انتصار الاشتراكيين الإسبان وملامح تغيّر اتجاه الرياح الأوروبية

في ظل مخاوف من صعود اليمين الشعبوي المتطرف

انتصار الاشتراكيين الإسبان وملامح تغيّر اتجاه الرياح الأوروبية
TT

انتصار الاشتراكيين الإسبان وملامح تغيّر اتجاه الرياح الأوروبية

انتصار الاشتراكيين الإسبان وملامح تغيّر اتجاه الرياح الأوروبية

عندما توجّه الإسبان، الأحد الماضي، إلى ثالث موعد لهم مع الانتخابات العامة في أقلّ من أربع سنوات، كانت الاستطلاعات قد «حسمت» فوز الحزب الاشتراكي العمّالي الإسباني ودخول «الورثة الشرعيين» للجنرال فرانشيسكو فرانكو إلى الندوة البرلمانية للمرة الأولى منذ وفاة الديكتاتور الذي حكم حتى منتصف سبعينات القرن الماضي. إلا أن الغموض كان لا يزال يخيّم على حجم النصر الاشتراكي المرتقب، وعلى عدد النوّاب الفائزين الذين ينادون بـ«نقاء» العرق الإسباني ويرفضون التمازج الثقافي والديني في البلد الذي انصهرت فيه الثقافات وتعايشت الأديان طوال قرون، مولّدة إحدى أجمل حقب التاريخ الأوروبي وأخصبها على صعيد العلوم والفنون والمعارف. أما الأسئلة التي كانت تحيّر الراصدين السياسيين للانتخابات فكان يدور معظمها حول نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع بعدما اعتاد الأوروبيون هجرتها في السنوات الأخيرة، والتي غالبا ما كان لها الدور الحاسم في ترجيح كفّة الفوز عند صدور النتائج النهائية.
توجّه الناخبون في إسبانيا إلى الانتخابات البرلمانية قبل أيام فيما يشبه المفاضلة بين الخوف والغضب: الخوف من الجنوح نحو مشاريع وأفكار سبق أن كلّفت البلاد حرباً أهلية أوقعت مليون قتيل وأغرقتها في ليل من الكوابيس والعزلة طيلة أربعين سنة... والغضب من رئيس الحكومة المستقيلة الذي خطف الحكم في غفلة التوتر الانفصالي واستشراء الفساد، والذي يتّهمه كثيرون بالخضوع لابتزازات الأحزاب الإقليمية وتدمير وحدة الدولة.

إقبال.. وانتصار اشتراكي
لكن على رغم هذا الخوف والغضب، سجّلت نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع هذه المرة 75.75 في المائة محطمة كل ما سبقها من أرقام قياسية، ودفعت بالحزب الاشتراكي العمالي الإسباني وزعيمه رئيس الوزراء الشاب بدرو سانتشيز (47 سنة) إلى إحراز أفضل النتائج منذ تسع سنوات، في تأكيد للمقولة الراسخة في السياسة الإسبانية بأن «اليمين يفوز في الانتخابات عندما يبقى اليسار في المنزل». لا، بل وضاعف الاشتراكيون النتيجة التي حصل عليها الحزب الشعبي، خصمهم التقليدي اليميني الذي يتناوبون معه على الحكم منذ أربعة عقود. إذ خسر «الشعبيون» نصف مقاعدهم وبات حزبهم مهدداً بالانقراض بعد ظهور اليمين المتطرف وصعود منافسه الليبرالي «مواطنون» الذي يطالب الآن بزعامة المعسكر اليميني.
هذا في معسكر اليمين، أما في معسكر اليسار، فعلى يسار الحزب الاشتراكي تراجع حزب «بوديموس» المتحالف مع الشيوعيين، وهو كان حليف سانتشيز في الحكومة السابقة. في حين تمكّن حزب اليسار الجمهوري الانفصالي من تحقيق النصر في إقليم كاتالونيا (قطالونية) للمرة الأولى في تاريخه، متقدّماً على الجناح الانفصالي الآخر الذي يقوده رئيس الحكومة الإقليمية السابق كارليس بوتشيمون الذي ما زال فاراً من العدالة.

