سبعينيان يتصدران 20 مرشحاً ديمقراطياً لمنافسة ترمب وتجديد الطبقة الوسطى الأميركية

هاريس ووارين أبرز النساء... وخطاب اليسار يهيمن على الحزب

سبعينيان يتصدران 20 مرشحاً ديمقراطياً لمنافسة ترمب وتجديد الطبقة الوسطى الأميركية
TT

سبعينيان يتصدران 20 مرشحاً ديمقراطياً لمنافسة ترمب وتجديد الطبقة الوسطى الأميركية

سبعينيان يتصدران 20 مرشحاً ديمقراطياً لمنافسة ترمب وتجديد الطبقة الوسطى الأميركية

مع دخول جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، السباق الرئاسي لعام 2020، بات من الممكن القول إن الحملة الانتخابية للمرشحين الديمقراطيين قد بدأت رسمياً: عشرون مرشحاً، بينهم ست نساء، أربع منهن أعضاء في مجلس الشيوخ، والخامسة عضو في مجلس النواب، بجانب مرشح من أصل أفريقي، وآخر من أصل أميركي لاتيني.
المرشحون الـ20 يحاولون تأكيد قدرة الحزب الديمقراطي على إظهار تنوعه، وعلى إنتاج قيادة جديدة للولايات المتحدة. بيد أن إظهار التنوع شيء، وإنتاج قيادة قادرة على تجديد الحزب والبلاد شيء آخر. والمفارقة الأولى في هذه الحلبة المزدحمة أن «الحصانين» الأكبر حظاً بالفوز بترشيح الحزب الديمقراطي، وفق استطلاعات الرأي، تجاوزا منتصف السبعينيات من عمريهما، وسينافس أحدهما سبعينياً آخر، هو دونالد ترمب، إذ إن جو بايدن يبلغ 76 سنة، وبيرني ساندرز 77 سنة. أما المفارقة الثانية، فهي أن الخطاب السياسي لكلا الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، لا يعد الشعب الأميركي بخطة نحو المستقبل، بل بالدعوة للعودة إلى الماضي.
في الرسالة التي أعلن فيها جو بايدن ترشحه لمعركة الرئاسة الأميركية، دعا نائب الرئيس السابق الأميركيين للتصويت دفاعاً عن قيم الولايات المتحدة ومبادئها، والعودة إلى الجذور التي قامت عليها. في المقابل، يدعو ساندرز لإعادة توزيع الثروة، وإنهاء سيطرة الأغنياء، في بلد علة وجوده الدفاع عن سلطة رأس المال، وابتكار المبادرات المولدة للإنتاج، وهذا من دون تقديم الحلول التي يحتاج إليها سكان المدن الغارقين في مواجهة القيود والموانع التي أنتجتها قوانين تلك المدن نفسها، و«حداثة» النموذج الليبرالي، وعجز الديمقراطية عن توفير الحلول للقضية. وبينما يتعذّر الاكتفاء باتهام ترمب بأنه جاء من خارج المؤسسة السياسية للحزب الجمهوري، في سياق الإشارة إلى صعود اليمين المتشدد، يتعذر أيضاً الاكتفاء بتوجيه السهام إلى يساريي الحزب الديمقراطي للإشارة إلى أزمته. فكلا الحزبين يعاني من أزمة الديمقراطية التي عمقت ظاهرة التطرف السياسي، يميناً ويساراً، في ظل العجز عن تقديم حلول للنظام الأميركي.
وحقاً، هناك من يتوقع أن تتحول هذه الأزمة إلى كارثة سياسية ببعد عالمي، نظراً إلى التغييرات والتحولات التي قد تصيب «مركز النظام الرأسمالي»، فيما لو عجز عن اجتراح الحلول لقضية الثروة وإنتاجها.

