«وكالة الطاقة»: النفط الأميركي يعوّض فجوة إمدادات إيران وفنزويلا

قال مسؤول تنفيذي في ثاني أكبر شركة تكرير يابانية إن شركته لا تتوقع أي اضطراب في إمدادات النفط (رويترز)
قال مسؤول تنفيذي في ثاني أكبر شركة تكرير يابانية إن شركته لا تتوقع أي اضطراب في إمدادات النفط (رويترز)
TT

«وكالة الطاقة»: النفط الأميركي يعوّض فجوة إمدادات إيران وفنزويلا

قال مسؤول تنفيذي في ثاني أكبر شركة تكرير يابانية إن شركته لا تتوقع أي اضطراب في إمدادات النفط (رويترز)
قال مسؤول تنفيذي في ثاني أكبر شركة تكرير يابانية إن شركته لا تتوقع أي اضطراب في إمدادات النفط (رويترز)

قالت وكالة الطاقة الدولية أمس (الأربعاء)، إن العالم سيحتاج إلى كمية فائضة قليلة جداً من النفط من «أوبك» هذا العام، إذ إن انتعاش الإنتاج الأميركي سيعوّض انخفاض الصادرات من إيران وفنزويلا. وأضافت الوكالة، التي تنسق سياسات الطاقة للدول الصناعية، أن قرار واشنطن إنهاء العمل بإعفاءات سمحت لبعض المستوردين بمواصلة شراء النفط الإيراني أدى إلى تفاقم «الإرباك في النظرة المستقبلية للمعروض».
وأمس قال مسؤول تنفيذي في شركة «إدميتسو كوسان»، ثاني أكبر شركة تكرير يابانية، إن شركته لا تتوقع أي اضطراب في إمدادات النفط نظراً إلى أنها تحصل على إمدادات بديلة للنفط الإيراني الخاضع لعقوبات من الشرق الأوسط ومناطق أخرى.
وقال نورياكي ساكاي المدير العام للإدارة المالية للشركة، في مؤتمر صحافي: «ليست لدينا أي مشكلة في تدبير إمدادات بديلة نظراً إلى أن النفط الإيراني يشكّل أقل من 10% من إجمالي إمداداتنا».
وأضاف: «لم نختر أي بلد بعينه لشراء إمدادات بديلة للنفط الإيراني لكن لدينا مجموعة واسعة من المصادر ونختار من أين ومتى نشتري خاماً وفقاً للأسعار والطلب الموسمي». وأشار إلى أن السعودية والإمارات والكويت ضمن قائمة أهم منتجي النفط الذين يملكون طاقة إنتاج إضافية.
وذكرت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الشهري: «لكن، كانت هناك، من وجهة نظر وكالة الطاقة الدولية، إشارات واضحة ومحل ترحيب كبير من منتجين آخرين بأنهم سيتدخلون لتعويض البراميل الإيرانية، على الرغم من أن الاستجابة ستكون تدريجية لطلبات العملاء... بالتأكيد هناك مجال أمام منتجين آخرين لزيادة الإنتاج»، مضيفةً أنه وفقاً لتقديرها فإن دول «أوبك» في أبريل (نيسان) أنتجت كمية أقل من المتفق عليها في اتفاق الإنتاج بنحو 440 ألف برميل يومياً، مع ضخ السعودية كمية تقل عن المخصصة لها بمقدار 500 ألف برميل يومياً.
وقالت وكالة الطاقة إن هناك «على جانب الطلب ما يقلص المخاوف المتعلقة بالمعروض قليلاً» مع توقعها أن يبلغ نمو الطلب العالمي على النفط 1.3 مليون برميل يومياً في 2019، أو ما يقل 900 ألف برميل يومياً عن التوقعات السابقة. وقالت إن نمو الطلب في 2018 بلغ 1.2 مليون برميل يومياً وفقاً للتقديرات.
وأشارت إلى أن الطلب العالمي على النفط سيبلغ في المتوسط 100.4 مليون برميل يومياً في 2019 ليتجاوز بذلك المائة مليون برميل يومياً للمرة الأولى. وتابعت أن ارتفاع إنتاج المنتجين من خارج منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، وعلى الأخص من الولايات المتحدة في الربع الثاني من العام، سيُبقي السوق تتلقى إمدادات جيدة.
وقالت الوكالة إن من المتوقع ارتفاع إنتاج الولايات المتحدة من النفط والمكثفات 1.7 مليون برميل يومياً في 2019، وأضافت أن النفط الخام يشكل نحو 1.2 مليون برميل يومياً من الزيادة، لكنها تابعت أن هذا يقل عن نمو إنتاج النفط الخام الأميركي البالغ 1.6 مليون برميل يومياً في 2018.
