سبعينيان يتصدران 20 مرشحاً ديمقراطياً لمنافسة ترمب وتجديد الطبقة الوسطى الأميركية

هاريس ووارين أبرز النساء... وخطاب اليسار يهيمن على الحزب

سبعينيان يتصدران 20 مرشحاً ديمقراطياً لمنافسة ترمب وتجديد الطبقة الوسطى الأميركية
TT

سبعينيان يتصدران 20 مرشحاً ديمقراطياً لمنافسة ترمب وتجديد الطبقة الوسطى الأميركية

سبعينيان يتصدران 20 مرشحاً ديمقراطياً لمنافسة ترمب وتجديد الطبقة الوسطى الأميركية

مع دخول جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، السباق الرئاسي لعام 2020، بات من الممكن القول إن الحملة الانتخابية للمرشحين الديمقراطيين قد بدأت رسمياً: عشرون مرشحاً، بينهم ست نساء، أربع منهن أعضاء في مجلس الشيوخ، والخامسة عضو في مجلس النواب، بجانب مرشح من أصل أفريقي، وآخر من أصل أميركي لاتيني.
المرشحون الـ20 يحاولون تأكيد قدرة الحزب الديمقراطي على إظهار تنوعه، وعلى إنتاج قيادة جديدة للولايات المتحدة. بيد أن إظهار التنوع شيء، وإنتاج قيادة قادرة على تجديد الحزب والبلاد شيء آخر. والمفارقة الأولى في هذه الحلبة المزدحمة أن «الحصانين» الأكبر حظاً بالفوز بترشيح الحزب الديمقراطي، وفق استطلاعات الرأي، تجاوزا منتصف السبعينيات من عمريهما، وسينافس أحدهما سبعينياً آخر، هو دونالد ترمب، إذ إن جو بايدن يبلغ 76 سنة، وبيرني ساندرز 77 سنة. أما المفارقة الثانية، فهي أن الخطاب السياسي لكلا الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، لا يعد الشعب الأميركي بخطة نحو المستقبل، بل بالدعوة للعودة إلى الماضي.
في الرسالة التي أعلن فيها جو بايدن ترشحه لمعركة الرئاسة الأميركية، دعا نائب الرئيس السابق الأميركيين للتصويت دفاعاً عن قيم الولايات المتحدة ومبادئها، والعودة إلى الجذور التي قامت عليها. في المقابل، يدعو ساندرز لإعادة توزيع الثروة، وإنهاء سيطرة الأغنياء، في بلد علة وجوده الدفاع عن سلطة رأس المال، وابتكار المبادرات المولدة للإنتاج، وهذا من دون تقديم الحلول التي يحتاج إليها سكان المدن الغارقين في مواجهة القيود والموانع التي أنتجتها قوانين تلك المدن نفسها، و«حداثة» النموذج الليبرالي، وعجز الديمقراطية عن توفير الحلول للقضية. وبينما يتعذّر الاكتفاء باتهام ترمب بأنه جاء من خارج المؤسسة السياسية للحزب الجمهوري، في سياق الإشارة إلى صعود اليمين المتشدد، يتعذر أيضاً الاكتفاء بتوجيه السهام إلى يساريي الحزب الديمقراطي للإشارة إلى أزمته. فكلا الحزبين يعاني من أزمة الديمقراطية التي عمقت ظاهرة التطرف السياسي، يميناً ويساراً، في ظل العجز عن تقديم حلول للنظام الأميركي.
وحقاً، هناك من يتوقع أن تتحول هذه الأزمة إلى كارثة سياسية ببعد عالمي، نظراً إلى التغييرات والتحولات التي قد تصيب «مركز النظام الرأسمالي»، فيما لو عجز عن اجتراح الحلول لقضية الثروة وإنتاجها.

