تركيا تغازل المستثمرين الدوليين

تأمل في إبقاء واشنطن معاملتها التفضيلية التجارية

TT

تركيا تغازل المستثمرين الدوليين

بعد إثارته لمخاوف المستثمرين المحليين والأجانب نتيجة تدخلاته في السياسات النقدية، ما أدى إلى تراجع للاستثمار الأجنبي، وهبوط حاد للبورصة خلال الأشهر الماضية، قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، السبت، إن بلاده مستعدة لتقديم الدعم الكامل للمستثمرين الدوليين، مضيفا أن الحكومة تسيطر على زمام الأمور رغم استمرار الهجمات على الاقتصاد من خلال استهداف العملة التركية.
وشهدت تركيا سنوات من النمو السريع بفضل طفرة في مجال البناء وتقديم قروض رخيصة. لكن الاقتصاد تباطأ بشدة بسبب تأثير أزمة العملة التي قلصت 30 في المائة من قيمة الليرة التركية مقابل الدولار. وأنحى إردوغان باللائمة على قوى خارجية للحالة التي وصل إليها الاقتصاد.
وقال إردوغان لرجال أعمال أتراك في إسطنبول أمس: «نسيطر على الأمور الآن رغم استمرار الجهود الرامية لانهيار اقتصادنا من خلال سعر الصرف للعملات الأجنبية».
ومن جهة أخرى، قالت السفارة التركية في واشنطن إن تركيا تتوقع ألا تنفذ الولايات المتحدة قرارا بإنهاء المعاملة التجارية التفضيلية لها، بموجب برنامج يسمح للصادرات التركية بدخول الولايات المتحدة دون جمارك.
وكان الممثل التجاري الأميركي قد قال في أوائل مارس (آذار) الماضي إنه لم يعد من حق تركيا المشاركة في برنامج «نظام التفضيلات المعمم»، لأنها «متقدمة اقتصاديا بما يكفي».
وقالت السفارة التركية في بيان لـ«رويترز» مساء الجمعة: «أبلغنا في عدة مناسبات الجانب الأميركي توقعاتنا بالتخلي عن أي إجراءات تعرقل التجارة المتبادلة من أجل تحقيق الهدف الذي وضعه الرئيس إردوغان والرئيس (دونالد) ترمب لحجم التجارة المتبادلة بين تركيا والولايات المتحدة، والذي يبلغ 75 مليار دولار... وفي هذا السياق نتوقع استمرار عدم تنفيذ قرار إنهاء تصنيف بلادنا في نظام التفضيلات المعمم».
ولم يرد الممثل التجاري الأميركي على طلب للتعليق. وكان الممثل التجاري الأميركي قد قال في أوائل مارس إن استبعاد تركيا من البرنامج لن يسري لمدة 60 يوما على الأقل بعد إخطار الكونغرس والحكومة التركية، وإنه سيتم سنه بإعلان رئاسي.
وقال الممثل التجاري الأميركي في أغسطس (آب) الماضي إنه يراجع أحقية تركيا في البرنامج بعد أن فرضت أنقرة تعريفات جمركية على سلع أميركية ردا على فرض تعريفات أميركية على الصلب والألمنيوم.
وتركيا واحدة من 120 دولة تشارك في نظام التفضيلات المعمم، وهو أقدم وأضخم برنامج أميركي للمعاملة التجارية التفضيلية. ويستهدف البرنامج تشجيع التنمية الاقتصادية في البلدان المستفيدة عن طريق إلغاء الرسوم على آلاف المنتجات.
وذكر الموقع الإلكتروني لمكتب الممثل التجاري الأميركي أن واردات الولايات المتحدة من تركيا في إطار البرنامج بلغت 1.66 مليار دولار في 2017، بما يشكل 17.7 في المائة من إجمالي وارداتها من تركيا. وأضاف أن فئات الواردات التي تتصدر البرنامج هي السيارات ومكوناتها والحلي والمعادن النفيسة والقطع الحجرية.
وتوترت العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة منذ اشتعال قضية القس الأميركي أندرو برانسون في أغسطس الماضي، ما أدى إلى فرض واشنطن رسوما حمائية على الصلب التركي، إضافة إلى معوقات تجارية أخرى أدت إلى تدهور بالغ لليرة التركية.
وفي غضون ذلك، أظهرت بيانات من وزارة التجارة التركية، يوم الجمعة، أن العجز التجاري لتركيا هبط 55.73 في المائة على أساس سنوي إلى 2.97 مليار دولار في أبريل (نيسان) الماضي. وأشارت البيانات إلى أن الواردات تراجعت 15.04 في المائة إلى 17.46 مليار دولار، بينما زادت الصادرات 4.67 في المائة إلى 14.49 مليار دولار.
كما كشفت بيانات اقتصادية يوم الجمعة أن معدل التضخم في تركيا تباطأ بشكل طفيف في أبريل الماضي، وإن كان قد ظل أعلى من نسبة 19 في المائة. وذكر معهد الإحصاء التركي أن أسعار المستهلك ارتفعت في أبريل الماضي بنسبة 19.5 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، في تراجع عن نسبة 19.71 في المائة في مارس الماضي. وسجلت الأغذية والمشروبات غير الكحولية أعلى زيادة سنوية في الأسعار بنسبة بلغت 31.86 في المائة.
ورفع البنك المركزي التركي توقعاته يوم الثلاثاء الماضي بالنسبة لمعدل تضخم أسعار الأغذية إلى 16 في المائة بالنسبة لعام 2019، مقابل 13 في المائة خلال توقعاته في يناير (كانون الثاني) الماضي.
وارتفعت معدلات التضخم في تركيا إلى أعلى مستوياتها خلال 15 عاما منذ يونيو (حزيران) الماضي، عندما وصلت نسبة التضخم إلى 15.39 في المائة، وتجاوز معدل التضخم 25 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ذكر معهد الإحصاء التركي «توركستات» أن اقتصاد البلاد دخل مرحلة ركود منذ أواخر العام الماضي. وقام البنك المركزي التركي الشهر الماضي بتثبيت معدل الفائدة القياسي عند نسبة 24 في المائة، مشيرا إلى حدوث «تعاف معتدل» في الطلب المحلي خلال الربع الأول.
ولكن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان دعا مرارا إلى خفض أسعار الفائدة، مما أثار تساؤلات بشأن مدى استقلالية البنك.



