صورة المرأة في الإعلام المغربي... سقطات في فخ «الصورة النمطية»

منصات التواصل الاجتماعي تحاسب القنوات بعد تعذر الميثاق الوطني عن ذلك

بعض الإعلانات التلفزيونية تظهر المرأة في صورة دونية أو مهينة إلا أن التحرك لإيقافها أو التعبير عن رفضها يتم بشكل محدود
بعض الإعلانات التلفزيونية تظهر المرأة في صورة دونية أو مهينة إلا أن التحرك لإيقافها أو التعبير عن رفضها يتم بشكل محدود
TT

صورة المرأة في الإعلام المغربي... سقطات في فخ «الصورة النمطية»

بعض الإعلانات التلفزيونية تظهر المرأة في صورة دونية أو مهينة إلا أن التحرك لإيقافها أو التعبير عن رفضها يتم بشكل محدود
بعض الإعلانات التلفزيونية تظهر المرأة في صورة دونية أو مهينة إلا أن التحرك لإيقافها أو التعبير عن رفضها يتم بشكل محدود

قبل أسابيع فقط وبمناسبة اليوم العالمي للمرأة، أعلنت وزارة الثقافة والاتصال المغربية عن إصدار «دليل مكافحة القوالب النمطية القائمة على التمييز على أساس النوع الاجتماعي في وسائل الإعلام بالمغرب». كانت تلك مناسبة لتذكير المسؤولين الحكوميين بتوفر المغرب على «ترسانة» قانونية مهمة وضعت بهدف «النهوض بثقافة المساواة بين الجنسين ومحاربة التمييز، بما في ذلك الصور النمطية التي تحط من كرامة المرأة».
المبادرة التي أطلقتها وزارة الثقافة والاتصال بمساهمة الاتحاد الأوروبي ليست الأولى في هذا الاتجاه، فقبل 14 عاما أعلن في المغرب عن إصدار «الميثاق الوطني لتحسين صورة المرأة في الإعلام» وهو أول ميثاق من نوعه قدم في شكل احتفالي على اعتبار أنه خطوة رائدة ووقع عليه آنذاك في 9 مارس (آذار) 2005 من قبل نقابة الصحافيين المغاربة وعدد من القطاعات الحكومية المعنية، إلا أن الميثاق وما يتضمنه من آليات ومواد محفزة على التغيير، ظل حبرا على ورق. «الشرق الأوسط» اتصلت بأمينة خرشاف، رئيسة المرصد للسؤال عن مصير هذا التقرير إلا أنها اعتذرت عن الجواب.
يبقى السؤال الذي يطرح نفسه بشدة هو: لماذا لا يرى أثر كبير لهذه الترسانة القانونية؟
تجيب الإعلامية والنائبة البرلمانية السابقة نعيمة فرح قائلة لـ«الشرق الأوسط» أنه «من ناحية القوانين، المغرب متقدم على مجموعة من الدول، إلا أن المشكل المطروح هو تنفيذ هذه التشريعات، بل وحتى التعريف بها وتفسيرها بشكل مبسط للمواطن العادي لا يتم، حتى تساهم في تغيير الصورة النمطية المتداولة عن النساء وإن كان تدريجيا».
وعلى سبيل المثال، كثيرة هي الإعلانات التلفزيونية التي تظهر المرأة في صورة دونية أو مهينة، إلا أن التحرك لإيقافها أو التعبير عن رفضها، كان يتم بشكل محدود، إلى أن ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت فاعلا أساسيا يعكس نبض الشارع تجاه أي قضية من القضايا المجتمعية، متقدمة بذلك على مختلف الآليات والمبادرات الحكومية وحتى المدنية التي تتخذ شكل مؤسسات أو منظمات وجمعيات والتي يعاب عليها أنها غير مبادرة، بل تلتحق فيما بعد بـ«الحراك» الذي يظهر أولا على مواقع التواصل الاجتماعي.
فقبل نحو عام سحبت شركة عالمية متخصصة في إنتاج مشتقات الحليب إعلانا أثار غضبا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، وكان عبارة عن حلقات برنامج يحمل عنوان «باغي نتزوج» «أريد أن أتزوج» تدور فكرته عن أم تبحث لابنها عن زوجة. ومن أجل هذا الغرض، تختار خمس فتيات لتجري لهن اختبارا في الطبخ داخل بيتها، والشابة التي تحسن إعداد الأطباق ستصبح زوجة ابنها، وقال مسؤول في الشركة إن الإعلان لم يكن غرضه الإساءة للمرأة المغربية.
وسبق للقناة التلفزيونية المغربية الثانية «دوزيم» أن سحبت أيضا إعلانا لشركة عقارات كان عرض في بداية شهر رمضان يظهر فيه ممثل كوميدي مشهور يعرض بناته على عريس حتى يتخلص منهن دفعة واحدة لأنهن يشكلن في نظره «عقوبات».
وقالت القناة إن توقيف الإعلان جاء «حرصا منها على التفاعل الإيجابي مع سائر المؤاخذات والحساسيات المعبر عنها»، مذكرة أنها «كانت سباقة إلى بلورة ميثاق خاص بتحسين صورة المرأة وضمان مشاركتها بشكل وازن في البرامج الإعلامية إبرازا لمكانتها وأدوارها الطلائعية المتعددة التي تضطلع بها داخل مجتمعنا المغربي». إلا أن القناة نفسها وبعيدا عن منطق الإعلانات التجارية تلقت إنذارا من الهيئة العليا للإعلام المرئي والمسموع، في يناير (كانون الثاني) 2017، وذلك على خلفية بثها برنامجا تضمن في إحدى فقراته نصائح عن كيفية إخفاء آثار العنف التي تتعرض له المرأة عن طريق الماكياج.
