صراع «القاعدة» و«داعش» ينتقل للإصدارات المرئية

«حديث العائدين» يُكذب «البادئ أظلم» ووكالة «أعماق»

«حديث العائدين» الذي بثه «القاعدة» عن «داعش» (الشرق الأوسط)
«حديث العائدين» الذي بثه «القاعدة» عن «داعش» (الشرق الأوسط)
TT

صراع «القاعدة» و«داعش» ينتقل للإصدارات المرئية

«حديث العائدين» الذي بثه «القاعدة» عن «داعش» (الشرق الأوسط)
«حديث العائدين» الذي بثه «القاعدة» عن «داعش» (الشرق الأوسط)

انتقل الصراع بين تنظيمي «داعش» و«القاعدة» من الأرض إلى الإصدارات المرئية؛ إذ بث «القاعدة» إصداراً صوتياً لـ«منشقين» عن «داعش» تحدثوا عن خداع التنظيم، في حين يواصل «داعش» بث إصدارات ومقاطع لتأكيد أنه «باق» رغم الهزائم، وأنه الأقوى بين التنظيمات الإرهابية. يقول خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، إن «حرب الإصدارات إفلاس، ومحاولة لإثبات الوجود في ظل فشل كبير».
صدر أخيراً إصدار مرئي بعنوان «حديث العائدين» مدته 12 دقيقة، ضم رواية لأحد عناصر «داعش»، ضمن 3 عناصر ظهروا في الإصدار. قالت عنهم «القاعدة» إنهم «انشقوا عن (داعش)، وتحدثوا عن الإعلام الكاذب للتنظيم»، أصدرته مؤسسة «هداية» للإنتاج الإعلامي التابعة لـ«القاعدة». وبدأ الإصدار المرئي الذي حمل أسماء حركية هي «قربان، وحارث، وأسامة» بنشيد احتوى على كلمات، تُذكر بالموت، وضرورة التوبة إلى الله، في تقليد لإصدارات «داعش» التي اعتاد عليها.
يأتي هذا في وقت لا تزال مشكلة «العائدين» من «داعش» تمثل إشكالية كبيرة، وتنشر القلق في أوروبا بعد انحسار التنظيم وفرار معظمه من العراق وسوريا. وقال مراقبون إن «مشكلة الدول تكمن في وجود تخوفات من إقدام الفارين من (داعش) على ممارسة العنف والإرهاب داخل حدودها، وبخاصة مع عدم وجود بيانات تفصيلية لهؤلاء (العائدين)».
وأكد المراقبون «عادة ما تبدأ شهادة (العائدين) من التنظيمات الإرهابية في أي إصدار صوتي بتسجيل موقف الندم، والحسرة على الاختيارات التي دفعتهم إلى ذاك الطريق، وأحياناً يتهمون أنفسهم بالسذاجة والسطحية».

- أكاذيب «داعش»
بدأ الحركي «قربان» حديثه، بأن «(داعش) تلاعب بالإعلام خلال حربه مع (القاعدة) في قيفة بالقريشية، إحدى مديريات محافظة البيضاء اليمنية، واستخدموا سلاح (بي كي) وهو سلاح رشاش متوسط يجمع صفات كل من الكلاشينكوف والغرينوجوف، وقتلوا عناصر (القاعدة) وأسروهم»، مستشهداً بإصدار «داعش» «البادئ أظلم» الذي كشف كذب التنظيم؛ إذ خطف 13 من «القاعدة»، وعندما ردت «القاعدة» اشتكى التنظيم بأنه مظلوم، مؤكداً أن «(داعش) يدعي زيفاً بأن التنظيم لا يزال ثابتاً في مواقعه للزج بعناصره في حرب لا يعرف أحد مداها، وقد انسحب من أكثر المواقع التي كان فيها، ويدعي أنه يسطر الملاحم... والحقيقة أنه يقتل الأطفال، ويقوم بإطلاق النار على عامة الناس، فقد قام التنظيم بقنص طفلة في قيفة لا تتجاوز العاشرة من عمرها في رأسها».
وواصل الحركي «قربان» حديثه قائلاً: «حتى نعلم مدى تلاعب الدواعش بالإعلام وكذبهم، لا بد من مشاهدة مقطع لوكالة (أعماق) التابعة للتنظيم، والذي ظهر فيه شخص يقال عنه أن اسمه الحركي أبو مسلم الهاشمي، وأظهرت الوكالة أنه منشق عن (القاعدة)»، مضيفاً: «أبو مسلم هذا حينما حضر إلى (داعش) كنت معهم وقتها، وعقب وصوله بأيام قليلة نشروا بيننا المقطع، وحاولوا ترسيخ أنه قاعدي منشق... وعندما هربت إلى (القاعدة) بدأت أبحث عن حقيقة ما قاله أبو مسلم، فلم أجد شيئاً، وعندما سألت عن أبو مسلم، علمت أنه لم يبقَ في قيفة سوى 48 ساعة، وأنه لم يمكث مع (القاعدة) أكثر من 10 أيام وهرب إلى (داعش)، فكيف أنه مكث 12 يوماً ويحكي ما يقوم به (القاعدة) بين الناس؟».
ودعا الحركي «قربان» في نهاية حديثه عناصر «داعش» أن يفيقوا بعدما غيبوهم عن الواقع، وأن يعلموا أن ما يقوم به القادة ظُلم. ودعاهم للمغادرة؛ حتى لا يندموا. كما دعا المناصرين المتعصبين مثله أن «يسمعوا من كل الأطراف».

