مصر: قرض صيني لتنفيذ أبراج العاصمة الجديدة يثير الجدل

تأكيدات حكومية بتمويل المشروع ذاتياً

نماذج لأبراج العاصمة الإدارية الجديدة
نماذج لأبراج العاصمة الإدارية الجديدة
TT

مصر: قرض صيني لتنفيذ أبراج العاصمة الجديدة يثير الجدل

نماذج لأبراج العاصمة الإدارية الجديدة
نماذج لأبراج العاصمة الإدارية الجديدة

أثار إعلان الحكومة المصرية عن الحصول على قرض صيني لتمويل بناء أبراج العاصمة الإدارية الجديدة، حالة من الجدل بسبب مخاوف من تزايد الديون على مصر، في ظل حالة الركود التي يشهدها السوق العقاري في الفترة الأخيرة، بينما تؤكد الحكومة المصرية أن العاصمة الإدارية تمول ذاتياً من خارج ميزانية الدولة.
ووقعت وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية المصرية نهاية الشهر الماضي، بالعاصمة الصينية بكين، مع مجموعة البنوك الصينية الممولة للمشروع بقيادة بنك «أي سي بي سي»، اتفاقية القرض الخاص بالدفعة الأولى من أصل 3 دفعات، لتمويل تصميم وإنشاء منطقة الأعمال المركزية، بالعاصمة الإدارية الجديدة، وذلك على هامش أعمال قمة الحزام والطريق التي اختتمت أعمالها مؤخرا في بكين.
وقال الدكتور عاصم الجزار، وزير الإسكان المصري، في بيان صحافي، إن «قيمة الدفعة الأولى من القرض تبلغ نحو 834 مليون دولار تقريباً، من إجمالي 3 مليارات دولار قيمة تمويل المشروع، وتغطي الدفعة الأولى تكاليف تصميم وإنشاء 7 أبراج شاهقة الارتفاع، تضم برجين إداريين، و5 أبراج سكنية، تطل على الحدائق المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة (كابيتال بارك)، بارتفاعات تصل إلى 206 أمتار أي 51 طابقاً، وبمساحة بنائية تبلغ 600 ألف متر مربع».
وتتولى وزارة الإسكان المصرية ممثلة في هيئة المجتمعات العمرانية تنفيذ منطقة الأعمال المركزية، والحي السكني الثالث «ار3»، والحي السكني الخامس «أر 5»، وفي أكتوبر (تشرين الأول) عام 2017 وقعت الهيئة على اتفاق مع شركة الصين الحكومية لهندسة الإنشاءات بقيمة 3 مليارات دولار، لبناء أبراج العاصمة الإدارية الجديدة الـ20. تتولى بموجبه الحكومة المصرية تمويل 15 في المائة من قيمة المشروع، بينما يتم توفير الباقي عبر قروض من البنوك الصينية، ويسدد القرض على مدار 10 سنوات تبدأ بعد الانتهاء من إنشاء الأبراج، التي تضم البرج الأيقوني، وهو أعلى برج في أفريقيا، بارتفاع 385 متراً، الذي تم صب القواعد الخرسانية له مؤخرا بالتعاون بين وزارة الإسكان، ممثلة في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وشركة الصين الحكومية لهندسة الإنشاءات الصينية.
الخبير الاقتصادي تامر ممتاز، أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا القرض يساهم في تشجيع الاستثمار في العاصمة الإدارية الجديدة، ويدعم القطاع العقاري المصري، والتنمية الاقتصادية بشكل عام»، موضحاً أن «المستثمر عندما يرى جدية من جانب الحكومة المصرية في الاستثمار العقاري، وفي إنشاء مشروعات بهذا الحجم في العاصمة الإدارية الجديدة، سيفكر هو الآخر في الاستثمار في نفس المكان»، وقال إن «الحكومة المصرية كان عليها أن تحرك الكرة الحديدية وتبدأ هي بالاستثمار لتشجيع المستثمر على وضع أمواله في المشروعات الكبرى».
