حروب العاصمة الليبية تقترب من شهرها الأول... لكن دون حسم

«أفريكوم» تنفي عودة قواتها إلى طرابلس ومصراتة

عناصر موالون لحكومة السراج يؤدون الصلاة قبل استئناف المعارك في جنوب طرابلس (أ.ف.ب)
عناصر موالون لحكومة السراج يؤدون الصلاة قبل استئناف المعارك في جنوب طرابلس (أ.ف.ب)
TT

حروب العاصمة الليبية تقترب من شهرها الأول... لكن دون حسم

عناصر موالون لحكومة السراج يؤدون الصلاة قبل استئناف المعارك في جنوب طرابلس (أ.ف.ب)
عناصر موالون لحكومة السراج يؤدون الصلاة قبل استئناف المعارك في جنوب طرابلس (أ.ف.ب)

لا تزال قوات «الجيش الوطني» الليبي تسعى لاجتياح خطوط الدفاع، التي ترابض خلفها القوات الموالية لحكومة الوفاق، المدعومة من بعثة الأمم المتحدة، برئاسة فائز السراج، في معارك العاصمة طرابلس، التي أوشك أسبوعها الرابع على الانتهاء، في وقت نفت فيه قيادة القوات الأميركية العاملة في أفريقيا «أفريكوم» عودة قواتها إلى طرابلس ومصراتة.
وأعلنت غرفة «عمليات الكرامة»، التابعة للجيش، أن الطيران المنخفض حقق ما وصفته بنجاحات متتالية في دحر ميليشيات العاصمة طرابلس على مدى اليومين الماضيين، وفقا لبيان مقتضب أصدره أول من أمس اللواء أحمد المسماري، الناطق باسم الجيش. كما بثت شعبة الإعلام الحربي لقطات مصورة لتعزيزات عسكرية دفعت بها قيادة الجيش لمختلف وحداته المرابطة بمحاور القتال على تخوم طرابلس، تمهيدا لما سمته عملية تطهير آخر المناطق بها، بعد استنزاف الحشد الميليشياوي وتدمير قدراته القتالية، في إشارة إلى القوات الموالية لحكومة السراج. ولفتت شعبة الإعلام الحربي إلى أن قوات الجيش «تستدرج الميليشيات إلى مواقع محددة بمحاور القتال في طرابلس، لتقع تحت نيران مقاتلات السلاح الجوي، التي استهدفتها استهدافا مباشرا أفقدها كثير من الأفراد والأسلحة والعتاد، فيما تتم ملاحقة البقية الفارة عبر القوات البرية المرابطة في تلك المحاور». كما بثت الشعبة لقطات أخرى تظهر اعتقال قوات الجيش في محاور القتال لمن وصفتهم بـ«مقاتلين مرتزقة بصفوف الحشد الميليشياوي الإرهابي، الذين يأتمرون بإمرة المدعو أسامة جويلي، الذي عرف بخسارته أمام قواتنا، فاستقدم هؤلاء المرتزقة بأموال الليبيين لإطالة أمد المعركة، وتهديد حياة المدنيين الآمنين».
وسبق لموقع بوابة «أفريقيا» الإخبارية أن أعلن أوائل الأسبوع الحالي أن عناصر الجيش الليبي تمكنت من اعتقال تركيين يقاتلان في صفوف الميليشيات التابعة لحكومة «الوفاق»، مشيرة إلى أنها حصلت على جوازي سفرهما.
إلى ذلك، أعلن المسماري في مؤتمر صحافي، عقده مساء أول من أمس، أن قوات الجيش حددت بعض النقاط القريبة من الضواحي الرئيسية في قلب العاصمة طرابلس، مشيرا إلى أن هذه القوات مستمرة في استنزاف قوات السراج بدعم جوي. لافتا إلى أن قوات الجيش أحبطت عملية تسلل، قامت بها قوات السراج من منطقة العزيزية إلى السبيعة بهدف محاولة قطع الطريق بين ترهونة ‏وطرابلس.
في المقابل، قال آمر غرفة العمليات الميدانية بطرابلس، التابع للسراج، إن قوات موالية لحكومة الوفاق الوطني اعتقلت أمس عددا من قوات الجيش في محور السبيعة، الذي ساده هدوء نسبي أمس، بعد معارك طاحنة دامت يومين. كما قال المكتب الإعلامي لعملية «بركان الغضب»، التي أطلقها السراج ردا على عملية الجيش الوطني «لتحرير» طرابلس، إن قوات الوفاق سيطرت على غرفة العمليات، التي تدير منها قوات الجيش معاركها في طرابلس، والتي تحمل اسم «غرفة عملية أجدابيا»، مشيرا إلى أن قوات الوفاق أحبطت هجوما لقوات الجيش بمحور وادي الربيع واليرموك باتجاه العاصمة، فيما نفذت طائرات حربية تابعة للحكومة سلسة غارات جوية على مواقع وتمركزات الجيش الوطني.
بدورها، نفت قيادة القوات الأميركية العاملة في أفريقيا «أفريكوم» ما رددته حكومة «الوفاق» عن عودة القوات الأميركية مجددا إلى العاصمة ومصراتة في غرب البلاد.
واعتبرت «أفريكوم» مس، أن «هذه المعلومات غير دقيقة»، مشيرة إلى أنه سبق لها أن أعلنت في السابع من الشهر الماضي عن انتقال فرقة من القوات الأميركية التي تدعم القيادة الأميركية الأفريقية، مؤقتا، من ليبيا، استجابة للظروف الأمنية .
في غضون ذلك، أجرى وفد من حكومة السراج، محادثات مفاجئة مساء أول من أمس في الكويت. وطبقا لما نقلته «وكالة الأنباء الكويتية» الرسمية، فقد جدد الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الكويتي، تأكيد موقف بلاده الثابت تجاه دعم أسس الأمن والاستقرار في كل الربوع الليبية، ودعوة الجميع لنبذ العنف، وإشاعة السلام وتحقيق الرخاء المنشود. وقال بيان لوزارة الخارجية الكويتية إن اللقاء استعرض الأوضاع الأمنية الحالية على الساحة الليبية وتطوراتها المتفاقمة، مشيرا إلى أن معيتيق أعرب عن تقديره وتثمينه العاليين للدور الذي تؤديه الكويت بالدعوة إلى التهدئة ووحدة الشعب الليبي.



النازحون من الحرب يشكّلون عبئاً إضافياً على البنى التحتية المتهالكة في بيروت

نازحون يفترشون الساحات وسط بيروت (رويترز)
نازحون يفترشون الساحات وسط بيروت (رويترز)
TT

النازحون من الحرب يشكّلون عبئاً إضافياً على البنى التحتية المتهالكة في بيروت

نازحون يفترشون الساحات وسط بيروت (رويترز)
نازحون يفترشون الساحات وسط بيروت (رويترز)

كانت بيروت غارقة في الظلام حتى قبل بدء الحرب، وتفتقد الخدمات العامة وصيانة الطرق. اليوم ومع تدفّق عشرات آلاف النازحين إلى العاصمة، لم تعد البنى التحتية، المتهالكة أصلاً، قادرة على الاستيعاب.

وفرّ مئات آلاف اللبنانيين خلال الأسابيع الأخيرة من جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت وغيرها من المناطق المحسوبة على «حزب الله»، والتي تتعرّض لغارات جوية إسرائيلية مكثّفة من منازلهم إلى مناطق أخرى.

ووفق «وكالة الصحافة الفرنسية»، نزح عشرات الآلاف إلى بيروت، حيث استأجروا شققاً سكنية، أو نزلوا عند أقارب وفي مراكز إيواء، أو بالنسبة للبعض، افترشوا الطرق والساحات العامة.

ويقول سائق تاكسي يدعى جمال عضاضة إن المدينة تحوّلت إلى «موقف سيارات» كبير بعدما كانت تشهد أصلاً «أزمة سير».

ويقول الرجل الذي يعمل سائقاً منذ 25 عاماً، بينما يقود سيارته في شارع الحمراء التجاري المزدحم في غرب العاصمة: «خط السير هنا ينبغي أن يتسّع لسيارتين (...)، لكن السيارات ركنت يميناً ويساراً، وبالتالي لا يوجد إلا خط واحد، ما يسبب الزحمة».

وبعد نحو عام من التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل عبر الحدود اللبنانية، تحوّلت المواجهة إلى حرب مفتوحة منذ نحو الشهر، وكثّفت إسرائيل منذ 23 سبتمبر (أيلول) قصفها على مناطق واسعة، لا سيما في جنوب لبنان وشرقه والضاحية الجنوبية لبيروت.

ويشرح الملازم أول فادي بغدادي من خلية إدارة الكوارث في محافظة بيروت أن «البنى التحتية في العاصمة باتت بحالة يرثى لها؛ لأن عدد الناس الموجودين فيها كبير جداً».

ويقول إن عدد النازحين الموزّعين على 169 مركز إيواء تخطّى 55 ألفاً، في حين يعتقد أن نحو مائتي ألف نازح يقطنون منازل أو شققاً.

ويضيف أن هؤلاء «يحتاجون إلى مياه... وهناك كمية أكبر من النفايات، والحاجة إلى الصرف الصحي تزداد...».

قبل الحرب والنزوح، كانت شوارع بيروت المليئة بالحفر والغارقة بالظلام ليلاً بفعل انقطاع الكهرباء، مزدحمة أصلاً، فوسائل النقل العامة في العاصمة شحيحة، ويعتمد السكان بشكل كبير على سياراتهم الخاصة أو سيارات الأجرة.

