الكاتشاب صلصة آسيوية... والأميركيون أدخلوا عليها التحلية

وصفاته تعود إلى عام 1817 ويدخل فيها سمك الأنشوفة

الكاتشاب صلصة آسيوية... والأميركيون أدخلوا عليها التحلية
TT

الكاتشاب صلصة آسيوية... والأميركيون أدخلوا عليها التحلية

الكاتشاب صلصة آسيوية... والأميركيون أدخلوا عليها التحلية

كانت أولى وصفات الكاتشاب عام 1817 تحتوي على سمك الأنشوفة، أما الوصفات التي لا تحتوي عليها وتعتمد بشكل رئيسي على الطماطم (البندورة) فقد ظهرت في كتاب الطبخ الأميركي ربات بيوت فرجينيا - The Virginia Housewife الذي ألفته ماري راندولف ابنة عم توماس جيفرسون عام 1824.
وحول تاريخ الكاتشاب، يقال إن الطهاة الأميركيين بدأوا بتحلية الكاتشاب في القرن التاسع عشر، وإن الناس آنذاك كانوا أكثر تقبلا لتناول البندورة كجزء من منتج عالي التجهيز تم طهيه وتغذيته بالخل والتوابل بدلا من البندورة الجاهزة.
وتقول الموسوعة الحرة في هذا الإطار، إن بيع صلصة البندورة في البداية كان يتم في أميركا محليا من قبل المزارعين. وكان جوناس يركس أول مواطن يبيع ويوزع كاتشاب البندورة على المستوى الوطني في زجاجة بحلول عام 1837. بعد ذلك بوقت قصير، أطلقت شركة هاينز صلصة البندورة عام 1876. وتضيف الموسوعة أنه تم الإعلان عن كاتشب بندورة هاينز على أنه: «نعمة مباركة للأم وغيرها من النساء في الأسرة!». وهو شعار أراد الإشارة العملية الطويلة والمرهقة المطلوبة لإنتاج هذا النوع من الصلصات في المنزل. ومع إنتاج الكاتشاب الصناعي والحاجة إلى عمليات حفظ أفضل ارتفعت نسبة السكر فيه، مما أدى إلى إنتاج تركيبة حلوة وحامضة حديثة.
وفي العودة إلى الأصول، تقول القصة إن الكاتشاب أصلا «صلصة آسيوية مصنوعة من السمك المخمر. ويقول البعض إنها اخترعت في الصين في القرن السادس وعرفت باسم ke - tsiap. ويقول آخرون إنها جاءت من فيتنام، وما زال آخرون يناقشون بداياتها المختلفة في جزر الهند الغربية».
ولكن الكاتشاب الحديث قد نشأ كما يبدو في السنوات الأولى من القرن العشرين وبسبب الجدل الدائر حول استخدام المركب الكيميائي الملحي بنزوات الصوديوم كمواد حافظة في الكاتشاب. إذ تحدى هرافي وايلي الأب الروحي لمؤسسة «إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة الأميركية» سلامة البنزوات التي تم حظرها في قانون الغذاء والدواء النقي لعام 1906. ورداً على ذلك اتبع هنري هاينز صاحب شركة هاينز وصفة بديلة قضت على الحاجة إلى تلك المادة الحافظة، وخصوصا أن عالمة الأحياء الدقيقة كاثرين بايتينغ أثبتت في بداية القرن العشرين أن زيادة محتوى السكر والخل في الكاتشاب يمنع التلف ويلغي الحاجة إلى المواد الحافظة.
ويبدو أن هذا التحول والرغبة في التخلص من البنزوات أدى لإيجاد كاتشاب البندورة الذي يهيمن على الأسواق حاليا. أو بكلام آخر فإن الحاجة إلى مراقبة محتويات الأطعمة المصنعة والغيرة على الصحة العامة هي التي أدت إلى ولادة هذا المنتج الشهير جدا.
وتقول بلوم في «الناشيونال جيوغرافيك»، إن هاينز استخدم وصفته الأولى لتحضير الكاتشاب من وصفة والدته التي تعتمد على حمض الساليسيليك المشتق من لحاء الأشجار، وقد انتقل في وقت لاحق إلى بنزوات الصوديوم الحافظة والرخيصة، وإن التغيير حصل بعد طرح أسئلة حول سلامة المواد الحافظة الجديدة كما ذكرنا.
وتقول المعلومات المتوفرة إن هاينز المولود في بيترسبيرغ عام 1844 وذو الأصول الألمانية، كان ذا تربية مسيحية لوثرية وكان شعاره في الحياة «افعل كل ما تستطيع. لا تعش لنفسك». وقد دخل حربا ضروسا مع الصناعيين الكبار الرافضين للتغيير في أميركا لأنه قبل تغيير التركيبة ونصائح مؤسسة إدارة الغذاء والدواء المعروفة. فقد كان هاينز يؤمن بأن نجاح أي عملية ترويج لأي منتج، يشترط أن يكون المنتج نفسه جيدا ويمكن الوثوق بصانعه كما تقول دبرة بلوم. وقد كان أول الصناعيين الكبار الذي يسمحون للعامة بزيارة مصانعه والتعرف على حجم النظافة فيها والمعاملة الحسنة التي يتلقاها العمال. والأكثر من ذلك أن هاينز بعد تغيير محتوى الكاتشاب سخر قدرات شركته للسعي لتكون رائدة في المنتجات الخالية من المواد الحافظة.
ومن بيع الخضار إلى الجيران كولد في العاشرة من العمر، تمكن هاينز من أن يصبح صناعيا كبيرا وتصنيع ما لا يقل عن 200 منتج عند بداية القرن العشرين.
أما حول أصل كلمة كاتشاب - ketchup فهناك عدة نظريات متداولة: الأولى تقول إنها جاءت من الكانتونية الصينية «keh jap» التي تعني حرفيا «صلصة بندورة - عصير بندورة «والثانية تقول إنها جاءت من منطقة فوجيان في جنوب الصين «kôe - chiap، والثالثة تقول إنها دخلت إلى الإنجليزية من المالاوية ومن كلمة kecap التي تلفظ بـ«كاتشب» والتي تعني صلصة السمك. وهذه الكلمة أصلا متدرجة من الكانتونية. وفي المطبخ الإندونيسي المشابه للمطبخ الماليزي تشير كلمة kecap إلى «صلصة مخمرة». أما النظرية الرابعة فتقول إنها جاءت من الفرنسية escaveche والتي تعني «الطعام في الصلصة» والتي توجد أيضا في الأشكال الإسبانية والبرتغالية مثل escabeche التي تعني «صلصة للتخليل»، والتي ترجعها مؤرخة الطهي كارين هيس إلى كلمة كبيس - Kabees في اللغة العربية (التخليل بالخل) وقد تم تجسيد المصطلح إلى caveach، وهي كلمة ظهرت لأول مرة في أواخر القرن السابع عشر في الوقت نفسه مع الكاتشب. أما كلمة كاتشاب – catchup فقد بدأ استخدامها في عام 1690 في بريطانيا، وبدأ استخدام كاتشاب – ketchup بداية القرن الثامن عشر، وجاء تعريفها في قاموس أكسفورد آنذاك بأنها: صلصة سرق الهند.



