كتاب «أريد أن أطير» يحلّق بأحلام «طيار الملوك» السعوديين

يرصد سيرة الكابتن نهار النصار أول طيار سعودي يقطع المحيط ويلف العالم بطائرته

الملك فيصل والأمير سلطان مع الكابتن النصار
الملك فيصل والأمير سلطان مع الكابتن النصار
TT

كتاب «أريد أن أطير» يحلّق بأحلام «طيار الملوك» السعوديين

الملك فيصل والأمير سلطان مع الكابتن النصار
الملك فيصل والأمير سلطان مع الكابتن النصار

كانوا أربعة شباب في مقتبل العمر، ساقتهم الأقدار للدراسة في مدرسة الجبل في الظهران؛ أولى المدارس التي التحق بها السعوديون الطامحون لدخول «شركة الزيت» التي ملأت آنذاك سمعتها الآفاق، والتي تعرف اليوم باسم «أرامكو». الأول، علي بن إبراهيم النعيمي، والثاني، نهار بن عبد الرزاق النصار، والثالث، أحمد بن خليفة مطر، والرابع علي القرعاوي.
سأل المعلم الأميركي طلابه الأربعة عن أحلامهم حين يكبرون. تجرأ أولهم وهو علي النعيمي القادم من البادية، والذي كان يعمل مراسلاً في مجمع الشركة، قال: «أريد أن أصبح عالماً، وأن أتولى رئاسة هذه الشركة»، أما الثاني، نهار النصار الذي حطت أسرته رحالها في الخبر قادمة من الزبير، فقال: «أريد أن أطير»، وأكمل: «أريد أن أصبح طياراً»، وكذلك قال أحمد مطر، أما القرعاوي فقال: «أريد أن أصبح طبيباً...».
بعد سنوات، حقق علي النعيمي حلمه، وأصبح جيولوجياً وأول رئيس سعوي لشركة «أرامكو»، ثم أصبح وزيراً للنفط، وحقق نهار حلمه وأصبح طياراً مرموقاً، كما أصبح الكابتن أحمد مطر طياراً ومديراً للخطوط السعودية، أما علي القرعاوي فأصبح طبيباً استشارياً معروفاً.
من بين أحلام الشباب أولئك، حلم «أريد أن أطير» الذي تحّول إلى عنوان كتاب جديد، يحمل سيرة الطيار السعودي المعروف نهار النصار، الذي عرف بأنه طيار الملوك السعوديين، وأول طيار سعودي قطع المحيط ولف العالم بطائرته. ودُشن هذا الكتاب مؤخراً في مكتبة مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)، التابع لشركة «أرامكو»، وتولى جمعه وتحريره الإعلامي محمد عبد الحميد طحلاوي، الذي كان يتوّلى رئاسة مجلة «القافلة» التي تصدرها «أرامكو».
يتناول الكتاب سيرة نهار النصار، باعتبارها واحدة من القصص الملهمة في التضحية والمثابرة والاجتهاد، والتي يمكن أن تمثل نموذجاً للشباب السعوديين الطامحين. فهذا الشاب - كما نظرائه - كانوا يعملون وقت المجاهرة بأحلامهم، «مراسلين» بين المكاتب يحملون الأوراق والملفات، ولكنهم استطاعوا أن يكونوا مصدر إلهام للأجيال التي تلتهم.
يقول مؤلف الكتاب، محمد عبد الحميد طحلاوي، إن رحلة إنجاز الكتاب الطويلة، التي استغرقت، أحد عشر عاماً، بدأت في 29 مايو (أيار) 2008، واختتمت في شهر أبريل (نيسان) 2019. ويتوزع الكتاب إلى ثمانية فصول:
الفصل الأول: «جذور النهار»: وهو يتحدث عن عائلة النصار وتاريخها وجذورها ومسيرة ارتحالها عبر الجزيرة العربية إلى الزبير ومن ثم العودة إلى المملكة.
الفصل الثاني: «جاء النهار»: وهو يتحدث عن ولادة نهار النصار في مدينة الخبر شرق السعودية. الفصل الثالث «بدايات النهار»: وهو يتحدث عن السنوات الأولى من حياة نهار النصار، وما بدأ فيها من إرهاصات عشقه للطيران طفلاً. الفصل الرابع «العلم نور النهار»: ويتحدث عن مسيرة نهار النصار التعليمية، في مدينته الخُبر، وفي «أرامكو»، ثم في مصر للإعداد لدراسة الطيران ثم دراسة الطيران في مصر، ثم بريطانيا، ثم في مصر مرة أخرى.
أما الفصل الخامس «العمل ليل نهار»: ففيه يتطرق للمسيرة المهنية للكابتن نهار النصار، وما حققه من إنجازات متميزة، وما حصل عليه من أوسمة، بالإضافة إلى بعض القصص الطريفة والغريبة. والفصل السادس «نهار في الحياة»: يتحدث عن الكابتن نهار النصار في الحياة الأسرية والاجتماعية، خارج إطار العمل، مركزاً على أسرته الصغيرة والكبيرة، ومتانة علاقاته في كلتيهما، وعلاقاته مع أصدقائه، وجدول حياته اليومي.