- إصدارات قديمة
سبق إصدار «القاعدة»، إصدارات مرئية كثيرة لـ«داعش» لتأكيد البقاء، وأنه ما زال الأقوى على الأرض من «القاعدة» وتنظيمات الإرهاب الأخرى، إذ بث تنظيم «ولاية سيناء» الفرع المصري لـ«داعش» إصداراً مرئياً، عرض فيه لقطات مصورة، قال عنها: «إنها حديثة لاستهداف عربات ومدرعات وكمائن أمنية في شمال سيناء»... كما بث الفرع اليمني لـ«داعش» إصداراً مرئياً بعنوان «اثاقلتم إلى الأرض»، ضم عدداً من اللقطات القديمة، التي نشرتها المكاتب الإعلامية للتنظيم في سوريا والعراق، لما أسمته تطبيق الأحكام الشرعية داخل معاقل التنظيم... وسبق ذلك إصدار مرئي حمل اسم «صولات الموحدين 2» عن ما يسمى بالمكتب الإعلامي للبركة التابع لـ«داعش» كشف عن سعى التنظيم لتصدير صورة مشاركة عناصر نسائية مكشوفة الوجه في القتال ضد عناصر الجيش السوري؛ وذلك في محاولة من التنظيم لكسب وتجنيد عناصر جديدة من المتعاطفات معه.
تعليقاً، قال عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية: إن «(حرب الإصدارات) ما هي إلا إعلان حالة إفلاس بشكل كامل من كلا التنظيمين». بينما أكد رسمي عجلان، الباحث في شؤون الحركات المتطرفة، أن «(داعش) و(القاعدة) يحاولان إثبات وجودهما في ظل فشل كبير، والتنظيمان يحاولان تعويض ما فقداه من الشباب في العراق وسوريا وغيرهما من الدول».
وما زال «القاعدة» يُقدم نفسه على أنه في طليعة «القتال» ضد أميركا وروسيا وبريطانيا، وأصحاب منهج صحيح، على خلاف «داعش» الذي يصفه بـ«الغلاة».
ويرى مراقبون أن «كثيراً من الجماعات والتنظيمات الإرهابية التي تلقت تدريبات على يد عناصر (القاعدة)، انفصلت عن التنظيم خلال السنوات الماضية وانضمت إلى تنظيمات أخرى مثل (داعش)... ويسعى (القاعدة) لضم هؤلاء (الدواعش) عقب الهزائم التي لحقت بهم في سوريا والعراق خلال الأشهر الأخيرة.