الفول المصري... حلو وحار

طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
TT

الفول المصري... حلو وحار

طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك، وفي كل الأحوال البصل الأخضر أو الناشف المشطور حلقات ضيف مائدتك، إن راق لك ذلك.

فطبق الفول «حدوتة» مصرية، تُروى كل صباح بملايين التفاصيل المختلفة، لكي يلبي شهية محبيه لبدء يومهم. فقد يختلف طعمه وفق طريقة الإعداد من «قِدرة» إلى أخرى، وطريقة تقديمه حسب نوعيات الزيت والتوابل، إلا أن كلمة النهاية واحدة: «فول مدمس... تعالى وغمس».

"عربة الفول" تقدم الطبق الشعبي بأصنافه التقليدية (تصوير: الشرق الأوسط)

سواء قصدت «عربة فول» في أحد الأحياء أو اتجهت إلى مطاعم المأكولات الشعبية، ستجد طبق الفول في انتظارك، يستقبلك بنكهاته المتعددة، التي تجذبك لـ«تغميسه»، فالخيارات التي يتيحها ذلك الطبق الشعبي لعشاقه عديدة.

من ناحية الشكل، هناك من يفضلون حبة الفول «صحيحة»، وآخرون يرغبونها مهروسة.

أما عن ناحية المذاق، فيمكن تصنيف أطباق الفول وفق الإضافات والنكهات إلى العديد من الأنواع، ولعل الفول بالطحينة أو بالليمون، هما أكثر الإضافات المحببة لكثيرين، سواء عند إعداده منزلياً أو خارجياً. أما عن التوابل، فهناك من يفضل الفول بالكمون أو الشطة، التي تضاف إلى الملح والفلفل بوصفها مكونات رئيسية في تحضيره. بينما تأتي إضافات الخضراوات لكي تعطي تفضيلات أخرى، مثل البصل والفلفل الأخضر والطماطم.

طبق الفول يختلف مذاقه وفق طريقة الإعداد وطريقة التقديم (مطعم سعد الحرامي)

«حلو أم حار»؟، هو السؤال الأول الذي يوجهه جمعة محمد، صاحب إحدى عربات الفول الشهيرة بشارع قصر العيني بالقاهرة، للمترددين عليه، في إشارة إلى نوعَيْه الأشهر وفق طريقتي تقديمه التقليديتين، فطبق فول بالزيت الحلو يعني إضافة زيت الذرة التقليدي عند تقديمه، أما «الحار» فهو زيت بذور الكتان.

يقول جمعة لـ«الشرق الأوسط»: «الحار والحلو هما أصل الفول في مصر، ثم يأتي في المرتبة الثانية الفول بزيت الزيتون، وبالزبدة، وهي الأنواع الأربعة التي أقدمها وتقدمها أيضاً أي عربة أخرى»، مبيناً أن ما يجعل طبق الفول يجتذب الزبائن ليس فقط نوعه، بل أيضاً «يد البائع» الذي يمتلك سر المهنة، في ضبط ما يعرف بـ«التحويجة» أو «التحبيشة» التي تضاف إلى طبق الفول.