كانت فقرة البرنامج الذي يحمل عنوان «صباحيات دوزيم» قد أثار استياء واسعا، وتعرض للانتقادات، واعتبر بمثابة دعوة للتطبيع مع العنف الموجه ضد النساء، حيث أقدمت مختصة في التجميل على وضع مستحضرات قصد إخفاء آثار العنف على الوجه، والحيل التي يجب اللجوء إليها حتى تبدو المرأة عادية وتتمكن من الذهاب إلى العمل من دون أن يلاحظ أحد آثار الكدمات على وجهها، وذلك «في غياب أي شجب أو مناهضة من لدن مذيعات البرنامج، وكأن الأمر لا يعدو سوى أن يكون أمرا طبيعيا، ما من شأنه أن يكرس صورة (المرأة الضحية) ويشجع، ولو بشكل ضمني، على التطبيع مع ظاهرة العنف ضد النساء، وذلك في تعارض مع مجهودات والتزامات المغرب في مكافحة ذلك»، حسب قرار الهيئة.
جدير بالذكر أن دور نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب لم يعد مقتصرا على ملاحقة الصورة المسيئة للمرأة المغربية في الإنتاجات المحلية فحسب، سواء من خلال الإعلانات أو الأعمال الدرامية والفكاهية، بل يرصدون أيضا ما تعرضه القنوات التلفزيونية العربية من مسلسلات. بعضها ما زال مصرا على تصوير المرأة المغربية في أدوار لها علاقة بالسحر والشعوذة.
وقالت خديجة منفلوطي، رئيسة الائتلاف الوطني للمناصفة لـ«الشرق الأوسط» إن «مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت تلعب دورا مهما وأساسيا في رصد بعض الصور المسيئة للنساء في وسائل الإعلام لا سيما ما يعرض على التلفزيون»، إلا أن هذا الدور في رأيها يبقى «مجرد رد فعل غير مقنن أثره آني ومحدود»، لافتة إلى حدوث تجاوزات من قبل هذه المواقع تجعلها من الوسائل التي تسيء لصورة المرأة، وذلك عبر تضخيم بعض القضايا والأحداث التي تكون النساء طرفا فيها بحكم أنها تلقى رواجا أكثر، ويصل صداها بسرعة إلى الخارج، الأمر الذي يعطي صورة غير مشرفة عن المغرب.
الرأي نفسه عبرت عنه النائبة السابقة فرح، إذ قالت: «الملاحظ أن عددا من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب كانوا سباقين إلى لفت الانتباه إلى بعض الإعلانات التي صورت المرأة في وضع مهين ومنها إعلان ظهر فيه شخص يجر امرأة من شعرها فتحرك رواد مواقع التواصل بشكل سريع وعبروا عن استنكارهم وشجبهم للإعلان ما أدى إلى سحبه بشكل فوري»، إلا أن فرح تأسفت في المقابل لكون هذه المواقع نفسها تعيد إنتاج الصورة الدونية للنساء عبر نشر أو إعادة نشر فيديوهات مسيئة للنساء، معتبرة تلك المواقع بأنها «سلاح ذو حدين».
وأوضحت فرح أن «الصورة المتداولة للنساء المغربيات في الإعلام ما زالت هي نفسها لم تتغير، وتسيء إليها وإلى واقعها وحتى إلى القوانين وإلى الدستور الذي جاء بالمناصفة والمساواة»، موضحة أن الصورة التي تقدم للمشاهد في وسائل الإعلام ولا سيما في المسلسلات التلفزيونية هي صورة المرأة المغلوب على أمرها، الضحية أو الشريرة، وهي بذلك ترسخ لدى المتلقي النظرة الدونية للنساء أما المرأة المشعة والواثقة من نفسها والمستقلة فلا نرى لها أثرا في هذه الأعمال، لافتة إلى أن الوضع في مجال الإعلانات أسوأ.
هذا التقييم السلبي لإعلانات التلفزيونية، أكده تقرير سابق أعدته الهيئة العليا للإعلام المرئي والمسموع والذي خلص إلى أن «المادة الإشهارية (الإعلانية)المتداولة تقتصر على نقل الأدوار التقليدية للمرأة فقط، وهي بذلك تساهم بشكل بارز في تكريس الصورة النمطية نظرا لتميزها عن باقي البرامج بكونها تستمد قوتها وفعاليتها وأثرها من الإلحاح والتكرار». وأشار التقرير إلى أنه «يتم إقحام صورة المرأة في أغلب الوصلات الإعلانية الخاصة بالمنتوجات الغذائية ومواد التنظيف، وتبدو فيها تحت تأثير الخوف من رد فعل الزوج أو الحماة أو بصفتها المعنية بنظافة البيت وتقديم الوجبات للأسرة أو ثرثارة أو منشغلة بالجسد والجمال والأناقة فقط».
وبشكل حاسم، قالت منفلوطي إن الجمعيات الحقوقية والنسائية اشتغلت على موضوع صورة المرأة في الإعلام لنحو 25 عاما «لكن للأسف لحدود الساعة لا وجود لتلك الصورة التي تعكس المساواة والمناصفة التي كرسها الدستور»، مشيرة إلى أن «صورة المرأة القيادية الفاعلة في المجتمع مغيبة».


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.