العشرة الأبرز
من بين المرشحين العشرين، يمكن القول إن 10 فقط، أو حتى أقل من ذلك، سيتمكنون من الاستمرار في السباق بحلول بدء المنافسات الترشيحية الحزبية، في 3 فبراير (شباط) المقبل، في ولاية آيوا، مع العلم أن المؤتمر الوطني الذي سيتبنى رسمياً مرشح الديمقراطيين بمواجهة الرئيس ترمب (على الأرجح) سينظم في مدينة ميلووكي، كبرى مدن ولاية ويسكونسن، بين 13 و16 يوليو (تموز) 2020.
قد يكون صحيحاً القول إن قائمة المرشحين الديمقراطيين تضم خليطاً متنوعاً، سواء على مستوى السن أو الجنس أو الميول السياسية، فضلاً عن مرشح مثلي هو بيتر بوتيجيج (أي: أبو دجاج)، المالطي الأصل، وذلك للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، لكن هذا التنوع قد ينظر إليه على أنه يعكس أزمة قيادة ورؤية، أكثر من كونه دليل تنوع. فعندما دخل السيناتور الديمقراطي (الرئيس لاحقاً) باراك أوباما السباق الرئاسي لعام 2008، سرعان ما ظهر تميزه، واعداً بإحداث «تغيير سياسي». وهذا ما أسقط منافسيه تباعاً، ومكنه من خوض سباق ناجح بسهولة لافتة، استمر زخمها في سباق 2012، قبل أن يقلب ترمب الاتجاه بخطاب دعا فيه «للعودة إلى أميركا أولاً»... أميركا التي بنيت قبل أكثر من 250 سنة.
اليوم، ثمة شبه إجماع على أن دخول بايدن السباق قد يغير المشهد الانتخابي، سواء داخل الحزب الديمقراطي أو مع منافسه ترمب. وبالفعل، يتخوف قادة الحزب الجمهوري من نجاح بايدن في جذب نسبة عالية من أصوات قاعدته. لكن بايدن الذي دعا للدفاع عن أميركا الماضي لا يحمل في جعبته حلولاً لحاضرها أو لمستقبلها. ومع أنه يتصدر راهناً في السباق بين الديمقراطيين، فليس هناك ما يشير إلى قدرته على الاحتفاظ بها، عندما يواجه الأسئلة الصعبة حول كيفية إخراج الطبقة الوسطى والفئات الأكثر فقراً، خصوصاً داخل المدن الكبرى، من أزماتها المعيشية.

إنعاش الطبقة الوسطى
ليس كافياً القول إن بايدن يمثل «القيادة السخية... ويستطيع إعادة بناء الطبقة الوسطى، وتوحيد الأميركيين، واستعادة روح الأمة، حتى يحصل الجميع على فرصة عادلة»، كما قالت نائبة مدير حملته كيت بيدنجفيلد. فمعظم الدراسات الاجتماعية تشير إلى تراجع دور الطبقة الوسطى الأميركية إلى ما دون الـ50 في المائة من عدد السكان، بعدما كانت تمثل نحو 66 في المائة قبل نحو 25 سنة. وكذلك تراجعت حصتها من إنتاج الثروة إلى أقل من ثلاثة أضعاف ما تنتجه الطبقة الثرية،
في ظاهرة تماثل ما جرى ويجري في عدد كبير من بلدان أوروبا الغربية، على رأسهم ألمانيا.وهنا، يقول مستشار الحزب الجمهوري جون ماك إن بايدن يمثل «خياراً وسطاً» بين اليساريين واليمينين، سواء في الحزب الديمقراطي أو في الولايات المتحدة بشكل عام. إلا أن الاستراتيجي الجمهوري مات ماكويك يقول إن التحدي الأبرز لبايدن هو أن قاعدته الانتخابية غير واضحة المعالم.
وقد يكون صحيحاً القول إن بايدن يمثل «خياراً مطمئناً» للناخبين الذين يشعرون بالقلق من «الاشتراكيين الديمقراطيين» مثل ساندرز، أو «التقدميين» مثل النائبة الشابة أليكسندريا أوكاسيو كورتيز. لكن من المبكر الحسم في هوية المرشح الأكثر قدرة على تعبئة الديمقراطيين، بعد النتائج التي أظهرتها الانتخابات النصفية التي جرت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إذ كشفت تلك الانتخابات عن حزب ديمقراطي تغلغل فيه «الخطاب اليساري» تحت شعارات جذابة، تُرجم بوصول أكبر عدد من النساء في تاريخ أميركا إلى مجلس النواب، ومعظم أعضائه الجدد من الشبان والشابات، وأكثريتهم من المطالبين باعتماد سياسات بعضها راديكالي، حتى بمقاييس الليبراليين.