العشرة الأبرز
من بين المرشحين العشرين، يمكن القول إن 10 فقط، أو حتى أقل من ذلك، سيتمكنون من الاستمرار في السباق بحلول بدء المنافسات الترشيحية الحزبية، في 3 فبراير (شباط) المقبل، في ولاية آيوا، مع العلم أن المؤتمر الوطني الذي سيتبنى رسمياً مرشح الديمقراطيين بمواجهة الرئيس ترمب (على الأرجح) سينظم في مدينة ميلووكي، كبرى مدن ولاية ويسكونسن، بين 13 و16 يوليو (تموز) 2020.
قد يكون صحيحاً القول إن قائمة المرشحين الديمقراطيين تضم خليطاً متنوعاً، سواء على مستوى السن أو الجنس أو الميول السياسية، فضلاً عن مرشح مثلي هو بيتر بوتيجيج (أي: أبو دجاج)، المالطي الأصل، وذلك للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، لكن هذا التنوع قد ينظر إليه على أنه يعكس أزمة قيادة ورؤية، أكثر من كونه دليل تنوع. فعندما دخل السيناتور الديمقراطي (الرئيس لاحقاً) باراك أوباما السباق الرئاسي لعام 2008، سرعان ما ظهر تميزه، واعداً بإحداث «تغيير سياسي». وهذا ما أسقط منافسيه تباعاً، ومكنه من خوض سباق ناجح بسهولة لافتة، استمر زخمها في سباق 2012، قبل أن يقلب ترمب الاتجاه بخطاب دعا فيه «للعودة إلى أميركا أولاً»... أميركا التي بنيت قبل أكثر من 250 سنة.
اليوم، ثمة شبه إجماع على أن دخول بايدن السباق قد يغير المشهد الانتخابي، سواء داخل الحزب الديمقراطي أو مع منافسه ترمب. وبالفعل، يتخوف قادة الحزب الجمهوري من نجاح بايدن في جذب نسبة عالية من أصوات قاعدته. لكن بايدن الذي دعا للدفاع عن أميركا الماضي لا يحمل في جعبته حلولاً لحاضرها أو لمستقبلها. ومع أنه يتصدر راهناً في السباق بين الديمقراطيين، فليس هناك ما يشير إلى قدرته على الاحتفاظ بها، عندما يواجه الأسئلة الصعبة حول كيفية إخراج الطبقة الوسطى والفئات الأكثر فقراً، خصوصاً داخل المدن الكبرى، من أزماتها المعيشية.

إنعاش الطبقة الوسطى
ليس كافياً القول إن بايدن يمثل «القيادة السخية... ويستطيع إعادة بناء الطبقة الوسطى، وتوحيد الأميركيين، واستعادة روح الأمة، حتى يحصل الجميع على فرصة عادلة»، كما قالت نائبة مدير حملته كيت بيدنجفيلد. فمعظم الدراسات الاجتماعية تشير إلى تراجع دور الطبقة الوسطى الأميركية إلى ما دون الـ50 في المائة من عدد السكان، بعدما كانت تمثل نحو 66 في المائة قبل نحو 25 سنة. وكذلك تراجعت حصتها من إنتاج الثروة إلى أقل من ثلاثة أضعاف ما تنتجه الطبقة الثرية،
في ظاهرة تماثل ما جرى ويجري في عدد كبير من بلدان أوروبا الغربية، على رأسهم ألمانيا.وهنا، يقول مستشار الحزب الجمهوري جون ماك إن بايدن يمثل «خياراً وسطاً» بين اليساريين واليمينين، سواء في الحزب الديمقراطي أو في الولايات المتحدة بشكل عام. إلا أن الاستراتيجي الجمهوري مات ماكويك يقول إن التحدي الأبرز لبايدن هو أن قاعدته الانتخابية غير واضحة المعالم.
وقد يكون صحيحاً القول إن بايدن يمثل «خياراً مطمئناً» للناخبين الذين يشعرون بالقلق من «الاشتراكيين الديمقراطيين» مثل ساندرز، أو «التقدميين» مثل النائبة الشابة أليكسندريا أوكاسيو كورتيز. لكن من المبكر الحسم في هوية المرشح الأكثر قدرة على تعبئة الديمقراطيين، بعد النتائج التي أظهرتها الانتخابات النصفية التي جرت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إذ كشفت تلك الانتخابات عن حزب ديمقراطي تغلغل فيه «الخطاب اليساري» تحت شعارات جذابة، تُرجم بوصول أكبر عدد من النساء في تاريخ أميركا إلى مجلس النواب، ومعظم أعضائه الجدد من الشبان والشابات، وأكثريتهم من المطالبين باعتماد سياسات بعضها راديكالي، حتى بمقاييس الليبراليين.

