طباخو الهند يعملون بمبدأ «الطهي بلا نفايات»

محاولة لمحاربة هدر أجزاء من المكونات واستعمالها بالكامل

شراب مصنوع من قشر الرمان
شراب مصنوع من قشر الرمان
TT

طباخو الهند يعملون بمبدأ «الطهي بلا نفايات»

شراب مصنوع من قشر الرمان
شراب مصنوع من قشر الرمان

يلقى الطهي بلا نفايات اهتماما مزيدا من جانب الطهاة الهنود الذين يبذلون قصارى جهدهم للحفاظ على البيئة من خلال العمل المستمر في مطابخهم.
ومفهوم الطهي بلا نفايات بسيط للغاية، وهو يدور حول ضمان عدم إهدار أي جزء من المكونات المستخدمة في عملية إعداد الطعام. ومن ثم، فإن بقايا الطعام من القشور، والبذور، وقشور الخضراوات والفاكهة التي يتم التخلص منها في المعتاد، تجري في واقع الأمر إعادة استخدامها بطريقة مبتكرة وذكية في إعداد الأطباق التي تتميز بالطعم اللذيذ وبقدر معتبر من الاستدامة.
ويبالغ الطهاة الهنود في اعتماد مفهوم الطهي بلا نفايات لضمان عدم إهدار أي جزء من المكونات المستخدمة في إعداد الطعام لأن كثيرا من «النفايات الغذائية» ليست نفايات على الإطلاق، فهي مفعمة بالمغذيات ذات القيمة، وعوضا عن إهدارها يمكن اعتبارها فرصا غذائية جيدة من حيث المساعدة في ضمان الاستدامة مع إضافة بعد جديد من النكهات، والبنية، والقوام إلى الأطباق.
على سبيل المثال، في مطعم (وي) في مومباي، تصنع مستشارة الطهي أنوروبا بانرجي غوبتا القرنبيط المطبوخ ببطء من خلال طهي ساق القرنبيط مع حليب الصويا، والكاجو، وعجين اللوز، ثم هرسه وتصفيته تماما.
وفي تحضير آخر للطبق نفسه، يطبخ اليقطين الصغير لمدة 18 ساعة متصلة حتى يصبح جلد النبات صالحا للأكل بسهولة. وفي حين أن البطاطا الحلوة الأرغوانية تُقطع إلى رقائق نحيفة لاستخدامها في بعض الأطباق، فإن ما يتبقى منها يُطهى مع الكمون ثم يُهرس ويُصفى جيدا.
ويتزامن إعداد ذلك مع الممارسة المعيارية المتبعة في أغلب المطابخ الهندية - المتأصلة على عادات الاقتصاد والتوفير والمحافظة على الموارد - حيث يبتكر الطهاة في المنازل الاستخدامات المختلفة لما يسمى نفايات الطعام أو «المرتجعات».
وتقول الشيف فانيكا تشودري: «بالنسبة إلى فطر الموريلس وعيش الغراب البري، فلا بد من إعادة ترطيبمها في الماء الساخن قبل طبخهما. وكثير من الناس يتخلصون من المياه المستخدمة في غلي فطر الموريلس، ولكننا نعيد استخدامه مرة أخرى في إعداد عصيدة البولينتا. ونسيج فطر الموريلس خشبي صلد، والحساء المصنوع منه له نكهة مميزة للغاية، ويعد من أفضل الأطباق المصاحبة لعصيدة البولينتا على المائدة. ثم توضع البولينتا مع فطر الموريلس المطبوخ في الطماطم المحلية وحساء طماطم سان مارزانو».
القيم الغذائية للقشور والبذور