تهديدات ترمب التجارية تضرب الأسواق العالمية قبل توليه الرئاسة

دونالد ترمب يتحدث خلال مؤتمر صحافي في بالم بيتش بفلوريدا 7 يناير 2025 (أ.ب)
دونالد ترمب يتحدث خلال مؤتمر صحافي في بالم بيتش بفلوريدا 7 يناير 2025 (أ.ب)
TT

تهديدات ترمب التجارية تضرب الأسواق العالمية قبل توليه الرئاسة

دونالد ترمب يتحدث خلال مؤتمر صحافي في بالم بيتش بفلوريدا 7 يناير 2025 (أ.ب)
دونالد ترمب يتحدث خلال مؤتمر صحافي في بالم بيتش بفلوريدا 7 يناير 2025 (أ.ب)

من الصين إلى أوروبا، ومن كندا إلى المكسيك، بدأت الأسواق العالمية بالفعل الشعور بتأثير تهديدات دونالد ترمب بزيادة الرسوم الجمركية بمجرد توليه الرئاسة في أقل من أسبوعين. فقد تعهّد ترمب بفرض رسوم جمركية تصل إلى 10 في المائة على الواردات العالمية، و60 في المائة على السلع الصينية، بالإضافة إلى رسوم استيراد إضافية بنسبة 25 في المائة على المنتجات الكندية والمكسيكية، وهي تدابير يقول خبراء التجارة إنها ستعطّل تدفقات التجارة العالمية، وتؤدي إلى رفع التكاليف، وتستدعي ردود فعل انتقامية.

