عباس يتمسك برفض تسلّم أموال الضرائب «منقوصة»... ويهاجم «صفقة القرن»

السلطة رفضت 180 مليون دولار حوّلتها إسرائيل سراً

الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء محمد أشتية خلال اجتماع الحكومة الفلسطينية في رام الله أمس (أ.ف.ب)
الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء محمد أشتية خلال اجتماع الحكومة الفلسطينية في رام الله أمس (أ.ف.ب)
TT

عباس يتمسك برفض تسلّم أموال الضرائب «منقوصة»... ويهاجم «صفقة القرن»

الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء محمد أشتية خلال اجتماع الحكومة الفلسطينية في رام الله أمس (أ.ف.ب)
الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء محمد أشتية خلال اجتماع الحكومة الفلسطينية في رام الله أمس (أ.ف.ب)

كشفت مصادر في كل من تل أبيب ورام الله، أمس الاثنين، عن محاولات عدة؛ مباشرة وغير مباشرة، قامت بها الحكومة الإسرائيلية لإقناع السلطة الفلسطينية بتسلم أموالها من الضرائب، بينها تحويل سري لمبلغ يصل إلى 180 مليون دولار، لحساب السلطة في البنك. لكن تلك المحاولات فشلت؛ إذ إن السلطة رفضت تسلّم المبلغ لأنه منقوص، وأعلنت أنها ستتسلمه فقط إذا تراجعت إسرائيل عن خصم قيمة رواتب عائلات الشهداء والأسرى.
وجدد الرئيس محمود عباس، خلال ترؤسه اجتماع الحكومة بمقر مجلس الوزراء في مدينة رام الله أمس، رفض السلطة الفلسطينية تسلّم أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل في حال كانت منقوصة، كما جدد رفضها «صفقة القرن» المتوقع الكشف عنها هذا الصيف، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية. وقال الرئيس عباس: «موقفنا كما هو، ولن نقبل تسلّم الأموال من إسرائيل منقوصة». وأشار في حديثه إلى اتصالات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل حول الخصومات التي اقتطعتها إسرائيل من الضريبة التي تجبيها لصالح السلطة الفلسطينية. وشدد على رفض الأموال المنقوصة، قائلاً: «يحاولون بكافة الوسائل أن يشرعنوا الخصومات المتعلقة برواتب الشهداء والأسرى والجرحى، لن ولن ولن نقبل بهذا مهما كلفنا ذلك من ثمن».
وقال عباس خلال اجتماع الحكومة، بحسب ما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية، إنه طلب من الدول العربية خلال اجتماع القمة العربية الأخير في تونس مبلغ 100 مليون دولار بوصفه نوعاً من شبكة أمان. وتابع: «لا نعلق آمالاً كبيرة، لكن يمكن اعتبار المبلغ بمثابة دين نعيده فور إعادته لنا من قبل إسرائيل». وتجبي إسرائيل لصالح السلطة الفلسطينية نحو 190 مليون دولار شهرياً من عائدات الضرائب على التبادل التجاري الذي يمر عبر الموانئ والمعابر الإسرائيلية.
وأعلن رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية الوزير حسين الشيخ في بيان نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، أمس الاثنين، أنه أبلغ الجانب الإسرائيلي بالموقف الرسمي للسلطة حيال عائدات الضرائب المنقوصة. وقد أبلغ الشيخ وزير المالية الإسرائيلي موشيه كحلون ذلك خلال اجتماع قبل يومين بحثا خلاله تطورات الأزمة المالية التي تعيشها السلطة إثر قيام إسرائيل بخصم جزء من هذه الأموال. وقال البيان إن الشيخ «أكد للوزير كحلون أن حكومته تتحمل تداعيات هذه الأزمة».