وأوضحت أن انخفاض عدد منصات الحفر وأعمال الصيانة في خليج المكسيك أثّرا على الإنتاج الأميركي في النصف الأول من العام لكن زيادة تصاريح الحفر والتكسير الهيدروليكي في مطلع العام الحالي سترفع الإنتاج.
وقالت وكالة الطاقة الدولية، إن إنتاج النفط العالمي انخفض 300 ألف برميل يومياً، مع تصدر كندا وكازاخستان وأذربيجان وإيران لهبوط الإمدادات. لكنها أضافت أن إنتاج نفط «أوبك» ارتفع 60 ألف برميل يومياً إلى 30.21 مليون برميل يومياً بفضل ارتفاع التدفقات من ليبيا ونيجيريا والعراق.
وأضافت أن الطلب على نفط «أوبك» سيبلغ 30.9 مليون برميل يومياً في الربع الثاني من 2019 وينخفض إلى 30.2 مليون برميل يومياً في النصف الثاني من العام.
في غضون ذلك انخفضت أسعار النفط أمس (الأربعاء)، بعدما أظهرت بيانات زيادة مفاجئة في مخزونات الخام الأميركية ومع تهديد النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين للطلب، على الرغم من أن التوترات في الشرق الأوسط كبحت الخسائر.
وبحلول الساعة 11:55 بتوقيت غرينتش، بلغت العقود الآجلة لخام القياس العالمي برنت 70.79 دولار للبرميل منخفضة 45 سنتاً. وبلغت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 61.15 دولار للبرميل منخفضة 63 سنتاً.
ووصف الرئيس الأميركي دونالد ترمب أول من أمس (الثلاثاء)، الحرب التجارية مع الصين «بالشجار المحدود» وأصر على أن المحادثات بين أكبر اقتصادين في العالم لم تنهر.
ولاقت الأسعار دعماً في جلسة الثلاثاء بعد أن قالت السعودية إن طائرات مسيّرة مفخخة ضربت محطتين لضخ النفط في المملكة بعد يومين من تعرّض ناقلات نفط للتخريب قبالة ساحل الإمارات العربية المتحدة. وقال الجيش الأميركي إنه يستعد «لتهديدات حقيقية أو محتملة وشيكة للقوات الأميركية في العراق» من قوات مدعومة من إيران.
من جهته قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لبلاده، إنه يتعين على روسيا والولايات المتحدة الحفاظ على الحوار من أجل تحقيق الاستقرار في أسواق الطاقة.
وقال بوتين خلال اجتماع مع بومبيو في منتجع سوتشي على البحر الأسود: «نعلم أن الولايات المتحدة في طريقها لأن تصبح أكبر منتج للنفط». وأضاف بوتين في التصريحات التي أذاعتها وكالة أنباء «تاس» الروسية: «من هذا المنطلق، لدينا الكثير لنناقشه فيما يتعلق بالاستقرار في أسواق الطاقة العالمية».]



هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
TT

هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)

تواجه فرنسا في الوقت الراهن تحديات اقتصادية وسياسية معقدة، تتمثل في ارتفاع معدلات الدين العام وتزايد عدم الاستقرار السياسي، مما يهدد استقرارها الداخلي ويثير القلق بشأن انعكاسات هذه الأوضاع على منطقة اليورو بشكل عام. تأتي هذه الأزمات في وقت بالغ الأهمية، حيث يمر الاتحاد الأوروبي بفترة تحول حاسمة بعد تبعات الأزمة المالية العالمية، مما يطرح تساؤلات حقيقية حول قدرة الدول الأعضاء على مواجهة الأزمات الاقتصادية المقبلة. في خضم هذه التطورات، تظل فرنسا محط الأنظار، إذ يتعرض نظامها السياسي للشلل بينما يتصاعد العجز المالي. فهل ستتمكن باريس من تجنب مصير الدول التي شهدت أزمات مالية مدمرة؟ وما الدروس التي يمكن لفرنسا الاستفادة منها لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي في المستقبل؟