كانت مقولة «لا هدر ولا عوز» (أو ما يمكن التعبير عنه بالمثل المصري القائل «القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود» أو «من أضاع القليل أضاع الكثير»، جزءا لا يتجزأ من فلسفة الطهي الهندية عبر الأجيال. وبعض من وصفات الطهي الهندية المجربة تنبع من الاستفادة القصوى من أحد مكونات الأطعمة، على سبيل المثال، قشور القرع، أو قشور الموز.
يقول كريشنان ديناكاران، الشيف التنفيذي في مطعم «ثري دوتس أند داش»: «الوصول إلى الطعام بلا نفايات أثناء إعداد الأطباق والأطعمة اللذيذة ليس بالمهمة المستحيلة، بل كل ما يتطلبه الأمر القليل من التفكير الإبداعي. ولا شيء يعبر عن فكرة الإبداع بالموارد المحدودة أفضل من مختلف أنواع الصلصات التي نجهزها مما نعتبره في العادة من نفايات الطعام. والمشروب الصحي ذو النكهة اللذيذة مثل الشاي المصنوع من قشور الفاكهة هو من أفضل الطرق للتدفئة في الأيام الباردة، ومن أكثر النسخ الشعبية لهذه المشروبات الصحية هناك شاي قشر الرمان، وشاي قشر البرتقال، وشاي قشر التفاح. وتحمل هذه القشور كثيرا من مضادات الأكسدة (مثل فلافونويد، وفينوليكس، وأيثيوسيانيدين) التي يكثر وجودها في القشور عن اللب الداخلي من الفاكهة. كذلك فإن بذور اليقطين، وبذور البابايا، وبذور الكاكايا، وحتى بذور المانجو الكبيرة هي من المكونات المليئة بالمغذيات».
والمعروف عن بذور الكاكايا أنها تمنح الراحة السريعة من عسر الهضم، وبذور البابايا من المصادر الكبيرة لصحة الكلى، وبذور اليقطين تصنع الأعاجيب للبشرة. أما بذور المانجو الغنية بالفيتامينات فيمكن استخدامها بشتى الطرق كذلك.
وتعتبر الشيف أناهيتا دهوندي، الشيف المشارك في مطعم «صودا بوتل أوبنر والا» بمدينة دلهي، التي اختيرت في مجلة «فوربس» أفضل الشخصيات تحت سن الـ30 عاما في آسيا لعام 2019 لإسهاماتها في مجال الاستدانة الغذائية، مشغولة حاليا في تنظيم ورشات العمل في المدارس من أجل تعزيز مفهوم الطهي بلا نفايات وحملة الأطباق النظيفة.
وتقول الشيف أناهيتا دهوندي: «إنني أعلم الشباب كيفية إعادة استخدام الطعام، والعمل من أجل عدم إهدار المواد الغذائية، وإنه يتحتم علينا توقير المزارعين واحترام البيئة»، وأضافت الشيف تقول: «يمكن للمرء تناول القشور. وهي ليست صالحة للأكل فحسب، وإنما هي مفيدة كذلك لصحة الإنسان. على سبيل المثال، فإن قشر الموزة متوسطة الحجم يمكن أن تحقق مساهمة كبيرة في الجرعة اليومية الموصى بها من مختلف المغذيات، في حين أن قشر التفاح يحتوي على كثير من الألياف (ومضادات الأكسدة الصديقة لقلب الإنسان) من لب التفاح نفسه. وقشور البطاطا والخيار تحتوي على كثير من الفيتامينات والمعادن كذلك. لذا، في المرة القادمة التي تصنع فيها البطاطا المهروسة أو البطاطا المقلية، قم بتقشير البطاطا بعناية فائقة ولا تتخلص أبدا من قشورها. حتى وإن احتجت إلى الخضراوات منزوعة القشرة في إعداد وصفة من الوصفات، فيمكنك قلي القشور بصورة منفصلة لصناعة الأصابع المقرمشة. وأثناء القلي، تتحول قشور الفاصوليا الخضراء والبطاطا إلى أطباق جديدة ولذيذة».
وفي فندق «سي برنسيس» في مومباي، يجري تجفيف قشور البطاطا والطماطم واستخدامها في تزيين الأطباق المقدمة للزبائن.
ويقول غارسون فرنانديز، الشيف المسؤول في الفندق: «نحاول في مطابخنا استخدام كل ما يمكن استخدامه في الطهي. ومن ذلك تجفيف قشور الطماطم والبطاطا واستعمالها في تزيين الأطباق. كما نستخدم تيجان الفراولة في تقليل محتوى شربات السكر لمنح العصير تلك النكهة الرائعة لفاكهة التوت. أما قشور القريدس وزركشة لحوم الأسماك فإنها تستخدم في إضافة النكهات للطعام، في حين تستخدم متبقيات الخضراوات في إعداد المنكهات اللذيذة. ومتبقيات الخبز كذلك تذهب إلى أحد الأطباق المبتكرة حديثا، الذي أطلق عليه اسم (لازانيا الخبز) والذي هو من وصفات الطهي الحديثة بلا نفايات».



المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
TT

المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)

تلتصق بالأرض كجذور شجرة منتصبة تصارع العواصف بصلابة بانتظار الربيع. زينب الهواري تمثل نموذجاً للمرأة العربية المتمكنّة. فهي تطهو وتزرع وتحصد المواسم، كما تربّي طفلتها الوحيدة المقيمة معها في إحدى البلدات النائية في شمال لبنان. غادرت زينب بلدها مصر وتوجّهت إلى لبنان، ملتحقة بجذور زوجها الذي رحل وتركها وحيدة مع ابنتها جومانا. تركت كل شيء خلفها بدءاً من عملها في وزارة الثقافة هناك، وصولاً إلى عائلتها التي تحب. «كنت أرغب في بداية جديدة لحياتي. لم أفكّر سوى بابنتي وكيف أستطيع إعالتها وحيدة. أرض لبنان جذبتني وصارت مصدر رزقي. هنا كافحت وجاهدت، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي رحت أنشر ما أقوم به. توسّع جمهوري ليطول الشرق والغرب. اليوم تنتظرني آلاف النساء كي يتعلمّن مني وصفة طعام لذيذة. وكذلك يكتسبن من منشوراتي الإلكترونية كيفية تحضير المونة من موسم لآخر».

"ماما الطبّاخة" تزرع وتسعد بحصاد موسم الخرشوف (ماما طباّخة)

تروي زينب لـ«الشرق الأوسط» قصة حياتها المليئة بمواقف صعبة. «كانت ابنة أختي التي رحلت في زمن (كورونا) هي ملهمتي. قبلها كنت أجهل كيف أتدبّر أمري. فتحت لي حساباً إلكترونياً، ونصحتني بأن أزود المشاهدين بوصفات طعام. وانطلقت في مشواري الجديد. لعلّ جارتي أولغا هي التي لعبت الدور الأكبر في تقدمي وتطوري. علّمتني طبخات لبنانية أصيلة. كما عرّفتني على أنواع المونة اللبنانية اللذيذة. كل ما أقوم به أصنعه من مكونات طبيعية بعيداً عن أي مواد كيمائية. أزرع وأحصد وأطهو على الحطب. أعيش بسلام في قرية نائية مع ابنتي. هنا اكتشفت معنى الحياة الهانئة والحقيقية».

تحب تحضير الطعام كي تسعد الناس حولها (ماما طباّخة)

قصتها مع الطبخ بدأت منذ كانت في الـ13 من عمرها. «كانت والدتي تعمل فأقوم بمهام المطبخ كاملة. صحيح أنني درست الفنون الجميلة، ولكن موهبة الطهي أسرتني. في لبنان بدأت من الصفر عملت في مطعم وتابعت دورات مع شيف عالمي. اكتسبت الخبرة وتعلّمت أصول المطبخ الإيطالي والصيني. ولكنني عشقت المطبخ اللبناني وتخصصت به».

تصف حياتها بالبسيطة وبأنها تعيش ع «البركة» كما يقولون في القرى اللبنانية. وعن منشوراتها تقول: «أحضّر الطبق مباشرة أمام مشاهديّ. وكذلك أي نوع مونة يرغبون في تعلّم كيفية تحضيرها. أمضي وقتي بين الأرض والحصاد والطبخ. أجد سعادتي هنا وبقربي ابنتي التي صارت اليوم تفضّل الاعتناء بالدجاج وقطف المحصول على أن تنتقل إلى بيروت. إنها ذكية وتحقق النجاح في دراستها. أتمنى أن تصل إلى كل ما تحلم به عندما تكبر. فكل ما أقوم به هو من أجل عينيها».