ساندرز و«أبوة اليسار»
في المقابل، لا يمل بيرني ساندرز من تذكير الأميركيين بأن خطابه السياسي الذي حث فيه على اعتماد سياسات تقدمية، اجتماعياً واقتصادياً، هو أحد الأسباب الرئيسية وراء ازدحام قائمة المرشحين الديمقراطيين بهذا العدد من الشباب. ومعظم هؤلاء من الداعين إلى اعتماد سياسات أكثر عدالة، تدافع عن «الحق في الطبابة، والضمان الاجتماعي، ورعاية ذوي الدخل المحدود، ورفع الحد الأدنى للأجور، وتوفير التعليم الجامعي المجاني».
خطاب ساندرز بهذا المعنى يدعو للعودة إلى رأسمالية الخمسينات والستينات، وبناء «دولة الرعاية الاجتماعية». البعض يقول إن هذا قد يصلح لدولة مثل السويد التي لا تتعارض رأسماليتها مع توزيع الثروة، في حين أن فرادة أميركا كانت - ولا تزال - تكمن في قدرتها على ابتكار وإطلاق المبادرات الإنتاجية المولدة للثروة. وبالتالي، هذا ما يدفع البعض إلى اتهامه بأن خطابه يمثل النقيض اليساري الشعبوي لخطاب ترمب اليميني الشعبوي، وأن كليهما يتنافس على جمهور واحد. أما الفوارق التي يعتقدان أنها تفصلهما، فتضمحل على سبيل المثال أمام دعوتيهما للعودة إلى الحمائية الاقتصادية، وإعادة النظر في الاتفاقيات التجارية العابرة للحدود والقارات... دفاعاً عن فرص عمل الأميركيين.
وفي خط موازٍ، وفي سبيل التميز عن ساندرز، عمد كثير من المرشحين الديمقراطيين، كالسيناتورة إليزابيث وارين (ولاية ماساشوستس)، والسيناتورة كمالا هاريس (ولاية كاليفورنيا)، والسيناتور كوري بوكر (ولاية نيوجيرزي)، لإعادة إحياء اقتراح قيام الحكومة الفيدرالية بدفع تعويضات للأميركيين من أصل أفريقي، بسبب الإجحاف الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي الذي لا يزال قسم كبير منهم يعاني من آثاره السلبية بسبب مرحلة العبودية والتمييز العنصري المستمر، ولو بأشكال مموهة. هذا الاقتراح كان قد عارضه ساندرز وأوباما بسبب راديكاليته في انتخابات 2016، في حين أن إنهاء آثار العبودية يحتاج إلى أكثر من دفع تعويضات.

تمويل الحملات ودور المليارديرات
بايدن الذي تمكن من جمع أكثر من 6.3 مليون دولار خلال 24 ساعة من إعلانه ترشحه، حقق رقماً قياسياً لجمع التبرعات في السباق الرئاسي الديمقراطي المزدحم. وحل في المرتبة الثانية بعده النائب السابق عن ولاية تكساس بيتو أورورك الذي جمع 6.1 مليون دولار في أول 24 ساعة بعد إعلان ترشحه، متفوقاً على ساندرز الذي جمع 5.7 مليون دولار.
أورورك كان قد لفت الأنظار بعد أدائه الجيد في الانتخابات النصفية في نوفمبر الماضي، عندما نافس في ولايته تكساس السيناتور الجمهوري تيد كروز. وقدم أورورك في حينه خطاباً ركز فيه على الوحدة الوطنية، وقيم الليبرالية، وإصلاح قوانين الهجرة، وتشريع تعاطي الماريجوانا، وتسهيل حصول سكان الأرياف على خدمات المستشفيات، لكنه امتدح حصوله على تبرعات الأفراد، وليس كبار المتمولين والشركات والأثرياء.
في المقابل، محاولة الابتعاد عن تهمة قبول التبرعات من كبار المانحين تحولت إلى لغة مشتركة بين المرشحين الديمقراطيين، بمن فيهم بايدن نفسه. ومع أنه تعرض لهجمات من حملة ساندرز، تتهمه بتلقي أموال كبار المانحين، إثر ظهوره في حفل انتخابي في ولاية بنسلفانيا، بحضور المدير التنفيذي لشركة «كومكاست» العملاقة، فإن حملة بايدن ركزت على إبراز التبرعات الفردية التي تلقتها بمعدل وسطي، بلغ 41 دولاراً، علماً بأن ساندرز قد تفوق عليه بعدد المتبرعين. وأيضاً أعلنت حملة السيناتورة هاريس أنها جمعت على مدار 24 ساعة 1.5 مليون دولار من صغار المانحين، وتبعها في ذلك غالبية المنافسين الديمقراطيين.
لكن المعروف، بحسب الخبراء في الحملات الانتخابية الأميركية، أن المرشح يحتاج إلى 100 مليون دولار للوصول إلى الانتخابات التمهيدية، وإلى 50 مليون دولار إضافية قبل «الثلاثاء العظيم»، في مارس (آذار) المقبل، حين تصوت مجموعة من أكبر الولايات. وعندها، لا بد من تبرعات الشركات والأثرياء، لأن الحصول على تبرعات المواطنين التي يتنافس المرشحون الديمقراطيون على كسب دولاراتهم لن تكون كافية لتسديد كلفة الدعايات التلفزيونية، والاحتفاظ بالماكينة الانتخابية ناشطة في الولايات، ودفع نفقات موظفي الحملات.

