الخلافات حول «السيادي» تزيد التوتر بين الحراك والجيش في السودان

«الانتقالي» يتمسك بالتفاوض ويهدد بحسم «الفوضى»... و«تجمع المهنيين» يحشد لـ«مليونية» غداً

محتجون سودانيون عند حاجز أقاموه في إحدى الطرق المؤدية إلى مقر قيادة الجيش في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
محتجون سودانيون عند حاجز أقاموه في إحدى الطرق المؤدية إلى مقر قيادة الجيش في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
TT

الخلافات حول «السيادي» تزيد التوتر بين الحراك والجيش في السودان

محتجون سودانيون عند حاجز أقاموه في إحدى الطرق المؤدية إلى مقر قيادة الجيش في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
محتجون سودانيون عند حاجز أقاموه في إحدى الطرق المؤدية إلى مقر قيادة الجيش في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)

تزايدت حدة التوتر بين العسكر الذين استولوا على السلطة في السودان عقب عزل الرئيس عمر البشير، وقوى «إعلان الحرية والتغيير» التي قادت الاحتجاجات ضده، وخلاله هدد العسكريون بـ«حسم» ما سموه «الفوضى» مع تمسكهم بالتفاوض، وهو ما انتقده «تجمع المهنيين السودانيين»، أحد مكونات قوى الحرية والتغيير، واعتبره «مستفزاً»، ودعا لمواجهته بمسيرة مليونية تتجه لمكان الاعتصام في محيط القيادة العامة للجيش بالخرطوم.
وأوضح متحدثون باسم المجلس العسكري الانتقالي، أنهم متمسكون بالتفاوض مع «قوى الحرية والتغيير» التي قادت المعارضة ضد نظام البشير، وفي الوقت ذاته قطع بعدم السماح بما سماه «الفوضى». وقال نائب رئيس المجلس محمد حمدان دقلو الشهير بـ«حميدتي» في مؤتمر صحافي أمس، إن مجلسه سيواصل التفاوض مع قوى الحرية والتغيير، رغم الانتقادات الحادة التي وجهها لها، وأضاف: «لا فوضى بعد اليوم، وملتزمون بالتفاوض بالتوافق، وواجبنا حماية المواطن وممتلكاته»، وتابع: «سيتم التعامل بالحزم اللازم وفق القانون ضد أي فوضى أو انفلات».
وأوضح حميدتي أن جلسات التفاوض السابقة كانت تسير بشكل إيجابي، وأن مجلسه بعد أن كان يتمسك بمجلس عسكري صرف، قبِل بتمثيل مدني داخله، بيد أن قوى التغيير، فاجأتهم بطرح رؤى جديدة خلاف المتفق عليها، وأضاف: «نحن نريد ثورة سودانية حضارية وطنية وشباباً بلا أجندة»، وأشار إلى محاولات «تجري من بعض المنفلتين لاقتحام القصر الجمهوري، وغلق طرق في الخرطوم».
ووصل التفاوض بين الطرفين في جلسته الثالثة أول من أمس، إلى طريق مسدود، وتبادل بعده الطرفان الاتهامات كل يحمل الآخر مسؤولية فشل الجولة، فضلاً عن اتهامات صريحة ووجهها المجلس لقوى الحرية والتغيير، بأنها تراجعت عن التزامها بفتح الطرقات والجسور ومسارات خطوط السكة الحديد لانسياب حركة السير.
واتهم حميدتي قوى الحرية والتغير بتأليب المعتصمين ضد المجلس العسكري الانتقالي، وقال: «اتفقنا مع قوى إعلان الحرية على فتح الكباري والسماح للقطارات بالمرور، لأنها تحمل مؤنا ومواد للولايات، لكنهم لم ينفذوا ما تم الاتفاق عليه، قائلا: هذا ليس تهديداً، لكن لن نقبل بعد اليوم بالفوضى أو بالتعدي على ممتلكات الدولة والمواطنين، وسنحسم أي تفلت أمني»، وتابع: «لكنهم تراجعوا عما اتفقنا عليه». وحذر من حالات نهب مسلح، ومن انتشار «المخدرات في الشوارع»، ومن دعوات لاقتحام قصر الرئاسة والقيادة العامة للجيش، بيد أنه عادل ليقول: «نحن نريد ثورة سودانية، لنتمكن من تحقيق وفاق لكل الشعب السوداني على الحكومة القادمة». وفي إعلان يزيد من التباين الذي يتعمّق بين الجانبين، قال حميدتي: «في حوادث بمناطق مختلفة بالبلاد استشهد 6 من القوات النظامية وجرح 16».
