تشكيلية مصرية تمنح تمائم أسطورية لبطلاتها

بعرائس ورقية وزهور لوتس وياسمين

اللون الأزرق من أبرز الألوان المستخدمة في المعرض  -   زهرة اللوتس ترمز لدورة الحياة الجديدة لبطلاتها
اللون الأزرق من أبرز الألوان المستخدمة في المعرض - زهرة اللوتس ترمز لدورة الحياة الجديدة لبطلاتها
TT

تشكيلية مصرية تمنح تمائم أسطورية لبطلاتها

اللون الأزرق من أبرز الألوان المستخدمة في المعرض  -   زهرة اللوتس ترمز لدورة الحياة الجديدة لبطلاتها
اللون الأزرق من أبرز الألوان المستخدمة في المعرض - زهرة اللوتس ترمز لدورة الحياة الجديدة لبطلاتها

وجدت الفنانة المصرية أسماء النواوي في العروسة التراثية المصنوعة من الورق ملاذاً لعالمها التشكيلي الجديد الذي أطلقت عليه «ميتولوجيا»، ويستضيفه غاليري «المسار» بالقاهرة حتى منتصف الشهر الحالي.
الغاليري يضم 21 لوحة، جميعها لفتيات تستلهمن من الأسطورة القوة، والقدرة على البقاء، بدءاً من العروسة الورقية التي لها جذور ضاربة في التراث المصري، وكان غرض صنعها حسب الموروث الشعبي تجنب الحسد، ما يجعل تلك العروسة رمزاً ميثولوجياً لاستمرار الحياة، وصلابتها التي تكمن في ريعان الصبا، وتستعين بها صاحبة المعرض في أكثر من موضع على مدار المعرض في صيغ مختلفة تتراوح بين التعبيرية والتجريدية.
فتجد العروسة الورقية صريحة ومتوارية في لوحات المعرض، فأحياناً هي سوار في معصم إحدى بطلاتها، كتميمة حظ، وأحياناً أخرى هي محط تأمل ونظر فتيات اللوحات، كأن تلك العرائس تلقنهن أسرار الحياة.
تقول أسماء النواوي لـ«الشرق الأوسط»: «عملت على مدار عامين لإعداد هذا المعرض، كنت منتبهة لفكرة الأسطورة والحكايات الساحرة التي ترتبط بالمرأة، فكل مجموعة لوحات لديها فكرة تجمعها، بدءاً من العروسة المصنوعة من الورق التي ترمز لاستمرار الحياة، والتي تطورت في التراث الشعبي لشكل الفزاعة، وكذلك عروسة الحقل التي كان يُعتقد في قدرتها على ازدهار الزرع».
وتضيف: «صنعت مجموعة أخرى، خلقت فيها علاقة بين العروسة وزهرة اللوتس الآسيوية التي ترمز للتطهر النفسي والعقلي والروحاني، بشكل يجعل اقترانها بالعروسة الورقية يرمز لفكرة أن استمرار الحياة يحتاج للانسجام مع حالة روحانية راقية، فجعلت فتيات زهرة اللوتس الآسيوية في العمل الفني الذي ظهرن به كأنهن اخترن النقاء هدفاً لاستمرار الحياة».
وإلى جانب زهرة اللوتس الآسيوية، ظهرت في لوحات المعرض زهرة اللوتس المرتبطة بتراث الحضارة المصرية القديمة، التي جعلتها تنسجم مع العروسة الورقية كرمز لدورة الحياة الجديدة، التي تتأثر بالشمس فيتغير مدى إزهارها على مدار اليوم بقوة أشعة الشمس، وتعد زهور اللوتس بشقيها المصري والآسيوي من بين مجموعة الرموز التراكمية التي استعانت بها الفنانة في معرضها، ومنها أيضاً نجد رمز المتاهة المستوحى من رمز الأم في الثقافة الأميركية، وهو رمز شبيه بالمتاهة تعبيراً عن مدى صعوبة متطلبات المجتمع. ونجد أيضاً رمز الطائر الجارح، وهو الطائر الفينيقي الخرافي، الذي قيل عنه إنه طائر قوي وجميل، وهو عندما يموت يتحول إلى رماد، ولكن سرعان ما يتحول الرماد إلى طائر جديد أقوى وأجمل، وهو رمز أرادت به صاحبة المعرض الإحالة لفكرة قدرة المرأة الصلبة على تحدي الحياة، ونجد رمز النباتات الزخرفية التي تعود لأساطير عن الحضارة الفارسية، فرغم جمال هذه النبتة فإنها نبات ضار، وجعلته الفنانة رمزاً لكل الأشخاص والمواقف التي يكون ظاهرها جميلاً ولكنّ في باطنها كثيراً من الضرر للمرأة.
وتقول عنها صاحبة المعرض: «أستخدم الرموز التراكمية في عملي، بحيث تحتشد اللوحة بالرموز التي تصوغ معناها في النهاية، ومن بين تلك الرموز كذلك اختيارات الألوان في اللوحات، بما فيها ألوان الأرض الخصبة التي تُحاكي عطاء المرأة، واللون الأزرق الذي يرمز لحالة السكينة والراحة التي هي أيضاً من سمات المرأة، وكذلك اللون الرمادي الذي يميل لفكرة الغموض والحياد الذي يرتبط كثيراً بالمرأة».
وجعلت النواوي من بين أبرز رموز معرضها زهور الياسمين وما تحمله من معاني صمود رغم رقتها، وتقول إنها استلهمتها من رواية الكاتبة التونسية خولة حمدي «غربة الياسمين».