والحديث عن تمويل الصين لأبراج العاصمة الإدارية الجديدة ليس جديداً، حيث أعلنت مصر منذ بداية المشروع عن أن الصين ستمول المشروع، وبموجب هذا الاتفاق تشارك شركة مقاولات صينية في تنفيذ المشروع، وحتى الآن تم الانتهاء من صب القواعد الخرسانية العادية والمسلحة للبرج الأيقوني بارتفاع 5 أمتار، ويجري الانتهاء من أعمال الأساسات لباقي الأبراج، وكذا الأعمال الخاصة بالمكاتب الدائمة للمالك ومكتب الإشراف على التنفيذ، وقال الجزار إن «تنفيذ مشروع منطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة، بدأ في مايو (أيار) 2018، ويتولى المقاول الدولي للمشروع تنفيذ جميع الأعمال وفقاً للمعايير الدولية».
من جانبه قال الدكتور شريف الدمرداش، الخبير الاقتصادي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «قيمة أي قرض تحدد بناء على عوائده في المستقبل، فقد يخدم القرض الجيل الحالي، بينما يدفع الجيل القادم تبعاته، ويكون ذلك فشلا في التخطيط»، مشيراً إلى أن «القرض الصيني لتمويل أبراج العاصمة الإدارية الجديدة هو نوع من التمويل العقاري، وكأن الحكومة هنا تاجر يسعى لبناء برج بتمويل من البنوك، ويأمل أن يسدد القرض من عائد بيع العقار مع تحقيق هامش ربح»، متسائلاً «عما إذا كان لدى الحكومة خطة لتسويق هذه الأبراج السكنية لتحقيق العائد المرجو منها في ظل الحديث المتكرر عن الفقاعة العقارية، خاصة أن الأسعار لن تكون في متناول معظم المصريين».وأضاف الدمرداش أنه «لا يمكن تحميل هذه القروض أو التمويلات العقارية أبعاداً أكبر والادعاء بأن لها تأثيرا على الاقتصاد والتنمية»، وتابع أن «كثرة الاقتراض مع مستوى الإنتاج المحلي والاستثمارات الحالية تؤدي إلى كارثة اقتصادية، وما يحدث غير مفهوم اقتصاديا إلا لو كان لدى الحكومة خطط وموارد أخرى نجهلها لسداد هذه الديون».لكن ممتاز يرى أن «الحكومة درست الإجراءات الخاصة بالقروض جيداً، ولديها خطط لسدادها وهو ما يحدث حتى الآن»، وقال إن «تسديد قرض العاصمة الإدارية ليس بالضرورة أن يكون من عائد بيع العقارات بها، فيمكن سداده من عوائد التنمية الاقتصادية بشكل عام».
ووفقا للتصريحات الرسمية المصرية فإن العاصمة الإدارية الجديدة لا تمول من ميزانية الدولة، وهو ما أكده الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بقوله مؤخراً إن «العاصمة الإدارية الجديدة تمول من خارج موازنة الدولة»، وأوضح الدكتور محمد معيط، وزير المالية المصري، في تصريحات صحافية، أن «الدولة لا تتحمل أي أعباء مالية عن إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، حيث يتم تمويلها ذاتياً عن طريق زيادة القيمة الاقتصادية للأرض وتحويلها إلى مصدر للتمويل».
ويخشى مراقبون أن يكون هذا القرض فخاً للديون كما حدث مؤخراً مع ميناء هامبانتوتا في سيريلانكا، والذي حصلت الصين على 70 في المائة من أسهمه، بعد تزايد الديون المستحقة للصين على سيريلانكا بأكثر من 8 مليارات دولار، حصلت عليها الأخيرة لتمويل بناء الميناء وعدد من المشاريع الأخرى.وأوضح الدمرداش أن «سيريلانكا كان لديها مشروع بنية تحتية، واقترضت لإنشاء ميناء له عوائد اقتصادية مستقبلية، والأزمة كانت في إدارته، لكن الاقتراض لإنشاء عقار أمر آخر»، وقال إنه «حتى لو فشلت مصر في سداد القرض، فما الضرر الذي سيقع على الاقتصاد المصري من سيطرة الصين على هذه الأبراج السكنية، وما العائد الذي ستجنيه الصين».


مقالات ذات صلة

الحكومة المصرية لتشديد عقوبات «سرقة الكهرباء»

شمال افريقيا مجلس الوزراء المصري برئاسة مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء)

الحكومة المصرية لتشديد عقوبات «سرقة الكهرباء»

وسط إجراءات مصرية مكثفة لاستمرار «تنفيذ خطة عدم قطع الكهرباء» في البلاد، تدرس الحكومة المصرية تشديد عقوبات «سرقة الكهرباء».

