«قصر البديع»... من عجائب فن العمارة في زمنه ولا يزال يُلهب الخيال

«ديور» تحصل على تغطية تقدّر بالملايين من وراء مراكش

جانب من العرض الذي أقامته «ديور» في القصر يوم الاثنين
جانب من العرض الذي أقامته «ديور» في القصر يوم الاثنين
TT
20

«قصر البديع»... من عجائب فن العمارة في زمنه ولا يزال يُلهب الخيال

جانب من العرض الذي أقامته «ديور» في القصر يوم الاثنين
جانب من العرض الذي أقامته «ديور» في القصر يوم الاثنين

يوم الاثنين الماضي قدمت دار «ديور» عرضها من خط الـ«كروز» في مدينة مراكش، وتحديداً في قصر البديع. حققت الدار المطلوب: ضجة إعلامية لا مثيل لها، والسبب ليس الأزياء بقدر ما كانت خلفية العرض وأرضيته. قصر يُلهب بماضيه وجماله الخيال، الأمر الذي جعله وجهة عشاق الموضة والمجوهرات عندما يرغبون في نسج أساطير من قصص ألف ليلة وليلة أو يحصلون على تغطيات تقدَّر بالملايين على «إنستغرام». فما قصر البديع؟
يقع في عمق المدينة القديمة، وعلى بُعد دقائق من ساحة جامع الفنا، قلب مراكش النابض. وهو واحد من العناوين التاريخية لمراكش، التي تختصر حضارة مدينة كان لها دور مؤثر في منطقة الحوض المتوسطي، منذ تأسيسها زمن حكم المرابطين في القرن الحادي عشر الميلادي.
ويشهد قصر البديع على منجزات وانتصارات الأسرة السعدية التي حكمت المغرب في الفترة ما بين 1554 و1659، حيث شُرع في بنائه عام 1578 مع بداية فترة حكم أحمد المنصور الذهبي (1578 - 1603)، بعد انتصار الجيش المغربي على الجيش البرتغالي في معركة «وادي المخازن» الشهيرة.
ويشير بعض الكتابات التاريخية إلى أن أحمد المنصور الذهبي جلب لبنائه وزخرفته أمهر الصناع التقليديين والمهندسين المغاربة والأجانب، حتى إن بعض المؤرخين والجغرافيين القدامى اعتبروه «من عجائب الدنيا في زمنه».
وهناك آراء كثيرة حول تسميته «قصر البديع»؛ فهناك من يقول إنه عائد إلى إحدى زوجات السلطان المنصور، وهناك من يقول إنه لكثرة زخارفه وجدرانه المغطاة بالزليج، بما أن معنى هذا الأخير في الدارجة المغربية «البديع» بتسكين الباء.
يقال أيضاً إنه سمي «البديع» لأنه «ليس له مثيل»، باعتباره «تحفة عمرانية» و«معجزة هندسية»، لا تزال تشهد أطلالها برونق المعمار في عهد سلالة السعديين، كما تحمل عدة تأثيرات أجنبية تتجسد من خلال تصميمه الأندلسي الشكل. فالأجنحة المحورية مستوحاة من ساحة الأسود بغرناطة ونجدها أيضاً في صحن مسجد القرويين بفاس، والبركة المائية المستطيلة والكبيرة الحجم نجدها بساحة الريحان. أما نظام البرك والقنوات المائية داخل القاعات فنجد مثيلاً له في قصر الحمراء في غرناطة. ويُفهم من هذا أن الفن الأندلسي في غرناطة ظل يمارس تأثيره على الفن المغربي خلال هذه الفترة بفضل هجرات المورسكيين الفارّين من حروب الاسترداد المسيحية. ويفيدنا المؤرخ المغربي محمد الصغير الإفراني في فهم بعض مصادر التأثير الأخرى، حيث يذكر أن المنصور الذهبي استقدم العمال والحرفيين من كل البلاد وحتى من أوروبا كما جلب الرخام من مدينة بيزا من إيطاليا، وهي طرق وتقاليد شائعة في القرون الوسطى ببلاد الإسلام.
ما يُحسب للصور التي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي مساء يوم الاثنين أنها أظهرت فقط الوجه الجميل لهذا القصر من خلال مئات الشموع التي عامت على بركته وزينت جوانبه، ولم تكشف عن حالة الإهمال التي تعرض لها على مر السنين. فقد كانت بركته المائية تتوفر على نافـورة، وبجنباتها روضتان مغروستان بالأشجار والزهور وصهاريج مائية ذات حجم أصغر، وعلى الجنبات الطويلة للساحة تمتد عدة أجنحة مستطيلة تنفتح بواسطة أقواس.
ويقال إن السلطان المنصور اختار الجهة الشمالية الشرقية لتشييد هذا القصر، لتكون مناسبة لإقامة الحفلات والاستقبالات الرسمية فيه. الآن لا يزال معلماً ومكاناً لإقامة احتفالات بضخامة عرض «ديور» الأخير وقبله احتفالية دار «فان كليف آند آربلز» للمجوهرات بمناسبة احتفالها بمرور 50 عاماً على تصميمها لمجموعة «الحمرا».



