«مرسوم الجنسية» فتح مواجهة مبكرة بين بوتين وزيلينسكي

الرئيس الروسي: الأوكرانيون والروس «شعب واحد»

موظفون في دائرة الهجرة بوزارة الداخلية الروسية خلال تلقي طلبات للحصول على الجنسية من أوكرانيين يقطنون شرق البلاد (رويترز)
موظفون في دائرة الهجرة بوزارة الداخلية الروسية خلال تلقي طلبات للحصول على الجنسية من أوكرانيين يقطنون شرق البلاد (رويترز)
TT

«مرسوم الجنسية» فتح مواجهة مبكرة بين بوتين وزيلينسكي

موظفون في دائرة الهجرة بوزارة الداخلية الروسية خلال تلقي طلبات للحصول على الجنسية من أوكرانيين يقطنون شرق البلاد (رويترز)
موظفون في دائرة الهجرة بوزارة الداخلية الروسية خلال تلقي طلبات للحصول على الجنسية من أوكرانيين يقطنون شرق البلاد (رويترز)

انشغلت الأوساط الروسية في الأيام الأخيرة، بمتابعة تصاعد حدة السجالات بين الكرملين من جانب، والرئيس الأوكراني المنتخب فلاديمير زيلينسكي من الجانب الآخر، على خلفية المرسوم الرئاسي الروسي القاضي بمنح تسهيلات واسعة للأوكرانيين في شرق البلاد للحصول على الجنسية الروسية.
وشكل المرسوم الذي وقّعه الرئيس فلاديمير بوتين غداة إعلان نتائج الانتخابات الأوكرانية التي فاز فيها زيلينسكي بأصوات 73 في المائة من الناخبين، أول اختبار جدي لشكل العلاقات التي قد تنشأ بين الجانبين ومدى استعداد الطرفين لإطلاق قنوات حوار لتقريب المواقف بينهما.
وأدلى الرئيس الروسي بتصريحات جديدة في هذا الصدد أمس، وقال إن الأوكرانيين والروس «شعب واحد»، وإنهم سيستفيدون من «جنسية مشتركة». وصرح للصحافيين مبتسماً: «قلت مراراً إن الشعبين الأوكراني والروسي شعبان شقيقان؛ بل أعتقد أنهما شعب واحد بثقافات مختلفة وخصوصيات لغوية وتاريخية». وأضاف: «إذا منحت أوكرانيا جوازات السفر للروس، فنحن في روسيا نمنح جوازات السفر والجنسية للأوكرانيين، وعاجلاً أو آجلاً سنحصل في النهاية على نتيجة متوقعة، وهي أن الجميع ستكون لديه جنسية مشتركة». وتابع: «يجب أن يكون هذا أمراً مرحباً به»، قبل أن يقول للصحافيين: «وداعاً» باللغة الأوكرانية.
وكان مسؤولون في أوكرانيا اعتبروا القرار الروسي تحدّياً لقدرة الرئيس المنتخب الذي أعرب مراراً خلال الحملة الانتخابية عن عزمه إطلاق قنوات حوار مع روسيا، خصوصاً أن بوتين عندما سئل عن مغزى قراره خلال مشاركته في منتدى «الحزام والطريق» في الصين قبل يومين، قال: إن المرسوم يفتح المجال أمام كل الأوكرانيين وليس فقط سكان الشرق لطلب الجنسية الروسية.
واعتبرت هذه الكلمات تصعيداً «متعمداً في توقيته ولهجته» من جانب الرئيس الروسي، وفقاً لتعليق صحيفة أوكرانية، رأت أن بوتين «يمارس مع زيلينسكي لعبة الضغط منذ البداية لتسهيل الحصول على تنازلات لاحقاً منه». ورغم أن أوكرانيا تحركت على المستوى الرسمي لبحث الملف في مجلس الأمن، ورأت فيه تدخلاً سافراً وإجراءً غير قانوني من جانب موسكو، لكن رد الفعل الأول من جانب زيلينسكي نفسه الذي لم يتسلم بعد مهامه رسمياً جاء قوياً، ومعبراً بحسب طريقة الممثل الهزلي الذي استخدم السخرية اللاذعة سلاحاً رئيسياً خلال الحملة الانتخابية الرئاسية. وكتب الرئيس المنتخب تعليقاً على المرسوم الرئاسي الروسي، جاء فيه أن «السلطات الروسية تهدر الوقت في محاولة لإغراء بعض المواطنين الأوكرانيين بجوازات السفر الروسية»، ملاحظاً أنه «ربما يستجيب بعض المواطنين الذين ما زالوا تحت تأثير الدعاية الروسية، وربما يقوم بذلك شخص ما من أجل الكسب أو في محاولة للهرب من تحقيقات جنائية». ووفقاً لتصريحه، فإن «المبادرة الأخيرة لموسكو تفتح باباً أمام الراغبين في التهرب من المسؤولية عن أعمالهم في أوكرانيا، حيث تعتزم السلطات الجديدة إطلاق حملة واسعة لمكافحة الفساد».
