فلسطينيون وإسرائيليون يحيون ذكرى قتلاهم بدعوة إلى السلام

متظاهرون من اليمين حاولوا الاعتداء عليهم ونعتوهم بالخونة

دعاة سلام في حديقة ياركون أمس
دعاة سلام في حديقة ياركون أمس
TT

فلسطينيون وإسرائيليون يحيون ذكرى قتلاهم بدعوة إلى السلام

دعاة سلام في حديقة ياركون أمس
دعاة سلام في حديقة ياركون أمس

بعد معركة قضائية في مواجهة رئيس الوزراء ووزير الدفاع بنيامين نتنياهو، وفي ظل تهديدات صريحة بالاعتداء الدامي عليهم، أقام آلاف من الفلسطينيين واليهود الذين فقدوا ذويهم أو أحباءهم في الحرب، مهرجاناً في تل أبيب، بُث مباشرة إلى قطاع غزة والضفة الغربية، وذلك لإحياء الذكرى السنوية لأولئك الذين سقطوا خلال العمليات العدائية.
واختار الطرفان موعداً لتحركهم في الساعة الثامنة من مساء الثلاثاء (أول من أمس)، وهو الموعد نفسه الذي تقيم فيه الحكومة الإسرائيلية المراسم الرسمية لإحياء ذكرى قتلى معارك إسرائيل، في المقبرة العسكرية بالقدس الغربية.
وأغضب هذا الأمر حكومة اليمين. وأصدر نتنياهو أمراً يمنع دخول 181 عائلة من العائلات الفلسطينية الثكلى حتى يفشل المشروع. لكن المبادرين بالمشروع اعترضوا على قراره وتوجهوا إلى المحكمة العليا التي ردّت قرار نتنياهو، وسمحت لهم بالدخول.
وهذه هي السنة الرابعة عشرة التي يقام فيها هذا النشاط الذي يعتبر بمثابة «مراسم بديلة». ففي الوقت الذي يكون فيه نتنياهو وغيره من قادة إسرائيل يحيون ذكرى القتلى برسائل لا تبشر إلا بالمزيد من الحرب، والمزيد من القتلى، يختار أصحاب فكرة «المراسم البديلة» الحديث عن ضرورة وقف الحرب والاحتلال، وعن ضرورة وضع حد للقتل وسفك الدماء والجنوح إلى الأمل وإلى السلام.
وأقيمت المناسبة في حديقة «اليركون» في تل أبيب، القائمة على ضفاف نهر العوجا (الذي يسمونه في إسرائيل اليركون)، بحضور آلاف الأشخاص، الذين قدموا يحملون أحزانهم على أبنائهم الأعزاء ولكنهم يحملون أيضاً دعوة إلى السلام.
وكما كان متوقعاً، فإن المتطرفين اليهود لم يمرروا الحدث بسلام وحضروا بالعشرات وأقاموا مظاهرة صاخبة عند أقرب نقطة سمحت بها الشرطة، وراحوا يزعقون ويشتمون ويهددون ويقذفون على المشاركين في المناسبة زجاجات ماء وحصى وأغراضاً أخرى. وفي البداية، قاموا بحرق العلم الفلسطيني. وحاول بعضهم عبور السياج الذي فصلهم عن المشاركين. ورددوا هتافات ضد المشاركين في المراسم نعتوهم فيها بـ«الخونة» و«النازيين»، وصرخوا: «سيصل الإرهاب إليكم أيضاً، لا تخطئوا»، ثم صاحوا في صوت واحدة: «الموت للعرب».
وصاح أحد المتظاهرين في وجه مواطن يهودي كبير السن: «إن العربي الذي يجلس معك في المراسم يشتهي ابنتك يا سيدي... هذا يوم إحياء ذكرى ضحايا الجيش الإسرائيلي، وليس الإرهابيين، فليأخذكم الله أيها اليساريون المتعفنون».
لكن هذا الصوت لم يتمكن من تحقيق هدفه في تخريب المهرجان، وألقى رئيس منتدى منظمات السلام يوفال رحيم، كلمة وجهها إلى أبيه، الذي كان قد فقده في حرب الأيام الستة، فقال: «يا أبي العزيز، لقد سقطت في اليوم الثاني من الحرب. يطلقون عليها حرب الأيام الستة، على الرغم من أنها لا تزال مستمرة.
لقد مر اثنان وخمسون عاماً، وفي كلا الطرفين يتواصل القتل بسببها، وما زال الجميع على يقين من أننا انتصرنا». وأضاف: «في صباح اليوم التالي لتوقيع اتفاقيات أوسلو، استيقظت وزرعت شجرة زيتون صغيرة عند قبرك، حتى تعرف أن الحروب قد انتهت، ومنذ ذلك الوقت يحرص حراس الحديقة في قسم إحياء الذكرى على قص فروعها كي لا تتحول إلى شجرة، وهكذا حتى بعد مرور 26 عاما لا تزال شجيرة صغيرة. أنت تعلم يا أبتي أنني لم أعد أصل إلى مراسم الذكرى في المقبرة، لم أعد أستطيع المشاركة فيها، لكني أصل كل عام إلى هنا، أتأثر بالوجود هنا مع آلاف الشجعان الذين لا يخافون من الاعتقاد بأن هناك طريقاً أخرى، وأن هناك من يمكنه التحدث معهم، وان الألم لا يعرف قومية ولا عَلم. وبعد قليل، وكما في كل سنة سأذهب في نهاية هذه المراسم الرائعة إلى كريات شاؤول لأجلس معك، مع آلاف الشموع التي تومض هناك، ومع الشجيرة الصغيرة التي سترى، ذات يوم، أنها ستنمو وتصبح شجرة زيتون».
ثم تحدث الفتى الفلسطيني محمد علي موسى درويش، البالغ من العمر 15 عاماً، وهو قادم من مخيم عايدة للاجئين في بيت لحم. عندما كان محمد في العاشرة من عمره، أصيب صديقه عبد الرحمن شادي عبد الله برصاصة طائشة خلال اشتباكات في مخيم اللاجئين وقتل. وكان زميلاً معه في فرقة المسرح «مقاتلون من أجل السلام». وروى محمد كيف استشهد رفيقه وقال: «أتذكر اليوم الذي دمر فيه الجيش الإسرائيلي اللعبة التي أحببناها، كرة القدم على أرض المدرسة، حيث كنا تقضي الوقت دائماً. كان دوي الطلقات والقصف أقوى من أي وقت مضى وكانت المواجهات قاسية... اقتحمت قوة كبيرة من جيش الاحتلال مخيم عايدة للاجئين في بيت لحم... أتذكر أنك طلبت مني أن أذهب معك لكي نشاهد المواجهات، لكن الخوف وحده هو الذي منعني من مرافقتك.
يا صديقي لم أكن أعرف أن هذا سيكون طلبك الأخير مني. عندما تركتني وسرت، التصقت في المكان وتابعتك عيناي وأنت تمشي بعيداً، حتى لم أعد أراك جيداً. تقدمت قليلاً وأنا أصرخ بك لكي ترجع، لكن دوي الطلقات والصراخ كان أعلى من صوتي المرتعش. وبين الخوف والصراخ وأصوات إطلاق النار، سقطت يا صديقي، لم تكن الرؤية جيدة، واعتقدت أنك تمزح معي كالعادة، وأن هذه مزحة أخرى منك. وفقط بعد أن ركض الناس نحوك وتجمعوا من حولك وهم يصرخون: (مات الولد)، عرفت ما الذي حدث. اقتربت وشققت طريقي بين الناس الذين كانوا يحتشدون لرؤيتك مستلقياً، تغوص في دمك. فقدت الشعور في جسدي وصرخت بك: انهض، يا عبد! ماذا حدث لك؟ وخلال لحظات أخذك الحشد واختفيت إلى الأبد، واليوم أعلم أنه في هذا الصراع الملعون المليء بالكراهية والتعصب، لا أحد مُستثنى، ولا توجد شفقة حتى على الأطفال الأبرياء».
وتابع الفتى: «أعدك بأنني أتحدث عن موتك من أجل إعادة الحياة إلى طريقها الإنساني. وفي السنوات الأخيرة اخترت تخليد ذكراك من خلال أنشطة السلام. صديقي الشهيد الفتى عبد الرحمن، أقول اليوم لمن قتلك: تذكر عندما تضع رأسك على الوسادة، أنك قتلت طفلاً بريئاً، سببتَ الألم لقلب أمه وأبيه وأخواته وإخوته، أضفت إلى الكراهية ووسعت دائرة الصراع، وأنا أقول لك، يا عبد الرحمن، ولكل من يجلس هنا ويسمع: الرواية التي تجرفنا جميعاً، كما لو أن هذه الأرض تساوي دماء البشر، هي كذبة. وأطلب من الأجيال القادمة أن تتوقف عن تصديق هذه الكذبة، التي هي نتاج مصالح البشر، كي نتوقف جميعاً عن أن نكون ضحايا لهذا الصراع الرهيب المستمر، وأطلب باسمك، ساعدونا على استعادة الحب الذي وُلِدنا معه والتخلي عن الكراهية والتعصب الذي أورثوه لنا».
ولأول مرة، تم مساء أمس، عرض بث للمراسم التذكارية الإسرائيلية الفلسطينية في قطاع غزة. فقد قرر رامي عمان، الناشط الاجتماعي الذي يبلغ من العمر 37 عاماً، عرض بث للمراسم في مكاتب المنظمة التي أسسها: «مجلس شباب غزة». وقال عمان: «آمل أن يحصل الناس في غزة على فكرة مختلفة عن الإسرائيليين، وأن يتعرف الإسرائيليون على جانب آخر من غزة»، وأوضح أن العرض لم يتم في مكان عام بسبب مخاوف أمنية.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.