وفي الفصل السابع «رحل النهار»: يتحدث عن مرض الكابتن نهار ووفاته. ويضم الفصل الثامن «النهار في عيونهم»: كل ما عثر عليه من مقالات وأخبار عن الكابتن نهار النصار، في الإعلام المحلي والأجنبي، وفي غير ذلك من المصادر.
ويقول طحلاوي: «خروجاً عن المألوف في كُتب السير، رأينا أن نُضيف إلى النص الأساس نصوصاً إضافية قصيرة تُعطي القارئ معلومات طيبة عن موضوعاتٍ تتعلق بسيرة الكابتن نهار النصار، فهناك نصٌّ قصير عن مدينة الخُبر، وآخر عن المنازل التي سكنتها أسرته في الخبر، وثالث عن الخطوط السعودية، ورابعٌ عن أول طيارٍ سعودي وغيرها».
تنحدر أسرة نهار نصار من نجد، وفي عام 1280 هـ نزحت عشيرة سدير إلى مدينة الزبير في جنوب العراق: «بسبب موجات القحط والصراع على الماء والكلأ وضعف الحالة الاقتصادية عموماً في نجد» (ص 16)، وفي الزبير عمل أفراد الأسرة، وبينهم جدّ نهار ووالده، جمّالين يعملون على نقل الحجاج والمعتمرين، ويتولون تنظيم الرحلات ونقل البضائع.
ومع ظهور النفط في شرق السعودية، في الثلاثينيات الميلادية، عاد والده وعمه إلى هناك حيث استقروا في الخبر، وعملا في شركة «أرامكو» عمالاً ثم مقاولين.
ولد نهار النّصار في حي السبيخة بمدينة الخبر شرق السعودية في عام 1355هـ (1936)، وتلقى تعليمه الأولي فيما كان يعرف بـ«الكتاتيب»، حيث تعلّم شيئاً من القرآن الكريم، ومبادئ القراءة والكتابة. كما تعلم شيئاً من اللغة الإنجليزية على يد سيدة هندية كانت زوجة طبيب يعمل في الخبر، (ص 6).
ثم التحق نصار بأول مدرسة حكومية تم افتتاحها - وهي الوحيدة - آنذاك في الخبر، وكانت تحمل في البداية اسم المدرسة «الأميرية»، ثم أصبح اسمها مدرسة الخبر الابتدائية الأولى. وتسمى الآن «مدرسة معاذ بن جبل».
بعدها التحق بـ«شركة الزيت العربية الأميركية» (أرامكو)، في الظهران منتصف عام 1950، حيث عمل مراسلاً مكتبياً في جزءٍ من وقت عمله، ويتعلم اللغة الإنجليزية وبعض العلوم الأساسية في مدرسة الشركة بقية الوقت.
وظهر على نهار الشغف بالطيران، سواء في الحركات التي كان يؤديها، وهو ينقل الأوراق بين المكاتب في بداية عمله مراسلاً في «أرامكو»، حيث كان يحاكي أصوات الطائرات ويقلد حركاتها، أو حين كان يرافق والده نحو مطار الظهران، فيبدي ولعه بالطائرات، ويتأمل هبوط وإقلاع الطائرات على مدرج المطار، ويردد أنه يريد أن يطير.
مشواره العملي في عالم الطائرات بدأ في عام 1953، حين أرسله والده لتعلم الطيران في مصر، حيث التحق بمدرسة «سانت أندراوس» في الإسكندرية، حيث حصل أولاً على شهادة الثانوية التي تؤهله للالتحاق بمعهد الطيران، وفي عام 1954 التحق بـ«معهد مصر للطيران» في إمبابة، وتلقى تدريبه في علوم الطيران على يد مدربة الطيارين المشهورة عزيزة محرم فهيم.
وواصل تدريبه في المعهد حتى شهر مايو عام 1956، وبعد ذلك أرسله والده إلى بريطانيا للاستزادة من علوم الطيران، وهناك التحق بـ«جامعة ساوثهامتون للعلوم الجوية»، حيث حصل على رخصة طالب طيران، واستمر يدرس بها حتى شهر سبتمبر (أيلول) من عام 1956، ولكنه اضطر إلى قطع دراسته هناك بسبب العدوان الثلاثي على مصر، الذي شاركت فيه بريطانيا.
عاد نهار النصَّار إلى مصر، حيث التحق بمجموعة من الشباب السعوديين كانت الحكومة قد أرسلتهم لدراسة الطيران، واستكمل معهم الدراسة في «معهد الطيران»، حتى نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1957، حيث حصل على إجازة الطيران الخاص.
