بحوث التسويق والمشاهدة... مشكلة إعلامية تلتمس طريقاً للحل

بحوث التسويق والمشاهدة... مشكلة إعلامية تلتمس طريقاً للحل
TT

بحوث التسويق والمشاهدة... مشكلة إعلامية تلتمس طريقاً للحل

بحوث التسويق والمشاهدة... مشكلة إعلامية تلتمس طريقاً للحل

على غرار السعودية والإمارات والمغرب، وضعت مصر أخيراً بعض الضوابط لتنظيم عمل شركات بحوث التسويق والمشاهدة؛ حيث «تعد قضية قياس نسب المشاهدة واحدة من القضايا المهمة والملحّة في الوطن العربي، خاصة أنّها تتحكّم بنسبة الإعلانات التي تحصل عليها القنوات التلفزيونية والفضائية».
وقال مراقبون إنّ «هذه القضية مهنية من الدرجة الأولى، أرّقت العاملين في الإعلام المرئي على مدى سنوات، ودفعت بعض الدول العربية إلى البحث عن حلول، بوضع ضوابط على الشركات العاملة في هذا المجال».
وفي بداية عام 2017، أطلقت الشركة السعودية لقياس وسائل الإعلام «smmc»، مشروعاً مماثلاً لقياس نسب المشاهدة، تحت إشراف الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع، لتكون أول شركة متخصّصة في هذا المجال بالمملكة، وتتابع هيئة الإعلام المرئي والمسموع عمل الشركة، للتّأكد من التزامها بالمعايير الدُّولية، خاصة أنّ عمل الشركة وفقاً للبيانات الرسمية «مسؤول عن تنظيم سوق الإعلانات في المملكة». وفي الإمارات، تُقاس نسب المشاهدة عبر نظام «تي فيو»، منذ العام 2012. وتتولاه شركة الإمارات لقياس الأداء الإعلامي، بينما تتولى شركة «ماروك ميتري» قياس نسب المشاهدة في المغرب، بموجب ترخيص من «سيوميد»، المركز المهني لقياس نسب المشاهدة، وهو الممثل للقنوات التلفزيونية ووكالات الإعلان.
وقال خالد البرماوي، الخبير الإعلامي، إنّ «الدّول العربية تنبّهت للقضية منذ سنوات، ووضعت ضوابط لترخيص الشركات العاملة في هذا المجال؛ حيث تُرخص شركات بحوث قياس نسب المشاهدة في كل من الإمارات والسعودية والمغرب وتونس ولبنان، بما يساهم في تنظيم سوق الإعلام في هذه الدول»، مشيراً إلى أنّ «مصر قد تكون متأخرة بعض الشيء، لكنها خطوة جيدة من جانبها».
وشكّل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر أخيراً، لجنة لبحوث المشاهدة والاستماع والتحقق من الانتشار، برئاسة أبو بكر الجندي، رئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء السابق، وعضوية إبراهيم حجازي، وعبد الفتاح الجبالي، ومحمد العمري، وأحمد سليم. ووضعت اللجنة 5 شروط لمنح التراخيص للشركات العاملة في بحوث المشاهدة، هي أن «تأخذ شكل شركة مساهمة مصرية؛ وألّا يقل رأس مال الشركة عن 5 ملايين جنيه، وأن يكون المدير التنفيذي لها من العاملين في الإعلام مدة لا تقل عن 10 سنوات، وأن توافق الشّركة على شروط العمل التي تتضمّن متابعة أعمالها في جميع المراحل، وأن تلتزم الشركة بعد نشر نتائج أبحاثها أو جزء منها».
وقال الجندي لـ«الشرق الأوسط»، إنّ «مهمة اللجنة هي منح الترخيص للشركات التي ستتولى عمل أبحاث المشاهدة، بعد التأكد من قدرتها على العمل، وستعمل اللجنة على متابعة عمل هذه الشركات، عبر زيارات ميدانية مفاجئة للتأكد من تنفيذها لأبحاثها، وفقاً للمنهجية المتفق عليها. وهي تضمّ خبراء متخصّصين سيراجعون منهجية الأبحاث واختيار العينات والقواعد الإحصائية المتبعة، للتأكّد من دقة وسلامة النتائج التي يكون لها تأثير كبير في السوق».