أعمال الدراما تحول لبنان إلى قرية سياحية كبيرة

مشهد من مسلسل "للموت" التقط في اهدن (إنستغرام)
مشهد من مسلسل "للموت" التقط في اهدن (إنستغرام)
TT
20

أعمال الدراما تحول لبنان إلى قرية سياحية كبيرة

مشهد من مسلسل "للموت" التقط في اهدن (إنستغرام)
مشهد من مسلسل "للموت" التقط في اهدن (إنستغرام)

يهتم متابعو أعمال الدراما بأماكن تصوير المشاهد، وعادة ما يطرح هذا السؤال على أبطال المسلسل عبر الـ«سوشيال ميديا»، وأحياناً يشير إليها منتج العمل أو مخرجه في سياق إطلالاتهم الإعلامية.

وفي السنوات الأخيرة، وبسبب كثافة تصوير هذه الأعمال في لبنان، تحوّل إلى قرية سياحية كبيرة، من شماله إلى جنوبه.

وتطول لائحة الأعمال الدرامية التي اختارت شارعاً أو بلدة معينة للتصوير فيها. في السنوات القليلة الماضية حطّت كاميرا مخرجين عدة في جبال لبنان. فمسلسل «ثورة الفلاحين» اختار مخرجه فيليب أسمر «قصر سرحال» في جزين ليشهد على أحداثه. فيما ارتأى مخرج مسلسل «روبي» رامي حنا منطقة الأشرفية ليصور فيها مشاهد حي شعبي ألا وهو «كرم الزيتون».

قصر سرحال في جزين قبل وبعد مسلسل "ثورة الفلاحين" (إنستغرام)
قصر سرحال في جزين قبل وبعد مسلسل "ثورة الفلاحين" (إنستغرام)

من ناحيته، اختار المخرج جو بو عيد تصوير غالبية مشاهد مسلسل «صالون زهرة» في بيروت. وبالتحديد في شارع مار مخايل العريق. بينما دارت كاميرا مخرجة مسلسل «تغيير جو» مريم أبو عوف، في منطقة بدارو، البيروتية أيضاً.

وتنقلت كاميرا مخرجين آخرين في عدد من مناطق لبنان، بينها إهدن ودوما وغيرها. وكان أحدثها في البترون التي احتضنت تصوير مسلسل «بالدم». وتحول أحد أزقتها القديمة كما مرفأها عنواناً سياحياً. فراح يقصدها اللبنانيون ليستكشفوا بيوت أبطاله ومن بينهم روميو وجانيت.

إهدن ومسلسل «للموت»

تعدّ بلدة إهدن في شمال لبنان واحدة من أجمل المواقع التصويرية الطبيعية. وقد اختارها مخرج مسلسل «للموت» فيليب أسمر لتنفيذه فيها. تنقّل بين عدد من مواقعها الطبيعية في فصل الشتاء المغمورة بالثلج. وكذلك استأجرت الشركة المنتجة للعمل منازل فخمة لتحتضن أبطال عملها في مشاهد شيقة.

تقع بلدة إهدن في قضاء زغرتا شمال لبنان. وترتفع نحو 1500 متر عن سطح الأرض. وفي طقسها البارد دارت كاميرا أسمر لتصوّر أبطال العمل من ماغي بو غصن ودانييلا رحمة ومحمد الأحمد في درجات حرارة تحت الصفر. يومها تساءل المشاهد أين تم تصوير هذا العمل؟ سيما وأن المنطقة بدت رائعة بتضاريسها الطبيعية. فردّت ماغي بو غصن معلنة بأنها بلدة إهدن. وكتبت عبر حسابها على تطبيق «إكس»: «كثيرون تساءلوا عن موقع تصوير (للموت). فقد لفتتهم البيوت والمشاهد الخارجية التي تم التصوير فيها. وأجيبهم بكل فخر أن التصوير تم في لبنان وبالتحديد في بلدة إهدن. وكذلك في مناطق أخرى في الجنوب. فبلدنا جميل جدّاً، وما ينقصنا هو تقديره من قبل حكّامه».