تتجاوز ديون فرنسا اليوم 110 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت تكلفة اقتراضها مؤخراً مستويات تفوق تلك التي سجلتها اليونان. ويوم الجمعة، توقعت «موديز» أن تكون المالية العامة لفرنسا أضعف بشكل ملموس خلال السنوات الثلاث المقبلة، مقارنة بالسيناريو الأساسي الذي وضعته في أكتوبر (تشرين الأول) 2024. هذه المعطيات أثارت مخاوف متزايدة من أن تكون هذه الأوضاع الشرارة التي قد تؤدي إلى أزمة جديدة في منطقة اليورو. ومع ذلك، عند مقارنة حالة الاتحاد الأوروبي في ذروة الأزمة المالية العالمية، حين كان يواجه خطر التفكك الكامل، مع الوضع الراهن، تتضح الفروق الجوهرية، حيث يظهر الوضع الحالي قدرة الاتحاد على الصمود بشكل أكبر بكثير، مما يعكس قوة أكثر استقراراً وصلابة في مواجهة التحديات الاقتصادية، وفق «رويترز».

وبعد انهيار حكومتها الهشة في أوائل ديسمبر (كانون الأول)، توجد فرنسا حالياً في دائرة الضوء. فقد أدت الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في يوليو (تموز) إلى انقسام الجمعية الوطنية، مما أدى إلى تعميق الأزمة السياسية في البلاد. وفي مسعى لتشكيل حكومة قادرة على استعادة الاستقرار، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السياسي المخضرم ميشيل بارنييه رئيساً للوزراء بعد الانتخابات، على أمل بناء إدارة مستدامة. لكن التوترات بين الحكومة والبرلمان اندلعت عندما دعا بارنييه إلى خفض الموازنة للحد من العجز المتوقع، والذي قد يصل إلى 6.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وقد أدى هذا إلى تجمع أعضاء البرلمان من مختلف الأطياف السياسية لرفض الموازنة، وكان التصويت بحجب الثقة الذي أدى إلى إقالة بارنييه هو الأول من نوعه منذ عام 1962.

وأثناء تطور هذه الأحداث، ارتفعت عوائد السندات الفرنسية لأجل عشر سنوات بشكل مؤقت إلى مستويات أعلى من نظيرتها اليونانية، مما أثار المخاوف من أن فرنسا قد تصبح «اليونان الجديدة». ومع ذلك، إذا تم النظر إلى ما حدث في اليونان في عام 2012، عندما وصلت عوائد سنداتها لأجل عشر سنوات إلى أكثر من 35 في المائة، يلاحظ أن الوضع اليوم مختلف بشكل جذري. ففي الوقت الراهن، تقل عوائد السندات اليونانية عن 3 في المائة، مما يعني أن العوائد الفرنسية قد ارتفعت بأقل من 60 نقطة أساس خلال العام الماضي لتصل إلى مستويات مماثلة.

ومن خلال تحليل التغييرات في عوائد السندات في منطقة اليورو خلال السنوات الأخيرة، يتضح أن اليونان قد نجحت في تحسين وضعها المالي بشكل ملحوظ، في حين أن فرنسا شهدت تدهوراً طفيفاً نسبياً.

قصة التحول: اليونان

بعد أن اجتاحت الأزمة المالية العالمية أوروبا في أواخر العقد الأول من الألفية، تعرضت اليونان لمحنة مالية شديدة، حيث تكشفت حقيقة الوضع المالي للبلاد، وارتفعت تكاليف ديونها بشكل كبير. وفي إطار استجابة لهذه الأزمة، حصلت اليونان على حزم إنقاذ من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مقابل تنفيذ حزمة من الإجراءات التقشفية القاسية. ونتيجة لذلك، دخلت اليونان في ركود اقتصادي طويل دام لعقد من الزمن، بينما تعرضت لعدة فترات من عدم الاستقرار السياسي.