بداية خلع القفازات
لهذا، قد يكون المتنافسون الديمقراطيون يستعدون لخلع القفازات، والتأهب لخوض مناظرات شرسة، مع تقاسم بايدن وساندرز الصدارة في هذه المرحلة المبكرة من السباق. وبينما لا تزال لغة المجاملات مهيمنة بين المتنافسين، يتحضر مرشحو «الطبقة الوسطى» لتحطيم صورتيهما، مما ينذر بسباق قاسٍ قد تسقط فيه كل المُحرّمات لإزاحتهما.
ثم إنه رغم كون الحلبة خالية من «الدخلاء» أو «المتطفلين»، كما جرى في انتخابات الجمهوريين عام 2016، فإن ثمة مَن يحذر من أن تؤذي الحملات الشرسة الحزب، وتؤدي إلى فوز ترمب، إذ قال أندرو فيلدمان، وهو خبير استراتيجي ديمقراطي، إن «السباق التمهيدي مفيد للحزب، حيث نرى أفكاراً جديدة، لكن علينا ضمان ألا يمزّق بعضنا بعضاً إلى الحد الذي يتعذر بعدها توحيد الحزب... فنخسر السباق». كذلك، يحذر كثيرون من أن يكرر ساندرز تجربته مع هيلاري كلينتون، حين فازت بترشيح الحزب، لكن قاعدته الشعبية أحجمت عن دعمها. هذا حصل، مع أنه شخصياً بذل جهوداً متواضعة لإقناع هذه القاعدة بتغيير موقفها. هذه تحذيرات نفتها حملته التي شددت على الترحيب بدخول بايدن السباق «شرط أن تبقى المنافسة مركزة على القضايا»، بحسب فايز شُكر، مدير حملة ساندرز، الذي تابع أن هذه الحملة لا تتعلق بالأشخاص، بل بالأفكار والسياسات التي تسمح للناخبين باتخاذ قرارات التصويت لمصلحتها. ثم أضاف أن ساندرز سيكون هو المسؤول عن «الوقوف في وجه مصالح الشركات القوية، وسيطرة المليارديرات، وهزيمة ترمب، وبناء حكومة تناسب جميع الناس». في المقابل، يتأهب منافسو ساندرز لاستحضار الملفات التي سينتقدونه فيها... من دعوته إلى منح المجرمين العنيفين المسجونين والإرهابيين الحق في التصويت، وصولاً إلى امتناعه عن وصف الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بـ«الديكتاتور».



فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟
TT

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية، بقيادة ميشال بارنييه، في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)، على رأس الحكومة الجديدة. يأتي قرار التعيين في الوقت الذي تعيش فيه فرنسا أزمة برلمانية حادة بسبب غياب الأغلبية وهشاشة التحالفات، مما يضفي على الحياة السياسية جواً من عدم الاستقرار والفوضى. كان هذا القرار متوقَّعاً حيث إن رئيس الوزراء الجديد من الشخصيات المعروفة في المشهد السياسي الفرنسي، والأهم أنه كان عنصراً أساسياً في تحالف ماكرون الوسطي وحليف الرئيس منذ بداية عهدته في 2017. تساؤلات كثيرة رافقت إعلان خبر التعيين، أهمها حظوظ رئيس الوزراء الجديد في تحقيق «المصالحة» التي ستُخرِج البلاد من الأزمة البرلمانية، وقدرته على إنقاذ عهدة ماكرون الثانية.

