أنقرة تعمل على مسارات متعددة لـ«تحييد الأكراد» شرق الفرات

تواصل استعداداتها لعملية عسكرية ومفاوضات مع واشنطن حول المنطقة الآمنة

TT

أنقرة تعمل على مسارات متعددة لـ«تحييد الأكراد» شرق الفرات

تواصل أنقرة تحركها على مسارات مختلفة فيما يتعلق بمنطقة شرق الفرات الخاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية، إذ تتمسك بالتلويح بالخيار العسكري بينما تتفاوض مع واشنطن فيما يتعلق بإقامة منطقة آمنة في شمال شرقي سوريا اقترحها الرئيس دونالد ترمب، لكن الجانبين يختلفان في الرؤية فيما يتعلق بأبعادها ولمن ستكون السيطرة عليها.
وتهدف تركيا في المقام الأول إلى إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية (الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي وأكبر مكونات تحالف قوات سوريا الديمقراطية المعروف باسم «قسد») عن حدودها لمسافة لا تقل عن 30 كيلومتراً، ما يعني إخراجهم من منبج وشرق الفرات، وهو ما يصطدم مع وجهة نظر الولايات المتحدة التي ترغب في تأمينهم كحلفاء لها في حربها على تنظيم «داعش» الإرهابي.
وفي ظل استمرار المشاورات، على نحو متقطع وغير مرضٍ بالنسبة إلى أنقرة، مع واشنطن بشأن المنطقة الآمنة التي ترغب تركيا في السيطرة عليها وحدها، أشارت أنقرة على لسان المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم كالين، الأسبوع الماضي، إلى أن المنطقة الآمنة تشكلت «فعلياً» على الحدود السورية، موضحاً أن «المنطقة الممتدة من إدلب إلى منبج مروراً بعفرين وجرابلس على الحدود السورية التركية، تشكلت فيها منطقة آمنة فعلياً».
لكن المتحدث الرئاسي التركي قال في الوقت ذاته: «محادثاتنا متواصلة مع الجانب الأميركي بشكل مكثف حول المنطقة الآمنة، بعمق 32 كلم شمال شرقي سوريا»، لافتاً إلى أن مسألة الانسحاب الأميركي من سوريا «يشوبها التخبط» وأن هناك دعماً أميركياً متواصلاً لوحدات حماية الشعب الكردية، وأن الهدف الأساسي لتركيا هو حماية حدودها من الجهة الأخرى (سوريا). واعتبر أن المنطقة الآمنة لا ينبغي أن تشكل مساحة يتنفس فيها أي تنظيم إرهابي، فضلاً عن قوات النظام السوري.
وبالنسبة إلى منبج، ترى تركيا أن هناك تباطؤاً متعمداً من الجانب الأميركي في تنفيذ خريطة الطريق التي تم التوصل إليها في 4 يونيو (حزيران) 2018 التي تتضمن إخراج الوحدات الكردية من المدينة الواقعة غرب الفرات والإشراف المشترك على الأمن والاستقرار فيها إلى حين تشكيل مجلس محلي لإدارتها، وكان من المفترض أن ينفذ الاتفاق في مدى زمني 90 يوماً، لكن ما تم إنجازه منه حتى الآن هو تسيير دوريات عسكرية في محيط المدينة لضمان الأمن.
ولا تزال أنقرة تكرر مطالباتها للولايات المتحدة بتنفيذ خريطة الطريق في منبج، في أقرب وقت ممكن، وعدم السماح بأي نشاط «إرهابي» (أي نشاط للوحدات الكردية) في شرق الفرات.
وعلى الجانب الآخر، فإن الولايات المتحدة تتمسك بألا تكون لتركيا السيطرة على المنطقة الآمنة المقترحة، وتفضل أن تكون السيطرة عليها لقوات أوروبية من دول التحالف الدولي للحرب على «داعش»، وهددت تركيا بـ«عواقب مدمرة» حال الإقدام على عمل عسكري أحادي في شرق الفرات.
