الحليب... مكوّن أساسي وتاريخ طويل

السومريون أول من استفاد من الثروة الحيوانية في منطقة الهلال

الحليب... مكوّن أساسي وتاريخ طويل
TT

الحليب... مكوّن أساسي وتاريخ طويل

الحليب... مكوّن أساسي وتاريخ طويل

الحليب من أهم مواد الطعام والأغذية التي يستخدمها الناس منذ آلاف السنين، وله مشتقات كثيرة وأساسية يعتمد عليها الناس، مثل اللبن واللبنة والجبنة على أنواعها والقشطة والسمن. ويُعتبر الحليب أيضاً من المواد الرئيسية في تحضير كثير من الأطباق أو الأطعمة والمعجنات وكثير من الصلصات والحلويات والمواد الطبية ومستحضرات التجميل.
فما تاريخ الحليب واستخدامه وعلاقة الناس به، ومتى بدأت هذه العلاقة بالتفاعل والنمو؟
تؤكد المعلومات المتوفرة أن البشر بدأوا باستخدام الحليب كمادة غذائية أساسية قبل 10000 سنة، أي مع الثورة الزراعية، حيث تحولت المجتمعات من مجتمعات قبلية إلى مجتمعات مستقرة. وبكلام آخر، فإن التحول الديمغرافي أو السكّاني في العصر الحجري الحديث من نمط حياة الصيد والجمع إلى نمط الزراعة والاستيطان قد أسهم، كما تشير الموسوعة الحرة، بارتفاع عدد السكان، حيث سمحت هذه المجتمعات المستقرة للإنسان بتدجين مختلف أنواع الحيوانات واستصلاح وزراعة كثير من النباتات.
وقد حصل هذا التحول في كثير من مناطق العالم، خصوصاً منطقة الهلال الخصيب وبلاد ما بين النهرين، أي العراق، ولذا يقول كثير من المؤرخين إن السومريين كانوا أول الشعوب التي عملت على حلب الحيوانات الأليفة، واستخدام حليبها في عمليات تحضير الطعام، أو كمادة من المواد الغذائية الرئيسية.
وتوضح الحفريات والآثار الموجودة في تل العبيد بالعراق أن تربية الحيوان هناك بدأت 3000 سنة قبل الميلاد، وأن السومريين شربوا حليب البقر وصنعوا منه الجبنة والزبدة.
لكن بعض المؤرخين يقولون إن عملية تربية الماشية، خصوصاً الأبقار، انتشرت من منطقة الهلال الخصيب إلى أوراسيا، بينما يقول آخرون إن عملية الانتشار جاءت من الهند وباكستان. ومن عملية تحليل الدهون القديمة تبين أن مزارعي العصر الحجري الحديث، أي قبل 6000 سنة في بريطانيا وشمال أوروبا، كانوا أوائل مَن بدأوا في حلب الماشية للاستهلاك البشري.
وحسب العلماء، فإن القدرة على هضم الحليب تمت ببطء بين 4000 و5000 سنة قبل الميلاد، وعبر انتشار لطفرة وراثية «استمرار اللاكتوز»، التي سمحت للبشر بعد الفطام بمواصلة هضم الحليب.