أصول ريفية بسيطة

وُلِد فرنسوا بايرو في 25 مايو (أيار) عام 1951 في بلدة بوردار بالبرينيه الأطلسية، وهو من أصول بسيطة، حيث إنه ينحدر من عائلة مزارعين، أباً عن جدّ. كان يحب القراءة والأدب، وهو ما جعله يختار اختصاص الأدب الفرنسي في جامعة بوردو بشرق فرنسا. بعد تخرجه عمل في قطاع التعليم، وكان يساعد والدته في الوقت ذاته بالمزرعة العائلية بعد وفاة والده المفاجئ في حادث عمل. بدأ بايرو نشاطه السياسي وهو في سن الـ29 نائباً عن منطقة البرانس الأطلسي لسنوات، بعد أن انخرط في صفوف حزب الوسط، ثم رئيساً للمجلس العام للمنطقة ذاتها بين 1992 و2001. إضافة إلى ذلك، شغل بايرو منصب نائب أوروبي بين 1999 و2002. وهو منذ 2014 عمدة لمدينة بو، جنوب غربي فرنسا، ومفتّش سامٍ للتخطيط منذ 2020.

شغل بايرو مهام وزير التربية والتعليم بين 1993 و1997 في 3 حكومات يمينية متتالية. في 2017 أصبح أبرز حلفاء ماكرون، وكوفئ على ولائه بحقيبة العدل، لكنه اضطر إلى الاستقالة بعد 35 يوماً فقط، بسبب تورطه في تحقيق يتعلق بالاحتيال المالي. ومعروف عن فرنسوا بايرو طموحه السياسي، حيث ترشح للرئاسة 3 مرات، وكانت أفضل نتائجه عام 2007 عندما حصل على المركز الثالث بنسبة قاربت 19 في المائة.

مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف (إ.ب.أ)

شخصية قوية وعنيدة

في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون: كيف ضغط رئيس (الموديم) على إيمانويل ماكرون»، كشفت صحيفة «لوموند» أن رئيس الوزراء الجديد قام تقريباً بليّ ذراع الرئيس من أجل تعيينه؛ حيث تشرح الصحيفة، بحسب مصادر قريبة من الإليزيه، أن بايرو واجه الرئيس ماكرون غاضباً، بعد أن أخبره بأنه يريد تعيين وزير الصناعة السابق رولان لوسكور بدلاً منه، واستطاع بقوة الضغط أن يقنعه بالرجوع عن قراره وتعيينه هو على رأس الحكومة.

الحادثة التي نُقلت من مصادر موثوق بها، أعادت إلى الواجهة صفات الجرأة والشجاعة التي يتحّلى بها فرنسوا بايرو، الذي يوصف أيضاً في الوسط السياسي بـ«العنيد» المثابر. ففي موضوع آخر نُشر بصحيفة «لوفيغارو» بعنوان: «فرنسوا بايرو التلميذ المصاب بالتأتأة يغزو ماتنيون»، ذكرت الصحيفة أن بايرو تحدَّى الأطباء الذين نصحوه بالتخلي عن السياسة والتعليم بسبب إصابته وهو في الثامنة بالتأتأة أو الصعوبة في النطق، لكنه نجح في التغلب على هذه المشكلة، بفضل عزيمة قوية، واستطاع أن ينجح في السياسة والتعليم.

يشرح غيوم روكيت من صحيفة «لوفيغارو» بأنه وراء مظهر الرجل الريفي الأصل البشوش، يوجد سياسي محنّك، شديد الطموح، بما أنه لم يُخفِ طموحاته الرئاسية، حيث ترشح للرئاسيات 3 مرات، و«لن نكون على خطأ إذا قلنا إنه استطاع أن يستمر في نشاطه السياسي كل هذه السنوات لأنه عرف كيف يتأقلم مع الأوضاع ويغيّر مواقفه حسب الحاجة»، مذكّراً بأن بايرو كان أول مَن هاجم ماكرون في 2016 باتهامه بالعمل لصالح أرباب العمل والرأسماليين الكبار، لكنه أيضاً أول مع تحالف معه حين تقدَّم في استطلاعات الرأي.

على الصعيد الشخصي، يُعتبر بايرو شخصية محافظة، فهو أب لـ6 أطفال وكاثوليكي ملتزم يعارض زواج المثليين وتأجير الأرحام، وهو مدافع شرس عن اللهجات المحلية، حيث يتقن لهجته الأصلية، وهي اللهجة البيرينية.