لكن الحكومة الحالية التي تنتمي إلى التيار الوسطي - اليميني نجحت في استعادة بعض الاستقرار الاقتصادي، حيث تمكنت من تحقيق فائض أولي في الموازنة، وهو ما مكنها من تقليص عبء الديون الضخم. كما شهد الاقتصاد اليوناني نمواً بنسبة 2 في المائة العام الماضي، وهو ما يعد تحسناً ملموساً.

ورغم أن فرنسا قد تحتاج إلى جرعة من العلاج المالي ذاته، فإنها تبدأ من نقطة انطلاق أقوى بكثير من اليونان. فاقتصاد فرنسا أكثر تطوراً وتنوعاً، ويبلغ حجمه أكثر من عشرة أضعاف الاقتصاد اليوناني. كما أكدت وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغ» قبل أسبوعين تصنيف فرنسا الائتماني، مع التوقعات بأن تواصل البلاد جهودها في تقليص العجز في الموازنة. وأشارت الوكالة إلى أن «فرنسا تظل اقتصاداً متوازناً، منفتحاً، غنياً، ومتنوعاً، مع تجمع محلي عميق من المدخرات الخاصة»، وهو ما يعزز موقفها المالي.

الأمر الأكثر أهمية هنا هو أنه حتى في حال قرر المستثمرون الدوليون سحب أموالهم - وهو ما لا يوجد أي مؤشر على حدوثه - فإن فرنسا تملك إمداداً كبيراً من الأموال المحلية، يُمكِّنها من سد الفجوة المالية المتزايدة.

فعل كل ما يلزم

على الرغم من أن منطقة اليورو لا تزال تشهد تطوراً غير مكتمل، فإنه من المهم الإشارة إلى كيفية تعزيز النظام المصرفي في المنطقة منذ الأزمة المالية العالمية. كما ينبغي تذكر كيف أثبت البنك المركزي الأوروبي مراراً استعداده وقدرته على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الأزمات المالية في المنطقة. إلا أن ذلك لا يعني أن صانعي السياسات في باريس أو العواصم الأوروبية الأخرى يشعرون بتفاؤل مطلق بشأن التوقعات الاقتصادية للاتحاد.

ففي العديد من الجوانب، تبدو التحديات الاقتصادية التي تواجه فرنسا أقل حدة، مقارنة بتلك التي تواجهها ألمانيا، التي تعرضت حكومتها هي الأخرى لهزة قوية مؤخراً. ويعاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو من تداعيات سنوات طويلة من نقص الاستثمارات، حيث يواجه قطاعها الصناعي القوي سابقاً صعوبات حقيقية في التعافي. كما أن منطقة اليورو، التي شهدت تباطؤاً ملحوظاً في نمو إنتاجيتها، مقارنة بالولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية، تواجه الآن تهديدات كبيرة بسبب الرسوم الجمركية التي قد تفرضها إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب.

لكن هذه التهديدات التجارية قد تكون هي التي تدفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوة كبيرة أخرى في تطوره الاقتصادي. فالتاريخ يثبت أن الاتحاد يتخذ خطوات حاسمة عندما يُدفع إلى الزاوية. وفي وقت سابق، قدم ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، خطة لإصلاحات اقتصادية طال انتظارها، داعياً إلى استثمار إضافي قدره 800 مليار يورو سنوياً من قبل الاتحاد الأوروبي.

وقد لاقت هذه الخطة دعماً واسعاً من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، حتى أن رئيس البنك المركزي الألماني، المعروف بتوجهاته المتشددة، دعا إلى تخفيف القيود على الإنفاق في ألمانيا. وإذا أسفرت الانتخابات في ألمانيا وفرنسا عن حكومات أقوى العام المقبل، فقد يُتذكر عام 2025 ليس بوصفه بداية لأزمة جديدة في منطقة اليورو، بل بوصفه عاماً شهدت فيه المنطقة اتخاذ خطوة كبيرة نحو تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.