اليمين المتطرف
ويبقى أن الجديد فعلاً في هذه الانتخابات هو ظهور الحزب اليميني المتطرف «بوكس» (تُكتب فوكس) للمرة الأولى في المشهد السياسي الوطني. «بوكس» برز وطنياً هذه المرة بعدما خاض الانتخابات الإقليمية الأخيرة في إقليم أندلوسيا (الأندلس)، حيث تمكّن اليمين مجتمعاً من انتزاع الحكومة الإقليمية من الاشتراكيين للمرة الأولى منذ أربعين سنة. لكن مع هذا، فإن النتيجة التي حصل عليها هذا الحزب في الانتخابات العامة (24 مقعداً)، في سياق هزيمة اليمين، لن تمكّنه من لعب دور مؤثر في اللعبة السياسية. ويرجّح أن يركّز نشاطه على الملفّ الانفصالي الكاتالوني الذي سيبقى الهاجس الأوّل للحكومة المقبلة والرحى التي ستدور حولها معظم التجاذبات السياسية.

المرأة... والاشتراكيون
كان لافتاً أيضاً في نتائج هذه الانتخابات أن النساء يشكلن 45 في المائة من عضويّة البرلمان الجديد، وهذه أعلى نسبة حاليّاً في أوروبا. ويعود هذا الحضور القوي للمرأة في المشهد السياسي الإسباني إلى التحرّكات والمظاهرات الحاشدة التي شهدتها إسبانيا في السنوات الأخيرة، مطالبة بتحقيق المساواة الكاملة بين المرأة والرجل؛ ما دفع بالأحزاب إلى المراهنة بقوة على دورها في الانتخابات الأخيرة. وتجدر الإشارة إلى أن النساء كن يشكلن ثلثي أعضاء حكومة تصريف الأعمال الاشتراكية المستقيلة.
ثمة عوامل عدّة تضافرت لتأمين هذا الفوز الواضح الذي حققه الاشتراكيون بعد سنوات من التراجع الذي كاد يصل حد استيعابهم في حزب «بوديموس». وهذا الأخير ظهر بعد أزمة عام 2008 على صهوة برنامج يساري كلاسيكي لقي تجاوباً سريعاً وواسعاً في الأوساط الاجتماعية التي كانت ترزح تحت تداعيات الأزمة الاقتصادية.
من ناحية ثانية، لا شك في أن ظهور الحزب اليميني المتطرف «بوكس» كان من العوامل الرئيسية التي دفعت بأعداد كبيرة من الناخبين المعتدلين الذين يحسمون أمرهم عادة في الساعات الأخيرة - وتقدّر الاستطلاعات نسبتهم بنحو 30 في المائة - نحو الحزب الاشتراكي الذي رفع وحده خطاب الاعتدال والحوار في وجه المواقف المتوتّرة والتحديّات التي أطلقتها الأحزاب الأخرى.
وتفيد التحليلات الأخيرة للانتخابات بأن الرفض الواسع للطروحات اليمينية المتطرفة في المجتمع الإسباني، الذي ما زالت ذكرى الحرب الأهلية والعقود الأربعة من الديكتاتورية حاضرة عنده، لعب دوراً حاسماً في تعبئة الناخبين الاشتراكيين الذين لم يشاركوا بنسبة عالية في المواعيد الانتخابية الأخيرة. وكان لظهور «بوكس»، أيضاً، الدور الأساسي في حصر الساحة الرئيسية لمعركة المعسكر اليميني في التنافس على الأصوات اليمينية والمحافظة، تاركا المشهد الوسطي الواسع للحزب الاشتراكي يغرف منه وحده.

