إنهاء آثار حكم بوتفليقة يطال إبعاد عائلته من الإقامة الرئاسية

الجنرال نزار يكشف تفاصيل ما دار بينه وبين شقيق الرئيس السابق قبيل إطاحته

الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة (أ.ف.ب)
الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة (أ.ف.ب)
TT
20

إنهاء آثار حكم بوتفليقة يطال إبعاد عائلته من الإقامة الرئاسية

الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة (أ.ف.ب)
الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة (أ.ف.ب)

طالبت السلطات العسكرية الجزائرية، التي تمسك بالحكم حاليا، عائلة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بمغادرة الإقامة الرئاسية التي تقع بالضاحية الغربية للعاصمة، في مؤشر لمحو كل آثار الرئيس السابق الذي استقال في 2 أبريل (نيسان) الحالي تحت ضغط الحراك الشعبي وقيادة الجيش. في غضون ذلك، يتوقع محامون استدعاء شقيق الرئيس ومستشاره سابقا، سعيد بوتفليقة، للتحقيق في قضايا مرتبطة بنفوذه الواسع في الدولة خلال 20 سنة من حكم شقيقه.
وقال مصدر أمني لـ«الشرق الأوسط»، إن أفراد أسرة بوتفليقة، وهم أربعة، غادروا الإقامة الرئاسية زرالدة (30 كلم غرب العاصمة) مطلع الأسبوع الجاري، بناء على أوامر من وزارة الدفاع تلقتها إدارة الشركة السياحية الحكومية، التي تسير هياكل كثيرة مخصصة لإيواء كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين في البلاد. وتمت إقالة مدير هذه الشركة، حميد ملزي، الذي قضى 25 سنة على رأسها. وفسر متتبعون للوضع تنحيته، بمثابة نهاية عهد نظام بوتفليقة، قياسا إلى قربه الشديد من «جماعة الرئيس السابق»، وبخاصة سعيد بوتفليقة، أصغر أشقائه وأكثرهم نفوذا.
وذكر المصدر الأمني أن عائلة الرئيس انتقلت إلى بيت الوالدة المتوفاة، «الحاجة منصورية»، بحي الأبيار بأعالي العاصمة. وعلى بعد أمتار قليلة من البيت، يوجد المسكن الخاص للرئيس السابق، وهو شقة صغيرة نسبيا، كان يأوي إليها عندما يزور الجزائر في ثمانينات القرن الماضي. وفي تلك الفترة كان وزير الخارجية الأسبق يتنقل بين سويسرا والإمارات العربية المتحدة.
وتتكون أسرة بوتفليقة، التي كانت تعيش بزرالدة وسط غابة تحيط بها ثكنة الحرس الجمهوري، من رجلين وامرأتين، إحداهما (زهور) معروفة في الأوساط السياسية والإعلامية، بحكم الحظوة التي كانت لها لدى «سيدي حبيبي»، وهو لقب تطلقه العائلة على الشقيق الأكبر عبد العزيز، يرمز للوقار والهيبة، وهو شائع في ولاية تلمسان التي تنحدر منها أسرة بوتفليقة وتقع بغرب البلاد. وبينما يظل ناصر، الذي يكبر السعيد سنا، يمارس مهامه كأمين عام لوزارة التكوين المهني، بشكل عادي، أنهى رئيس الدولة عبد القادر بن صالح مهام السعيد كمستشار بالرئاسة. ويوجد شقيق ثالث يسمى عبد الرحيم، وهو محام يقيم بفرنسا. وهو على عكس ناصر والسعيد، ظل بعيدا عن شؤون الحكم خلال فترة رئاسة عبد العزيز.
وأكد المصدر الأمني أن كل أفراد العائلة، أصدرت النيابة ضدهم أوامر منع من السفر، وهو إجراء احترازي يقع تحت طائلته العشرات من وجهاء النظام ورجال الأعمال المقربين من «جماعة الرئيس». وسبق هذا الإجراء سجن البعض منهم، وأهمهم الإخوة كونيناف الثلاثة، أصحاب مشروعات ضخمة في الأشغال العمومية والري. وكان السعيد كثير التردد على مكتب رضا كونيناف مسير المجموعة الاقتصادية العائلية، المًوجود بحي حيدرة الراقي بالعاصمة.
وظهرت أمس عناصر جديدة تركت انطباعا قويا، بأن الشرطة القضائية التابعة للدرك، التي عهد لها الجيش التحقيق في قضايا الفساد واستغلال الوظائف والمناصب لأغراض غير شرعية، ستستدعي السعيد وقد توجه له التهمة على غرار رجال الأعمال المحبوسين. فقد كتب وزير الدفاع سابقا اللواء خالد نزار، أمس، بصحيفة إلكترونية يملكها ابنه، أنه تحدث مع السعيد مرتين قبل أن يعلن الرئيس استقالته، وفي الثانية (30 مارس/آذار) «أعرب لي عن مخاوفه من انقلاب قايد صالح على الرئاسة. وسال إن كان الوقت مناسبا لتجريد صالح من مسؤولياته». وعد هذا الكلام من طرف مراقبين، خطيرا وكافياً لجر السعيد إلى المحاكم على أساس أنه خطط للانقلاب على قائد الجيش، الذي وصف «جماعة الرئيس»، مرتين، بـ«العصابة» وكان يقصد السعيد بوجه خاص. والشائع أن صالح سارع إلى تنحية بوتفليقة وشقيقه، لما بلغه بأنهما يعتزمان عزله.
وأكد نزار أنه «حتى آخر دقيقة، تمسك المتحدث باسم الرئيس، شقيقه سعيد، بالسلطة، ما ضاعف محاولات الالتفاف والمناورات والمخططات اليائسة للحفاظ على وضع يده على شؤون البلاد». وقال نزار: «وجدت رجلا في حالة من الفوضى، وقد نصحته بالاستجابة لمطالب المتظاهرين... قلت له: الشعب لا يريد عهدة خامسة، ويريد الذهاب إلى جمهورية ثانية، ويرفض السياسيين الذين يتقلدون مناصب حاليا، أرى أنه يجب الاستجابة لهذه المطالب».
وتابع نزار بأنه اقترح على السعيد تنحي الرئيس «ويتم في الوقت نفسه تعيين حكومة تكنوقراطية، وإنشاء عدة لجان مستقلة تكون مؤهلة لتنظيم الانتخابات ووضع الأدوات اللازمة للذهاب إلى الجمهورية الثانية، مع اقتراح أن يستقيل رئيس مجلس الأمة، لكنه رفض على الفور هذا الاقتراح، الذي اعتبره خطيرا عليهم». ونقل عنه قوله إن الرئاسة ستعلن في هذه الحالة حالة الطوارئ أو حالة الحصار.
في غضون ذلك، رد مدير الشرطة سابقا اللواء عبد الغني هامل أمس أمام قاضي التحقيق بمحكمة تيبازة (غرب) على شبهة فساد، متعلقة بعقار فلاحي تم تحويله إلى مشروع صناعي. وتلاحق الشبهة أيضا ابنه الذي لم يحضر إلى المحكمة. ووجد هامل في انتظاره عددا كبيرا من الأشخاص، أمام المحكمة؛ حيث رفعوا شعارات معادية له ولرموز النظام. وغادر مسؤول الأمن الذي تم عزله في مايو (أيار) الماضي، المحكمة من دون أن توضح الجهة القضائية المعنية أي شيء عن تفاصيل عن الملف.