طاجن فول بالسجق (مطعم سعد الحرامي)

وبينما يُلبي البائع الخمسيني طلبات زبائنه المتزاحمين أمام عربته الخشبية، التي كتب عليها عبارة ساخرة تقول: «إن خلص الفول أنا مش مسؤول»، يشير إلى أنه مؤخراً انتشرت أنواع أخرى تقدمها مطاعم الفول استجابة للأذواق المختلفة، وأبرزها الفول بالسجق، وبالبسطرمة، وأخيراً بالزبادي.

كما يشير إلى الفول الإسكندراني الذي تشتهر به الإسكندرية والمحافظات الساحلية المصرية، حيث يعدّ بخلطة خاصة تتكون من مجموعة من البهارات والخضراوات، مثل البصل والطماطم والثوم والفلفل الألوان، التي تقطع إلى قطع صغيرة وتشوح وتضاف إلى الفول.

الفول يحتفظ بمذاقه الأصلي بلمسات مبتكرة (المصدر: هيئة تنمية الصادرات)

ويلفت جمعة إلى أن طبق الفول التقليدي شهد ابتكارات عديدة مؤخراً، في محاولة لجذب الزبائن، ومعه تعددت أنواعه بتنويع الإضافات والمكونات غير التقليدية.

بترك عربة الفول وما تقدمه من أنواع تقليدية، وبالانتقال إلى وسط القاهرة، فنحن أمام أشهر بائع فول في مصر، أو مطعم «سعد الحرامي»، الذي يقصده المشاهير والمثقفون والزوار الأجانب والسائحون من كل الأنحاء، لتذوق الفول والمأكولات الشعبية المصرية لديه، التي تحتفظ بمذاقها التقليدي الأصلي بلمسة مبتكرة، يشتهر بها المطعم.

طاجن فول بالقشدة (مطعم سعد الحرامي)

يبّين سعد (الذي يلقب بـ«الحرامي» تندراً، وهو اللقب الذي أطلقه عليه الفنان فريد شوقي)، ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إن الأنواع المعتادة للفول في مصر لا تتعدى 12 نوعاً، مؤكداً أنه بعد التطورات التي قام بإدخالها على الطبق الشعبي خلال السنوات الأخيرة، فإن «لديه حالياً 70 نوعاً من الفول».

ويشير إلى أنه قبل 10 سنوات، عمد إلى الابتكار في الطبق الشعبي مع اشتداد المنافسة مع غيره من المطاعم، وتمثل هذا الابتكار في تحويل الفول من طبق في صورته التقليدية إلى وضعه في طاجن فخاري يتم إدخاله إلى الأفران للنضج بداخلها، ما طوّع الفول إلى استقبال أصناف أخرى داخل الطاجن، لم يمكن له أن يتقبلها بخلاف ذلك بحالته العادية، حيث تم إضافة العديد من المكونات للفول.

من أبرز الطواجن التي تضمها قائمة المطعم طاجن الفول بالسجق، وبالجمبري، وبالدجاج، والبيض، و«لية الخروف»، وبالموتزاريلا، وباللحم المفروم، وبالعكاوي. كما تحول الفول داخل المطعم إلى صنف من الحلويات، بعد إدخال مكونات حلوة المذاق، حيث نجد ضمن قائمة المطعم: الفول بالقشدة، وبالقشدة والعجوة، وبالمكسرات، أما الجديد الذي يجرى التحضير له فهو الفول بالمكسرات وشمع العسل.

رغم كافة هذه الأصناف فإن صاحب المطعم يشير إلى أن الفول الحار والحلو هما الأكثر إقبالاً لديه، وذلك بسبب الظروف الاقتصادية التي تدفع المصريين في الأغلب إلى هذين النوعين التقليديين لسعرهما المناسب، مبيناً أن بعض أطباقه يتجاوز سعرها مائة جنيه (الدولار يساوي 48.6 جنيه مصري)، وبالتالي لا تكون ملائمة لجميع الفئات.

ويبّين أن نجاح أطباقه يعود لسببين؛ الأول «نفَس» الصانع لديه، والثاني «تركيبة العطارة» أو خلطة التوابل والبهارات، التي تتم إضافتها بنسب معينة قام بتحديدها بنفسه، لافتاً إلى أن كل طاجن له تركيبته الخاصة أو التوابل التي تناسبه، فهناك طاجن يقبل الكمون، وآخر لا يناسبه إلا الفلفل الأسود أو الحبهان أو القرفة وهكذا، لافتاً إلى أنها عملية أُتقنت بالخبرة المتراكمة التي تزيد على 40 عاماً، والتجريب المتواصل.

يفخر العم سعد بأن مطعمه صاحب الريادة في الابتكار، مشيراً إلى أنه رغم كل المحاولات التي يقوم بها منافسوه لتقليده فإنهم لم يستطيعوا ذلك، مختتماً حديثه قائلاً بثقة: «يقلدونني نعم. ينافسونني لا».