تمتلئ شوارع العاصمة الآن بمزيد من السيارات والدراجات النارية. وركنت السيارات قرب بعضها بعضاً على الطرق في صفّ ثانٍ، أو أحياناً على الأرصفة.

ويقول بغدادي إن سيارات الإسعاف تواجه صعوبة أحياناً في الوصول إلى وجهتها بسبب هذه الفوضى.

تراكم النفايات

تراكمت النفايات كذلك في الشوارع في بلد كان شهد أزمة جمع نفايات قبل سنوات، ويرزح تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة منذ خمس سنوات شلّت الخدمات العامة، ودفعت شرائح كبيرة من المجتمع إلى حافة الفقر.

ويقول المدير العام لشركة «رامكو» لجمع النفايات في بيروت وليد بوسعد: «ازدادت كمية النفايات بكل تأكيد، لكن المشكلة لا تنحصر بهذا فحسب، بل يحول الازدحام دون مرور آلياتنا وسيارات النفايات في الطرق الداخلية لرفع الحاويات التي تحتوي على النفايات، وتفريغها».

ويضيف: «نحاول طوال الوقت مع القوى الأمنية أن نتحدث مع الناس (في هذه الطرق)، لكن الاستجابة بطيئة للغاية، وأغلب الأشخاص لا يستجيبون لطلبات إزالة السيارات».

وبالتالي، تزداد «النفايات دائماً وتخرج من الحاوية لتتبعثر حولها، وتصبح مهمة إزالتها من الأرض أصعب، وتستغرق وقتاً أكثر»، وفق قوله.

وشاهد صحافيو «وكالة الصحافة الفرنسية» عمال جمع النفايات وهم يحاولون جمع أكوام كبيرة من القمامة بالقرب من حاويات مكدسة، الأمر الذي استغرق وقتاً طويلاً، بينما كانت شاحنات لجمع النفايات تجد صعوبة بالغة في التحرك من دون صدم سيارات من حولها.

وازداد بشكل ملحوظ عدد الشاحنات الخاصة بنقل المياه في شوارع العاصمة. فشبكة المياه في بيروت ضعيفة أساساً، ويعتمد كثير من السكان على قناني وغالونات المياه المعدنية للشرب، وعلى شاحنات تعبئة المياه للاستخدام المنزلي.

وذكرت وكالة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، الأسبوع الماضي أنها قدمت «172.500 لتر من المياه المعبأة، و2.2 مليون لتر من المياه المنقولة بالشاحنات» لدعم النازحين في الملاجئ بجميع أنحاء البلاد.

ضغط على المياه

ويقول فؤاد السملاوي، الذي يعمل في شركة توزيع مياه، إن الطلب ازداد بشكل كبير على المياه في الأسبوعين الأخيرين.

ويضيف الرجل المصري الذي يعيش ويعمل في لبنان منذ ثلاثة عقود: «في السابق، كان يطلب منا نحو 20 نقلة في اليوم، حالياً هناك طلب على نحو 30 إلى 33 نقلة».

ويوضح السملاوي، وهو يقف قرب شاحنات تعبئة المياه من محطة مياه في الجديدة على أطراف بيروت أن معظم عمليات التسليم هي إلى المدارس التي تحوّلت إلى ملاجئ، وأماكن أخرى تستضيف أعداداً كبيرة من النازحين.

وتضيف شركته مادة الكلور إلى المياه لتنقيتها من الجراثيم. ويقول: «يجب أن نلبّي الزبون (...) في الليل أو في النهار».

ويقول الرئيس التنفيذي للاستدامة في الجامعة اللبنانية الأميركية إن شبكة المياه في بيروت «ترزح تحت ضغط كبير».

ويضيف: «الطلب على المياه مرتفع جداً»، لكن «مستويات المياه الجوفية منخفضة كثيراً» بسبب تراجع نسبة الأمطار خلال فصل الصيف.

ويقطن بعض النازحين في مبانٍ مهجورة منذ وقت طويل تفتقر لإمدادات المياه، أو قد تكون أنابيب المياه فيها قديمة جداً تصبّ في مجاري مياه الأمطار بدلاً من شبكات الصرف الصحي.

ووفق «اليونيسف»، أُنشئ الجزء الأكبر من شبكة الصرف الصحي في بيروت «منذ عقود»، ما يجعلها «عُرضة للتشقق والانكسار بسبب القصف العنيف على المدينة».

وأوضحت أن العدد الكبير من الأشخاص الإضافيين يزيد أيضاً من احتمال حدوث انسدادات وفيضانات في شبكة الصرف الصحي، مشيرة إلى أن الفيضانات تُشكّل «خطراً كبيراً على الصحة العامة».