العودة إلى الجذور
لكن، لعلّ العامل الأساسي في هذا الفوز الاشتراكي، الذي بات يشكّل حدثاً بارزاً في أوروبا منذ سنوات رغم أنه دون الأغلبية البرلمانية الكافية لتشكيل حكومة منفرداً، هو العودة إلى الجذور الاجتماعية التي ابتعدت عنها كثيراً الأحزاب الاشتراكية الأوروبية في السنوات الأخيرة... حتى بات من الصعب أحياناً التمييز بينها وبين الأحزاب الليبرالية أو المحافظة.
لقد برهنت الانتخابات الإسبانية على أن المراهنة على استعادة الهويّة اليسارية والبرنامج الاجتماعي مجزية في هذه المرحلة التي يصعد فيها اليمين المتطرف والشعبويّون من رحم الأزمة الاجتماعية والبطالة والفساد، ومن حطام الأحزاب التقليدية التي تشوّهت هويّاتها وفقدت بوصلتها العقائدية.
ومن باب الإنصاف لا بد من القول إن مراهنة الحزب الاشتراكي على استعادة المشروع الاجتماعي اليساري كانت سابقة لهذه الانتخابات، وظهرت بوضوح في البرنامج الحكومي الذي وضعه زعيمه الشاب بدرو سانتشيز في بداية ولايته مطلع الصيف الماضي. ويذكر أن أولى خطواته بُعيد وصوله إلى الحكم كانت القرار بفتح الموانئ الإسبانية أمام سفن إنقاذ المهاجرين في البحر المتوسط بعدما رفضت الحكومة الإيطالية استقبالها بإيعاز من نائب رئيسها ووزير الداخلية اليميني المتطرف ماتّيو سالفيني.
كذلك تمكّن سانتشيز، رغم عدم كفاية الدعم البرلماني لحكومته وتعقيدات الملفّ الانفصالي الكاتالوني، من تمرير مجموعة من القوانين والمراسيم الاشتراعية لمساعدة الفئات الاجتماعية الأكثر احتياجاً وتضرراً من الأزمة الاقتصادية.
ومعلوم أن سانتشيز كان قد جرّب حكومة الأقلية وما جرّته من صعوبات اضطرته إلى تعديل الكثير من مشاريعه أو التخلّي عنها، وحالت دون الموافقة على الموازنة العامة، وهو ما أجبره على حل البرلمان وإجراء انتخابات مسبقة. ومن هنا كان نداؤه المستميت في الشوط الأخير من الحملة الانتخابية «الفوز وحده لا يكفي للوصول إلى الحكم» بمثابة العنوان للمرحلة الراهنة: فوز واضح، لكن غير كافٍ لتشكيل الحكومة منفرداً من غير اللجوء إلى تحالفات.
النصر كان في حسابات الزعيم الاشتراكي الإسباني، وأيضاً كان في حساباته أنه لن يكون كافياً. لكن ما لم يكن في حساباته هي الهزيمة المدوّية التي أصيب بها خصمه الذي اعتاد التناوب معه على الحكم، وفشل اليمين مجتمعاً في الحصول على الأغلبية، إضافة إلى تراجع حليفه الطبيعي الذي كان يطالب بالدخول إلى الحكومة لدعمه هذه المرة، وفوز الجناح الانفصالي الكاتالوني الذي قرر عدم المضي في المواجهة الصدامية مع مدريد والتخلّي عن فكرة إعلان الاستقلال من طرف واحد وفتح باب الحوار مع الحكومة المركزية.

الحكومة الجديدة
كل ذلك دفع بالحزب الاشتراكي إلى الإعلان أن المطروح، في الوقت الحاضر، هو تشكيل الحكومة منفرداً، لكنه منفتح على الحوار مع كل القوى الممثلة في البرلمان من غير استثناء.
وبدأت المراكز المالية والمؤسسات الاقتصادية الكبرى الضغط منذ لحظة إعلان النتائج لتشكيل حكومة ائتلافية بين الاشتراكيين وحزب «مواطنون» الليبرالي المعتدل. لكن الفكرة تبدو مستبعدة في الوقت الحاضر من الطرفين؛ نظراً إلى العداء المستحكم بين القيادتين، وذلك بعدما رفض الاشتراكيون في العام الماضي عرضاً لتشكيل ائتلاف مع حزب «مواطنون» وقرروا التحالف مع الحزب اليساري «بوديموس» الذي اكتفى بالدعم البرلماني ولم يطالب يومها بالدخول إلى الحكومة.
وتتجه قيادة الحزب الاشتراكي حاليّاً إلى التريّث حتى الانتخابات الأوروبية المقررة يوم 26 مايو (أيار) الحالي، التي تتزامن مع الانتخابات الإقليمية والمحلية، قبل أن تبدأ المفاوضات الفعلية لتشكيل الحكومة. ومن المستبعد أن يكشف أي من الأحزاب عن أوراقه قبل اتضاح صورة المشهد المحلّي والإقليمي وتظهر المعادلة الجديدة لتوزيع القوى على الساحة الأوروبية.