كما تؤكد المعلومات المتوافرة أيضاً أن الفراعنة استخدموا الحليب ومشتقاته بكثرة، لكنه كان مادة مهمة حكراً على الطبقات العليا والملكية والأغنياء من الناس، وأن تربية الأبقار انتشرت في ذلك الوقت في شمال أفريقيا بشكل عام. وتشير الآثار الفرعونية إلى أن البقرة لعبت دوراً رئيسياً في عالمي الزراعة والروحانيات في مصر القديمة، ولعبت البقرة دوراً مركزياً أيضاً في الحياة المصرية.
في الأساطير اليونانية، أطلق على درب التبانة اسم مجرة «طريق اللبني»، لأن جزءاً من النجوم يمكن رؤيته في بعض الأحيان كطريق أبيض يشبه لون اللبن، ويقال أيضاً إن التسمية تعود إلى قصة «هرقل» ورضاعته، وتقول القصة التي لها عدة نسخ إن إله الاحتيال والتجارة «هرمس» وضع «هرقل» على صدر «هيرا» النائمة ليرضعه من ثديها، ولكن عندما استيقظت وأدركت هوية الطفل دفعته جانباً فانتشر اللبن أو الحليب في الفضاء الخارجي، مما أدى إلى تكوُّن هذه الطريق.
وبحسب ما يقوله البعض الآخر، فإن السبب الأكثر جدية أن الإغريق أطلقوا عليها هذه التسمية «ظناً منهم أن إحدى آلهتهم كانت ترضع وهي نائمة، فانساح اللبن من ثديها ليلاً على رقعة السماء».
ورغم أن اليونانيين القدامى تناولوا مشتقات الحليب، خصوصاً الجبنة بكثرة، فإنهم كانوا ضدّ شرب الحليب وحده، وأن ذلك من عادات البرابرة (كل ما هو غير يوناني أو لا يتكلم اليونانية). ففي «أوديسة» هوميروس يعيش الوحش العملاق «سايكلوبس» ذو العين الواحدة على الحليب عندما لا يأكل الرجال. «هذا الاستخدام للحليب يعزز فكرة أن العملاق همجي، وأن قُرّاء هوميروس يشعرون بأن شرب الحليب يتعارض مع العادات المتحضرة».
وبحلول القرن الخامس الميلادي، كانت الأبقار والأغنام في أوروبا تحظى بتقدير كبير لما توفره من حليب. وبحلول القرن الرابع عشر أصبح حليب البقر أكثر شعبية من حليب الغنم، ولا يزال الوضع على حاله حتى يومنا هذا. ومن بدائل الحليب الشائعة في القرنين الخامس والسادس حليب اللوز وجوز الهند والصويا والأرز والقنب، وقد جلب الأوروبيون معهم إلى أميركا الشمالية الأبقار التي تُربى لحليبها في القرن السادس عشر.
وأجرى عالم الأحياء الدقيقة الفرنسي لويس باستور أول اختبارات للتعقيم في عام 1862. ويعود الفضل إلى باستور في إحداث ثورة في سلامة الحليب، وبالتالي القدرة على تخزين الحليب وتوزيعه جيداً خارج المزرعة. وتم تقديم آلات بسترة أو تعقيم الحليب التجارية في عام 1895. وفي عام 1884، تم اختراع أول زجاجة حليب في ولاية نيويورك... وفي ثلاثينات القرن العشرين، تم استبدال علب الحليب بصهاريج تخزين كبيرة في المزرعة، وتم اختراع علب الحليب الورقية المطلية بالبلاستيك، مما أتاح توزيع الحليب الطازج على نطاق أوسع، أي بداية عالم التصنيع والإنتاج على نطاق استهلاكي واسع لم يسبق له مثيل في التاريخ البشري.



