«اختناق» النظام الإيراني قد يدفعه إلى تحريك جماعاته المسلحة

لا مؤشرات إلى هجوم وشيك ضد القوات الأميركية

حاملة الطائرات «كيرساج»... وهي سفينة هجومية برمائية ترافق حاملة نفط في مضيق هرمز الثلاثاء الماضي (البحرية الأميركية)
حاملة الطائرات «كيرساج»... وهي سفينة هجومية برمائية ترافق حاملة نفط في مضيق هرمز الثلاثاء الماضي (البحرية الأميركية)
TT

«اختناق» النظام الإيراني قد يدفعه إلى تحريك جماعاته المسلحة

حاملة الطائرات «كيرساج»... وهي سفينة هجومية برمائية ترافق حاملة نفط في مضيق هرمز الثلاثاء الماضي (البحرية الأميركية)
حاملة الطائرات «كيرساج»... وهي سفينة هجومية برمائية ترافق حاملة نفط في مضيق هرمز الثلاثاء الماضي (البحرية الأميركية)

ألغى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو زيارته لجزيرة غرينلاند في طريق عودته من جولته الأوروبية، وهو الثاني له بعدما ألغى زيارة إلى ألمانيا. وتبين لاحقاً أنه زار العراق، على خلفية معلومات تشير إلى احتمال أن تكون إيران تعد لهجمات على القوات الأميركية في المنطقة.
والسبب نفسه وراء إلغاء محطة غرينلاند؛ حيث أصدرت الخارجية الأميركية بياناً، قالت فيه إن الوزير بومبيو عاد إلى واشنطن لمتابعة التطورات المستجدة.
لكن السؤال المطروح؛ ما حقيقة المخاوف من احتمال قيام إيران بشنّ هجمات على القوات والمصالح الأميركية في المنطقة؟ وهل التهديد بتجميد أجزاء أخرى من الاتفاق النووي بعد 60 يوماً، يشكل خطراً فعلياً من احتمال أن تتجه الأمور إلى مواجهة مفتوحة؟
بحسب تقارير أميركية، فقد نُقل عن أوساط استخبارية أن تقاطعات عدة ومعلومات من مصادر متعددة أشارت إلى بدء طهران تحريك بعض قواتها العسكرية، والقوات الحليفة، أو التي تديرها في المنطقة، سواء في العراق وفي اليمن. وباشرت في نقل معدات عسكرية ثابتة ومتحركة، برية وبحرية، سواء بالقرب من وجود بعض القوات الأميركية في العراق أو في البحر مقابل شواطئ اليمن.
وتؤكد تلك المصادر أنه على الرغم من الرد الأميركي، الذي تمثل بإرسال وحدة عسكرية، على رأسها حاملة طائرات «إبراهام لينكولن» التي عبرت أمس قناة السويس في طريقها إلى الخليج، وقاذفات «بي 52» الاستراتيجية، فإن التحركات الإيرانية لا تزال مستمرة، ولم تتراجع وتيرتها كما هو مطلوب. يذكر أن البحرية الأميركية تنشر أيضاً في البحر المتوسط قوة ضخمة، على رأسها حاملة الطائرات «يو إس إس ستينيس» التي يمكنها شنّ هجمات مباشرة على إيران من دون الحاجة للتوجه إلى الخليج.
وفيما لم يشأ البنتاغون الإضافة على ما أعلنه في وقت سابق عن تلك التهديدات، لفتت تصريحات قائد القيادة الأميركية الوسطى الجنرال كينيث ماكينزي، الذي أجرى كشفاً مفصلاً ودقيقاً حول بواعث القلق من المجموعات التي يمكن لإيران أن تحركها في المنطقة.
وقال ماكينزي إن «هناك 193 ألف مسلح متفرغ من (الحشد الشعبي) العراقي و18 ألف متفرغ من (حزب الله) اللبناني و20 ألفاً من تنظيمات عراقية شيعية أخرى، فضلاً عن مجموعات مسلحة فلسطينية، من بينها (الجبهة الشعبية - القيادة العامة) التابعة لأحمد جبريل».
لكن مصادر عسكرية أميركية أوضحت أنه على الرغم من جدية المعلومات التي تلقتها القيادة العسكرية عن تلك التحركات، فإنه ليست لدى الاستخبارات العسكرية أو المركزية أي معطيات تشير إلى إمكانية حصول هجوم وشيك.