رجل الوفاق الوطني؟

عندما تسلّم مهامه رسمياً، أعلن فرنسوا بايرو أنه يضع مشروعه السياسي تحت شعار «المصالحة» ودعوة الجميع للمشاركة في النقاش. ويُقال إن نقاط قوته أنه شخصية سياسية قادرة على صنع التحالفات؛ حيث سبق لفرنسوا بايرو خلال الـ40 سنة خبرة في السياسة، التعاون مع حكومات ومساندة سياسات مختلفة من اليمين واليسار.

خلال مشواره السياسي، عمل مع اليمين في 1995، حيث كان وزيراً للتربية والتعليم في 3 حكومات، وهو بحكم توجهه الديمقراطي المسيحي محافظ وقريب من اليمين في قضايا المجتمع، وهو ملتزم اقتصادياً بالخطوط العريضة لليبيراليين، كمحاربة الديون وخفض الضرائب. وفي الوقت ذاته، كان فرنسوا بايرو أول زعيم وسطي يقترب من اليسار الاشتراكي؛ أولاً في 2007 حين التقى مرشحة اليسار سيغولين رويال بين الدورين الأول والثاني من الانتخابات الرئاسية للبحث في تحالف، ثم في 2012 حين صنع الحدث بدعوته إلى التصويت من أجل مرشح اليسار فرنسوا هولاند على حساب خصمه نيكولا ساركوزي، بينما جرى العرف أن تصوّت أحزاب الوسط في فرنسا لصالح اليمين.

ومعروف أيضاً عن رئيس الوزراء الجديد أنه الشخصية التي مدّت يد المساعدة إلى اليمين المتطرف، حيث إنه سمح لمارين لوبان بالحصول على الإمضاءات التي كانت تنقصها لدخول سباق الرئاسيات عام 2022، وهي المبادرة التي تركت أثراً طيباً عند زعيمة التجمع الوطني، التي صرحت آنذاك قائلة: «لن ننسى هذا الأمر»، كما وصفت العلاقة بينهما بـ«الطيبة». هذه المعطيات جعلت مراقبين يعتبرون أن بايرو هو الأقرب إلى تحقيق التوافق الوطني الذي افتقدته الحكومة السابقة، بفضل قدرته على التحدث مع مختلف الأطياف من اليمين إلى اليسار.

ما هي حظوظ بايرو في النجاح؟رغم استمرار الأزمة السياسية، فإن التقارير الأولية التي صدرت في الصحافة الفرنسية توحي بوجود بوادر مشجعة في طريق المهمة الجديدة لرئيس الوزراء. التغيير ظهر من خلال استقبال أحزاب المعارضة لنبأ التعيين، وعدم التلويح المباشر بفزاعة «حجب الثقة»، بعكس ما حدث مع سابقه، بارنييه.

الإشارة الإيجابية الأولى جاءت من الحزب الاشتراكي الذي عرض على رئيس الوزراء الجديد اتفاقاً بعدم حجب الثقة مقابل عدم اللجوء إلى المادة 3 - 49 من الدستور، وهي المادة التي تخوّل لرئيس الحكومة تمرير القوانين من دون المصادقة عليها. الاشتراكيون الذين بدأوا يُظهرون نيتهم في الانشقاق عن ائتلاف اليسار أو «جبهة اليسار الوطنية» قد يشكّلون سنداً جديداً لبايرو، إذا ما قدّم بعض التنازلات لهم.

وفي هذا الإطار، برَّر بوريس فالو، الناطق باسم الحزب، أسباب هذا التغيير، بالاختلاف بين الرجلين حيث كان بارنييه الذي لم يحقق حزبه أي نجاحات في الانتخابات الأخيرة يفتقد الشرعية لقيادة الحكومة، بينما الأمر مختلف نوعاً ما مع بايرو. كما أعلن حزب التجمع الوطني هو الآخر، وعلى لسان رئيسه جوردان بارديلا، أنه لن يكون هناك على الأرجح حجب للثقة، بشرط أن تحترم الحكومة الجديدة الخطوط الحمراء، وهي المساس بالضمان الصحّي، ونظام المعاشات أو إضعاف اقتصاد البلاد.

يكتب الصحافي أنطوان أوبردوف من جريدة «لوبنيون»: «هذه المرة سيمتنع التجمع الوطني عن استعمال حجب الثقة للحفاظ على صورة مقبولة لدى قاعدته الانتخابية المكونة أساساً من كهول ومتقاعدين قد ترى هذا الإجراء الدستوري نوعاً من الحثّ على الفوضى».