في ديسمبر (كانون الأول) عام 1957، التحق نهار النصار بالعمل في الخطوط الجوية السعودية كمساعد طيار في الأول، وفي نوفمبر 1958، حدث تحول مهم في حياته، حيث أمر الملك فيصل، الذي كان ولياً للعهد آنذاك، بضرورة وجود قادة طائرات من السعوديين، لأن كل قادة طائرات الخطوط السعودية آنذاك كانوا من جنسيات أجنبية، وقد تمكن نهار النصَّار، مع زميله بهاء الدين أسعد، من اجتياز الاختبار اللازم، وأصبحا بذلك أول سعوديين ينالان رتبة قائد (كابتن) طائرة تجارية، على طائرات «داكوتا: دي سي 3»، وكان الكابتن نهار النصّار أصغر سعودي ينال هذه الرتبة، حيث لم يتجاوز سنه 23 عاماً.
واصل نهار النصَّار التدريب على مختلف أنواع الطائرات التي انضمت إلى أسطول الخطوط السعودية. وفي عام 1959، عُيِّن مسؤولاً عن الطلاب المتقدمين لدخول دورة الطيران في الخطوط السعودية، مع استمراره في الطيران، ومن بين طلاب الطيران الذين أشرف عليهم كان الكابتن أحمد مطر الذي أصبح فيما بعد مدير عام الخطوط الجوية السعودية.
وفي 1961، ابتعث الكابتن نهار إلى الولايات المتحدة الأميركية للحصول على شهادة «طيار خطوط جوية» من هيئة الطيران الفيدرالية الأميركية، حيث أنجز دراسته، واجتاز جميع الاختبارات النظرية والعملية المطلوبة، وحصل على الشهادة في مارس (آذار) 1962. كما شهدت نهاية عام 1963 نجاح الكابتن نهار النصَّار في اختبار الطيران على طائرة نفاثة من طراز «بوينغ» بعد إنهائه التدرب عليها، فكان بذلك أصغر طيارٍ سعودي وعربي، وأصغر طيارٍ في العالم حتى ذلك التاريخ، يقود طائرة نفاثة. وإثر هذا الإنجاز، تلقى برقية تهنئة من الأمير سلطان وزير الدفاع والطيران والمفتش العام آنذاك.
وواصل في عام 1965، الترقي في الطيران على طائرات «بوينغ» النفاثة من طرازي 707 و720 وصولاً إلى طراز 747، حتى أصبح قائداً على هذه الطائرات.
فترة الستينيات، شهدت أيضاً التحول الأهم في مسيرته، حيث أصبح منذ هذه الفترة قائداً لطائرات الملوك السعوديين. وبدايته في هذا الجانب كانت مع كبير الطيارين في الخطوط السعودية آنذاك الكابتن سام بقلر، الذي كان يتولى قيادة الطائرة في الرحلات الملكية، حيث عمل الكابتن نهار النصار مساعداً له، ومنذ عام 1963، أصبح القائد نهار النصار هو من يقود الطائرة الملكية، واستمر على هذا حتى وفاته.
وكانت أول رحلة ملكية للكابتن نهار النصار مع الملك سعود على طائرة «الداكوتا» من الرياض إلى حائل، أما أول رحلة للكابتن نهار مع الملك فيصل، فكانت من الرياض إلى جدة بعد مبايعته بالملك. وفي عام 1971 أكمل الكابتن نهار النصار رحلة حول العالم مع الملك فيصل، وكانت أول رحلة تقوم بها «الخطوط السعودية» حول العالم، وشملت الزيارات الملكية في هذه الرحلة: إيران، واليابان، والولايات المتحدة، ثم فرنسا. وبعد إنجاز هذه الرحلة منح الكابتن نهار شهادة عبور خطوط التوقيت الدولي رسمياً، وقد أقلّت الطائرات التي قادها نهار النصَّار كلاً من الملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد، والملك فهد، والملك عبد الله، عندما كان ولياً للعهد، والأمير سلطان.
وفي سبتمبر 1975، كُلّف نهار النصَّار بإنشاء قسم للرحلات الملكية يكون مستقلاً عن العمليات الاعتيادية للخطوط الجوية السعودية، فكان بذلك أول من أسّس هذا القسم، وفي عام 1976 عُيّن مديراً لعمليات الرحلات الملكية مع استمراره في الطيران، وبعدها بعام واحد، أي في عام 1977، أصبح أول مديرٍ عام لعمليات الرحلات الملكية، وفي مُنتصف عام 1993، عُيِّن مساعداً لمدير عام الخطوط السعودية لعمليات الرحلات الملكية.
انطوت سيرة نهار النصار الحافلة بالاجتهاد والصبر والمثابرة في الثالث من أغسطس (آب) عام 1994، بالمستشفى العسكري بمدينة جدة، حيث توفي بعد معاناة مع المرض مسجلاً أكثر من 18 ألف ساعة طيران.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».