وعلى الرغم من أن نطاق هذه الرسوم وحجمها لا يزالان غير واضحَيْن، فإن الطريق يبدو شائكاً، وفق «رويترز».

فيما يلي نظرة على بعض الأسواق التي تثير الاهتمام:

1. الصين الهشّة

وفقاً لـ«غولدمان ساكس»، فمن المرجح أن تكون الصين الهدف الرئيسي لحروب ترمب التجارية الثانية. وبدأ المستثمرون بالفعل التحوط؛ مما أجبر البورصات والبنك المركزي في الصين على الدفاع عن اليوان المتراجع والأسواق المحلية. وقد بلغ اليوان أضعف مستوى له منذ 16 شهراً؛ إذ تمّ تداول الدولار فوق مستوى 7.3 يوان، وهو المستوى الذي دافعت عنه السلطات الصينية.

ويتوقع بنك «باركليز» أن يصل اليوان إلى 7.5 للدولار بحلول نهاية 2025، ثم يتراجع إلى 8.4 يوان إذا فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية بنسبة 60 في المائة. وحتى دون هذه الرسوم، يعاني اليوان من ضعف الاقتصاد الصيني؛ مما دفع عوائد السندات الصينية إلى الانخفاض، وبالتالي اتساع الفجوة بين العوائد الصينية والأميركية. ويتوقع المحللون أن تسمح الصين لليوان بالضعف بشكل تدريجي لمساعدة المصدرين في التكيّف مع تأثير الرسوم الجمركية. إلا أن أي انخفاض مفاجئ قد يُثير مخاوف بشأن تدفقات رأس المال؛ مما قد يُعيد تسليط الضوء على هذه المخاوف ويؤدي إلى اهتزاز الثقة التي تضررت بالفعل، خصوصاً بعد أن شهدت الأسهم أكبر انخفاض أسبوعي لها في عامين. بالإضافة إلى ذلك، يشعر المستثمرون في الدول المصدرة الآسيوية الكبرى الأخرى، مثل: فيتنام وماليزيا، بالتوتر؛ حيث يعكف هؤلاء على تقييم المخاطر المحتملة على اقتصاداتهم نتيجة للتقلّبات الاقتصادية العالمية.

2. مزيج سام لليورو

منذ الانتخابات الأميركية، انخفض اليورو بأكثر من 5 في المائة، ليصل إلى أدنى مستوى له في عامين عند نحو 1.03 دولار. ويعتقد كل من «جيه بي مورغان» و«رابوبنك» أن اليورو قد يتراجع ليصل إلى مستوى الدولار الرئيسي هذا العام، بسبب حالة عدم اليقين المتزايدة بشأن التعريفات الجمركية. وتُعدّ الولايات المتحدة الشريك التجاري الأكبر للاتحاد الأوروبي، مع تجارة تُقدّر بـ1.7 تريليون دولار في السلع والخدمات. وتتوقع الأسواق أن يخفّض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس هذا العام لدعم الاقتصاد الأوروبي الضعيف، في حين يتوقع المتداولون تخفيضاً محدوداً بنسبة 40 نقطة أساس من قِبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، مما يعزّز جاذبية الدولار مقارنة باليورو. كما أن تأثير ضعف الاقتصاد الصيني ينعكس على أوروبا، حيث يُعد فرض التعريفات على الصين والاتحاد الأوروبي معاً مزيجاً سلبياً لليورو.

3. مشكلات قطاع السيارات

في أوروبا، يُعدّ قطاع السيارات من القطاعات الحساسة بشكل خاص لأي تهديدات بفرض تعريفات جمركية. ويوم الاثنين، شهدت سلة من أسهم شركات السيارات ارتفاعاً مفاجئاً بنحو 5 في المائة، بعد تقرير لصحيفة «واشنطن بوست» أفاد بأن مساعدي ترمب كانوا يستكشفون فرض رسوم جمركية على الواردات الحرجة فقط، لكن هذه الأسهم سرعان ما تراجعت بعد أن نفى ترمب ما ورد في التقرير. هذه التقلبات تسلّط الضوء على مدى حساسية المستثمرين تجاه القطاع الذي يعاني بالفعل من خسارة كبيرة في القيمة؛ إذ فقدت أسهمه ربع قيمتها منذ ذروتها في أبريل (نيسان) 2024، بالإضافة إلى تراجع تقييماتها النسبية.