إطار أندرو سكوت المكسور وصبيُّ السترة الحمراء يُحرِّران أحزانه

الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)
الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)
TT

إطار أندرو سكوت المكسور وصبيُّ السترة الحمراء يُحرِّران أحزانه

الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)
الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)

الشكل الإنساني بالسترة الحمراء والبنطال الرمادي، يتحرّك وسط الأُطر فيُحرّرها من ثباتها ويمنحها أنفاس الحياة. رسمُ الفنان الأميركي أندرو سكوت ظاهرُه فكرةٌ واحدة، وفي عمقه ولّادٌ وغزير. بطلُه بشريٌ يُطلق سراح المحبوس ويُجرّده من سجّانه؛ وهو هنا إطار اللوحة. ذلك القادر على ضبطها والتحكُّم بمساحتها، ثم إحالتها على قدرها: معانقة الجدار. التحريك الطارئ على المشهد، يُعيد صياغته بمَنْحه تعريفاً جديداً. الحركة والفعل يتلازمان في فنّ أندرو سكوت، على شكل تحوّلات فيزيائية تمسّ بالمادة أو «تعبث» بها لتُطلقها في فضاء أوسع.

صبيُّ الفنان يتحرّك وسط الأُطر فيُحرّرها من ثباتها (أندرو سكوت)

في ثلاثينه (مواليد 1991)، يمتاز أندرو سكوت بفرادة اللمسة لإضفائه تعديلاً على مفهوم الإطار، ومَيْله إلى تفضيل الوسيط المُحطَّم، مثل الزجاج، وما يطمُس الخطّ الفاصل بين الموضوع وحدوده، فإذا بالإطار المكسور يستميل الناظر إليه ويوقظ سؤال الـ«لماذا»؛ جرَّار الأسئلة الأخرى.

تُحاور «الشرق الأوسط» الفنان الشهيرة حساباته في مواقع التواصل، والمعروضة أعماله حول العالم؛ من إيطاليا وألمانيا إلى نيويورك... يعود إلى «سنّ مبكرة من حياتي حين شغفني الفنّ وكوَّنتُ ذكريات أولى عن الإبداع بحبسي نفسي في غرفتي بعد المدرسة للرسم لساعات». شكَّلت عزلته الإبداعية «لحظات هروب من العالم»، فيُكمل: «بصفتي شخصاً عانيتُ القلق المتواصل، بدا الفنّ منفذاً وتجربة تأمّلية».

يمتاز بفرادة اللمسة لإضفائه تعديلاً على مفهوم الإطار (أندرو سكوت)

لكنَّ الإنجاز الفنّي لم يكن دائماً جزءاً من حياته: «في سنّ الـ13 تقريباً، تضاءل شغفي بالرسم. هجرتُ قلمي حتى سنّ الـ28. طريقي إلى الفنّ طويلة ومتعرّجة. لـ10 سنوات عملتُ في كتابة الإعلانات، وخضتُ تجربة زواج فاشل. أدمنتُ المُخدِّر وواجهتُ تحدّيات أخرى. بُعدي عن الفنّ لـ15 عاماً، شكَّل أسلوبي».

تسلَّل عدم الرضا لتعمُّق المسافة بينه وبين الرسم: «شعرتُ بحكَّة إبداعية، ولم أكن متأكداً من كيفية حكِّها! التبس السبب وراء عجزي عن العودة إلى الرسم. تفشَّى الوباء وفقدتُ وظيفتي، لأقرر، هنا فقط، إحياء شغفي بالإبداع».

شخصيته أقرب إلى الانطوائية، باعترافه، ويفضِّل عدم الخوض في مسارات حياته، وإنْ لمحاولة التعمُّق في قراءة فنّه. ذلك يُفسّر تطلُّعَه إلى شهرته في مواقع التواصل، بأنها «أقرب إلى الشرّ الضروري منه إلى المتعة». فتلك المساحة المُضاءة تُشعره بأنه «فنان بدوام كامل»؛ يُشارك أعماله مع العالم. لكنَّ متعة هذا النشاط ضئيلة.