تنافس بين الطهاة والمدونين على تقديم وصفات شهية واقتصادية

تنافس بين الطهاة والمدونين على تقديم وصفات شهية واقتصادية
TT

تنافس بين الطهاة والمدونين على تقديم وصفات شهية واقتصادية

تنافس بين الطهاة والمدونين على تقديم وصفات شهية واقتصادية

هل فكرتِ في إعداد أصابع الكفتة دون اللحم؟ وهل خطر في بالك أن تحضري الحليب المكثف في المنزل بدلاً من شرائه؟

قد يبدو تحضير وجبات طعام شهية، واقتصادية أمراً صعباً، في ظل ارتفاع أسعار الغذاء؛ مما يدفع الكثيرين إلى البحث عن طرق مبتكرة لتحضير وجبات شهية دون الحاجة إلى إنفاق مبالغ طائلة.

وهو ما دفع الكثيرين مؤخراً إلى إعادة التفكير في عاداتهم الغذائية، والبحث عن بدائل أكثر اقتصادية، الأمر الذي تفاعلت معه مدونات الطعام على مواقع التواصل الاجتماعي، وبرز لدى القائمين عليها هذا الاتجاه في الطهي بإيقاع تنافسي، لتقديم العديد من الطرق لتحضير الطعام بما يلائم الميزانيات.

وحسب خبراء للطهي، تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، فإنه بقليل من الإبداع والتخطيط، يمكن تحويل مطبخك إلى مكان لإعداد وجبات شهية واقتصادية دون تكلف.

تقول الشيف المصرية سارة صقر، صاحبة مدونة «مطبخ سارة»: «أصبح الطعام الاقتصادي من أهم اتجاهات الطهي حالياً، لمحاولة تقليل النفقات بشكل كبير، تزامن ذلك مع انتشار ثقافة توفير الوقت والجهد، من خلال تحضير وجبات سهلة وسريعة وأيضاً مبتكرة، وهو ما تفاعل معه الطهاة وأصحاب مدونات الطهي، الذين يتسابقون في تقديم أفكار تساعد الجمهور على تلبية احتياجاتهم بشكل اقتصادي، وبطريقة شهية وجذابة».

وتضيف: «من وجهة نظري فإن أساس تحقيق معادلة الشهي والاقتصادي معاً تكمن أولاً في اختيار المكونات البديلة المستخدمة، فمن المهم أن نفكر بشكل دائم في البديل الأوفر في جميع أطباقنا». وتضرب مثلاً بتعويض أنواع البروتين الحيواني بالبروتين النباتي مثل الفطر (المشروم) أو البيض؛ ويمكننا أيضاً استبدال الدواجن باللحوم، مع الابتعاد تماماً عن اللحوم المُصنعة، فهي غير صحية وليست اقتصادية».

وترى أن الابتكار في الوجبات بأبسط المكونات المتوفرة عامل رئيسي في تحقيق المعادلة، و«يمكنني تحويل وجبة تقليدية مُملة للبعض لوجبة شهية وغير تقليدية، وهذا ما أهتم به دائماً، لا سيما عن طريق إضافة التوابل والبهارات المناسبة لكل طبق، فهي أساس الطعم والرائحة الذكية».

من أكثر الأطباق التي تقدمها الشيف سارة لمتابعيها، وتحقق بها المعادلة هي الباستا أو المعكرونة بأنواعها، لكونها تتميز بطرق إعداد كثيرة، ولا تحتاج إلى كثير من المكونات أو الوقت. كما أنها تلجأ إلى الوجبات السهلة التي لا تحتوي على مكونات كثيرة دون فائدة، مع التخلي عن المكونات مرتفعة الثمن بأخرى مناسبة، مثل تعويض كريمة الطهي بالحليب الطبيعي كامل الدسم أو القشدة الطبيعية المأخوذة من الحليب الطازج، فهي تعطي النتيجة نفسها بتكلفة أقل، وبدلاً من شراء الحليب المكثف يمكن صنعه بتكلفة أقل في المنزل.

تشير الشيف سارة إلى أن كثيرات من ربات المنازل قمن باستبدال اللحوم البيضاء بالحمراء، وأصناف الحلوى التي يقمن بإعدادها منزلياً بتكلفة أقل بالحلوى الجاهزة، كذلك استعضن عن المعلبات التي تحتوي على كثير من المواد الحافظة بتحضيرها في مطابخهن.

بدورها، تقول الشيف نهال نجيب، صاحبة مدونة «مطبخ نهال»، التي تقدم خلالها وصفات موفرة وأفكاراً اقتصادية لإدارة ميزانية المنزل، إن فكرة الوجبات الاقتصادية لا تقتصر على فئة بعينها، بل أصبحت اتجاهاً عالمياً يشمل الطبقات كافة.