في الفاشر السودانية المحاصَرة... إسعافات أولية بمواد بدائية ونباتات طبية

لاجئة سودانية تحمل ابنها خلال مغادرتهما السفينة «يو إس إن إس برونزويك» في ميناء جدة (أ.ب)
لاجئة سودانية تحمل ابنها خلال مغادرتهما السفينة «يو إس إن إس برونزويك» في ميناء جدة (أ.ب)
TT
20

في الفاشر السودانية المحاصَرة... إسعافات أولية بمواد بدائية ونباتات طبية

لاجئة سودانية تحمل ابنها خلال مغادرتهما السفينة «يو إس إن إس برونزويك» في ميناء جدة (أ.ب)
لاجئة سودانية تحمل ابنها خلال مغادرتهما السفينة «يو إس إن إس برونزويك» في ميناء جدة (أ.ب)

يُعد محمد (8 أعوام) من المحظوظين في مدينة الفاشر الواقعة غرب السودان، رغم أنّ ذراعه التي تحتوي على شظايا قد عولجت بقطعة قماش لا تزال تلفّها، وذلك في ظل معاناة جرحى حرب آخرين من إصابات أكثر خطورة تصعب معالجتها، نظراً إلى الحصار الذي تشهده المدينة وشحّ المعدّات الطبية فيها.

الأسبوع الماضي، شنّت «قوات الدعم السريع» التي تخوض حرباً ضد الجيش منذ عامين، هجوماً دامياً على عاصمة شمال دارفور ومحيطها، حيث انهار النظام الصحي أيضاً. وقد أدّت الهجمات المتكرّرة التي شنّتها «قوات الدعم السريع» على العاصمة الإقليمية لمنطقة دارفور الشاسعة، إلى جعل أي تحرّك للمدنيين محفوفاً بالمخاطر. فضلاً عن ذلك، تعرّضت جميع المرافق الصحية فيها لقصف أو لهجوم.

طائرة متضررة تظهر في مطار الخرطوم الدولي بعد استعادتها من «قوات الدعم السريع»... (أ.ب)
طائرة متضررة تظهر في مطار الخرطوم الدولي بعد استعادتها من «قوات الدعم السريع»... (أ.ب)

ويقول عيسى سعيد (27 عاماً)، والد محمد، لوكالة الصحافة الفرنسية، في اتصال عبر الأقمار الاصطناعية (ستارلينك)، في ظل انقطاع الاتصالات في المنطقة بشكل كامل، «بمساعدة جارتنا التي كانت سابقاً تعمل في مجال التمريض، أوقفنا النزيف، لكن اليد فيها تورّم، ولا ينام (محمد) ليلاً من الألم».