كما أعلن حزب اليمين الجمهوري، على لسان نائب الرئيس، فرنسوا كزافييه بيلامي، أن اليمين الجمهوري سيمنح رئيس الحكومة الجديد شيئاً من الوقت، موضحاً: «سننتظر لنرى المشروع السياسي للسيد بايرو، ثم نقرر». أما غابرييل أتال، رئيس الوزراء السابق عن حزب ماكرون، فأثنى على تعيين بايرو من أجل «الدفاع على المصلحة العامة في هذا الظرف الصعب».

أما أقصى اليسار، الممثَّل في تشكيلة «فرنسا الأبية»، إضافة إلى حزب الخضر، فهما يشكلان إلى غاية الآن الحجر الذي قد تتعثر عليه جهود الحكومة الجديدة؛ فقد لوَّحت فرنسا الأبية باللجوء إلى حجب الثقة مباشرة بعد خبر التعيين، معتبرة أن بايرو سيطبق سياسة ماكرون لأنهما وجهان لعملة واحدة.

فرانسوا بايرو يتحدث في الجمعة الوطنية الفرنسية (رويترز)

أهم الملفات التي تنتظر بايرو

أهم ملف ينتظر رئيس الوزراء الجديد الوصول إلى اتفاق عاجل فيما يخص ميزانية 2025؛ حيث كان النقاش في هذا الموضوع السبب وراء سقوط حكومة بارنييه. وكان من المفروض أن يتم الإعلان عن الميزانية الجديدة والمصادقة عليها قبل نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2024، لولا سقوط الحكومة السابقة، علماً بأن الدستور الفرنسي يسمح بالمصادقة على «قانون خاص» يسمح بتغطية تكاليف مؤسسات الدولة وتحصيل الضرائب لتجنب الشلّل الإداري في انتظار المصادقة النهائية. أوجه الخلاف فيما يخّص القانون تتعلق بعجز الميزانية الذي يُقدَّر بـ60 مليار يورو، الذي طلبت الحكومة السابقة تعويضه بتطبيق سياسة تقشفية صارمة تعتمد على الاقتطاع من نفقات القطاع العمومي والضمان الاجتماعي، خاصة أن فرنسا تعاني من أزمة ديون خانقة حيث وصلت في 2023 إلى أكثر من 3200 مليار يورو. الرفض على المصادقة قد يأتي على الأرجح من اليسار الذي يطالب بإيجاد حل آخر لتغطية العجز، وهو رفع الضرائب على الشركات الكبرى والأثرياء. وكان فرنسوا بايرو من السياسيين الأكثر تنديداً بأزمة الديون، التي اعتبرها مشكلة «أخلاقية» قبل أن تكون اقتصادية؛ حيث قال إنه من غير اللائق أن «نحمّل أجيال الشباب أخطاء التدبير التي اقترفناها في الماضي».

الملف الثاني يخص نظام المعاشات، وهو ملف يقسم النواب بشّدة بين اليمين المرحّب بفكرة الإصلاح ورفع سن التقاعد من 62 إلى 64 سنة، إلى اليسار الذي يرفض رفع سنّ التقاعد، معتبراً القانون إجراءً غير عادل، وبالأخص بالنسبة لبعض الفئات، كذوي المهن الشاقة أو الأمهات.

وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا كانت قد شهدت حركة احتجاجات شعبية عارمة نتيجة إقرار هذا القانون، وبالأخص بعد أن كشفت استطلاعات الرأي أن غالبية من الفرنسيين معارضة له. صحيفة «لكبرس»، في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون ماذا كان يقول عن المعاشات» تذكّر بأن موقف رئيس الوزراء بخصوص هذا الموضوع كان متقلباً؛ فهو في البداية كان يطالب بتحديد 60 سنة كحّد أقصى للتقاعد، ثم تبنَّى موقف الحكومة بعد تحالفه مع ماكرون.