ساندرز و«أبوة اليسار»
في المقابل، لا يمل بيرني ساندرز من تذكير الأميركيين بأن خطابه السياسي الذي حث فيه على اعتماد سياسات تقدمية، اجتماعياً واقتصادياً، هو أحد الأسباب الرئيسية وراء ازدحام قائمة المرشحين الديمقراطيين بهذا العدد من الشباب. ومعظم هؤلاء من الداعين إلى اعتماد سياسات أكثر عدالة، تدافع عن «الحق في الطبابة، والضمان الاجتماعي، ورعاية ذوي الدخل المحدود، ورفع الحد الأدنى للأجور، وتوفير التعليم الجامعي المجاني».
خطاب ساندرز بهذا المعنى يدعو للعودة إلى رأسمالية الخمسينات والستينات، وبناء «دولة الرعاية الاجتماعية». البعض يقول إن هذا قد يصلح لدولة مثل السويد التي لا تتعارض رأسماليتها مع توزيع الثروة، في حين أن فرادة أميركا كانت - ولا تزال - تكمن في قدرتها على ابتكار وإطلاق المبادرات الإنتاجية المولدة للثروة. وبالتالي، هذا ما يدفع البعض إلى اتهامه بأن خطابه يمثل النقيض اليساري الشعبوي لخطاب ترمب اليميني الشعبوي، وأن كليهما يتنافس على جمهور واحد. أما الفوارق التي يعتقدان أنها تفصلهما، فتضمحل على سبيل المثال أمام دعوتيهما للعودة إلى الحمائية الاقتصادية، وإعادة النظر في الاتفاقيات التجارية العابرة للحدود والقارات... دفاعاً عن فرص عمل الأميركيين.
وفي خط موازٍ، وفي سبيل التميز عن ساندرز، عمد كثير من المرشحين الديمقراطيين، كالسيناتورة إليزابيث وارين (ولاية ماساشوستس)، والسيناتورة كمالا هاريس (ولاية كاليفورنيا)، والسيناتور كوري بوكر (ولاية نيوجيرزي)، لإعادة إحياء اقتراح قيام الحكومة الفيدرالية بدفع تعويضات للأميركيين من أصل أفريقي، بسبب الإجحاف الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي الذي لا يزال قسم كبير منهم يعاني من آثاره السلبية بسبب مرحلة العبودية والتمييز العنصري المستمر، ولو بأشكال مموهة. هذا الاقتراح كان قد عارضه ساندرز وأوباما بسبب راديكاليته في انتخابات 2016، في حين أن إنهاء آثار العبودية يحتاج إلى أكثر من دفع تعويضات.

تمويل الحملات ودور المليارديرات
بايدن الذي تمكن من جمع أكثر من 6.3 مليون دولار خلال 24 ساعة من إعلانه ترشحه، حقق رقماً قياسياً لجمع التبرعات في السباق الرئاسي الديمقراطي المزدحم. وحل في المرتبة الثانية بعده النائب السابق عن ولاية تكساس بيتو أورورك الذي جمع 6.1 مليون دولار في أول 24 ساعة بعد إعلان ترشحه، متفوقاً على ساندرز الذي جمع 5.7 مليون دولار.
أورورك كان قد لفت الأنظار بعد أدائه الجيد في الانتخابات النصفية في نوفمبر الماضي، عندما نافس في ولايته تكساس السيناتور الجمهوري تيد كروز. وقدم أورورك في حينه خطاباً ركز فيه على الوحدة الوطنية، وقيم الليبرالية، وإصلاح قوانين الهجرة، وتشريع تعاطي الماريجوانا، وتسهيل حصول سكان الأرياف على خدمات المستشفيات، لكنه امتدح حصوله على تبرعات الأفراد، وليس كبار المتمولين والشركات والأثرياء.
في المقابل، محاولة الابتعاد عن تهمة قبول التبرعات من كبار المانحين تحولت إلى لغة مشتركة بين المرشحين الديمقراطيين، بمن فيهم بايدن نفسه. ومع أنه تعرض لهجمات من حملة ساندرز، تتهمه بتلقي أموال كبار المانحين، إثر ظهوره في حفل انتخابي في ولاية بنسلفانيا، بحضور المدير التنفيذي لشركة «كومكاست» العملاقة، فإن حملة بايدن ركزت على إبراز التبرعات الفردية التي تلقتها بمعدل وسطي، بلغ 41 دولاراً، علماً بأن ساندرز قد تفوق عليه بعدد المتبرعين. وأيضاً أعلنت حملة السيناتورة هاريس أنها جمعت على مدار 24 ساعة 1.5 مليون دولار من صغار المانحين، وتبعها في ذلك غالبية المنافسين الديمقراطيين.
لكن المعروف، بحسب الخبراء في الحملات الانتخابية الأميركية، أن المرشح يحتاج إلى 100 مليون دولار للوصول إلى الانتخابات التمهيدية، وإلى 50 مليون دولار إضافية قبل «الثلاثاء العظيم»، في مارس (آذار) المقبل، حين تصوت مجموعة من أكبر الولايات. وعندها، لا بد من تبرعات الشركات والأثرياء، لأن الحصول على تبرعات المواطنين التي يتنافس المرشحون الديمقراطيون على كسب دولاراتهم لن تكون كافية لتسديد كلفة الدعايات التلفزيونية، والاحتفاظ بالماكينة الانتخابية ناشطة في الولايات، ودفع نفقات موظفي الحملات.

بداية خلع القفازات
لهذا، قد يكون المتنافسون الديمقراطيون يستعدون لخلع القفازات، والتأهب لخوض مناظرات شرسة، مع تقاسم بايدن وساندرز الصدارة في هذه المرحلة المبكرة من السباق. وبينما لا تزال لغة المجاملات مهيمنة بين المتنافسين، يتحضر مرشحو «الطبقة الوسطى» لتحطيم صورتيهما، مما ينذر بسباق قاسٍ قد تسقط فيه كل المُحرّمات لإزاحتهما.
ثم إنه رغم كون الحلبة خالية من «الدخلاء» أو «المتطفلين»، كما جرى في انتخابات الجمهوريين عام 2016، فإن ثمة مَن يحذر من أن تؤذي الحملات الشرسة الحزب، وتؤدي إلى فوز ترمب، إذ قال أندرو فيلدمان، وهو خبير استراتيجي ديمقراطي، إن «السباق التمهيدي مفيد للحزب، حيث نرى أفكاراً جديدة، لكن علينا ضمان ألا يمزّق بعضنا بعضاً إلى الحد الذي يتعذر بعدها توحيد الحزب... فنخسر السباق». كذلك، يحذر كثيرون من أن يكرر ساندرز تجربته مع هيلاري كلينتون، حين فازت بترشيح الحزب، لكن قاعدته الشعبية أحجمت عن دعمها. هذا حصل، مع أنه شخصياً بذل جهوداً متواضعة لإقناع هذه القاعدة بتغيير موقفها. هذه تحذيرات نفتها حملته التي شددت على الترحيب بدخول بايدن السباق «شرط أن تبقى المنافسة مركزة على القضايا»، بحسب فايز شُكر، مدير حملة ساندرز، الذي تابع أن هذه الحملة لا تتعلق بالأشخاص، بل بالأفكار والسياسات التي تسمح للناخبين باتخاذ قرارات التصويت لمصلحتها. ثم أضاف أن ساندرز سيكون هو المسؤول عن «الوقوف في وجه مصالح الشركات القوية، وسيطرة المليارديرات، وهزيمة ترمب، وبناء حكومة تناسب جميع الناس». في المقابل، يتأهب منافسو ساندرز لاستحضار الملفات التي سينتقدونه فيها... من دعوته إلى منح المجرمين العنيفين المسجونين والإرهابيين الحق في التصويت، وصولاً إلى امتناعه عن وصف الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بـ«الديكتاتور».



نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا
TT

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فيما حصل أقرب منافسيها باندوليني إيتولا على 26 في المائة فقط من الأصوات. شكَّل فوز نيتومبو الملقبة بـ«NNN»، حلقةً جديدةً في حياة مليئة بالأحداث، عاشتها المرأة التي ناضلت ضد الاحتلال، واختبرت السجن والنفي في طفولتها، قبل أن تعود لتثبت نفسها بصفتها واحدة من أبرز النساء في السياسة الناميبية وقيادية فاعلة في الحزب الحاكم «سوابو».

في أول مؤتمر صحافي لها، بعد أسبوع من إعلان فوزها بالانتخابات الرئاسية، تعهدت نيتومبو، التي ستتولى منصبها رسمياً في مارس (آذار) المقبل، بإجراء «تحولات جذرية» لإصلاح مستويات الفقر والبطالة المرتفعة في ناميبيا، الدولة الواقعة في الجنوب الأفريقي، والتي يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة.

نيتومبو أشارت إلى أنها قد تنحو منحى مختلفاً بعض الشيء عن أسلافها في حزب «سوابو» الذي يحكم ناميبيا منذ استقلالها عن جنوب أفريقيا في عام 1990. وقالت نيتومبو: «لن يكون الأمر كالمعتاد، يجب أن نُجري تحولات جذرية من أجل شعبنا».

لم توضح نيتومبو طبيعة هذه التحولات الجذرية التي تعتزم تنفيذها، وإن أشارت إلى «إصلاح الأراضي، وتوزيع أكثر عدالة للثروة». وبينما يصنف البنك الدولي ناميبيا على أنها دولة ذات «دخل متوسط»، فإنها تعد واحدة من أكثر الدول التي تعاني من عدم المساواة في توزيع الدخل على مستوى العالم، مع ارتفاع مستويات الفقر التي ترجع جزئياً إلى إرث عقود الفصل العنصري وحكم الأقلية البيضاء.

ووفق تقرير رسمي من البنك الدولي صدر عام 2021 فإن «43 في المائة من سكان ناميبيا يعيشون فقراً متعدد الأبعاد». وهو مؤشر يأخذ في الاعتبار عوامل عدة إلى جانب الدخل، من بينها الوصول إلى التعليم والخدمات العامة.

ولأن طريق نيتومبو السياسي لم يكن أبداً ممهداً، لم يمر إعلان فوزها بالانتخابات دون انتقادات. وقالت أحزاب المعارضة إنها ستطعن على نتيجة الانتخابات الرئاسية، متحدثةً عن «صعوبات فنية وقمع ضد الناخبين». لكنَّ نيتومبو، المعروفة بين أقرانها بـ«القوة والحزم»، تجاهلت هذه الادعاءات، واحتفلت بالفوز مع أعضاء حزبها، وقالت: «أنا لا أستمع إلى هؤلاء المنتقدين».

نشأة سياسية مبكرة

وُلدت نيتومبو في 29 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1952 في قرية أوناموتاي، شمال ناميبيا، وهي التاسعة بين 13 طفلاً، وكان والدها رجل دين ينتمي إلى الطائفة الأنغليكانية. وفي طفولتها التحقت نيتومبو بمدرسة «القديسة مريم» في أوديبو. ووفق موقع الحزب الحاكم «سوابو» فإن «نيتومبو مسيحية مخلصة»، تؤمن بشعار «قلب واحد وعقل واحد».

في ذلك الوقت، كانت ناميبيا تعرف باسم جنوب غرب أفريقيا، وكان شعبها تحت الاحتلال من دولة «جنوب أفريقيا»، مما دفع نيتومبو إلى الانخراط في العمل السياسي، والانضمام إلى «سوابو» التي كانت آنذاك حركة تحرير تناضل ضد سيطرة الأقلية البيضاء، لتبدأ رحلتها السياسية وهي في الرابعة عشرة من عمرها.

في تلك السن الصغيرة، أصبحت نيتومبو ناشطة سياسية، وقائدة لرابطة الشباب في «سوابو»، وهو ما أهّلها فيما بعد لتولي مناصب سياسية وقيادية، لكنها تقول إنها آنذاك «كانت مهتمة فقط بتحرير بلدها من الاحتلال»، مشيرةً في حوار مصوَّر نُشر عبر صفحتها على «فيسبوك» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن «السياسة جاءت فقط بسبب الظروف، التي لو اختلفت ربما كنت أصبحت عالمة».

شاركت نيتومبو في حملة «ضد الجَلْد العلنيّ»، الذي كان شائعاً في ظل نظام الفصل العنصري، وكان نشاطها السياسي سبباً في إلقاء القبض عليها واحتجازها، عدة أشهر عام 1973، وهي ما زالت طالبة في المرحلة الثانوية. ونتيجة ما تعرضت له من قمع واضطهاد، فرَّت نيتومبو إلى المنفى عام 1974، وانضمت إلى أعضاء «سوابو» الآخرين هناك، واستكملت نضالها ضد الاحتلال من زامبيا وتنزانيا، قبل أن تنتقل إلى المملكة المتحدة لاستكمال دراستها.

تدرجت نيتومبو في مناصب عدة داخل «سوابو»، فكانت عضواً في اللجنة المركزية للحركة من عام 1976 إلى عام 1986، والممثلة الرئيسية للحركة في لوساكا من عام 1978 إلى عام 1980. والممثلة الرئيسية لشرق أفريقيا، ومقرها في دار السلام من عام 1980 إلى عام 1986.

درست نيتومبو في كلية غلاسكو للتكنولوجيا، وحصلت على دبلوم في الإدارة العامة والتنمية عام 1987، ودبلوم العلاقات الدولية عام 1988، ودرجة الماجستير في الدراسات الدبلوماسية عام 1989 من جامعة كيل في المملكة المتحدة، كما حصلت على دبلوم في عمل وممارسة رابطة الشبيبة الشيوعية التابعة للاتحاد السوفياتي، من مدرسة «لينين كومسومول العليا» في موسكو.

ونالت الكثير من الأوسمة، من بينها وسام النسر الناميبي، ووسام «فرانسيسكو دي ميراندا بريميرا كلاس» من فنزويلا، والدكتوراه الفخرية من جامعة دار السلام بتنزانيا.

تزوجت نيتومبو عام 1983 من إيبافراس دينجا ندايتواه، وكان آنذاك شخصية بارزة في الجناح المسلح لجيش التحرير الشعبي في ناميبيا التابع لـ«سوابو»، وتولى عام 2011 منصب قائد قوات الدفاع الناميبية، وظل في المنصب حتى تقاعده في عام 2013، ولديها ثلاثة أبناء.

العودة بعد الاستقلال

بعد 14 عاماً من فرار نيتومبو إلى المنفى، وتحديداً في عام 1988، وافقت جنوب أفريقيا على استقلال ناميبيا، لتعود نيتومبو إلى وطنها، عضوة في حزب «سوابو» الذي يدير البلاد منذ الاستقلال.

تدرجت نيتومبو في المناصب وشغلت أدواراً وزارية عدة، في الشؤون الخارجية والسياحة ورعاية الطفل والمعلومات. وعُرفت بدفاعها عن حقوق المرأة.

وعام 2002 دفعت بقانون عن العنف المنزلي إلى «الجمعية الوطنية»، وهو القانون الذي يعد أحد أبرز إنجازاتها، حيث دافعت عنه بشدة ضد انتقادات زملائها، ونقلت عنها وسائل إعلام ناميبية في تلك الفترة تأكيدها أن الدستور يُدين التمييز على أساس الجنس.

وواصلت صعودها السياسي، وفي فبراير (شباط) من العام الماضي، أصبحت نائبة رئيس ناميبيا. كانت أول امرأة تشغل مقعد نائب رئيس حزب «سوابو» بعدما انتخبها مؤتمر الحزب في عام 2017 وأعيد انتخابها في مؤتمر الحزب نوفمبر 2022، مما أهَّلها لتكون مرشحة الحزب للرئاسة عام 2024، خلفاً للرئيس الحاج جينجوب، الذي توفي خلال العام الماضي، وتولى رئاسة البلاد مؤقتاً نانجولو مبومبا.

صعوبات وتحديات

لم تكن مسيرة نيتومبو السياسية مفروشة بالورود، إذ اتُّهمت في فترة من الفترات بدعم فصيل منشق في حزب «سوابو» كان يسعى لخلافة سام نجوما أول رئيس لناميبيا بعد الاستقلال، لكنها سرعان ما تجاوزت الأزمة بدعم من هيفيكيبوني بوهامبا، خليفة نجوما.

يصفها أقرانها بأنها قادرة على التعامل مع المواقف الصعبة بطريقة غير صدامية. خلال حياتها السياسية التي امتدّت لأكثر من نصف قرن أظهرت نيتومبو أسلوباً عملياً متواضعاً في القيادة، ولم تتورط -حسب مراقبين- في فضائح فساد، مما يمنحها مصداقية في معالجة مثل هذه الأمور، لكنَّ انتماءها منذ الطفولة إلى «سوابو»، وعملها لسنوات من خلاله، لا ينبئ بتغييرات سياسية حادة في إدارة البلاد، وإن تعهَّدت نيتومبو بذلك.

ويرى مراقبون أنها «لن تبتعد كثيراً عن طريق الحزب، ولن يشكل وجودها على سدة الحكم دعماً أكبر للمرأة». وأشاروا إلى أن نيتومبو التي كانت رئيسة المنظمة الوطنية الناميبية للمرأة (1991-1994)، والمقررة العامة للمؤتمر العالمي الرابع المعنيّ بالمرأة في عام 1995 في بكين، ووزيرة شؤون المرأة ورعاية الطفل 2000-2005، «لا يمكن وصفها بأنها نسوية، وإن دافعت عن بعض حقوق النساء».

خلال الانتخابات قدمت نيتومبو نفسها بوصفها «صوتاً حازماً يتمحور حول الناس، وزعيمة سياسية وطنية، مخلصة للوحدة الأفريقية، مناصرةً لحقوق المرأة والطفل والسلام والأمن والبيئة»، وتبنت خطاباً يضع الأوضاع المعيشية في قمة الأولويات، متعهدةً بـ«خلق 250 ألف فرصة عمل خلال السنوات الخمس المقبلة» ليتصدر هذا التعهد وسائل الإعلام الناميبية، لكن أحداً لا يعرف إن كانت ستنجح في تنفيذ تعهدها أم لا.

تبدأ نيتومبو فترة حكمها بصراعات سياسية مع أحزاب المعارضة التي انتقدت نتيجة الانتخابات التي جعلتها رئيسة لناميبيا، تزامناً مع استمرار تراجع شعبية الحزب الحاكم. وفي الوقت نفسه تواجه نيتومبو عقبات داخلية في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها نحو نصف السكان، مما يجعل مراقبون يرون أنها أمام «مهمة ليست بالسهلة، وأن عليها الاستعداد للعواصف».

ويندهوك عاصمة ناميبيا (أدوب ستوك)

حقائق

ناميبيا بلد الماس... و43% من سكانه يعيشون تحت خط الفقر

في أقصى جنوب غربي القارة الأفريقية تقع دولة ناميبيا التي تمتلك ثروات معدنية كبيرة، بينما يعيش ما يقرب من نصف سكانها فقراً متعدد الأبعاد.ورغم مساحة ناميبيا الشاسعة، فإن عدد سكانها لا يتجاوز 3 ملايين نسمة؛ ما يجعلها من أقل البلدان كثافة سكانية في أفريقيا، كما أن بيئتها القاسية والقاحلة تصعّب المعيشة فيها. ومن الجدير بالذكر أن البلاد هي موطن صحراء كالاهاري وناميب.وفقاً لموقع حكومة ناميبيا، فإن تاريخ البلاد محفور في لوحات صخرية في الجنوب، «يعود بعضها إلى 26000 عام قبل الميلاد»، حيث استوطنت مجموعات عرقية مختلفة، بينها «سان يوشمن»، و«البانتو» وأخيراً قبائل «الهيمبا» و«هيريرو» و«ناما»، أرض ناميبيا الوعرة منذ آلاف السنين.ولأن ناميبيا كانت من أكثر السواحل القاحلة في أفريقيا؛ لم يبدأ المستكشفون وصيادو العاج والمنقبون والمبشرون بالقدوم إليها؛ إلا في منتصف القرن التاسع عشر، لتظل البلاد بمنأى عن اهتمام القوى الأوروبية إلى حدٍ كبير حتى نهاية القرن التاسع عشر عندما استعمرتها ألمانيا، بحسب موقع الحكومة الناميبية.سيطرت ألمانيا على المنطقة التي أطلقت عليها اسم جنوب غربي أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر، وأدى اكتشاف الماس في عام 1908 إلى تدفق الأوروبيين إلى البلاد، وتعدّ ناميبيا واحدة من أكبر 10 دول منتجة للماس الخام في العالم، وتنتج وفق التقديرات الدولية نحو مليونَي قيراط سنوياً.شاب فترة الاستعمار صراعات عدة، وتمرد من السكان ضد المستعمر، تسبَّبا في موت عدد كبير، لا سيما مع إنشاء ألمانيا معسكرات اعتقال للسكان الأصليين، وعام 1994 اعتذرت الحكومة الألمانية عن «الإبادة الجماعية» خلال فترة الاستعمار.ظلت ألمانيا تسيطر على ناميبيا، التي كانت تسمى وقتها «جنوب غربي أفريقيا» حتى الحرب العالمية الأولى، التي انتهت باستسلام ألمانيا، لتنتقل ناميبيا إلى تبعية جنوب أفريقيا، فيما تعتبره الدولة «مقايضة تجربة استعمارية بأخرى»، وفق موقع الحكومة الناميبية.في عام 1966، شنَّت المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا (سوابو)، حرب تحرير، وناضلت من أجل الاستقلال، حتى وافقت جنوب أفريقيا في عام 1988 على إنهاء إدارة الفصل العنصري. وبعد إجراء الانتخابات الديمقراطية في عام 1989، أصبحت ناميبيا دولة مستقلة في 21 مارس (آذار) 1990، وأصبح سام نجوما أول رئيس للبلاد التي ما زال يحكمها حزب «سوابو». وشجعت المصالحة بين الأعراق السكان البيض في البلاد على البقاء، وما زالوا يلعبون دوراً رئيسياً في الزراعة والقطاعات الاقتصادية الأخرى.وتعد ناميبيا دولة ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث يعيش على مساحتها البالغة 824 ألف متر مربع، نحو ثلاثة ملايين نسمة. ويشير البنك الدولي، في تقرير نشره عام 2021، إلى أن ناميبيا «دولة ذات دخل متوسط»، لكنها تحتل المركز الثالث بين دول العالم من حيث عدم المساواة في توزيع الدخل، حيث يمتلك 6 في المائة فقط من السكان نحو 70 في المائة من الأملاك في البلاد، وتعيش نسبة 43 في المائة من سكان ناميبيا في «فقر متعدد الأبعاد». وتدير ثروات البلاد الطبيعية من الماس والمعادن شركات أجنبية.وتمتلك ناميبيا ثروة برية كبيرة، لكنها تعاني بين الحين والآخر موجات جفاف، كان آخرها الصيف الماضي، ما اضطرّ الحكومة إلى ذبح أكثر من 700 حيوان بري من أجناس مختلفة، بينها أفراس نهر، وفيلة، وجواميس وحمير وحشية، وهو إجراء ووجه بانتقادات من جانب جمعيات البيئة والرفق بالحيوان، لكن حكومة ناميبيا دافعت عن سياستها، مؤكدة أنها تستهدف «إطعام السكان الذين يعانون الجوع جراء أسوأ موجة جفاف تضرب البلاد منذ عقود».ووفق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة منتصف العام الحالي، فإن «نحو 1.4 مليون ناميبي، أي أكثر من نصف السكان، يعانون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، مع انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 53 في المائة ومستويات مياه السدود بنسبة 70 في المائة مقارنة بالعام الماضي».