مع ابنتها جومانا التي تساعدها في تحضير منشوراتها الإلكترونية (ماما طباّخة)

وعن سرّ أطباقها اللذيذة ووصفاتها التي وصلت الشرق والغرب تقول: «أحب عملي، والنجاح هو نتيجة هذا الحبّ. لطالما كنت أبحث عما يسرّ من هم حولي. ومع الطبق اللذيذ والشهي كنت أدخل الفرح لمن يحيط بي. اليوم كبرت دائرة معارفي من الجمهور الإلكتروني، وتوسّعت حلقة الفرح التي أنثرها. وأسعد عندما يرسلون إلي نجاحهم في وصفة قلّدونني فيها. برأيي أن لكل ربّة منزل أسلوبها وطريقتها في تحضير الطعام. وأنصح النساء بأن تحضّرن الطعام لعائلتهن بحبّ. وتكتشفن مدى نجاحهن وما يتميّزن به».

لقبها «ماما الطبّاخة» لم يأتِ عن عبث. وتخبر «الشرق الأوسط» قصّتها: «كانت جومانا لا تزال طفلة صغيرة عندما كان أطفال الحي يدعونها لتناول الطعام معهم. ترفض الأمر وتقول لهم: سأنتظر مجيء والدتي فماما طباخة وأحب أن آكل من يديها. وهكذا صار لقب (ماما الطباخة) يرافقني كاسم محبب لقلبي».

ببساطة تخبرك زينب كيف تزرع وتحصد الباذنجان لتحوّله إلى مكدوس بالجوز وزيت الزيتون. وكذلك صارت لديها خبرة في التعرّف إلى الزعتر اللذيذ الذي لا تدخله مواد مصطنعة. حتى صلصة البيتزا تحضّرها بإتقان، أمام كاميرا جهازها المحمول، وتعطي متابعيها النصائح اللازمة حول كيفية التفريق بين زيت زيتون مغشوش وعكسه.

تحلم زينب بافتتاح مطعم خاص بها ولكنها تستدرك: «لا أملك المبلغ المالي المطلوب، إمكانياتي المادية بالكاد تكفيني لأعيل ابنتي وأنفّذ منشوراتي الإلكترونية. فشراء المكونات وزرع المحصول وحصاده والاعتناء بالأرض عمليات مكلفة مادياً. والأهم هو تفرّغي الكامل لعملي ولابنتي. فأنا لا أحب المشاركة في صبحيات النساء وتضييع الوقت. وعندما أخلد إلى النوم حلم واحد يراودني هو سعادة ابنتي».

مؤخراً صارت «ماما الطبّاخة» كما تعرّف عن نفسها على صفحة «تيك توك»، تصدّر المونة اللبنانية إلى الخارج: «زبائني يتوزعون على مختلف بقاع الأرض. بينهم من هو موجود في الإمارات العربية والسعودية ومصر، وغيرهم يقيمون في أستراليا وأوروبا وأميركا وبلجيكا وأوكرانيا. أتأثر إلى حدّ البكاء عندما ألمس هذا النجاح الذي حققته وحدي. واليوم صرت عنواناً يقصده كل من يرغب في الحصول على منتجاتي. وأحياناً سيدة واحدة تأخذ على عاتقها حمل كل طلبات جاراتها في بلاد الاغتراب. إنه أمر يعزيني ويحفزّني على القيام بالأفضل».

لا تنقل أو تنسخ زينب الهواري وصفات طعام من موقع إلكتروني أو من سيدة التقتها بالصدفة. «أتكّل على نفسي وأستمر في المحاولات إلى أن أنجح بالطبق الذي أحضّره. لا أتفلسف في وصفاتي، فهي بسيطة وسريعة التحضير. أدرك أن مهنتي صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء. ولكنني استطعت أن أتحدّى نفسي وأقوم بكل شيء بحب وشغف».