وقال رئيس استراتيجية الأسهم الأوروبية في بنك «باركليز»، إيمانويل كاو، إن قطاع السيارات من بين القطاعات الاستهلاكية الأكثر تأثراً بالتجارة، وتجب مراقبته من كثب. ولفت إلى أن القطاعات الأخرى المعرّضة لهذه المخاطر تشمل السلع الأساسية، والسلع الفاخرة، والصناعات. وفي هذا السياق، انخفضت سلة «باركليز» من الأسهم الأوروبية الأكثر تعرضاً للتعريفات الجمركية بنحو 20 في المائة إلى 25 في المائة، مقارنة بالمؤشرات الرئيسية في الأشهر الستة الماضية. كما أن ضعف الاقتصاد في منطقة اليورو قد يؤدي إلى تمديد ضعف أداء الأسهم الأوروبية، حيث ارتفع مؤشر «ستوكس 600» بنسبة 6 في المائة في عام 2024، في حين سجّل مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» ارتفاعاً بنسبة 23 في المائة في العام نفسه.

4. ارتفاع الدولار الكندي

يقترب الدولار الكندي من أضعف مستوياته منذ أكثر من أربع سنوات، بعد تراجع حاد إثر تهديد ترمب في نوفمبر (تشرين الثاني) بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على كندا والمكسيك؛ حتى تتخذا إجراءات صارمة ضد المخدرات والمهاجرين. ومن المرجح أن يواصل الدولار الكندي انخفاضه؛ حيث يعتقد محللو «غولدمان» أن الأسواق لا تُسعّر سوى فرصة بنسبة 5 في المائة لفرض هذه الرسوم، ولكن المحادثات التجارية المطولة قد تُبقي المخاطر قائمة. وفي حال نشوب حرب تجارية شاملة، قد يضطر بنك «كندا» إلى تخفيض أسعار الفائدة أكثر، مما قد يدفع الدولار الكندي إلى مستوى 1.50 مقابل الدولار الأميركي، أي انخفاضاً إضافياً بنسبة 5 في المائة من نحو 1.44 الآن. وتزيد استقالة رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو من تعقيد التوقعات.

5. البيزو المكسيكي المتقلّب

كان البيزو المكسيكي قد شهد بالفعل انخفاضاً بنسبة 16 في المائة مقابل الدولار في عام 2024 عقب انتخاب ترمب، مما جعل الكثير من الأخبار المتعلقة بالعملة قد تمّ تسعيرها بالفعل، سواء كانت تصب في مصلحة الدولار أو تضر بالبيزو. وكان أداء البيزو في 2024 هو الأضعف منذ عام 2008؛ حيث تراجع بنسبة 18.6 في المائة، وذلك في وقت كان يشهد فيه تهديدات من الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية، خصوصاً أن المكسيك تُعد الوجهة التي تذهب إليها 80 في المائة من صادراتها. بالإضافة إلى ذلك، أثر الإصلاح القضائي المثير للجدل في المكسيك أيضاً على العملة.

وبعد إعلان الرسوم الجمركية يوم الاثنين، التي نفى ترمب صحتها لاحقاً، ارتفع البيزو بنسبة 2 في المائة قبل أن يقلّص مكاسبه. ويسلّط هذا التقلب الضوء على احتمالية استمرار التقلبات في السوق، خصوصاً مع استمرار التجارة على طول الحدود الجنوبية للولايات المتحدة بصفتها هدفاً رئيسياً للرئيس المنتخب.