وبحسب تلك المصادر، فإنه «نتيجة الاختناق غير المسبوق الذي تعاني منه إيران للمرة الأولى في تاريخ مواجهتها مع الولايات المتحدة، فقد يخشى أن تلجأ إلى أسلوب الهجمات الإرهابية وتحريك مجموعات على شكل حرب عصابات في مواقع مختلفة، لكن ليس هناك أي تقدير بقدرتها على القيام بمواجهة مباشرة مع واشنطن». وتكشف تلك الأوساط أن الولايات المتحدة تقوم بالتنسيق بشكل وثيق مع جيوش إقليمية في المنطقة للرد على إيران إذا تطلب الأمر ذلك.
من جهته، قال الجنرال جوزيف دانفورد، رئيس هيئة الأركان الأميركية، للجنة بمجلس الشيوخ، أول من أمس، إن رسائل التهديدات الإيرانية التي بدأت الولايات المتحدة في تلقيها الأسبوع الماضي «تكثفت بالفعل» بنهاية الأسبوع. وأضاف أن الولايات المتحدة «أرسلت بعض الرسائل» إلى طهران الجمعة، «للتأكيد لطهران أننا تعرفنا على التهديد ومستعدون للرد عليه».
وبحسب إيجاز صحافي في البنتاغون، فقد أعلن أن نتائج الضغوط التي تتعرض لها إيران أدت حتى الآن إلى خسارتها 10 مليارات دولار من عائدات النفط سنوياً، وتوقف أكثر من 100 شركة مرتبطة بقطاع النفط الإيراني عن العمل، ووقف ضخّ أكثر من 1.5 مليون برميل يومياً خلال الـ20 يوماً الماضية، وتوقف 75 ناقلة نفط إيرانية أو متعاملة عن الإبحار، وتوقف 70 مؤسسة مصرفية ومالية مرتبطة بالنظام الإيراني عن العمل، فضلاً عن إعلان 970 رجل أعمال إيرانياً إفلاسهم.
هذه التطورات ترافقت مع ردود فعل أظهرت أن الملف الإيراني لا يثير حفيظة السياسيين الأميركيين، كما كان يُخشى. فالخبر الإيراني رغم احتلاله مساحة في التغطية الإعلامية المكتوبة والمرئية، لم يحظ بردود فعل سياسية أميركية، أو بتعليقات وازنة تنتقد أو تحذر من تبعات تصاعد التوتر مع إيران.
من جهة ثانية، أصدر الديمقراطيون تعليقاً مقتضباً نُسب إلى جهات في الكونغرس، عبّروا فيه عن «قلقهم» من أن تكون إدارة الرئيس ترمب تحاول إثارة صراع أوسع. وقال مسؤول في الكونغرس إنه «جرى الاطلاع على المعلومات الاستخبارية، وهي تبدو حقيقية، لكن الرد عليها يبدو غير متناسب»، غير أن تلك «التحفظات» صنفت في خانة من يطلب المزيد من الإجراءات لرد التحديات الإيرانية، وليس للتراجع أمامها.
وجاء قرار الرئيس ترمب، الذي أرسله إلى الكونغرس لفرض عقوبات جديدة على قطاع المعادن الإيرانية، ليؤكد أن إدارته مصممة على متابعة سياسة أقصى الضغوط على إيران.
وبعد إعلان طهران عزمها التخلي عن بعض بنود الاتفاق النووي، وصف روبرت كيلي، المسؤول الأميركي السابق في البرنامج النووي الأميركي والمفتش السابق في الوكالة الدولية للطاقة النووية، هذا الإعلان بأنه «لإنقاذ ماء الوجه».
وقال إن ليس لهذا القرار أي بعد استراتيجي، فالنظام الآن بين المطرقة والسندان، وقد وقع في الفخ الذي نصبه لهم الأميركيون. وأضاف أنه ليس بمقدور طهران إنتاج السلاح النووي، وهم يحاولون الاستمرار في القول إنهم سيواصلون إنتاج اليورانيوم، رغم معرفتهم أنهم لا يحتاجون إليه لاحقاً.
وأضاف كيلي أن إنتاج إيران لمواد نووية وتجاوز حدود المخزونات المسموح بها، لا يعني أنهم سيقومون بصنع سلاح نووي، لأن الطريق طويل للغاية لإنتاج القنبلة. والأمر نفسه بالنسبة للمياه الثقيلة، لأنه لم تعد لديهم مفاعلات تعمل بهذا الماء، وهم ينتجونه فقط للقول إنهم قادرون على فعل ذلك، وإن قرارهم مستقل، لكن ليس للأمر أي أهمية استراتيجية. فالقضية الفعلية هي العقوبات على قطاع النفط الذي يقلق النظام بشكل أساسي.