- ما بين البغدادي والظواهري
الصراع بين «داعش» و«القاعدة» ليس فقط في الإصدارات؛ بل تلاسن غير ظاهر من وقت إلى آخر بين قيادات التنظيمين، ففي أغسطس (آب) الماضي، بث زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي إصداراً مرئياً عبر «أعماق» حث فيه أتباعه على العنف والقتل... وبعده ظهر أيمن الظواهري زعيم «القاعدة» في إصدار مرئي آخر محاولاً إثبات وجود تنظيمه على الساحة، بدعوته المسلمين بالتوحد معه لمواجهة الإرهاب – على حد زعمه.
كما ظهر الظواهري في أبريل (نيسان) 2018 في إصدار «بُشرى النصر لأهلنا في مصر»، حاول من خلاله استمالة شباب تنظيم «الإخوان»، والأحزاب الإسلامية للانضمام إلى التنظيم... وسبقه إصدار بثه «داعش» حمل اسم «حماة الشريعة» شن هجوماً على الأحزاب الإسلامية في مصر؛ لكنه داعب حينها شباب «الإخوان».
وقال عجلان: إن «طبيعة التيارات والجماعات المتشددة حدوث تشظٍ وصراعات داخلية بينها تحت لافتات التكفير المُتبادل؛ فـ(داعش) كان تطوراً طبيعياً لـ(القاعدة)».
وأكد المراقبون، أن «مصطلح (العائدين) من (داعش) شهد تغيراً كبيراً بعد هزيمة التنظيم في سوريا والعراق؛ فقد كان يُطلق في البداية - قبل هزيمة التنظيم - على بعض المنضمين إليه ممن خُدعوا بدعايته، ثم سرعان ما اكتشفوا - بعد انضمامهم إليه - أن الأوضاع على أرض الواقع تختلف اختلافاً جذرياً عما يروجه التنظيم؛ لذا قرروا تركه والعودة إلى بلادهم... وبعد هزيمة التنظيم أصبح المصطلح يحمل معنى مغايرا تماماً؛ إذ لا يمكن الجزم بما إذا كان هؤلاء (العائدون) لا يزالون يحملون الفكر الداعشي أم لا؟، وقد أعربت الكثير من حكومات الدول الغربية عن خوفها الشديد من هؤلاء».

- مواقع التواصل
من جهته، قال الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر، مدير مرصد الفتاوى التكفيرية بدار الافتاء المصرية: إن «هناك تخوُفاً آخر يظهر في الأفق، وهو احتمالية الانتقال لهؤلاء (العائدين) بين التنظيمات التكفيرية والإرهابية، كما هو الحال بين (القاعدة) و(داعش)، وبخاصة مع أفول نجم (داعش)، وبروز تنظيم (القاعدة) وإعادة لملمة صفوفه وتنظيم قوته».
ويستغل «داعش» و«القاعدة» شبكات الإنترنت لبث ونشر الإصدارات المختلفة على نطاق أوسع. وفي دراسة لدار الافتاء المصرية أشارت إلى أن «التنظيمات المتطرفة توسعت في استخدام شبكات الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي باعتبارها ملاذاً آمناً، لبث أفكارهم المتطرفة ولتنفيذ مشروعها الآيديولوجي».
الدراسة، التي جاءت بعنوان «استراتيجيات وآيديولوجيات الجماعات الإرهابية في تجنيد الشباب عبر الإنترنت»، أعدها مرصد الفتاوى، أكدت أن «شبكات ومواقع ومنصات التواصل الاجتماعي تمثل جامعة إلكترونية لإعداد وتجنيد (الذئاب المنفردة) أو (الانفراديين)، وأداة خصبة لنشر أفكارهم المتطرفة، حيث تقوم تلك التيارات بتصنيف مواقع التواصل وفق استخدامه المناسب».
وصنفت دراسة الإفتاء مواقع التواصل وفق استغلال «داعش»، حيث أكدت أن «(فيسبوك) يساعد التنظيم في تجنيد (الذئاب المنفردة) بسهولة عبر استدراج الشباب وتجنيدهم بطريقة غير مباشرة... أما (تويتر) فيستخدم لنشر الأخبار الترويجية للأفكار المتطرفة... و(تليغرام) للمساهمة في نشر أدبيات التنظيم وكتاباته وروابط تقاريره المصورة والمرئية لترويج نجاحه المزيف في ساحات القتال... في حين يستغل التنظيم قنوات (يوتيوب) لتمكين مشاركيه من تحميل الفيديوهات قبل الحذف».


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».