وأضاف زيلينسكي أنه «يمكننا حتى تزويد فلاديمير بوتين بقائمة بأسماء المواطنين الأوكرانيين الذين سيصبحون قريباً غير مرتاحين جداً في البلاد، ولتقرر روسيا مجدداً أين ستحتاج إلى هؤلاء في روستوف أو في ماغادان». وحملت العبارة، وفقاً لمحللين روس، سخرية لاذعة من تقديم موسكو حق اللجوء للرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش، بعد ملاحقته قضائياً وكونه يقيم منذ عام 2014 في مدينة روستوف الروسية.
لكن اللافت أكثر هو أن «الاستفزاز الروسي»، وفقاً لتعبير سياسيين أوكرانيين، أسفر عن اتضاح قدرة زيلينسكي الذي كان تعهد خلال الحملة الانتخابية بإدارة المواجهة مع موسكو بهدوء وبفتح قنوات حوار، على التحول نحو المواجهة؛ إذ رأت صحيفة «كوميرسانت» الروسية المقربة من أوساط رجال المال والأعمال أن «الجدل الذي أعرب عنه زيلينسكي بصوت مرتفع لم يقتصر في كونه رداً مباشراً على مرسوم منح الجنسية الروسية لمواطني أوكراني، بل تعدى ذلك إلى توجيه انتقادات مباشرة إلى سياسة بوتين الداخلية، عبر الإشارة إلى (تقريب الفاسدين) وأوضاع الحريات العامة في روسيا، خصوصاً أن زيلينسكي كان استدرك في تعليقه بأن (الأوكرانيين يملكون على الأقل حرية التعبير في بلادنا، وحرية الصحافة وتداول الإنترنت حق مصان للجميع). في غمز مباشر من الأوضاع في روسيا في هذه المجالات».
وتسببت السجالات بين الطرفين في ردود فعل كثيرة في كييف وموسكو على حد سواء. إذ كتب النائب في مجلس الدوما (البرلمان) الروسي أليكسي بوشكوف: «إذا كان زيلينسكي يؤيد الحرية، فلا يجب عليه أن يتحدث نيابة عن الأوكرانيين، وهذا أمر ضروري، فهم سيقررون من دونه، وهناك كثيرون من سكان لوغانسك ودونيتسك قد قرروا بالفعل». بينما رأى معلقون أوكرانيون في إشارة بوشكوف سبباً آخر لاتهام روسيا بالتدخل في شؤونهم، وكتب معلق صحافي إن «السيد بوشكوف يقول لرئيس انتخبه 73 في المائة من الأوكرانيين ألا يتحدث باسم الشعب، والسؤال للبرلماني الروسي من تقترح علينا ليتحدث باسمنا»؟
ومع تضارب الآراء حول تقويم خطوة بوتين بإصدار مرسوم تسهيلات منح الجنسية للأوكرانيين، فإن بعض الخبراء الروس رأوا أن الإجراء، مرتبط بالدرجة الأولى بدعم طموحات الانفصاليين في جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك ولم يكن موجهاً ضد زيلينسكي بشكل خاص، لكن بعضهم أقر بأن المرسوم الروسي «يحمل أبعاداً أوسع ضد سياسة أوكرانيا عموماً».
في كل الأحوال، فإن الخطوات الأولى لزيلينسكي على مقعد الرئاسة سوف تحدد الكثير بالنسبة إلى العلاقة مع موسكو، لكن التعليقات الصادرة في موسكو وفي كييف توحي بأن المدخل الذي اختاره زيلينسكي في البداية للتعامل مع موسكو، والذي كان يقوم على الاتفاق على خطوات محددة لوقف التصعيد بما في ذلك على صعيد تبادل السجناء، وفتح الحوار لتعزيز وقف النار في شرق أوكرانيا، تم تجاوزه بعد إطلاق السجالات الأخيرة. وأن «زيلينسكي ربما يجد نفسه مضطراً إلى خوض مواجهة لم يكن يريد لها أن تأتي سريعاً»، وفقاً لتعليق صحافي، لفت إلى أن النخب الأوكرانية تدرس حالياً أن يكون موعد تنصيب الرئيس الجديد في أوكرانيا هو التاسع من الشهر المقبل، وهذا إذا تم سيشكل بدوره تحدياً للكرملين؛ كون هذه المناسبة تصادف عيد النصر على النازية وهو يعد من أبرز الاعياد الروسية، لكن كييف ألغت الاحتفال به أخيراً، في إطار إجراءات ضد الارتباط بالماضي الشيوعي والارتباط مع روسيا، بعدما ظل عيداً رسمياً في البلاد طوال الحقبة السوفياتية والسنوات التي تلت.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».