قائد الجيش الإسرائيلي يأمر بالتأهب لمواجهة «هجوم إيراني محتمل»

صورة وزعتها وزارة الدفاع الإسرائيلية لرئيس أركان الجيش، هيرتسي هليفي، أثناء تفقد قاعدة جوية تحت الأرض 2 يناير 2025
صورة وزعتها وزارة الدفاع الإسرائيلية لرئيس أركان الجيش، هيرتسي هليفي، أثناء تفقد قاعدة جوية تحت الأرض 2 يناير 2025
TT

قائد الجيش الإسرائيلي يأمر بالتأهب لمواجهة «هجوم إيراني محتمل»

صورة وزعتها وزارة الدفاع الإسرائيلية لرئيس أركان الجيش، هيرتسي هليفي، أثناء تفقد قاعدة جوية تحت الأرض 2 يناير 2025
صورة وزعتها وزارة الدفاع الإسرائيلية لرئيس أركان الجيش، هيرتسي هليفي، أثناء تفقد قاعدة جوية تحت الأرض 2 يناير 2025

قرر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هيرتسي هليفي، رفع مستوى التأهب لمواجهة أي هجوم إيراني مباغت، على الرغم من أن التقديرات تشير إلى «احتمالات ضعيفة للغاية».

وأوضحت مصادر أمنية مقربة منه أن التصريحات المتداولة في واشنطن وتل أبيب بشأن تصاعد التوتر واحتمالية شن هجوم أميركي على طهران لا تعكس بالضرورة قراراً وشيكاً.

وأضافت المصادر أن الرئيس جو بايدن وفريقه للأمن القومي ناقشوا مختلف الخيارات والسيناريوهات، بما في ذلك مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، لكن الرئيس لم يتخذ حتى الآن قراراً نهائياً بهذا الشأن.

وأفادت المصادر بأن بعض القوى في الجهاز الأمني الإسرائيلي ترى أن التغيرات الاستراتيجية في الشرق الأوسط، عقب الضربات التي تلقتها إيران و«حزب الله» اللبناني و«حماس»، التي بلغت ذروتها بانهيار نظام بشار الأسد في سوريا، قد تدفع إيران لاتخاذ إجراءات انتقامية متطرفة ضد إسرائيل.

ومع ذلك، تؤكد التقديرات السائدة بين القيادات الأمنية في تل أبيب أن هذا الاحتمال لا يزال ضعيفاً للغاية. لكن، حرصاً على عدم وقوع مفاجآت، أصدر هيرتسي هليفي توجيهات باتخاذ تدابير احترازية صارمة، بما في ذلك رفع جاهزية سلاح الجو وقوات الدفاع الجوي للتعامل مع أي تطورات محتملة.

تحديات طهران

ويرى المؤيدون لاحتمالية قيام إيران بشن هجوم على إسرائيل في الوقت الراهن أن تدهور الأوضاع الداخلية في طهران يشكل دافعاً لمثل هذا التحرك. ويتجلى هذا التدهور في الانهيار الحاد لقيمة الريال الإيراني، وتصاعد الانتقادات للمسؤولين، وعودة بوادر الاحتجاجات الشعبية، بالإضافة إلى مشكلات التلوث وانقطاع التيار الكهربائي، والضغوط الأميركية المتزايدة. ومن المرجح أن تتفاقم هذه التحديات مع دخول الرئيس الجديد، دونالد ترمب، إلى البيت الأبيض، مما يضع حكام إيران أمام تحديات إضافية.

ووفقاً لما نقله موقع «واللا» العبري، فإن ترمب، المعروف بسياساته غير المتوقعة، قد يتخذ خطوات مفاجئة من شأنها خلخلة التوازنات القائمة في المنطقة. وفي السياق ذاته، تناولت صحيفة «يسرائيل هيوم» اليمينية، الأحد، هذا الموضوع، مشيرةً إلى أن هذه التحولات تصب في مصلحة إسرائيل، نظراً لدعم ترمب المطلق لها ورفضه القاطع السماح لإيران بتطوير قدراتها النووية.

في هذا السياق، أفادت مصادر أمنية في تل أبيب بوجود «قلق واضح» في إسرائيل والولايات المتحدة من احتمال أن تقدم طهران على اتخاذ «خطوة متطرفة»، رداً على الضربات التي تلقتها أو قد تتلقاها مستقبلاً، تتمثل في التوجه نحو تطوير تسلح نووي بوتيرة متسارعة. وترى تل أبيب وواشنطن أن من واجبهما التدخل بالقوة لمنع هذا السيناريو.