وماذا عن ذلك الصبي الذي يتراءى حزيناً، رغم ارتكابه فعلاً «حراً» بإخراج الإطار من وظيفته؟ نسأله: مَن هو صبيّك؟ فيجيب: «أمضيتُ فترات من الأحزان والوحدة. لم يحدُث ذلك لسبب. على العكس، أحاطني منزل العائلة بالأمان والدفء. إنها طبيعتي على الأرجح، ميَّالة إلى الكآبة الوجودية. أرسم الطفل ليقيني بأنه لا يزال ثمة واحد في دواخلنا جميعاً. جوابي على (مَن هو صبيُّك؟) يتغيَّر. على الأرجح إنه بعضي».

رغم سطوع الحزن، يتلألأ الأمل ويعمُّ في كل مرة يُكسَر الإطار لتخرج منه فكرة مضيئة. يؤيّد أندرو سكوت هذه النظرة. فالأُطر المكسورة تُشبه مرايا حياته. لسنوات ارتمى في الفخّ، ثم تحرَّر: فخّ العادة السيئة، الكسل، التأجيل، العجز، والتخبُّط. كسرُه الإطار إعلانٌ لحرّيته.

لعلَّ إعلان الحرّية هذا يشكّل إيماناً بالنهايات السعيدة ويجترح مَخرجاً من خلال الفنّ. فأندرو سكوت يفضِّل فناً على هيئة إنسانية، لا يركُن إلى الأفراح حسراً، لاستحالة ثبات الحالة النفسية والظرف الخارجي على الوضع المُبهج. يقول: «أحب تصوير الحالة الإنسانية، بنهاياتها الحلوة والمريرة. ليست كل الأشياء سعيدة، وليست أيضاً حزينة. أمام واقعَي الحزن والسعادة، يعكُس فنّي النضال والأمل».

وتُفسِّر فتنتُه بالتحوّلات البصرية ضمن الحبكة، إخراجَ الإطار من دوره الكلاسيكي. فالتفاعل مع الأُطر من منطلق إخضاعها للتحوّل البصري النهائي ضمن حبكة الموضوع، ولَّده «بشكل طبيعي» التفكير بمعرضه الفردي. يقول: «لطالما فتنتني المنعطفات البصرية في الحبكة. لم يتأثر أسلوبي بفنانين آخرين. أمضيتُ معظم حياتي خارج عالم الفنّ، ولم أكُن على دراية بعدد من فناني اليوم المعاصرين. بالطبع، اكتشفتُ منذ ذلك الحين فنانين يتّبعون طرقاً مماثلة. يحلو لي التصديق بأنني في طليعة مُبتكري هذا الأسلوب».

فنُّ أندرو سكوت تجسيد لرحلته العاطفية وتأثُّر أعماله بالواقع. يبدو مثيراً سؤاله عن أعمال ثلاثة مفضَّلة تتصدَّر القائمة طوال تلك الرحلة، فيُعدِّد: «(دَفْع)، أو (بوش) بالإنجليزية؛ وهي الأكثر تردّداً في ذهني على مستوى عميق. لقد أرخت ظلالاً على أعمال أخرى قدّمتها. أعتقد أنها تُجسّد الدَفْع اللا متناهي الذي نختبره نحن البشر خلال محاولتنا الاستمرار في هذا العالم».

يرسم الطفل ليقينه بأنه لا يزال ثمة واحد في دواخلنا (أندرو سكوت)

من المفضَّل أيضاً، «المقلاع»: «هي من الأعمال الأولى التي غمرها الضوء، ولها أمتنُّ. لقد شكَّلت تلك القطعة المُبكِرة كثيراً من نجاحي. أحبُّ رمزية المقلاع، فهي اختزال للبراءة والخطيئة في الوقت عينه».

ثالث المفضَّل هي «الغمّيضة»، أو «الاختباء والبحث»: «قريبة وعزيزة على قلبي لتحلّيها بالمرح. أراها تُجسّد نقاء الطفولة وعجائبها. إنها أيضاً اكتشاف مثير للاهتمام لشكل الإطار. فهو يرتكز عادةً، ببساطة، على مستوى واحد، وإنما هنا ينحني باتجاه الزاوية. أودُّ اكتشاف مزيد من الأفكار القابلة للتلاعب بالأشكال مثل هذه الفكرة».

هل تتأكّد، بهذا التفضيل، «مَهمَّة» الفنّ المتمثّلة بـ«حَمْل الرسالة»؟ رغم أنّ أندرو سكوت لا يعتقد بوجود قواعد عالمية في الفنّ، وإنما آراء شخصية فقط، يقول: «بالنسبة إليّ، الرسالة هي الأهم. ربما أكثر أهمية من مهارة الفنان. لطالما فضَّلتُ المفهوم والمعنى على الجمالية عندما يتعلّق الأمر بجودة الخطوط والألوان. أريد للمُشاهد أن يُشارك رسائلَه مع أعمالي. وبدلاً من قيادة الجمهور، أفضّل إحاطة فنّي بالغموض، مما يتيح لكل فرد تفسيره على طريقته».