تشرذم الانتخابات السابقة
الانتخابات الثلاث السابقة تمخّضت عن تشرذم متكرر للأحزاب والقوى الممثّلة في البرلمان، عطّل العجلة السياسية وقضى على الاستقرار السياسي الذي تميّزت به إسبانيا طوال ثلاثة عقود متتالية، وكان أحد العوامل الأساسية في نهضتها الاقتصادية.
وتعرّضت مدريد حقاً للملامة ولانتقادات كثيرة على الصعيد الأوروبي بسبب هذا التعطيل وقلّة الاستقرار السياسي في مرحلة حسّاسة من مسار المشروع الأوروبي، وفي وقت كانت إسبانيا قد بدأت باجتياز الشوط الأخير في عملية النهوض من الأزمة الاقتصادية. غير أن العيون الأوروبية، وبخاصة من العاصمة البلجيكية بروكسل، حيث مقرّ مفوّضية الاتحاد، كانت تراقب عن كثب الموعد الانتخابي الإسباني باعتباره الأخير في إحدى دول الاتحاد الكبرى، وهذا قبل الموعد الحاسم في انتخابات البرلمان الأوروبي أواخر الشهر الحالي.
ثم أن هذه كانت انتخابات تشارك فيها الأحزاب والقوى اليمينية المتطرفة والشعبويّة بقوّة للمرة الأولى بعد صعودها الكبير ووصولها إلى الحكم في عدد من الدول الأعضاء، وقصفها المركّز على المؤسسات الأوروبية معلنة عزمها على إجراء تغييرات جذرية فيها.
وبالفعل، لم يحدث في السنوات الأخيرة أن استأثرت انتخابات عامة في أوروبا بهذا القدر من الاهتمام خارج الحدود الوطنية؛ ولهذا كانت ردود الفعل والتعليقات سريعة في معظم العواصم الأوروبية التي قرأتها كلٌّ من منظورها الخاص وبما يتماشى مع تطلعاتها وحساباتها.

ارتياح أوروبي لنتيجة الاقتراع الإسباني
> كثيرون تنفّسوا الصعداء في المحيط الأوروبي لدى معرفة نتائج الانتخابات الإسبانية التي اعتبرتها بروكسل «أوّل انتصار على اليمين المتطرف... ومؤشراً إيجابياً في انتظار الانتخابات الأوروبية». أيضاً أعربت المفوضيّة الأوروبية عن أملها في أن تكون هذه النتائج «مدخلاً إلى تشكيل حكومة مستقرّة توافق على الموازنة العامة في أقرب الآجال».
مفوّض الشؤون المالية والاقتصادية الأوروبي بيير موسكوفيتشي، المعروف بانتقاداته اللاذعة للأحزاب اليمينية المتطرفة في القارة، قال في تصريح له بعد نتيجة الانتخابات الإسبانية: إن بروكسل لا تشعر بأي قلق من حكومة ائتلافية على اليسار «لأن الديمقراطية لا يجب أن تخيف أحداً». واعتبر أن نتيجة هذه الانتخابات جاءت دليلاً قاطعاً على أن الأغلبية الساحقة من الناخبين الإسبان قد صوّتت لصالح الخيارات الأوروبية، في تلميح إلى أن التصويت جاء عكس ما حصل في الانتخابات الإيطالية العام الماضي.
أما نائب رئيس المفوّضية الهولندي فرانز تيمرمان فقد اعتبر فوز بدرو سانتشيز وحزبه «انتصاراً لسياسة التضامن والإنصاف والحوار والمساواة والاستدامة التي قام لأجلها المشروع الأوروبي».