صورة وزعتها وزارة الدفاع الإسرائيلية لرئيس أركان الجيش هيرتسي هليفي أثناء تفقد قاعدة جوية تحت الأرض 2 يناير 2025

خيارات العمل العسكري

وفي تقرير نشره مراسل «أكسيوس» في تل أبيب، باراك رافيد، أشار إلى أن الرئيس الأميركي جو بايدن ناقش مع مستشاريه احتمالية شن هجوم أميركي على المنشآت النووية الإيرانية. وأوضح التقرير أن هذا الخيار سيصبح وارداً في حال توافرت معلومات تفيد بأن طهران بدأت بتحقيق تقدم سريع في تطوير أسلحة نووية، وذلك قبل تسلم الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، مهامه الرسمية في البيت الأبيض في العشرين من الشهر الحالي.

وجاء في تقرير موقع «واللا» الإلكتروني، الخميس الماضي، أن مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، جيك سوليفان، عرض على بايدن «قبل بضعة أسابيع» خيارات لشن عمل عسكري أميركي ضد المنشآت النووية الإيرانية، وذلك في حال تسارع النظام في طهران نحو تطوير أسلحة نووية قبل نهاية ولاية بايدن في 20 من الشهر الحالي، وفقاً لما نقل عن ثلاثة مصادر مطلعة.

وأشار التقرير إلى أن توجيه ضربة أميركية ضد البرنامج النووي الإيراني خلال فترة يعد فيها بايدن «بطة عرجاء» سيكون بمثابة مقامرة كبرى. فمن جهة، أكد الرئيس الأميركي التزامه بمنع إيران من تطوير أسلحة نووية، لكن من جهة أخرى، فإن تنفيذ هجوم كهذا قد ينطوي على خطر نقل أزمة إقليمية أكبر في الشرق الأوسط إلى خليفته، دونالد ترمب.

وذكرت المصادر أن «بايدن وفريقه للأمن القومي ناقشوا خلال الاجتماع مختلف الخيارات والسيناريوهات، لكن الرئيس لم يتخذ قراراً نهائياً». وأضافت أن بعض مساعدي بايدن، ومن بينهم سوليفان، «يرون أن تآكل أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية والقدرات الصاروخية، إلى جانب الضعف الكبير لوكلاء إيران في المنطقة، قد يعزز فرص توجيه ضربة ناجحة ضد المنشآت النووية، مع تقليل مخاطر الانتقام الإيراني والتصعيد الإقليمي».

وقال الدبلوماسي السابق، داني زاكن، إن «ترمب، يبدو مصمماً على استعادة مكانة الولايات المتحدة كأكبر قوة عالمية. لا يبدو هذا التقدير بعيداً عن الواقع، حيث من المتوقع أن تكون ولايته هذه مختلفة تماماً عن (الولايات العادية) التي شهدتها إدارة الرؤساء الديمقراطيين ومعظم الجمهوريين، وأن التغييرات ستتم بسرعة أكبر وبعظمة أكبر من تلك التي حدثت في ولايته السابقة». وأضاف: «استناداً إلى محادثات أجريتها مع مسؤولين سابقين وآخرين في الإدارة المقبلة، ومع موظف كبير في البنتاغون، إضافة إلى مصدر سياسي إسرائيلي مطلع على الاتصالات مع كبار مسؤولي الإدارة الجديدة، تبدو الأمور أكثر من إيجابية لإسرائيل، ولديها طابع عملي للغاية».

وفيما يتعلق بإيران وإمكانية شن هجوم ضدها، قال زاكن إن هناك نيةً من الإدارة الجديدة لتوسيع وتطبيق العقوبات على صادرات النفط الإيراني إلى الصين، وهو المصدر الأساسي لتمويل النظام في طهران. ومع ذلك، من المحتمل أن يفضل ترمب خوض مفاوضات مع النظام الإيراني على أساس التهديد، بهدف التوصل إلى اتفاق يجبره على التنازل الكامل عن برنامجه النووي تقريباً.

وأضاف: «ترمب ليس من محبي الحروب، بل هو محب للصفقات الكبيرة، ومصمم على تنفيذها بسرعة». وذكر أيضاً: «ترمب يسعى لصفقة كبرى، شاملة، تقوم على أساس (صفقة القرن) من جوانب اقتصادية وأمنية. الرئيس الحالي ليس دونالد ترمب 2017، بل أصبح أكثر نضجاً بكثير، ويعرف خفايا الإدارة. على مدار سنوات إدارة بايدن، تابع عن كثب القضايا المركزية، خصوصاً القضايا الخارجية. وإذا كان قد احتاج إلى عامين في ولايته السابقة لتنفيذ التغييرات الكبرى في الشرق الأوسط، فسيتم ذلك الآن في بداية ولايته».

وحسب مصدر آخر نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن ترمب يسعى إلى اتفاق مع إيران، لكنه يعتمد على إسرائيل للضغط العسكري على طهران، بهدف تسريع تراجعها عن مطالبها السابقة والتوجه نحو اتفاق نووي يرضي جميع الأطراف.