نشر فيديو الذبح أو عدم نشره؟

طبعا، أدان كل الصحافيين الأميركيين (وكل أميركي تقريبا) قتل الصحافي الأميركي جيمس فولي، على يدي «داعش» الذي وزع فيديو عن القتل الذي تم ذبحا. وتحدث لصحافيين عن طريقة القتل الفظيعة هذه، مع تحاشي الحديث عن تفاصيلها. تحدثوا عن مشاهدتهم لكل، أو جزء كبير، أو جزء قليل من الفيديو، أو عدم مشاهدته.
قال واحد، خلال نقاش عن الموضوع في تلفزيون «فوكس»: «أود أن أقول لمن لم يشاهد كل الفيديو، إن زميلنا فولي كان شجاعا حتى آخر لحظة». ورد عليه آخر: «ما دمت لم أشاهد الفيديو، لا أريد أن أسمع وصفه». وعقب الأول متسائلا: «ألا يجب أن نفتخر؟ أليست هذه هي قمة الشجاعة الصحافية؟».
وقالت صحيفة «إنترناشونال بيزنس» (تصدر في نيويورك) إن «صحافيين أميركيين اشتركوا في حملة للضغط على مواقع مثل (تويتر) و(يو تيوب) لسحب الفيديو لأنه يسبب التقزز». لكن، قال آخرون إن ذلك يؤثر على حرية الصحافة «التي صار فولي شهيدا لها». وأضافت الصحيفة: «نعم، هذه حملة رقابة صحافية تطوعية، لا رقابة صحافية حكومية. لكن، منذ أن بدأ الرئيس السابق بوش الابن هذه السلسلة من الحروب، وهو، طبعا، لم يفرض رقابة حكومية على الصحافيين، يظل الصحافيون يحاولون منع الشعب الأميركي من رؤية كل صور هذه الحروب».
عن نفس الموضوع، كتبت مجلة «تايم» إن صور الحروب البشعة تضع الصحافيين في موقف حرج. وذلك للأسباب آلاتية:
أولا: يريدون تغطية شفافة.
ثانيا: يتحدون الحكومة لنشر ما لا تريد.
ثالثا: يعطفون على عواطف الناس. وقال رالف بيغيلايتار، أستاذ الصحافة في جامعة ديلاوير، ومتخصص في هذا الموضوع: «يجب أن يرى الأميركيون كل شيء. ثم يحكمون عليه». وكان رفع قضية ضد البنتاغون عام 2005 (بعد سنتين من غزو العراق) لنشر صور هجمات عسكرية على منازل في العراق، فيها قتل، واغتصاب.
وأضاف: «هل يفيدنا أن نشاهد الفيديو، ونسمع كلام الإرهابي الذي يحمل السكين؟ نعم. يمكن أن تقولوا إنه كلام خبيث، أو قذر، أو دعاية. لكن، يجب أن يسمع الأميركيون قوله إن سبب ذبح الصحافي الأميركي هو ضرب الطائرات الأميركية لتنظيمه، (داعش )». وقال برنت كانينغهام، نائب رئيس تحرير «كولومبيا جيرناليزم ريفيو» (دورية كلية الصحافة في جامعة كولمبيا، في نيويورك) إن المؤسسات الإعلامية يجب أن تنشر الفيديو، وفي نفس الوقت، تحذر الناس من محتواه الذي يدعو للتقزز. وأضاف: «لا يجب أن يشاهد الفيديو من لا يريد لكن يجب أن يكون متوفرا لمن يريد أن يشاهده. نحن نرسل الجنود ليحاربوا في دول أخرى. ونرسل الصحافيين ليغطوا هذه الحروب. لكننا لا نريد أن نشاهد فظائع الحروب».
في الجانب الآخر، قال الذين يؤيدون عدم نشر الفيديو، ناهيك بمشاهدته أو عدم مشاهدته، إنه ليس إلا دعاية للإرهابيين يوضح أنهم أقوياء، ويقدرون على «هزيمة» الأميركيين.
من بين هؤلاء رتشارد فالتز، أستاذ الصحافة في جامعة توسون (ولاية ماريلاند). قال إن «الصحافيين يجب أن يكتفوا بشرح الفيديو للقراء والمشاهدين، دون نشره».
وأضاف: «يجب ألا تخضع للرقابة أي معلومات عن قطع الرأس. لكن، نشر فيديو قطع رأس أميركي، في حرب ضد أعداء أميركا، يسبب إحباطا للشعب الأميركي. لأن العملية والدوافع إرهابية. بل، يجب ألا يري الصحافيون الفيديو، لأن رؤية قطع الرأس لا يوفر معلومات إضافية». هذا ما فعله تلفزيون «فوكس»، مع النقاش السالف الذكر عن الموضوع. لم ينشر الفيديو، ولكن وصفه كالآتي: «ظهرت في الفيديو صورة قطع رقبة فولي بسكين. ثم صورة الرقبة وقد انفصلت. ثم تهديد بقتل الصحافي الأميركي ستيفن سوتلوف بنفس الطريقة».
وكان موقع «يوتيوب» أول من نشر الفيديو. ثم بذل المستحيل لمنع نشره. وحدث نفس الشيء في موقع «تويتر». أول من نشر الفيديو كان صحافيا عربيا يعمل في تلفزيون «الحرة» الأميركية في واشنطن.
وكان النقاش عن نشر الصور والفيديوهات التي تدعو للتقزز بدأ، مع أول تدخل عسكري أميركي في الشرق الأوسط، لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي، عام 1991. في ذلك الوقت، أعلن وزير الدفاع ديك تشيني في إدارة الرئيس بوش الأب (في وقت لاحق، صار نائبا للرئيس بوش الابن) حظرا شاملا على تغطية وسائل الإعلام مراسيم عودة الصناديق التي تنقل إلى الولايات المتحدة، وفيها جثامين جنود أميركيين قتلوا في حرب تحرير الكويت. واستمر الحظر في أثناء إدارة بوش الابن.
استمر الحظر 20 عام تقريبا، حتى رفعه الرئيس أوباما في عام 2009. مع حظر صور صناديق الجثامين، لم يقدر البنتاغون على حظر صور القتال.
في عهد الرئيس بوش الابن، عند اكتشفت صور سجن أبو غريب (تعذيب جنود أميركيين، وجنديات أميركيات، لسجناء عراقيين، واحتقارهم، والتندر عليهم)، حاول بوش منع نشر الصور. وكان تلفزيون «سي بي إس» حصل عليها، وأعلن ذلك دان راثار، مقدم نشرات الأخبار المسائية. وسارع البيت الأبيض، وحاول منع نشر الصور. ورفض راثار. كلفه ذلك عداء بوش وشيني له، ثم فصله من منصبه. وكان أكبر وأهم مذيع تلفزيوني أميركي، وهو خليفة وتلميذ المذيع الأكبر وولتر كرونكايت. وكان كرونكايت، نفسه، هو أول من نقل صورا بشعة عن التدخل العسكري الأميركي في حرب فيتنام. والتي لعبت دورا كبيرا في تغيير رأي الشعب الأميركي في هذا التدخل. كان 80 في المائة من الأميركيين يؤيدون التدخل في البداية. ثم، مع تغطية كرونكايت، وغيره، انخفض التأييد إلى 50 في المائة.
في ذلك الوقت، عرف الرئيس جونسون أنه سيخسر الحرب، وأعلن أنه لن يترشح مرة ثانية لرئاسة الجمهورية (في عام 1968، فاز الرئيس نيكسون، وأعلن بداية الانسحاب من فيتنام).