الأمم المتحدة ستواصل مراقبة إعادة الانتشار في الحديدة

مسؤول في الحكومة اليمنية يرجح تمديد محادثات عمّان يوماً إضافياً

منسق لجنة إعادة الانتشار الجنرال مايكل لوليسغارد يتحدث خلال مؤتمر صحافي في ميناء الحديدة أمس (رويترز)
منسق لجنة إعادة الانتشار الجنرال مايكل لوليسغارد يتحدث خلال مؤتمر صحافي في ميناء الحديدة أمس (رويترز)
TT

الأمم المتحدة ستواصل مراقبة إعادة الانتشار في الحديدة

منسق لجنة إعادة الانتشار الجنرال مايكل لوليسغارد يتحدث خلال مؤتمر صحافي في ميناء الحديدة أمس (رويترز)
منسق لجنة إعادة الانتشار الجنرال مايكل لوليسغارد يتحدث خلال مؤتمر صحافي في ميناء الحديدة أمس (رويترز)

زار رئيس لجنة تنسيق إعادة الانتشار في الحديدة الجنرال مايكل لوليسغارد، أمس، موانئ المحافظة للتحقق من إعادة انتشار قوات «الحوثيين». وأكدت بعثة الأمم المتحدة عبر بيان لها لدعم اتفاق الحديدة (أونمها)، أن فرق الأمم المتحدة تراقب عملية إعادة الانتشار هذه التي تم تنفيذها جزئياً على النحو الذي اتفقت عليه الأطراف اليمنية ضمن مفهوم المرحلة الأولى.
ورحب الفريق لوليسغارد بتسليم أمن الموانئ لخفر السواحل وبالجهود المبذولة لإزالة جميع المظاهر العسكرية من المنشآت، مبيناً أنه لا يزال هناك كثير من العمل الذي يتعين القيام به لإزالة هذه المظاهر، لكن التعاون كان وما زال جيداً للغاية، وأن هذه خطوات أولى مهمة باعتبارها جزءاً من عمليات إعادة الانتشار الأوسع في الحديدة التي أعرب كلا الطرفين اليمنيين عن استمرار الالتزام بها.
وحث الفريق لوليسغارد الطرفين على الانتهاء من المفاوضات المعلقة للسماح بالتنفيذ الكامل للمرحلتين الأولى والثانية من اتفاق الحديدة، مشيراً إلى أن فرق الأمم المتحدة ستواصل مراقبة هذه الخطوات الأولية بطريقة نزيهة وشفافة. وقال لوليسغارد إن التنفيذ الفعال لهذه الخطوات يقتضي تعزيز وجود الأمم المتحدة في الموانئ لدعم إدارتها من قبل شركة موانئ البحر الأحمر، كما يتطلب تعزيز مراقبة آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش وفقاً لاتفاقية الحديدة، وإن التنفيذ الكامل لهذا الاتفاق أمر ضروري لإعادة السلام والاستقرار لليمن ولضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل فعال إلى البلاد، حيث لا يزال الملايين بحاجة إلى هذه المساعدات لإنقاذ حياتهم.
في سياق متصل، بدأت في العاصمة الأردنية عمّان، أمس، محادثات غير مباشرة بين الجانبين، تحت رعاية أممية، هدفها بحث تحصيل إيرادات محافظة الحديدة ومينائي الصليف ورأس عيسى، وآليات إيداعها بفرع البنك المركزي في الحديدة، للمساهمة في دفع مرتبات موظفي الخدمة المدنية في المحافظة وجميع أنحاء اليمن، وفقاً لما نص عليه اتفاق استوكهولم.
وقال محمد العمراني رئيس المكتب الفني للمشاورات في الحكومة اليمنية، وعضو الوفد المفاوض، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن الاجتماع أحادي بين فريق الحكومة اليمنية، وفريق المبعوث الخاص للأمين العام لأمم المتحدة، بحضور بعض الممثلين عن مؤسسات صندوق النقد والبنك الدولي وممثلين عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وعن برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة. وبيّن العمراني أن الحكومة اليمنية قدمت أفكاراً حول آلية تحصيل الإيرادات وآليات تنفيذ البند المتعلق بالإيرادات، حسب اتفاق استوكهولم المبرم نهاية العام الماضي، فيما شدد على أن أجندة الاجتماعات المحددة بيوم واحد، قد تمدد حتى (اليوم) الأربعاء، في حال أثمرت المباحثات غير المباشرة، مع الجانب الحوثي عن نتائج مبشرة، مشيراً إلى أن اللقاءات لا تزال مستمرة.
وأوضح المسؤول اليمني أن المفاوضات غير المباشرة التي تجري في عمان من شأنها أن تتوج باجتماع تحضره الأطراف اليمنية كافة للاتفاق حول موضوع المباحثات، وبرعاية فريق المبعوث الأممي مارتن غريفيث. وقال العمراني إن «ما يجري في عمّان حتى الآن هو مفاوضات غير مباشرة، وإن فريق المبعوث الخاص التقى على مدار (أمس) الثلاثاء كل طرف على حدة».
وتشمل القضايا قيد البحث، وفقاً للعمراني، الإيرادات المتأتية من موانئ الحديدة ورأس عيسى والصليف، وكيفية التصرف بها، لدفع رواتب القطاع العام في محافظة الحديدة وغيرها من المحافظات اليمنية. واستضاف الأردن، مطلع العام الحالي، مباحثات ثلاثية بين ممثلين عن الحكومة اليمنية والحوثيين برعاية أممية مباحثات حول الأسرى والمعتقلين اليمنيين وملف تبادل الجثامين بين الطرفين.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