وتشتهر إهدن بازدهار السياحة البيئية والدينية فيها. ومحمية حرج إهدن من أهم المحميات والمعالم البيئية في المنطقة. وتبلغ مساحتها 1000 هكتار وتمتاز بالتنوع البيولوجي، وكذلك بالتنوع الحيواني الذي يشمل الزواحف والطيور والبرمائيات.

"صالون زهرة" تم تصويره في شارع مار مخايل (إنستغرام)
"صالون زهرة" تم تصويره في شارع مار مخايل (إنستغرام)

شارع مار مخايل يحب الكاميرا

من أشهر الأماكن السياحية في العاصمة بيروت شارع مار مخايل. يتفرّع منه عدة أحياء وهو موازٍ لشارع الجميزة الشهير. يقصده زواره لتمضية أحلى السهرات، وكذلك لتناول أشهى الأكلات في مطاعم تتوزع فيه. اختار المخرج جو بو عيد واحداً من متفرعات مار مخايل، ليصور فيه مشاهد مسلسل «صالون زهرة». وتمّ تجهيز الشارع بشكل كامل ليتناسب مع أجواء المسلسل الجريء على مستوى الطرح والمعالجة. وجرى استحداث «صالون زهرة» لتصفيف شعر النساء والعناية بجمالهن. وترك بو عيد ديكورات الشارع كما هي كي يضفي الواقعية على العمل. وكانت الناس تتجمع في الشارع ليلاً للوقوف على أحداثه التي تصور مباشرة من هناك. وصار فيما بعد هذا المكان مقصوداً من قبل الصغار والكبار، يلتقطون الصور التذكارية إلى جانب الصالون. وإذا ما حالفهم الحظ ووجد أبطال العمل هناك، كانوا يتجمعون لأخذ صورة «سيلفي» مع أحد منهم.

مطعم جانيت من مسلسل "بالدم" في البترون بعد انتهاء التصوير (إنستغرام)
مطعم جانيت من مسلسل "بالدم" في البترون بعد انتهاء التصوير (إنستغرام)

دوما احتضنت فيلم «هلّأ لوين»

اختارت مخرجة فيلم «هلّأ لوين» نادين لبكي عدة مناطق لبنانية كمواقع تصوير لفيلمها «هلأ لوين»، من بينها بلدة الطيبة قرب بعلبك كون جامع القرية يقف جنباً لجنب كنيستها. كذلك تم التصوير في كل من قرية مشمش ودوما. وشكّلت هذه الأخيرة محط أنظار اللبنانيين. وصاروا يقصدونها للتمتع بطبيعتها والتفرّج على أسواقها القديمة، حيث دارت كاميرا لبكي. وفي ممر جانبي من السوق أغلقته لبكي وملأته بالحجارة. استخدمت دكاناً قديماً وحوّلته إلى مخبز. وغنى فيه الممثلون تلك الأغنية المشهورة في الفيلم (حشيشة قلبي). وفي مقهى مجاور تم التصوير أيضاً، ليؤدي فيه أبطال الفيلم معظم مشاهدهم. وكان سبق لبكي إلى هناك الرحابنة عندما اختاروا البلدة نفسها لتصوير فيلم «سفر برلك» في عام 1965.

«ثورة الفلاحين» وقصر سرحال

في مسلسل «ثورة الفلاحين» لم يلاق مخرجه فيليب أسمر أفضل من «قصر سرحال» ليحتضن أحداث العمل التاريخية. هذا القصر الذي يعود إلى الطبيب الجنوبي المشهور الراحل فريد سرحال يقع في بلدة جزين. وكان يشكّل مقصداً للسيّاح العرب والأجانب في سنوات ماضية. فهو بمثابة متحف لما يتضمن من قطع أثرية ومشهدية معمارية خلّابة. وأمضى الطبيب المذكور نحو 30 عاماً وهو يبنيه وقد طغى عليه الفن الإسلامي، فازدانت قاعاته بالأشعار العربية والمنمنمات اليدوية. ومن أجل هذا المتحف زار الطبيب سرحال الشرق الإسلامي كله، واشترى الكثير من الأنتيكا والأثاث. ومن منطقة البسطة في بيروت اشترى الأراكيل والأثاث القديم، وزار أوروبا الشرقية والهند والشام وسوريا ومصر. وجلب منها «الأوبالين» والخشبيات من تركيا. أما السجاد العجمي والنحاسيات فحملها من طهران. واختار الحجر الأزرق من أفغانستان، والأحمر من الهند، كي يزود بيته بمشهدية معمارية تخرج عن المألوف.

واضطر أسمر أن يبدّل في حالة القصر المهجور منذ سنوات طويلة والفارغ من أثاثه فأعاده إلى الحياة على طريقته مستحدثاً فيه ديكورات تناسب المسلسل.