وعلى طاولة رئيس الوزراء الجديد أيضاً ملف «الهجرة»؛ حيث كان برونو ريتيلو، وزير الداخلية، قد أعلن عن نصّ جديد بشأن الهجرة في بداية عام 2025، الهدف منه تشديد إجراءات الهجرة، كتمديد الفترة القصوى لاحتجاز الأجانب الصادر بحقهم أمر بالترحيل أو إيقاف المساعدات الطبية للمهاجرين غير الشرعيين. سقوط حكومة بارنييه جعل مشروع الهجرة الجديد يتوقف، لكنه يبقى مطروحاً كخط أحمر من قِبَل التجمع الوطني الذي يطالب بتطبيقه، بعكس أحزاب اليسار التي هددت باللجوء إلى حجب الثقة في حال استمرت الحكومة الجديدة في المشروع. وهذه معادلة صعبة بالنسبة للحكومة الجديدة. لكن محللّين يعتقدون أن الحكومة الجديدة تستطيع أن تنجو من السقوط، إذا ما ضمنت أصوات النواب الاشتراكيين، بشرط أن تُظهر ليونة أكبر في ملفات كالهجرة ونظام المعاشات، وألا تتعامل مع كتلة اليمين المتطرف.

إليزابيث بورن (أ.ف.ب)

بومبيدو

دوفيلبان

حقائق

رؤساء الحكومة الفرنسيون... معظمهم من اليمين بينهم سيدتان فقط


منذ قيام الجمهورية الخامسة عام 1958، ترأَّس حكومات فرنسا 28 شخصية سياسية، ينتمي 8 منها لليسار الاشتراكي، بينما تتوزع الشخصيات الأخرى بين اليمين الجمهوري والوسط. ومن بين هؤلاء سيدتان فقط: هما إيديت كريسون، وإليزابيث بورن.هذه قائمة بأشهر الشخصيات:جورج بومبيدو: ترأَّس الحكومة بين 1962 و1968. معروف بانتمائه للتيار الوسطي. شغل وظائف سامية في مؤسسات الدولة، وكان رجل ثقة الجنرال شارل ديغول وأحد مقربيه. عيّنه هذا الأخير رئيساً للوزراء عام 1962 ومكث في منصبه 6 سنوات، وهو رقم قياسي بالنسبة لرؤساء حكومات الجمهورية الخامسة. لوران فابيوس: ترأَّس الحكومة بين 1984 و1986. ينتمي للحزب الاشتراكي. شغل منصب وزير المالية، ثم وزيراً للصناعة والبحث العلمي. حين عيّنه الرئيس الراحل فرنسوا ميتران كان أصغر رئيس وزراء فرنسي؛ حيث كان عمره آنذاك 37 سنة. شغل أيضاً منصب رئيس الجمعية الوطنية. تأثرت شعبيته بعد محاكمته بوصفه مسؤولاً عن الحكومة في قضية الدم الملوّث الذي راح ضحيته أكثر من 4 آلاف فرنسي. كما تكرر اسمه في مفاوضات الملف النووي الإيراني.جاك شيراك: إضافة لوظيفته الرئاسية المعروفة، ترأَّس جاك شيراك الحكومة الفرنسية مرتين: المرة الأولى حين اختاره الراحل فاليري جيسكار ديستان وكان ذلك بين 1974 و1976، ثم إبان عهدة الرئيس فرنسوا ميتران بين 1986 و1988. شغل مناصب سامية، وتقلّد مسؤوليات عدة في مؤسسات الدولة وأجهزتها، حيث كان عمدة لمدينة باريس، ورئيس حزب التجمع الجمهوري اليميني، ووزيراً للزراعة.دومينيك دوفيلبان: شغل وظيفة رئيس الحكومة في عهدة الرئيس جاك شيراك بين 2005 و2007، وكان أحد مقربي الرئيس شيراك. كما شغل أيضاً حقيبة الخارجية ونال شعبية كبيرة بعد خطابه المعارض لغزو العراق أمام اجتماع مجلس الأمن في عام 2003. حين كان رئيس الوزراء، أعلن حالة الطوارئ بعد أحداث العنف والاحتجاجات التي شهدتها الضواحي في فرنسا.فرنسوا فيون: عيّنه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في منصب رئيس الوزراء بين 2007 و2012، وهو بعد بومبيدو أكثر الشخصيات تعميراً في هذا المنصب. شغل مناصب وزارية أخرى حيث كُلّف حقائب التربية، والتعليم، والشؤون الاجتماعية، والعمل. أصبح رسمياً مرشح حزب الجمهوريون واليمين والوسط للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2017، وأُثيرت حوله قضية الوظائف الوهمية التي أثّرت في حملته الانتخابية تأثيراً كبيراً، وانسحب بعدها من الحياة السياسية.