وفي الوقت ذاته، شدد عضو المجلس العسكري ياسر العطا في حديثه للصحافيين، على رغبتهم كعسكريين في إقامة شراكة حقيقية مع قوى «الحرية والتغيير»، وأضاف: «تقدمنا بمقترح 7 عسكريين مقابل 3 مدنيين في مجلس السيادة، وهو أمر يمكن التفاوض عليه، والتوصل لاتفاق».
وانتقد المتحدث باسم المجلس شمس الدين الكباشي، عدم ثبات ممثلي قوى الحرية والتغيير في التفاوض، وقال: «طلبنا منهم تسليمنا تفويضا من القوى التي يمثلونها، لأنهم يتغيرون من اجتماع لآخر». وبشأن الاتفاق على إزالة الحواجز وفتح الجسور والطرقات أمام حركة السير قال الكباشي: «لم نقل إننا سنفتح الترس ونزيل الحواجز، بل اتفقنا على أن يفتحوا هم مسار القطارات والكباري».
وشرع المعتصمون في تعزيز الحواجز التي يقيمونها في محيط قيادة الجيش منذ 6 أبريل (نيسان) الماضي، فور الإعلان عن فشل المفاوضات بين ممثليهم المدنيين والمجلس العسكري الانتقالي.
وتطالب قوى التغيير بسلطة مدنية كاملة، تتكون من مجلس سيادي مدني، ومجلس وزراء مدني مكون من كفاءات وطنية، ومجلس تشريعي بكامل الصلاحيات، بينما يتمسك العسكريون بمجلس عسكري صرف، وقال حميدتي إن رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبد الفتاح البرهان هو الشخص المرشح لرئاسة المجلس السيادي المشترك، وهو ما يرفضه المعتصمون ويعتبرونه تبديلاً للبشير بالبرهان. وأوضح أن المجلس العسكري قدم تنازلات أثناء المفاوضات، وقبل ثلاثة مدنيين ضمن المجلس السيادي، وقال: «رغم أننا مبدئيا نرفض وجود تمثيل مدني في مجلس عسكري».
من جهته، رفض تجمع المهنيين السودانيين الاتهامات التي وجهها له المجلس العسكري الانتقالي، بتأليب المعتصمين ضده، وقال في تصريحات صحافية إن لغة المجلس «مستفزة»، ووصفه بأنه «طاغية آخر في السودان بعد البشير»، وأضاف: «لن نقبل طاغية آخر بعد عمر الشير، والسلطة للشعب، ولن نسمح للعسكريين بالانفراد بالسلطة السياسية».
ودعا التجمع إلى تنظيم مسيرة مليونية جديدة غداً تتجه إلى قيادة الجيش ووزارة الدفاع حيث يعتصم عشرات الآلاف منذ 6 أبريل الماضي، وذلك لتعزيز مطالب المعتصمين في حكم مدني كامل. وقال في نشرة صحافية على صفحته على «فيسبوك»، إن المسيرة المليونية تأتي لتأكيد الالتزام بـ«إعلان الحرية والتغيير»، وللوقوف صفا واحدا لتحقيق مطالب الثورة.
واعتصم مئات الآلاف من السودانيين، ابتداء من في 6 أبريل الماضي، أمام مقر الجيش السوداني، لمطالبة الجيش بالانحياز لهم وعزل الرئيس البشير. وبعد خمسة أيام من الاعتصامات، استولى الجيش على السلطة وخلع البشير في 11 أبريل، ليخلفه وزير دفاعه عوض بن عوف، الذي اضطر هو الآخر للتنحي لخليفته عبد الفتاح البرهان بعد ساعات من توليه منصب رئيس المجلس العسكري الانتقالي.
واستمرت الاحتجاجات التي توجت بإطاحة البشير عدة أشهر، احتجاجاً على ارتفاع أسعار الخبز والسلع والدواء والوقود وندرة النقود، قبل أن يتدخل «تجمع المهنيين السودانيين»، ويقودها للمطالبة بتنحي الرئيس عمر البشير وحكومته على الفور.
إلى ذلك، أعلن المجلس العسكري أمس أنه قبل استقالة ثلاثة من أعضائه كانوا قد تقدموا بها الأسبوع الماضي وهم: الفريق أول ركن عمر زين العابدين رئيس اللجنة السياسية في المجلس، والفريق أول جلال الدين الشيخ الطيب، والفريق أول شرطة الطيب بابكر علي فضيل. وكان «تجمع المهنيين» قد طالب باستبعاد الثلاثة متهماً إياهم بالضلوع في حملة قتل فيها عشرات المحتجين.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم