أسواق بيروت المالية تستعيد انتظامها والتقشف يبقى عنوان المرحلة

الحكومة واصلت جلساتها وموظفو المصرف المركزي علّقوا إضرابهم

TT

أسواق بيروت المالية تستعيد انتظامها والتقشف يبقى عنوان المرحلة

واصلت الحكومة اللبنانية جلساتها، أمس، لإقرار الصيغة النهائية لمشروع قانون الموازنة العامة وإحالته إلى مجلس النواب الذي يتهيأ لعقد «جلسات ماراثونية» لإقرارها قبل نهاية الشهر الجاري، وذلك تلافياً لتعقيدات مالية إضافية تنشأ عن انتهاء مهلة الصرف على القاعدة الاثني عشرية بدءاً من أول الشهر المقبل، وبهدف طمأنة المانحين في مؤتمر «سيدر» بشأن الشروع في عملية الإصلاح المالي المنشود.
وفيما يتوقع أن ينجز مجلس الوزراء الصيغة النهائية لمشروع الموازنة مع نهاية هذا الأسبوع، أعلن موظفو مصرف لبنان أمس تعليق الإضراب بانتظار ما سيؤول إليه مشروع الموازنة.
وفي هذا الإطار، أكدت مصادر وزارية لـ«الشرق لأوسط» أن التقشف سيظل العنوان الأبرز للموازنة رغم «عمليات التجميل» التي ستطرأ على بعض البنود التي أثارت موجات اعتراضات وإضرابات في بعض المؤسسات العامة والمصالح المستقلة، على خلفية تعميم «شائعات» بأن التدابير المقترحة ستفضي إلى خفض الرواتب والمخصصات في إدارات عسكرية ومدنية عامة، بينما أغلبها يطال فعلياً امتيازات وإضافات ورواتب تفوق أعلى مخصصات السلطات العامة من رؤساء ووزراء ونواب.
كما أكد وزير المال علي حسن خليل في تصريح له قبل انعقاد جلسة مجلس الوزراء، أمس، أنه «من المفترض أن ننتهي هذا الأسبوع من درس مشروع الموازنة العامة لعام 2019».
وحافظت الإرباكات الاقتصادية والسوقية المواكبة لمناقشات الموازنة على حماوتها في انتظار ما ستقرره الحكومة بشأن البنود الإشكالية، فيما خفّت نسبياً حدة الإرباكات في الأسواق المالية والنقدية مع تعليق إضراب موظفي البنك المركزي إلى يوم الجمعة المقبل. وهذا ما أنتج انفراجات جزئية في تداول العملات الورقية وتوفرها لدى فروع المصارف وأجهزة الصرف الآلي عقب احتباس اضطراري وتقنين في التسليم فرضهما إضراب موظفي مصرف لبنان منذ نهاية الأسبوع الماضي.
وقال المصرفي الدكتور علي بدران لـ«الشرق الأوسط» إن الأسواق في طور العودة للانتظام. وما من أسباب موضوعية لموجة الهلع والسحوبات النقدية لأن السيولة الورقية متوفرة بالليرة وبالدولار لدى البنك المركزي، وستعود عمليات تسليم «الكاش» إلى طبيعتها بعد تعليق الإضراب. كما عاد الهدوء إلى سوق القطع ويتم عرض الدولار لدى المصارف ضمن الهامش العادي بين 1514 و1516 ليرة. كما لا نتوقع أي تغييرات غير عادية في معدلات الفوائد السارية، بما في ذلك فوائد الاستدانة بين البنوك المستقرة بين 5 و6% على الليرة من يوم إلى يوم. وإثر اجتماع ورسالة من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة طمأن خلالها الموظفين «بأنه لن يمس برواتبهم وحقوقهم، وتخللته مطالبات بعدم الاستجابة لتمنيات رسمية بفك الإضراب»، قال رئيس نقابة موظفي مصرف لبنان عباس عواضة: «انعقدت الجمعية العمومية لموظفي مصرف لبنان ونتيجة شعورنا بالحس الوطني وإحساسنا بالمسؤولية تجاه المجتمع والاقتصاد اللبناني قررت الجمعية غير العادية لموظفي مصرف لبنان تعليق الإضراب لثلاثة أيام على أن تعود وتنعقد نهار الجمعة المقبل صباحاً لتحديد مسار الإضراب وأخذ القرار إما باستمرار الإضراب المفتوح وإما بإلغائه، على أن تكون الدولة قد أخذت خياراتها بهذا الموضوع».
وأكد: «الجمعية غير مستعدة أن تتنازل عن أي حق صغير من حقوقها، ولن تتنازل عن استقلالية مؤسستنا من نظام الموظفين إلى قانون النقد والتسليف. ومن الممكن خلال ثلاثة أيام أن تحدث أمور إيجابية، ونحن مستعدون أن نعقد جمعية ونلغي الإضراب، والإيجابية نعني بها إلغاء المادتين 60 و61 أو استثناء مصرف لبنان منهما».
ورغم تعليق الإضراب تواصَل توقف العمل في ردهة الأسهم في بورصة بيروت مع ترقب إعادة الانتظام، اليوم (الأربعاء)، حيث إن عمليات التداول في البورصة لا تكتمل بشكل كامل وسليم وآمن إلا من خلال مقاصة وتسوية هذا العمليات، وكون عمليات التسوية والمقاصة أصبحت غير ممكنة من قبل شركة «ميدكلير» بفعل الإضراب، وحمايةً لحقوق المستثمرين في البورصة قررت بورصة بيروت وقف التداول في أسواقها إلى حين زوال الأسباب المشار إليها وحتى إشعار آخر. كما انعكس الاضطراب على أسواق سندات الدين الدولية التي شهدت بعض التراجع بانتظار جلاء المستجدات المتصلة بالموازنة والوضع المالي للدولة.
في المقابل، آثر بعض المصارف الإبقاء على تدابير تقنين السيولة الورقية وعمليات السحب عبر الصرافات الآلية وتحديد سقوفها اليومية بحد أدنى يوازي ألف دولار أميركي، وذلك بعدما تبين حصول عمليات سحب تتجاوز بكثير الكميات اليومية المعتادة، بفعل تعميم شائعات ومعلومات مغلوطة حول نفاد الأموال في المصارف، وهو ما تسبب في موجة طلب على النقد الورقي.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».