أحمد إمبابي (القاهرة )
شمال افريقيا عامل في محطة وقود بالعاصمة المصرية القاهرة (رويترز)

مصر ترفع أسعار الوقود محلياً قبل مراجعة من صندوق النقد

رفعت مصر، الخميس، أسعار مجموعة واسعة من منتجات الوقود، قبل 4 أيام من إجراء صندوق النقد الدولي مراجعة لبرنامج قروض موسع للبلاد بقيمة 8 مليارات دولار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد العاصمة المصرية القاهرة (رويترز)

محللون يتوقعون نمو الاقتصاد المصري 4 % في السنة المالية الجديدة

توقع اقتصاديون أن يكون نمو الاقتصاد المصري أبطأ قليلاً في السنة المالية الجديدة، عند 4 % عما كان متوقعاً في أبريل (نيسان) الماضي، عند 4.3 %.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد مقر البنك المركزي المصري في العاصمة القاهرة (رويترز)

الدين الخارجي لمصر يسجل أكبر تراجع تاريخي

قال مصدر رفيع بالبنك المركزي المصري، إن الدين الخارجي يتراجع من مستوياته المرتفعة، ليسجل «أكبر تراجع تاريخي، بقيمة تتجاوز 14 مليار دولار منذ ديسمبر 2023».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد وزير الطاقة السعودي يتوسط وزيري الكهرباء والبترول المصريين في الرياض (الشرق الأوسط)

مصر: الربط الكهربائي مع السعودية قبل الصيف المقبل

أكد وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري، محمود عصمت، أن مشروع الربط الكهربائي مع السعودية سيبدأ التشغيل والربط على الشبكة الموحدة قبل بداية الصيف المقبل.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
TT

تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس

بعد الانتشار المتزايد لفيروس «كورونا المستجد» في معظم أنحاء العالم، يحذّر خبراء الاقتصاد من التداعيات السلبية التي يشهدها الاقتصاد العالمي خصوصاً بعد الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول ومن بينها إغلاق الحدود وتعليق الرحلات الجوية والبحرية، وهو ما امتد بدوره إلى قطاع العقارات في مصر، حيث تشهد السوق العقارية في البلاد حالياً تراجعاً في نسب المبيعات، بالإضافة إلى إلغاء فعاليات ومؤتمرات تسويقية عقارية.
ويؤكد مستثمرون عقاريون مصريون من بينهم المهندس ممدوح بدر الدين، رئيس مجلس إدارة شعبة الاستثمار العقاري بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن «القطاعات الاقتصادية تشهد تباطؤاً وجموداً حاداً في الآونة الأخيرة، وهذا سيكون له تبعاته على سوق العقار»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أتوقع أن تخرج مصر من الأزمة سريعاً، وبأقل الخسائر نتيجة للإجراءات الاحترازية التي اتخذتها أخيراً للحد من انتشار المرض».
وشهدت سوق مبيعات العقارات في مصر «تراجعاً نسبياً منذ بداية أزمة كورونا»، وفق الخبير والمسوق العقاري محمود سامي، الذي قدّر «نسبة التراجع في مستويات البيع والشراء، بنسبة تتراوح من 20 إلى 30%، في بداية الأزمة، لتصل إلى 50% مع نهاية الأسبوع الماضي، مع اتخاذ مصر وعدد من الدول العربية إجراءات احترازية جريئة للحد من انتشار المرض».
ورغم أن مؤشرات الطلب على شراء العقارات التي تقاس وفق حجم الطلب على المواقع الإلكترونية المخصصة لبيع وشراء العقارات، لم تعكس هذا التراجع في شهر فبراير (شباط) الماضي، وفقاً لمؤشر موقع «عقار ماب» المتخصص في السوق العقارية، بعدما سجل ثبات مستوى الطلب على العقارات في شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير الماضيين، لكن المؤشر أوضح أنه «كان هناك تزايد في الطلب في النصف الأول من شهر فبراير، إلا أن هذا التزايد تراجع في الأسبوعين الأخيرين ليستقر المؤشر عند نفس معدل الشهر السابق»، ولا توجد إحصائيات واضحة عن شهر مارس (آذار) الجاري، والذي تفاقمت فيه أزمة «كورونا».
وعكس ما يؤكده المسوق العقاري محمود سامي، من وجود تراجع في نسب مبيعات العقارات في مصر، يقول الدكتور ماجد عبد العظيم، أستاذ الاقتصاد والخبير العقاري، أن «السوق العقارية في مصر لم تتأثر حتى الآن بأزمة (كورونا)»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد ارتباط بين فيروس (كورونا) والعقارات، فمن يريد شراء شقة سيفعل ذلك»، مشيراً إلى أن «السوق العقارية المصرية تعاني من حالة ركود بدأت منذ نحو أربعة أشهر، وتظهر ملامحها في العروض التسويقية التي تقدمها شركات العقارات، ومن بينها زيادة عمولة المسوقين العقاريين، والإعلان عن تسهيلات في السداد تصل إلى عشر سنوات من دون مقدم، والدفعة الأولى بعد التسلم»، لافتاً إلى أن «حالة الركود هذه سببها الرئيسي زيادة المعروض، وارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه».
ورغم أن العاملين في التسويق العقاري لا ينكرون وجود حالة ركود في السوق، فإنهم يرون أن المسألة تزايدت مع الخوف من انتشار «كورونا»، حتى حدث «انكماش في السوق العقارية»، على حد تعبير سامي الذي أوضح أن «شركات التسويق العقاري تأقلمت مع حالة الركود، ونفّذت عمليات إعادة هيكلة وتقليص لعدد الموظفين والمقرات»، مضيفاً: «ما نشهده الآن مختلف، فهناك حالة شلل لم نشهدها من قبل إلا مع ثورتي 30 يونيو (حزيران) 2013، و25 يناير 2011. وإن كان ما نشهده حالياً أكثر حدة، فهناك إلغاء لحجوزات ومواعيد معاينات للوحدات العقارية، وتأجيل لقرارات الشراء بشكل عام حتى انتهاء الأزمة واتضاح الرؤية».
ولا يقتصر تأثير انتشار «كورونا» على حركة البيع والشراء في قطاع العقارات، بل من المتوقع أن «ينعكس التأثير على اقتصاد الشركات العقارية واستثماراتها» حسب بدر الدين، الذي أشار إلى أن «قطاع النفط تأثر بصورة كبيرة خصوصاً بعد إصرار منظمة (أوبك) على عدم تقليل إنتاجها، ليهبط سعر البرميل إلى أقل من 30 دولاراً، ما سبب خسائر للمستثمرين والصناديق العالمية، وترتبت على ذلك انخفاضات في أسعار مواد البناء وبالتالي فإن أي مستثمر لديه مخزون من هذه السلع، سيحقق خسائر بلا شك».
وتماشياً مع قرارات الحكومة المصرية إلغاء التجمعات، تم تأجيل مؤتمر ومعرض «سيتي سكيب مصر للتسويق العقاري»، الذي يعده الخبراء أحد أكبر معارض التسويق العقاري في مصر، والذي كان من المقرر عقده في منتصف الشهر الجاري، لتكتفي الشركات العقارية بالعروض التسويقية التي تقدمها وتعلن عنها إلكترونياً أو تلفزيونياً.
والتأجيل يحمي شركات العقارات من خسائر متوقعة، نظراً لصعوبة حضور العملاء، مما سيؤثر بشكل سلبي على صورة القطاع العقاري، حسب بدر الدين.
ويخشى العاملون في السوق العقارية من استمرار الأزمة فترة طويلة، وهو ما سيؤدي إلى خسائر كبيرة في القطاع، قد تضطر الشركات إلى عمليات إعادة هيكلة وتخفيض عمالة -على حد تعبير سامي- الذي قال إن «الشركات تأقلمت مع انخفاض المبيعات خلال الشهور الماضية، لكن لو استمر الوضع الحالي لمدة شهر، فالمسألة ستكون صعبة وقد تؤدي إلى إغلاق شركات وتسريح موظفين، حيث ستحتاج كل شركة إلى تخفيض نفقاتها بنسبة 40% على الأقل».
ورغم تأكيدات عبد العظيم أنه لا يوجد تأثير لأزمة «كورونا» على السوق العقارية حتى الآن، فإنه يقول: «إذا تفاقمت أزمة (كورونا) فستكون لها تأثيرات على جوانب الحياة كافة، ومنها العقارات»، وهو ما يؤكده بدر الدين بقوله إن «العالم كله سيشهد تراجعاً في معدلات النمو الاقتصادي».