وترى نهال أن الادخار في الأصل هو صفة الأغنياء، وفي الوقت الحالي أولى بنا أن ندخر في الطعام لأنه أكثر ما يلتهم ميزانية المنزل، وبالتالي فالوجبات الاقتصادية عامل مساعد قوي لتوفير النفقات، لافتة إلى أن «هذا الاتجاه فتح مجالاً كبيراً أمام الشيفات لابتكار وصفات متعددة وغير مكلفة، وفي الوقت نفسه شهية لإرضاء كل الأذواق، فليس معنى أن تكون الوجبات اقتصادية أن تفقد المذاق الشهي».

وتضيف: «محاولة التوفير والاستغناء عن كل ما زاد ثمنه وإيجاد بدائله لا يعني الحرمان، فالأمر يتمثل في التنظيم وإيجاد البدائل؛ لذا أفكر دائماً فيما يفضله أفراد أسرتي من أنواع الطعام، وأحاول أن أجد لمكوناته بدائل اقتصادية، وبذلك أحصل على الأصناف نفسها ولكن بشكل موفر».

وتشير الشيف نهال إلى أن هناك العديد من الوصفات غير المكلفة والشهية في الوقت نفسه بالاعتماد على البدائل، مثال ذلك عند إعداد أصابع الكفتة يمكن إعدادها بطرق متنوعة اقتصادية، تصل إلى إمكانية التخلي عن اللحم وتعويضه بالعدس أو الأرز المطحون أو دقيق الأرز، وتقول إن «قوانص» الدجاج، والمعكرونة المسلوقة، توضع في «الكبة» مع بصل وتوابل ودقيق بسيط لإعطاء النتيجة نفسها، كما يمكن الاعتماد في الكفتة على البرغل أو الخبز أو البقسماط، الذي يضاف إلى كمية من اللحم المفروم لزيادتها.

وكذلك بالنسبة لكثير من أصناف الحلويات، التي يمكن تغيير بعض المكونات فيها لتصبح اقتصادية مع الحفاظ على مذاقها، فعند إعداد الكيك يمكن استخدام النشا كبديل للدقيق الأبيض، واستخدام عصير البرتقال أو المياه الغازية بدلاً من الحليب. وتلفت أيضاً إلى إمكانية إعداد أنواع الصوصات في المنزل بدلاً من شرائها، فهذا سيوفر المال وأيضاً لضمان أنها آمنة وصحية، وكذلك الحليب المبستر يتم الاستغناء عنه لغلو سعره والاستعاضة عنه بالحليب طبيعي، والسمن البلدي يمكن تعويضه بزيت الزيتون الصحي وليس بالسمن المهدرج المضر بالصحة.

من خلال اقترابهما من جمهور «السوشيال ميديا»، وتبادل الأحاديث معهم، توجه الطاهيتان كثيراً من النصائح لحفاظ السيدات على أطباقهن شهية واقتصادية.

فمن النصائح التي توجهها الشيف سارة، التوسع في استخدام البقوليات، خصوصاً العدس والحمص والفاصوليا المجففة، بديلاً اقتصادياً وصحياً للحوم، مع الاعتماد على المكونات الطازجة في موسمها وتخزينها بشكل آمن لتُستخدم في غير موسمها بدلاً من شرائها مُعلبة.

بينما تبين الشيف نهال أن الأجيال الجديدة تفرض على الأم وجود بروتين بشكل يومي، وهو ما زاد من مسؤوليتها في ابتكار وجبات اقتصادية وشهية، وما ننصح به هنا تعويض المكونات ببدائل أخرى، مثل الاستغناء عن اللحوم البلدية واللجوء للمستوردة في بعض الأطباق، واستخدام المشروم بديلاً للبروتين.

وتشير إلى أن لكل ربة منزل «تكات الطهي» أو ما يطلق عليها «النفس»، وهو ما عليها استغلاله لتقديم أطباق مبتكرة، مبينة أن الكثير من صفحات «يوتيوب» و«فيسبوك» توفر أفكاراً اقتصادية متنوعة يمكنها أن تساعد السيدات في تلبية احتياجاتهن.