توسعت الشركات خلال السنوات الماضية بقوة في إصدار السندات الخاصة. وكان لافتاً بالنسبة للخبراء المصرفيين الألمان حجم هذه السندات الهائل، الذي أغرق الأسواق المالية، متجاهلاً المخاوف من تكرار أزمات مالية، كتلك التي طغت على العالم في 2008، في الوقت الذي تحذّر فيه منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية من ارتفاع مستوى المخاطر بنسبة كبيرة من هذه السندات.
يقول الدكتور ألان بارنارد، الخبير الاقتصادي الدولي في مصرف «كوميرس بنك» الألماني، إن تعاظم إصدارات السندات الخاصة أتى تزامناً مع تحركات المصارف المركزية التي تبنّت نسب فوائد تحت الصفر، لانتزاع الاقتصاد العالمي من براثن الكساد بعد الأزمة المالية العالمية في 2008. وبهذا وجدت الشركات الخاصة في هذه التحركات فرصة ذهبية لا تفوّت، للحصول على تمويل غير محدود لخططها المالية. وتسبب تعطّش المستثمرين الدوليين لجني الأرباح في توجههم نحو سندات عالية المخاطر، مما مكن الشركات المالية من زيادة قدراتها على إغراق الأسواق المالية ببحر من سنداتها الخاصة.
ويضيف أن اتجاه المصارف المركزية لضخّ مليارات الدولارات من السيولة المالية حول العالم، في مواجهة مخاطر الكساد، مهد الطريق أمام الشركات الخاصة في الدول النامية لإصدار سندات مالية، كان مردودها يرتفع كلما زادت مخاطرها. وبما أن المصارف المركزية قررت سحب سيولتها المالية من الأسواق في الوقت الراهن، فستتحول سندات الشركات الخاصة إلى قنبلة مؤقتة قد تنفجر في أي لحظة، حاصدة معها آلاف الضحايا من المستثمرين الذين سيخسرون من دون شك كل أموالهم أو جزءاً منها.
ويتابع: «في الفترة الممتدة بين عامي 2008 و2018 أصدرت الشركات الدولية الخاصة ما مجموعه 1.7 تريليون دولار من السندات الخاصة سنوياً، مقارنة بما إجماليه 864 مليار دولار سنوياً قبل عام 2008، أي قبل اندلاع الأزمة المالية العالمية. وفيما يتعلق بالشركات المنتمية إلى اقتصادات الدول المتقدمة التي تستأثر سنداتها الخاصة بنحو 79 في المائة مما يتوافر في الأسواق المالية، فزاد حجم إصداراتها لسنداتها 70 في المائة، لتصل قيمتها إلى 10 تريليونات دولار. أما في الأسواق النامية، فإن حجم إصدارات سندات شركاتها الخاصة قفز 395 في المائة في الأعوام العشرة الأخيرة، مقارنة بما قبل عام 2008، بفضل نمو اقتصاد التنين الصيني. واليوم يصل إجمالي السندات الخاصة إلى 13 تريليون دولار حول العالم».
ويوضح: «تكمن المشكلة اليوم في نوعية السندات الخاصة، بصرف النظر عن عددها المرتفع جداً؛ لأن تصنيفها الائتماني من حيث الموثوقية تراجع بشكل واضح. فعدد السندات التي تتمتع بأعلى قدر من الجودة، وتنطوي على أقل مستوى من المخاطر الائتمانية، أو تلك التي تتمتع بجودة عالية وتنطوي على مخاطر ائتمانية ضعيفة، يتراجع تدريجياً».
ويضيف: «قبل عشرة أعوام كانت السندات المصنّفة ائتمانياً (بي بي بي) أي أنها ذات جودة ائتمانية متوسطة، تستأثر بنحو 30 في المائة من السندات الخاصة الموجودة في الأسواق المالية الدولية، أما اليوم فهي تستأثر بأكثر من 54 في المائة منها. علماً بأن كافة السندات التي تحصل على درجة تصنيف ائتماني ما دون (بي بي بي) هي ذات جودة ائتمانية منخفضة، وعادة ما يشار إليها باسم السندات الرديئة. وينذر ارتفاع عدد السندات المصنّفة (بي بي بي) باقتراب عدد ضخم من السندات الخاصة إلى تصنيفه كسندات رديئة. وهذا قد يشمل سندات قيمتها نصف تريليون دولار في أقل من عام، لا سيما أن شبح التباطؤ الاقتصادي لن يتلاشى بسهولة. ويشير التصنيف الائتماني لدرجة استثمار إلى انخفاض مخاطر التخلّف عن سداد الائتمان. مما يجعلها أداة استثمار جذابة بات لمعانها يقلّ في عيون المستثمرين الدوليين يوماً تلو الآخر».
سندات الشركات الخاصة تغرق الأسواق رغم ارتفاع مخاطرها
سندات الشركات الخاصة تغرق الأسواق رغم ارتفاع مخاطرها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة