برلماني معارض يهدّد رئيس الحكومة التونسية بالقتل

في ظل توتر سياسي على خلفية اتفاقية للتبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي

TT

برلماني معارض يهدّد رئيس الحكومة التونسية بالقتل

هدد النائب البرلماني فيصل التبيني، زعيم حزب صوت الفلاحين المعارض، في تدوينة عبر مواقع التواصل الاجتماعي رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد بالتصفية الجسدية، وكتب بنبرة متحدية «لو وقعت على الاتفاقية (يقصد اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق مع الاتحاد الأوروبي)، وأصبحتُ يوما في الحكم، فإني سأحكم عليك بالإعدام رميا بالرصاص في الشارع الرئيسي للعاصمة». واعتبر التبيني أن ما يريد أن يقوم به الشاهد «خيانة عظمى في حق البلاد»، وذلك قبل يوم واحد من احتفال البلاد بعيد «الجلاء الزراعي» للمستعمر الفرنسي عن تونس.
وخلفت هذه التصريحات موجة من التنديد والاستياء في صفوف الطبقة السياسية، خاصة المشاركة في الائتلاف الحاكم، فيما رأت أطراف معارضة أن هذا التصريح تم إخراجه من سياقه، وأن بعض الأحزاب التي خفت بريقها قبل الانتخابات تعمدت تضخيمه قصد استغلاله في الدعاية السياسية، على حد تعبيرها.
في هذا السياق، ندّدت حركة تحيا تونس، الحزب الذي يتزعمه يوسف الشاهد، بتصريحات التبيني، في حق رئيس الحكومة، واعتبرتها «مشينة وغير مسؤولة». مؤكدة دعمها التام للشاهد «في ظل الهجمات المتكررة التي يتعرّض لها منذ إطلاق البعض حملات انتخابية مبكرة». كما ندّدت الحركة بما سمته «الخطاب التحريضي والدعوات إلى العنف، التي بلغت مداها اليوم بالدّعوة إلى القتل»، معتبرة أن «جنوح بعض الأطراف في المعارضة لمثل هذه الشّعبوية دليل على إفلاس سياسي».
من ناحيته، صرح رئيس حزب صوت الفلاحين المعارض في شريط فيديو، نشره على مواقع التواصل، بأن تهديده ليوسف الشاهد بالقتل «جاء في إطار احتمال توقيع رئيس الحكومة على اتفاقية التبادل الحرّ المعمّق والشامل مع الاتحاد الأوروبي»، المعروفة اختصار باسم «الأليكا»، واعتبر أنها «استعمار جديد لتونس من قبل الاتحاد الأوروبي».
وقال التبيني «ليس لدي أي مشكل شخصي مع يوسف الشاهد... لكن توقيع اتفاقية التبادل الحرّ المعمّق والشامل مع الاتحاد الأوروبي يشكل خطرا يتربص بالبلاد، ويمثل استعمارا جديدا لخيراتها واستيلاء على ثرواتها».
وأضاف مبررا هجومه على الشاهد «أنا متطرف في حب تونس، وفي استقلال البلاد، ولو تم توقيع اتفاقية «الأليكا» فإن المواطن التونسي سيرى قدراته الشرائية تنهار مع حلول استعمار جديد».
وكانت عدة أحزاب معارضة قد دعت إلى وقف التفاوض حول اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق مع الاتحاد الأوروبي، وأطلقت عريضة على مواقع إلكترونية، دعت فيها المواطنين إلى معارضة هذه الاتفاقية، بحجة «تأثيرها السلبي الكبير على عدد من الأنشطة الاقتصادية»؛ وعلى رأسها القطاع الفلاحي وقطاع الخدمات والمؤسسات الصناعية الصغرى والمتوسطة. وبهذا الخصوص قال حمة الهمامي، رئيس حزب «العمال» المعارض، إن «المفاوضات بين تونس والاتحاد الأوروبي انطلقت في 29 من أبريل (نيسان) الماضي في جولتها الرابعة، لكن في ظل تعتيم إعلامي على محتواها، وغياب تفويض برلماني يسمح بالخوض في مصير التونسيين مستقبلاً، ومن دون إجراء تقييم جدي لانعكاسات اتفاق الشراكة الموقّع بين الطرفين منذ سنة 1995».
وفي السياق ذاته، طالبت مجموعة من الجمعيات الحقوقية التونسية بالوقف الفوري لمفاوضات اتفاق التبادل الحر الشامل، والمعمق مع الاتحاد الأوروبي.
على صعيد آخر أوضح عادل البرينصي، نائب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أن المساجين الذين سيتم تسجيلهم للتصويت في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة «هم من يقضون عقوبة تقل مدتها عن عشر سنوات، والذين سيتمكنون من مغادرة السجن خلال يوم إجراء الانتخابات المقررة نهاية السنة الحالية».
وكان قاضي تنفيذ العقوبات بسجن صواف بولاية (محافظة) زغوان (شمال) قد طالب هيئة الانتخابات بتمكين المساجين من الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات المقبلة، ووافقت الهيئة على طلبه، مع إمكانية تعميم الإجراء على بقية السجون التونسية حتى يتمتع من غادر السجن بحقوقه المدنية.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم