرقلة المتعمدة لإعادة اللاجئين إلى ديارهم، تخلف مزيداً من الضحايا وتزيد من معاناة السوريين المحتجزين قسراً».
وزاد أن «روسيا وسوريا اتخذتا إجراءات غير مسبوقة لتأمين الظروف المناسبة في المناطق التي يعود إليها اللاجئون، لكن عمليات إجلاء المواطنين من الركبان تسير ببطء، وحتى الآن غادره أكثر من 12 ألف شخص، لكن هذا لا يشكل سوى ما يزيد قليلاً على ربع سكانه».
ولفت البيان إلى أن الوضع في مخيم الهول شرقي البلاد لا يقل صعوبة عن الركبان، ويواجه قاطنوه المشكلات ذاتها المتمثلة في تقييد حرية التنقل ومصادرة الوثائق الثبوتية، وفصل الأسر والنقص الحاد في الأدوية وانعدام النظافة.
ودعا البيان الولايات المتحدة إلى «التخلي عن ازدواجية المعايير وإبداء الاحترام لحقوق الإنسان والقانون الدولي وسحب قواتها من الأراضي السورية على الفور».
كما لفت البيان المشترك إلى أن «الولايات المتحدة، اختلقت أزمة الوقود في سوريا، للتأثير سلباً على اقتصادها».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.