وكما هو حال سكان آخرين في مدينة الفاشر المحاصَرة من «قوات الدعم السريع» منذ مايو (أيار) 2024، فإنّ عيسى لا يمكنه نقل ابنه إلى غرفة الطوارئ في أي مستشفى،. وفي سياق متصل، يقول محمد، وهو منسّق مساعدات إنسانية نزح إلى الفاشر هذا الأسبوع، إنّ مئات الجرحى يجدون أنفسهم محاصَرين حالياً في المدينة.

نباتات طبية للعلاج

كان محمد هو نفسه قد أُصيب في فخذه خلال الهجوم الدامي الذي نفَّذته «قوات الدعم السريع» على مخيم «زمزم» للنازحين الواقع على بُعد 15 كيلومتراً جنوب الفاشر. ويضيف محمد، الذي رفض الكشف عن اسمه الكامل لأسباب أمنية، إنّ «الناس فاتحون بيوتهم، وكلّ الناس يتلقّون العلاج بشكل خصوصي في البيوت».

وحسب مصادر إنسانية، فإنّ مئات آلاف الأشخاص فرّوا من مخيّم «زمزم» الذي أعلنت الأمم المتحدة أنّه يعاني من مجاعة، وذلك للجوء إلى مدينة الفاشر.

وفي الفاشر، يحاول الناس تقديم الإسعافات الأولية وعلاج الحروق أو الجروح الناجمة عن الرصاص وشظايا القذائف، بالاعتماد على مواد بدائية للإسعافات الأولية وباستخدام نباتات طبية.

ويروي محمد أبكر (29 عاماً) أنه كان يحاول إحضار الماء لأسرته عندما أُصيب بطلق ناري في رجله. ويقول: «حملني جيراني إلى داخل المنزل واستدعوا جارنا الذي لديه خبرة في معالجة الكسور بالجبيرة، وهو نوع من العلاج الشعبي... باستخدام أخشاب وقطع قماش». ويضيف: «المشكلة أنّه حتى لو عولج الكسر، فإن الرصاصة لا تزال في رجلي».

وبينما أصبح وجود المعدّات الصحية محدوداً للغاية في المدينة، يشير محمد إلى أنّه لو كان هناك مال لكان من «الممكن إرسال مَن يشتري شاشاً أو مسكّناً، هذا إن كان موجوداً ولكن بشكل عام لا توجد مستلزمات، يتم العلاج بما هو موجود».

الملح كمطهّر

أسفرت الهجمات الأخيرة التي شنّتها «قوات الدعم السريع» على مدينة الفاشر ومخيّمات النازحين المحيطة بها، عن مقتل أكثر من 400 شخص، حسبما أفادت الأمم المتحدة يوم الاثنين. وفي السياق، تزداد التحذيرات من مخاطر مثل هذه العملية في منطقة الفاشر، حيث يجد 825 ألف طفل على الأقل أنفسهم محاصرين في «جحيم»، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف). ويمكن لأي هجوم واسع النطاق قد تشنّه «قوات الدعم السريع» التي تحاصر المدينة، أن يترك آثاراً تدميرية عليها.

تفاقم الوضع الإنساني في الفاشر إلى حد كارثي (أرشيفية - الشرق الأوسط)
تفاقم الوضع الإنساني في الفاشر إلى حد كارثي (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وبعد 11 شهراً من الحصار وعامين من الحرب، بنى كثير من سكان الفاشر ملاجئ مرتجلة، وكثيراً ما حفروا على عجل حفراً غطّوها بأكياس رمل لحماية أنفسهم من القصف. ولكن لا يتمكّن الجميع من الوصول إلى الأمان في الوقت المناسب.

الأربعاء، سقطت قذيفة على منزل هناء حماد، مما أدى إلى إصابة زوجها في بطنه. وتقول المرأة البالغة 34 عاماً، لوكالة الصحافة الفرنسية: «حاولنا بمساعدة جارنا وقف النزيف ومعالجة الجرح باستخدام ملح الطعام كمطهّر». لكنّها تضيف «في الصباح التالي، توفِّي».

ومن جانبه، يناشد محمد الذي يجد نفسه طريح الفراش، «التدخّل العاجل من كل من يستطيع إنقاذ الناس».

والجمعة، دعت منظمة «أطباء بلا حدود» إلى إرسال مساعدات إنسانية. وقال رئيس البعثة راسماني كابوري: «رغم إغلاق الطرق المؤدية إلى الفاشر، يجب إطلاق عمليات جوية لإيصال الغذاء والدواء إلى مليون شخص محاصَرين هناك ويعانون الجوع».