من جهته، قال البرماوي لـ«الشرق الأوسط»، إنّ «فكرة وجود جهات تمنح تراخيص لعمل شركات كانت تعمل دون غطاء قانوني، هي أمر جيد، لأنّها تنظّم الواقع غير المنظّم»؛ لكنّه تحفّظ على بعض الشّروط، من بينها الشرط المالي، الخاص بالحصول على موافقة كتابية قبل نشر نتائج الأبحاث، موضحاً أنّ «الشرط المالي يعني استبعاد مراكز الأبحاث الصغيرة من الساحة، كما أن الموافقة على نتائج البحث، تعدّ إشكالية صعبة جداً؛ حيث تمنح اللجنة صفة رقابية، تجعلها تتدخل في دورة العمل في هذه الشّركات، والأفضل أن يقتصر دورها على منح التراخيص، ومتابعة منهجية البحث»؛ لكنّه أكد أنّ «هذه الخطوة في كل الأحوال ستتطوّر مع الممارسة والتطبيق».
بدوره، أكد محمود التميمي، مدير شركة «ميديا كلينك برو» لتطوير المحتوى الإعلامي، «خطورة وحساسية هذا المجال». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنّه «خليط من علم الإحصاء والأرقام، وإطلاق الأحكام، وتعتبر نتائج أبحاث هذه الشركات بمثابة منصة القضاء بالنسبة للقنوات، وهنا تكمن الخطورة، خاصة إن كانت الشركات تتبع مصالح ضيقة»، مشيراً إلى أنّ «وجود ضوابط لتنظيم عملها أمر جيد»، وأن «وضع الضوابط يحوّل سوق العمل في بحوث المشاهدة من فكرة (السبوبة) إلى الاحتراف».
من جانبه، طالب الدكتور صفوت العالم، أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة، بأن «تضم اللجنة عدداً من الأكاديميين». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إنهم الأكثر قدرة على التأكد من سلامة منهجية البحث واختيار العينة، ووجودهم سيساهم في إضفاء مزيد من المصداقية والشفافية على عمل لجنة بحوث المشاهدة والتحقق من الانتشار».
وأضاف البرماوي أنّ «مجال عمل هذه الشركات حساس جداً، ولذلك لا بد من أن يشرف عليه خبراء أكاديميون يتمتعون بالمصداقية والنزاهة». وتابع أنّ «نتائج الأبحاث تتحكم في حصص الإعلانات في القنوات نظرياً، لكن على أرض الواقع تتدخل عوامل أخرى لحسم المسألة، من بينها اسم القناة، واسم البرنامج، والعلاقات الشخصية التي تعد العامل الأول في أهمية توزيع حصص الإعلانات»، مضيفاً أنّ «زيادة عدد الشركات العاملة في هذا المجال ستتيح التنافسية التي يمكن من خلالها ضمان دقة النتائج»،
وحتى الآن لم تتقدم سوى شركة واحدة للحصول على الترخيص في مصر. وقال الجندي إن «(إبسوس) وحدها تقدّمت بطلب للحصول على ترخيص».
جدير ذكره أنّ «إبسوس»، هي شركة أبحاث تسويقية عالمية، مقرها باريس، تأسست عام 1975، ولديها كثير من الفروع في أكثر من 80 دولة حول العالم. وأمرت وزارة القوى العالمة بإغلاق مكتبها في مصر في يونيو (حزيران) عام 2017، بسبب مخالفات شروط الصحة والسلامة، وجاء القرار في أعقاب تحذيرات رسمية.
وقال التميمي، في هذا الصدد: «لا بد أن تكون هناك جهة مستقلة تعمل على إجراء هذه البحوث دون السعي وراء الأرباح»، مضيفاً أن «أبحاث المشاهدة مثل المصباح الذي يضيء الغرف المعتمة، كما أنها ترمومتر لقياس اتجاهات الجمهور، لتحديد اتجاهات المعلنين، وصناع المحتوى»، مؤكداً أن «هذا لا يعني الانسياق وراء رغبات الجمهور؛ لكنه مؤشر على طبيعة السوق، والأمراض الموجودة في المجتمع».


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».