فرح أحزاب اليسار
وبطبيعة الحال، هلّلت الأحزاب الاشتراكية الأوروبية، التي يكافح بعضها لمجرّد البقاء، كالحزب الاشتراكي الفرنسي و«باسوك» اليوناني والحزب الديمقراطي في إيطاليا، لفوز سانتشيز الذي علّق على نتائج الانتخابات بقوله: «لقد أظهرنا للعالم أن بوسعنا دحر الرجعيّة والتطرّف».
الاشتراكيون الفرنسيون، من جهتهم، اعتبروا فوز سانتشيز «أمثولة في المثابرة لكل الاشتراكيين في أوروبا»، في حين رأى فيه الاشتراكيون الحاكمون في البرتغال «انتصاراً على التوتاليتارية»، واعتبروا بشيء من الشماتة أن دخول اليمين المتطرف إلى البرلمان الإسباني «لم يكن تسونامي، بل موجة لا يزيد ارتفاعها على عشرة أمتار».
الإيطاليون أيضاً امتدحوا «سانتشيز الوسيم»، ودعا الكثير من قادتهم إلى الاقتداء بخياراته الاجتماعية «لأن السبيل الوحيد للتغلّب على التطرّف اليميني هو التطرّف في الاتجاه الاجتماعي المعاكس الذي تخلّت عنه الأحزاب اليسارية».

«نهضة تعيد أوروبا إلى جذورها»
في المقابل، ورغم نكسة اليمين المتطرف، تسابقت الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا وقياداتها على تهنئة حزب «بوكس» (فوكس)، الذي قال عنه سالفيني – القيادي اليميني زعيم حزب «الرابطة» ونائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية الإيطالي - بأنه «تجاوز فكرة اليمين واليسار». كذلك رأى فيه زعيم «البديل لألمانيا» بداية «نهضة أوروبية تعيد القارة إلى جذورها الحقيقية وهويتها التاريخية».
لكن النهضة التي يتوقّف عندها المراقبون اليوم، ويرشّحون سانتشيز لقيادتها، هي نهضة الأحزاب الاشتراكية الأوروبية التي بدأت تظهر بوادرها الأولى في الانتخابات العامة الفنلندية التي أجريت منذ أسبوعين وفاز فيها الحزب الاجتماعي الديمقراطي بفارق ضئيل على التحالف اليميني المتطرف. أيضاً في الدنمارك، حيث ترجّح الاستطلاعات فوز اليسار في الانتخابات العامة منتصف الشهر المقبل. ثم إنه ينتظر أن يكرّر الاشتراكيون البرتغاليون فوزهم في الانتخابات المقبلة، في حين بدأ الحزب الديمقراطي الإيطالي يستعيد بعضا من التأييد الذي خسره لصالح الشعبويين اليمينين الذين أصيبوا بهزائم متكررة في الانتخابات المحلية الأخيرة.
لقد أعاد فوز الاشتراكيين الإسبان بعض الأمل إلى الخائفين على «المشروع الأوروبي» من صعود اليمين المتطرف والشعبويين الذين يُخشى دخولهم بقوّة إلى البرلمان الأوروبي أواخر هذا الشهر. وهذا، مع أن الاستطلاعات الأخيرة ترجّح احتفاظ الحزب الشعبي الأوروبي بالكتلة الأكبر، لكن بتراجع ملحوظ في عدد المقاعد، وبقاء الاشتراكيين في المرتبة الثانية مع تراجع أيضا في عددهم... قد يرتفع قليلاً إذا تقرّرت مشاركة البريطانيين في هذه الانتخابات. في أي حال، وأياً تكن الصيغة التي ستستقرّ عليها الحكومة الإسبانية بعد الانتخابات الأوروبية، ستكون إسبانيا أكبر دولة في الاتحاد بحكومة اشتراكية. كما أنها ستكون مرشّحة لكي تلعب دوراً مهماً في المشهد السياسي الأوروبي المقبل على توازنات جديدة بين العائلات السياسية الكبرى، وبخاصة بعد خروج بريطانيا والوضع غير المستقرّ في إيطاليا، حيث لم يعد الحديث اليوم عمّا إذا كانت ستسقط الحكومة الائتلافية، بل عن موعد سقوطها وما سيأتي بعدها.



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.