مع بدء اكتمال الاستعدادات الأميركية لمواجهة أي تصرف أو سلوك إيراني قد تعتبره إدارة الرئيس ترمب استفزازياً وعدوانياً، حرصت دوائر «البنتاغون» على تغطية وصول قواتها المعززة إلى منطقة الخليج، في رسالة واضحة بأن تحذيرات واشنطن جدية جداً.
عبور حاملة الطائرات «أبراهام لينكولن» وقوتها الضاربة، قناة السويس، ترافق مع وصول القاذفات الاستراتيجية من طراز «بي - 52 ستراتوفورتريس» إلى قاعدة العديد في قطر، حيث نُشرت صور لها أيضاً، في سياق استكمال الرسائل إلى من يهمه الأمر في إيران، بحسب مسؤولين أميركيين.
رد الفعل الإيراني على هذه التطورات اتخذ أشكالاً وأساليب عدة، بينما وصفت طهران في البداية أن نبأ وصول حاملة الطائرات هو خبر قديم، وقد تم الإعلان عنه اليوم في إطار ما سمته بـ«الحرب النفسية».
وقال مندوب إيران لدى الأمم المتحدة مجيد تخت روانتشي في مقابلة مع محطة «إن بي سي» الأميركية إن «الادعاءات بوجود تهديدات ذات صدقية عن احتمال قيام بلاده بالهجوم على القوات الأميركية في المنطقة»، هي «استخبارات كاذبة»، وتشبه ما تم تداوله قبيل اجتياح العراق عام 2003.
ونفى أن تكون بلاده قد أعطت الضوء الأخضر لوكلائها وحلفائها في المنطقة لمهاجمة القوات الأميركية، متهماً المسؤولين الأميركيين باستخدام «معلومات وهمية»، على حد قوله.
وقال روانتشي: «كل هذه المزاعم يصدرها الأشخاص أنفسهم الذين قاموا بالشيء نفسه في الفترة التي سبقت الهجوم الأميركي على العراق، خلال عهد الرئيس جورج بوش».
بدا واضحاً من تصريحات السفير الإيراني أن جهود الدبلوماسية الإيرانية متواصلة لإظهار التناقض بين إدارة ترمب والرأي العام الأميركي. وهو الجهد الذي بدأه وزير الخارجية محمد جواد ظريف قبل أكثر من أسبوعين، عندما أجرى العديد من المقابلات التلفزيونية مع محطات أميركية، حاول خلالها اللعب على ما يعتقد أنه التناقضات داخل الطبقة السياسية الأميركية، وبين الحزبين نفسيهما.
استخدام روانتشي عبارة «الاستخبارات الكاذبة» للتشبه باستخدام الرئيس ترمب عبارة «الأخبار الكاذبة» في صراعه مع وسائل الإعلام التي تعارضه، إنما يستهدف النيل من صدقية الموقف الأميركي. في حين أن الإشارة إلى حرب العراق تستهدف تخويف الشعب الأميركي من تبعات حرب جديدة لا يبدو أنها قد تقع، على الأقل في هذه المرحلة، وقد لا تأخذ الشكل والمسار نفسه للحروب الإقليمية السابقة في المنطقة.
يدرك الإيرانيون أن هناك خلافات واختلافات جدية في واشنطن، سواء داخل الحزب الجمهوري ومع الرئيس أو داخل الحزب الديمقراطي ومع الجمهوريين. لكن هل هذه الخلافات قادرة على تغيير الموقف الأميركي الرسمي من الملف الإيراني؟
لا شك أن الولايات المتحدة شهدت تغييرات سياسية كبيرة منذ تولي ترمب السلطة، وقيادته فريقاً سياسياً لإحداث تحول وإعادة «إصدار» سياسة خارجية أميركية مختلفة، يعبر عنها شعار حملته «أميركا أولاً. ولنجعل أميركا عظيمة مجدداً».
ورغم اتهام ترمب بأن مواقفه متقلبة ومتغيرة، بحسب تغريداته، فضلاً عن انتقاداته لحلفائه وأعدائه على حد سواء؛ تفقد الولايات المتحدة هيبتها وصدقيتها. لكن من قال إن تلك السياسات لا تعبر عن حقيقة ما تريده السياسة الأميركية الجديدة؟
إذا كان ترمب يريد أميركا أولاً، فهذا يتطلب منه الاصطدام بالجميع، سواء اقتصادياً أو سياسياً أو حتى عسكرياً.
وبحسب تصريحات مسؤولين أميركيين سابقين، آخرهم الجنرال ديفيد بترايوس، في ندوة غطتها «الشرق الأوسط» في لاس فيغاس، أول من أمس، فإن الولايات المتحدة قد تعلمت من دروسها في حروب العراق وأفغانستان وحتى في تدخلاتها المحدودة منذ اندلاع ما سُمي بـ«الربيع العربي» الذي انتهى إلى انهيارات في المنظومة العربية برمتها.
إذا كان الثمن الذي دفعته أميركا في حرب العراق كبيراً، فإن تلك الحرب مهدت إلى ما يعيشه العالم العربي اليوم. أما الدخول في حرب شاملة مع إيران فهو لا يعادل الكلفة التي يمكن أن تُدفع، ولا تستأهل تغيير النظام.
الرهان منعقد من الآن فصاعداً على تغيير النظام الإيراني لسلوكه أو انهياره من داخله. ومثلما صبرت الولايات المتحدة عقوداً لانهيار الاتحاد السوفياتي وتفككه، من دون حرب مباشرة معه، تتوقع الشيء نفسه مع إيران.
وتجمع قراءات أميركية عدة، آخرها تقرير صدر عن معهد الدفاع عن الديمقراطية في واشنطن، على أن سياسة أقصى التصعيد ضد إيران يبدو أنها تعمل بشكل جيد وبفعالية مؤثرة، مستشهداً بمعطيات اقتصادية ومالية واجتماعية، وبصعوباتها الخارجية، حتى مع أدواتها العسكرية.
ورغم ذلك يضيف التقرير أن إدارة ترمب تستعد لاتخاذ إجراءات قانونية وتشريعية تمنع، أو على الأقل تخفف، من إمكانية تراجع أي إدارة جديدة عن القرارات التي اتخذت في ملف إيران. وهذا ما قد يؤدي إلى إجبار الرئيس الديمقراطي فيما لو فاز في انتخابات عام 2020، على اعتماد فرض قيود رئيسية على البرامج النووية والصاروخية والعسكرية الإيرانية، الأمر الذي قد يفاجئ الإيرانيين، الذين يعلقون آمالاً كبيرة على احتمال هزيمة ترمب.
قد يقرر الإيرانيون اللعب على الوقت على أمل ذهاب ترمب، لكن مع فرض العقوبات المتواصلة والأزمة التي تعصف باقتصادهم، قد تكون إيران مستعدة لمفاوضات دبلوماسية بهدف التخفيف من الضغوط عليها. لكن السؤال هو: متى وكيف وما الذي ستحصل عليه أو ستُجبر على تقديمه على طاولة المفاوضات؟
لعبة الوقت قد لا تكفي وإيران مجبرة على التفاوض
لعبة الوقت قد لا تكفي وإيران مجبرة على التفاوض
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة