تلاسن بين عباس وحماس حول «حكومة الظل» في غزة.. وخلاف مبكر حول «الإعمار»

أبو مازن يقول إن قرار الحرب والسلم يجب أن لا يكون بيد حماس.. والحركة ترد: ولا بيده

ميليشيات فلسطينية جهادية متشددة أثناء مشاركاتها أمس في احتفالات ما عدوه «نصرا» في الحرب الأخيرة في غزة (رويترز)
ميليشيات فلسطينية جهادية متشددة أثناء مشاركاتها أمس في احتفالات ما عدوه «نصرا» في الحرب الأخيرة في غزة (رويترز)
TT

تلاسن بين عباس وحماس حول «حكومة الظل» في غزة.. وخلاف مبكر حول «الإعمار»

ميليشيات فلسطينية جهادية متشددة أثناء مشاركاتها أمس في احتفالات ما عدوه «نصرا» في الحرب الأخيرة في غزة (رويترز)
ميليشيات فلسطينية جهادية متشددة أثناء مشاركاتها أمس في احتفالات ما عدوه «نصرا» في الحرب الأخيرة في غزة (رويترز)

عاد التلاسن الكلامي بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس بشكل سريع مع انتهاء الحرب على قطاع غزة، فيما تجري الاستعدادات لإجراء تعديل وزاري يضمن حكومة توافق أوسع وأكثر فاعلية في غزة.
واتهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) حركة حماس بتشكيل حكومة ظل في غزة، وانتقد ممارساتها التي يمكن أن تضر بالمصالحة، بما في ذلك انفرادها بقرار الحرب والسلم والتدخل في المساعدات، وردت حماس باتهام حكومة رامي الحمد الله بالتقصير في خدمة غزة، وقالت إن قرار الحرب والسلم لا يملكه عباس أيضا، ورفضت لجنة من الضفة تشرف على إعمار غزة.
وقال عباس في لقاء متلفز بث على عدة قنوات فلسطينية: «هناك لدى حماس حكومة ظل في غزة ولديهم وكلاء وزارات، وإذا استمر هذا الأمر فإن هذا سيهدد استمرار الوحدة الوطنية، والامتحان قادم قريبا». وأضاف: «أنا أعرف أن الأمر لن يجري بسرعة، بل يحتاج إنهاء الانقسام إلى أشهر، ولكننا سنعرف من أول يوم تدخل فيه المساعدات إلى غزة، وإذا كانت تصل المساعدات للناس أم لا، وهذا كلام محدد وصريح.. هل تستطيع حكومة التوافق الوطني أن تحكم وتعمل في غزة أم أن هناك جهات ستمنعها؟».. في إشارة إلى تحكم حماس حاليا في كل كبيرة وصغيرة، بما فيها المساعدات.
كما انتقد عباس استهداف حماس لكوادر حركة فتح والفصائل الأخرى بغزة، وقال إنه تحدث في الأمر مع زعيم حماس خالد مشعل حول «وجود كوادر حركة فتح وكوادر الفصائل الأخرى تحت الإقامة الجبرية في غزة وإطلاق النار على الأرجل». وهاجم عباس إطلاق النار والإعدام في الشوارع، ووصفه بأنه «إجرام». وقال: «حماس حاكمت وأعدمت وحدها من دون التشاور مع أحد، والسلطة تحمّلت وسكتت لأن البلد كله كان في خطر.. لو كان هناك عملاء كان الحري بهم تقديمهم إلى محاكمة وإيقاع الحكم عليهم أو إعدامهم، ولكن ليس في الشوارع بهذه الطريقة». وتعد تصريحات عباس أول انتقادات علنية ومباشرة من السلطة لأداء حماس في الحرب وبعد الحرب.
وكانت السلطة فضلت التزام الصمت تجاه أداء الحركة أثناء الحرب. وردت حماس فورا على تصريحات عباس، وقال القيادي في الحركة موسى أبو مرزوق: «ليس هناك حكومة ظل في غزة»، متهما حكومة التوافق بالغياب في غزة.
وقال الناطق باسم الحركة سامي أبو زهري، ردا على عباس: «نحن لا ننتظر أن يقتل شعبنا وتدمر ممتلكاته ونقف متفرجين أمام معاناته حتى لا يقول عنا أحد حكومة ظل، وهل حكومة التوافق عملت ومنعناها».
وأضاف: «مئات الآلاف من سكان غزة يوجدون بمراكز الإيواء في المدارس بظروف حياتية صعبة، ونحن لا نقبل أن يستمر هذا الوضع، فأين حكومة التوافق من هؤلاء؟ وهل هي عملت وقدمت لهم شيئا وحماس منعتها؟». وأكد أبو زهري أن حركته «لن تنتظر حكومة التوافق أو غيرها لمساعدة المتضررين من العدوان الإسرائيلي، ولن تدخر جهدا للتخفيف من معاناتهم»، مضيفا: «من يريد أن يعتبر مساعدة شعبنا حكومة ظل فليعتبرها».
وهاجم القيادي في حركة حماس يحيى موسى حكومة التوافق الفلسطينية التي يرأسها عباس، قائلا: «إن الشعب الفلسطيني بحاجة إلى حكومة وحدة وطنية حقيقة وجديدة، وليس لحكومة خاصة برامي الحمد لله».
وتشير تصريحات عباس وحماس إلى صعوبات منتظرة بشأن تشكيل حكومة التوافق مرة ثانية، وتنذر بخلافات حول آليات إعمار القطاع. وينتظر أن يعقد في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل مؤتمر دولي في القاهرة يستهدف جمع الأموال لإعادة إعمار غزة. وقال عباس: «السلطة تعلق أملا كب رة على مؤتمر إعادة إعمار ما دمره الاحتلال في قطاع غزة والمنوي تنظيمه في مدينة شرم الشيخ المصرية نهاية أيلول (سبتمبر) المقبل، أو بداية تشرين الأول (أكتوبر) المقبل».
وشدد عباس على أن «السلطة الوطنية وحكومة الوفاق الوطني هي التي ستتولى مسؤولية توزيع المعونات، ومواد الإغاثة، وإطلاق عمليات إعادة الإعمار، عبر التعاون والتنسيق مع المؤسسات الدولية والفلسطينية، ومنها وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، وأنه لا مانع في أن تكون تحت رقابة الأمم المتحدة، ولن نسمح بأن تكون هناك جهة ثانية أو حكومة ظل في غزة». وتحدث كذلك عن أن قرار الحرب والسلم يجب أن لا يكون بيد حماس.
ورد أبو زهري: «حماس لا تعارض أن يكون هذا القرار بيد الإطار القيادي المؤقت الذي توافقنا على إعادة تشكيله ولنحتكم إليه»، مبينا أن ذلك لا يعني أن من يمتلك هذا القرار هو عباس. وأضاف: «هذا القرار يعود للتوافق الوطني، ولا توجد شرعيات غير توافقية.. ولنذهب للانتخابات.. ونحن اتفقنا على إعادة تشكيل الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير.. وهذا لم يحدث، واسألوا من يعطله؟».
ودعا أبو زهري إلى تشكيل لجنة وطنية عليا من الفصائل الفاعلة في قطاع غزة لتراقب عملية إعادة الإعمار، مطالبا بالكشف عن نتائج مؤتمر الإعمار في عام 2009 في القاهرة والأموال المخصصة لغزة.
في هذه الأثناء قال عباس إنه لن يقبل أن تعود إسرائيل وتشن حربا جديدة على القطاع. وعد عباس أن الحل السياسي المتمثل بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، هو الحل الجذري للصراع القائم؛ «كي لا تتكرر المأساة الفلسطينية كل عامين، على شكل حرب في قطاع غزة، وعدوان في كل الأرض الفلسطينية».
وتابع: «الشعب الفلسطيني غير مستعد لمذبحة كل سنتين، فإما أن يكون هناك حل أو لا يوجد حل، وإما حل سياسي أو لا، أما المماطلة فلا، نحن منذ 20 سنة ونحن ننتظر».
وعبر عباس عن حزنه لتأخر التوصل إلى اتفاق التهدئة، مضيفا: «إسرائيل لن تفلت من العقاب، وهذا الإجرام الذي ارتكبته لن تفلت من عقوبته، ولدينا وسائلنا، خاصة أن فلسطين عضو الآن في اتفاقيات جنيف لحقوق الإنسان، وبناء عليه طلبنا الحماية الدولية لشعبنا، وإرسال لجنة لتقصي الحقائق، التي ستنتقل للتحقيق في الجرائم، وتقدم تقريرها للجمعية العامة للأمم المتحدة، ولمجلس الأمن الدولي».
وجدد عباس القول إنه ما من ضمانات حول عدم تكرار إسرائيل ضرب غزة سوى حماية دولية أو إقامة دولة فلسطينية.
وكشف عباس أن رئيس الوزراء الإسرائيلي وافق أمامه على إقامة دولة فلسطين على حدود عام 1967 وبقي أمام المفاوضين ترسيم الحدود فقط. وقال: «نريد وبشكل نهائي أن تعرف كل دولة حدودها، فإسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا حدود معروفة لها حتى الآن».
وحول تدخل بعض الدول في الشؤون الداخلية الفلسطينية، قال أبو مازن: «لا داعي أن تقوم بعض الدول العربية بإرسال حصان أعرج لها ليلعب في ساحتنا، فأنا أتشاور مع العرب وأستشير جامعة الدول العربية في كل قرار، ولو قال لي العرب لا، فإنني سألتزم بالقرار العربي، ولن آخذ قرارا إلا بالتشاور مع الأشقاء العرب، ونحن لم نتدخل في شؤونهم فلماذا يتدخلون في شؤوننا؟».
ونفى مكتب نتنياهو أمس أنه وافق أمام عباس على مسوّدة للمفاوضات على أساس حدود 1967.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».