وفي المقابل، تواصل تركيا تعزيز قواتها التي نشرتها بكثافة بطول الحدود مع سوريا وسط مؤشرات على تصاعد الإعداد للعملية العسكرية في شرق الفرات. وقالت وكالة أنباء «الأناضول» التركية في تقرير لها قبل يومين إن فصائل «الجيش السوري الحر»، الموالية لتركيا، تستعد للعملية المحتملة في ضد الوحدات الكردية في شرق الفرات. ورصدت استعدادات وتدريبات لفرقة «الحمزة»، أحد فصائل «الجيش الحر» التي شاركت في عمليتي «درع الفرات»، و«غصن الزيتون» إلى جانب الجيش التركي.
وجرت التدريبات على قذائف الهاون، وقاذفات الصواريخ، والأسلحة الرشاشة، وحرب المدن وفنون القتال القريب، إلى جانب دروس حول الطبيعة الجغرافية لشرق الفرات، والتكتيكات الواجب اتباعها لمواجهة وحدات حماية الشعب الكردية وتنفيذ سيناريو دهم مبنى للقبض على «إرهابيين» داخله، والتعامل مع سيارات لا تتوقف عند نقاط التفتيش، إلى جانب دروس عن التحضيرات اللازمة قبل تنفيذ هجوم، ومحاولات التسلل وكيفية استخدام القنابل اليدوية.
وقال عبد الله حلاوي، أحد قادة «فرقة الحمزة»، إن «الجنود الخاضعين للتدريبات أكملوا الاستعدادات اللازمة. علمناهم أساليب جديدة في نطاق التدريبات».
وفي 30 مارس (آذار) الماضي، افتتح وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، غرفة متقدّمة للعمليات المشتركة على الحدود مع سوريا جنوب البلاد، وأعلن أن تركيا أتمت استعداداتها وخططها لاتخاذ ما يلزم بشأن شرق الفرات، وأن التنفيذ ينتظر توجيهات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، مشيراً إلى أن الهدف الوحيد للجيش التركي هو محاربة الإرهاب فقط.
وغداة ذلك توعّد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، بتلقين الوحدات الكردية، «الدرس اللازم في منطقة شرق الفرات بسوريا، إذا لم يتم ضبط الوضع فيها»، في رسالة إلى واشنطن التي هددت بـ«عواقب مدمرة» حال الإقدام على عمل أحادي في شرق الفرات.
في السياق ذاته، قال القيادي في «الجيش السوري الحر» مصطفى سيجري، إن قرار إنهاء سيطرة الوحدات الكردية على مناطق شمال شرقي سوريا، اتُّخذ بتوافق تام وبناءً على المصالح المشتركة مع تركيا وتم اتخاذ جميع الخطوات اللازمة والتدابير العسكرية من أجل انطلاق العمليات، ووصلت إلى مرحلة توزيع المهام وتقسيم المحاور وفق الخطط المرسومة من قِبل القيادة العسكرية الميدانية المشتركة، بانتظار قرار البدء في حال وصلت الدبلوماسية التركية إلى طريق مسدود في المباحثات مع الجانب الأميركي.
ويقول مسؤولون أتراك إن الولايات المتحدة باتت على اقتناع بألا يكون لوحدات حماية الشعب وجود في المنطقة الآمنة، لكن في الوقت نفسه تصرّ على حماية قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تشكل وحدات حماية قوامها الرئيسي.
ويعتقد مراقبون أنه بالإمكان الوصول إلى حل وسط بين أنقرة وواشنطن لا سيما مع محاولات تركيا الحصول على تأييد روسيا بدعم إقامة منطقة آمنة تحت سيطرتها، في الوقت الذي تصر فيه موسكو على أن اتفاقية أضنة الموقَّعة بين تركيا وسوريا عام 1989 تفي بغرض حماية الحدود التركية.
كما بدأت تركيا مساعي للتنسيق مع العراق وإيران بشأن تأمين الحدود المشتركة، وتم بحث الأمر خلال زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، لبغداد وأربيل خلال اليومين الماضيين، كما تم بحث الأمر مع إيران، وستتواصل المباحثات خلال جولة المشاورات المشتركة بين تركيا وإيران التي تُعقد في أنقرة اليوم (الثلاثاء).



كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

TT

كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)
ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)

أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو (53 عاماً) استقالته من منصبه، الاثنين، في مواجهة ازدياد الاستياء من قيادته، وبعدما كشفت الاستقالة المفاجئة لوزيرة ماليته عن ازدياد الاضطرابات داخل حكومته.

وقال ترودو إنه أصبح من الواضح له أنه لا يستطيع «أن يكون الزعيم خلال الانتخابات المقبلة بسبب المعارك الداخلية». وأشار إلى أنه يعتزم البقاء في منصب رئيس الوزراء حتى يتم اختيار زعيم جديد للحزب الليبرالي.

وأضاف ترودو: «أنا لا أتراجع بسهولة في مواجهة أي معركة، خاصة إذا كانت معركة مهمة للغاية لحزبنا وبلدنا. لكنني أقوم بهذا العمل لأن مصالح الكنديين وسلامة الديمقراطية أشياء مهمة بالنسبة لي».

ترودو يعلن استقالته من أمام مسكنه في أوتاوا الاثنين (رويترز)

وقال مسؤول، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن البرلمان، الذي كان من المقرر أن يستأنف عمله في 27 يناير (كانون الثاني) سيتم تعليقه حتى 24 مارس، وسيسمح التوقيت بإجراء انتخابات على قيادة الحزب الليبرالي.

وقال ترودو: «الحزب الليبرالي الكندي مؤسسة مهمة في تاريخ بلدنا العظيم وديمقراطيتنا... سيحمل رئيس وزراء جديد وزعيم جديد للحزب الليبرالي قيمه ومثله العليا في الانتخابات المقبلة... أنا متحمّس لرؤية هذه العملية تتضح في الأشهر المقبلة».

وفي ظل الوضع الراهن، يتخلف رئيس الوزراء الذي كان قد أعلن نيته الترشح بفارق 20 نقطة عن خصمه المحافظ بيار بوالييفر في استطلاعات الرأي.

ويواجه ترودو أزمة سياسية غير مسبوقة مدفوعة بالاستياء المتزايد داخل حزبه وتخلّي حليفه اليساري في البرلمان عنه.

انهيار الشعبية

تراجعت شعبية ترودو في الأشهر الأخيرة ونجت خلالها حكومته بفارق ضئيل من محاولات عدة لحجب الثقة عنها، ودعا معارضوه إلى استقالته.

ترودو وترمب خلال قمة مجموعة العشرين في هامبورغ 8 يوليو 2017 (رويترز)

وأثارت الاستقالة المفاجئة لنائبته في منتصف ديسمبر (كانون الأول) البلبلة في أوتاوا، على خلفية خلاف حول كيفية مواجهة الحرب التجارية التي تلوح في الأفق مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

وهدّد ترمب، الذي يتولى منصبه رسمياً في 20 يناير، بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25 في المائة على السلع الكندية والمكسيكية، مبرراً ذلك بالأزمات المرتبطة بالأفيونيات ولا سيما الفنتانيل والهجرة.

وزار ترودو فلوريدا في نوفمبر (تشرين الثاني) واجتمع مع ترمب لتجنب حرب تجارية.

ويواجه ترودو الذي يتولى السلطة منذ 9 سنوات، تراجعاً في شعبيته، فهو يعد مسؤولاً عن ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، بالإضافة إلى أزمة الإسكان والخدمات العامة.

ترودو خلال حملة انتخابية في فانكوفر 11 سبتمبر 2019 (رويترز)

وترودو، الذي كان يواجه باستهتار وحتى بالسخرية من قبل خصومه قبل تحقيقه فوزاً مفاجئاً ليصبح رئيساً للحكومة الكندية على خطى والده عام 2015، قاد الليبراليين إلى انتصارين آخرين في انتخابات عامي 2019 و2021.

واتبع نجل رئيس الوزراء الأسبق بيار إليوت ترودو (1968 - 1979 و1980 - 1984) مسارات عدة قبل دخوله المعترك السياسي، فبعد حصوله على دبلوم في الأدب الإنجليزي والتربية عمل دليلاً في رياضة الرافتينغ (التجديف في المنحدرات المائية) ثم مدرباً للتزلج على الثلج بالألواح ونادلاً في مطعم قبل أن يسافر حول العالم.

وأخيراً دخل معترك السياسة في 2007، وسعى للترشح عن دائرة في مونتريال، لكن الحزب رفض طلبه. واختاره الناشطون في بابينو المجاورة وتعد من الأفقر والأكثر تنوعاً إثنياً في كندا وانتُخب نائباً عنها في 2008 ثم أُعيد انتخابه منذ ذلك الحين.

وفي أبريل (نيسان) 2013، أصبح زعيم حزب هزمه المحافظون قبل سنتين ليحوله إلى آلة انتخابية.

وخلال فترة حكمه، جعل كندا ثاني دولة في العالم تقوم بتشريع الحشيش وفرض ضريبة على الكربون والسماح بالموت الرحيم، وأطلق تحقيقاً عاماً حول نساء السكان الأصليين اللاتي فُقدن أو قُتلن، ووقع اتفاقات تبادل حرّ مع أوروبا والولايات المتحدة والمكسيك.