يذكر أن إسرائيل كانت قد أعلنت عشية الانتخابات، في فبراير (شباط) الماضي، وفي خطوة عُدّت دعاية انتخابية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن حجب مبلغ 138 مليون دولار من الدفعات الشهرية للسلطة الفلسطينية؛ «عقاباً لها على ما تدفعه من أموال للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ولعائلاتهم ولعائلات الشهداء». واحتج الفلسطينيون على ذلك وقرروا رفض تسلم «أي ملّيم» من أموال الضرائب والجمارك التي تجمعها إسرائيل نيابة عنهم بشكل شهري، ما دامت إسرائيل لا تقوم بتحويل المبلغ بالكامل. وقالوا إن هذه الأموال من حق الفلسطينيين، وإن إسرائيل تقوم بجبايتها بموجب «اتفاق باريس الاقتصادي» وتقبض لقاء كل مبلغ تجبيه عمولة بنسبة اثنين في المائة.
وتبلغ قيمة الضرائب والجمارك هذه التي تقوم إسرائيل بجبايتها وتحويلها للسلطة الفلسطينية نحو نصف ميزانيتها الشهرية. ومنذ أن رفضت السلطة تسلم هذه الأموال منقوصة، تسود أزمة مالية في الضفة الغربية أشد من أزمتها السابقة. وتحذر المخابرات الإسرائيلية من خطر انهيار اقتصادي. وبحسب التلفزيون الإسرائيلي الرسمي «كان»، حاولت إسرائيل مؤخرا تحويل مبلغ 182 مليون دولار لحسابات السلطة الفلسطينية في عدة بنوك في رام الله وغيرها من مدن الضفة الغربية بشكل سري، لكن السلطة رفضت قبول المبالغ. وأضافت القناة أن الحكومة الإسرائيلية توقعت أنه في حال قامت بتحويل أموال المقاصة المنقوصة بسرية تامة وبتكتم شديد بعيداً عن وسائل الإعلام، فإن السلطة ستقوم بتسلمها، نظراً للعجز الاقتصادي الذي تعاني منه الموازنة الفلسطينية في أعقاب وقف المساعدات الأميركية، والامتناع عن تسلم أموال المقاصة.
وفي هذا السياق، بحث نتنياهو، مساء أول من أمس الأحد، مع وزير ماليته، كحلون، سبل إقناع الرئيس الفلسطيني عباس بتلقي أموال الضرائب بعد اقتطاع معاشات عوائل الشهداء والأسرى. وقد أعرب نتنياهو عن قلقه من انهيار السلطة الفلسطينية جراء الأزمة المالية. وأوضح أن هناك ضغوطاً دولية عليه ليحرر المبالغ. لكنه لم يتوصل إلى قناعة بضرورة التراجع عن قراره الذي تسبب بالأزمة أصلاً. وهناك ضغوط عليه من اليمين المتطرف الذي يحاول ضمه إلى حكومته حول هذه القضية؛ إذ إن تكتل أحزاب اليمين يهاجمه على محاولاته إنقاذ السلطة من الانهيار. وقال النائب بتصليل سموتريتش إن «على نتنياهو أن يسعى إلى انهيار السلطة الفلسطينية وليس إنقاذها».
في غضون ذلك، جدد الرئيس الفلسطيني، خلال اجتماع الحكومة في رام الله أمس، رفضه «صفقة القرن»، مشيراً إلى أنه أبلغ الجامعة العربية بذلك. وقال عباس: «نسمع كثيراً عنها، لقد وصلت فعلاً وليس هناك ما ننتظره (...) ما سيأتي ليس مهماً، لكن الذي مضى هو الأهم». وتابع عباس، بحسب ما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية، أن الأبواب مفتوحة للحوار مع الكونغرس الأميركي وإدارة الرئيس دونالد ترمب في حال كان لدى الجانب الأميركي استعداد لذلك.
وجمدت السلطة الفلسطينية منذ ديسمبر (كانون الأول) 2017 علاقتها مع الإدارة الأميركية عقب اعتراف الرئيس ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل.
ورحب الرئيس الفلسطيني بتصريحات وزيرة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني حول حل الدولتين، ومعارضتها «نقل السفارة الأميركية إلى القدس». وأضاف عباس: «أوروبا ليست معنا في كل شيء، لكن أن يأتي مثل هكذا موقف من أوروبا، فهذا شيء جيد (...) لقد اخترعت أوروبا الصهيونية وإسرائيل». وتابع أن «هذا يزعج جيراننا بعض الشيء، لكننا لن نضحك على أنفسنا، هذا هو التاريخ».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».