نشر الأميركيين صواريخ في اليابان تعتبره روسيا تهديداً لأمنها

TT

نشر الأميركيين صواريخ في اليابان تعتبره روسيا تهديداً لأمنها

حمل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، على برنامج نشر منظومة الدفاع الصاروخية الأميركية في اليابان، وقال إن بلاده ترى في الخطوة تهديداً مباشراً لأمنها. وشكّلت هذه واحدة من النقاط الخلافية التي حالت دون تحقيق تقدم في محادثات موسكو وطوكيو بشأن التوصل إلى صياغة مرضية للجانبين لإبرام معاهدة سلام.
وأجرى لافروف جولة محادثات مطولة مع نظيره الياباني تارو كونو، تركز البحث خلالها على آفاق تقريب وجهات النظر حول المعاهدة. علماً بأن اليابان البلد الوحيد الذي لم يبرم معاهدة سلام مع الاتحاد السوفياتي السابق، ولاحقاً مع روسيا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وتقف تسوية ملف مصير جزر الكوريل الأربع التي سيطر عليها الاتحاد السوفياتي في نهاية الحرب (كوناشير وشيكوتان وإيتوروب وهابوماي) عائقاً أمام التقدم في هذا الملف لعقود، وترى طوكيو في الوجود الروسي في الجزر «احتلالاً»، بينما تؤكد موسكو أنها «لن تنسحب من هذه الجزر التي أصبحت جزءاً من أراضي الاتحاد السوفياتي في أعقاب الحرب العالمية الثانية». لكنها تركت الباب موارباً للتوصل إلى تسوية وفقاً لإعلان مشترك صدر في عام 1956 نص على تسليم جزيرتي هابوماي وشيكوتان لليابان، بعد تبنّي معاهدة السلام، من دون المساس بجزيرتي كوناشير وإيتوروب.
لكن روسيا تشترط لذلك التوصل إلى صياغة مقبولة للطرفين لمعاهدة السلام، بغية ضمان الارتقاء الشامل وطويل الأجل لعلاقات البلدين، وضمان عدم تجدد المطالبات الحدودية بينهما.
وأضافت خطط واشنطن لتوسيع الوجود العسكري المباشر في اليابان، من خلال نشر منظومة الدفاع الصاروخية (الدرع الصاروخية) عنصراً خلافياً فاقم التوتر بين موسكو وطوكيو. وسعى الطرفان أمس، إلى تقريب وجهات النظر في الملفات العالقة، لكن لافروف أقرَّ في مؤتمر صحافي مشترك عقده الوزيران بأن مساحة الخلاف ما زالت واسعة، وأن الطرفين «فشلا في تضييق هوتها».
وقال لافروف إن موسكو ترى أن نشر عناصر نظام الدفاع الصاروخي الأميركي وتوسيع الوجود العسكري المباشر لواشنطن في اليابان «تهديد مباشر لأمن روسيا».
وزاد أن موسكو تراقب «بشكل عام تصرفات واشنطن حيال اتفاقات نزع السلاح ومراقبة التسلح»، وترى أن «الولايات المتحدة تقوم بهدم كل الاتفاقات القائمة، ونحن نرى في هذه الأعمال تهديداً لبلدنا».
وأشار لافروف إلى أن العمل على معاهدة سلام بين روسيا واليابان على أساس إعلان عام 1956 يجب أن يعني «الاعتراف بنتائج الحرب العالمية الثانية»، لافتاً إلى أنه «لا يتم أخذ المعاهدة الأمنية بين اليابان والولايات المتحدة في الحسبان عند التعامل مع هذا الملف». وأوضح: «هناك جانب آخر مهم يتعلق بقضايا الأمن، لقد تم إعداد الإعلان المشترك وتوقيعه في ظروف تاريخية وجيوسياسية محددة. ومنذ ذلك الحين، تغير الوضع بشكل كبير، وعلينا أن نأخذ في الاعتبار حالياً أن ثمة معاهدة أمنية موقَّعة بين اليابان والولايات المتحدة».
وأقر وزير الخارجية الياباني تارو كونو، بدوره، بفشل موسكو وطوكيو في تقريب وجهات النظر، وقال إن «محادثاتنا لم تسفر عن خطوة للتغلب على الخلافات القائمة بشأن معاهدة السلام»، مضيفاً أن «النقاش وصل في بعض الأحيان بالطرفين إلى استخدام لهجة حادة».
وعلى الرغم من ذلك، اتفق الطرفان على عقد القمة الروسية - اليابانية المقبلة في مدينة أوساكا اليابانية في نهاية الشهر المقبل، على أن يسبقها لقاء بصيغة «2+2» بين وزراء خارجية ودفاع البلدين في طوكيو، 30 مايو (أيار) الحالي.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