أئمة بريطانيا: دعوة خادم الحرمين رجال الدين للتصدي للإرهاب جاءت في الوقت المناسب

الكلمة الهادفة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، للأمتين العربية والإسلامية، وللمجتمع الدولي، لفتت الأنظار مرة أخرى إلى الدور الريادي المميز الذي تضطلع به المملكة العربية السعودية في مواجهتها ضد الإرهاب، وأثبت مرة أخرى حرص الملك وتفانيه من أجل إبقاء اسم الإسلام وسمعته بعيدين عن العنف والتطرف والحقد والضغينة. الدور المشرف للسعودية بكل مؤسساتها وأجهزتها في مكافحة الإرهاب وسحب البساط من تحته، هو دور نال شهادة اعتراف دولية وحاز إعجاب مختلف الأوساط الدولية به، خصوصا أن النهج الذي اتبعته السعودية في مكافحة الإرهاب، كان نهجا يتسم بالواقعية والعمق والتأني، فهو قبل أن يبدأ الهجوم مهد الأرضية والأجواء المناسبة لعودة المغررين بهم إلى جادة الصواب.
قيام الملك عبد الله بالربط بين الإرهاب وما يحصل حاليا من سفك دماء وحرب رعناء ضد أشقائنا في فلسطين على يد آلة الحرب والدمار الإسرائيلية، ووصفه ما يحصل هناك بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية دون وازع إنساني أو أخلاقي، إنما كان بمثابة جرس إنذار وتنبيه للمجتمع الدولي، وخصوصا الدول الكبرى من جهة، وتأكيدا للأمتين العربية والإسلامية على المدى والمستوى الذي تهتم فيه المملكة بالقضية المصيرية والمركزية للعرب والمسلمين، خصوصا عندما أشار إلى أن تأثيرات الصمت الدولي وتداعياته على ما يحدث في المنطقة بأسرها، من شأنها أن تؤدي إلى «خروج جيل لا يؤمن بغير العنف، رافضا السلام، ومؤمنا بصراع الحضارات لا بحوارها»، وهو تحذير بليغ وذو معان عميقة لأن الخطر الذي يحدق الآن بمنطقة الشرق الأوسط، سوف يقرع كل الأبواب ما لم يجر تداركه بالطرق الموضوعية والواقعية ومبادرة المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته تجاه كل ما يحصل، وليس أن يكتفي بمراقبة ومتابعة سلبية ثم ينأى بنفسه عن كل ما يجري.
يقول د. أحمد بن محمد الدبيان المدير العام للمركز الثقافي الإسلامي في لندن: «إن خطاب خادم الحرمين الشريفين الأخير مع العلماء الذي نقلته وسائل الإعلام، ولهجته الصريحة المباشرة معهم لترك الكسل ونبذ الصمت، إنما هو حث لهم على أن يقوم العلماء بدورهم، ولكي نفهم الأمر بصورة أفضل ونقرأ هذا الخطاب المباشر من الملك بصورة صحيحة يجب أن نقرأ هذا الحث والخطاب النقدي للعلماء في ضوء نقاط هامة، أبرزها في سياق الظروف التاريخية والفكرية التي تمر بها اليوم المنطقة كلها من وجود أفكار متصارعة ومتجاذبة، منها ما يستهدف تغيير هويات في المنطقة، ومنها ما يمكن تصنيفه في الفكر المتطرف الانعزالي الذي يستهدف أبناء المنطقة العربية خصوصا، وأبناء المسلمين في العالم كله عموما، ومنها هذا الاصطفاف الطائفي والتهييج الطائفي المقيت الذي يعصف بعدد من بلدان المنطقة.
إن هذا الاضطراب الفكري المتعدد والاستقطاب المتنوع يستدعي موقفا ودورا واضحا من العلماء، وخاصة المشايخ؛ لأن الانحراف الفكري اليوم يلبس لبوس الدين ويرفع شعارات الدين في أكثر صوره، وهو أمر تقع مسؤوليته الفكرية على علماء الدين والمتخصصين فيه بالدرجة الأولى».
ويضيف الدبيان: «ربما تكون السعودية في طليعة الدول التي عانت كثيرا ومنذ زمن من هذا التشوه والتطرف الديني، وسقط كثير من أبنائها ضحايا لهذا الفكر المنعزل الذي يمكن وصفه بأنه خارج سياق الزمن وسياق الحضارة الإسلامية، وإدراكا من السعودية لأهمية هذا الأمر فهي تولي هذا الجانب أهمية كبرى تتمثل في عدة مظاهر، لعل أحدثها عهدا دعمها للمركز الدولي لمكافحة الإرهاب بمبلغ 100 مليون دولار عند التأسيس ومبلغ 100 مليون دولار أخرى تم تقديمها دعما خلال هذا الشهر، مع ما بذلته من قبل لمواجهة الانحراف الفكري».
ويوضح الدبيان: «إن رغبة خادم الحرمين الشريفين في الإصلاح والنهوض بالمملكة والأمة العربية تأتي معتمدة على مبدأ ربما غاب عن كثير من التحليلات، وهو إيمان الملك بالحوار ودور الكلمة والتفاهم. وفي هذا السياق الهام يمكننا أن نفهم سياقات أخرى، منها: اهتمامه بتأسيس مركز الملك عبد الله للحوار بين أتباع الأديان في النمسا، وتأسيس مركز الحوار الوطني داخل المملكة قبل ذلك، والدعوة إلى حوار المسلمين».
ويشير: «نفهم حث الملك للعلماء على كسر الصمت وترك الكسل؛ لأنه يريد أن يكون لهم دور فاعل في هذا الحوار. ومن المعلوم أن معرفة الآخر معرفة صحيحة تزيل كثيرا من سوء التفاهم وترتقي بالمجتمع، وهذه المعرفة لا يمكن أن تأتي إلا عن طريق الحوار والنطق بالحق، وهناك مسؤولية شرعية ودينية تقع على عاتق العلماء، وهي مسؤولية التبيين للحق وإرشاد الناس، وكتاب الله وسنة رسوله مليئان بالحديث عن هذه المسؤولية، ومن المنتظر في أيام الشدة والتموج الفكري والانحراف الديني الذي نراه اليوم أن يكون للعلماء دور في هداية الناس والصدع بالحق والكلمة النافعة. ومن المهم التذكير بأننا لا ننفي هذا الدور عن العلماء اليوم جملة وتفصيلا، ولكن يطلب منهم المزيد في ظل تغيرات الأحداث من حولنا واستقطاب الفكر المنحرف للشباب وتزايد الإرهاب في العالم وفي الشرق الأوسط خاصة».
ويؤكد الدبيان: «إن الإسلام هو المتضرر الأول من الإرهاب والتطرف. وهذه مسؤولية عامة. وهذا من الأبعاد المهمة لهذا التوجه لدى خادم الحرمين الشريفين، ولذلك أكد خادم الحرمين في لقائه وفي آخر حديثه الذي عرض في التلفزيون، تحديدا، على مسؤوليتهم في الدفاع عن دينهم وعقيدتهم. ولا نزال نرى ونسمع شرقا وغربا في الإعلام العالمي ما يوصف به الإسلام من تشدد ونفي للآخر وتأجيج للصراع، في قراءات متعددة هي أبعد ما تكون عن دين الله الحق. ويعتمد هؤلاء في وصف الإسلام بذلك على تصرفات المتطرفين وأعمال الإرهابيين وخطابهم الشاذ ورؤيتهم الغريبة للمجتمع وتعاملهم الشديد العنيف مع المخالف. ومن عرف الدين الإسلامي على حقيقته عرف أن هذا الإرهاب الذي يستهدف المجتمع والجميع ليس من دين الله تعالى الحنيف الذي أنزله الله على رسوله رحمة للعالمين ولهداية الناس أجمعين».
ويقول الشيخ شعيب أحمد رئيس جمعية أهل الحديث في برمنغهام، عبر الهاتف لـ«الشرق الأوسط»: «إن كلمة خادم الحرمين الشريفين جاءت في الوقت المناسب تماما لما يمر به العالم الإسلامي، وكذلك الجاليات المسلمة في الغرب، من تسليط الضوء عليها بسبب مشاكل المقاتلين الأجانب في العراق وسوريا، وما يتردد من عنف وإرهاب التنظيمات الإرهابية التي تشوه صورة الدين الحنيف». ويقول الشيخ شعيب أحمد: «لقد تعلمنا في الصغر أن من قتل نفسا كمن قتل الناس جميعا، وهذا هو ديننا الحنيف، والإرهاب ليس له وطن أو دين، و(داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية (ظلم عظيم) للإسلام والمسلمين». وقال: «إنه من الواجب الآن على أئمة المساجد التصدي للفكر المتطرف بالكلمة الحسنى والمنهج الوسطي للإسلام، وإقناع الشباب المسلم في بريطانيا بعدم الذهاب إلى العراق وسوريا».
وأوضح الشيخ شعيب أحمد: «إن دعوة الملك عبد الله لقادة الأمة الإسلامية وعلمائها، للتصدي لمن يحاولون اختطاف الإسلام وتقديمه للعالم على أنه دين التطرف، والكراهية، والإرهاب، تهدف إلى توعية العالم بحقيقة الدين الإسلامي، وحث المجتمع الدولي والجمعيات الإنسانية على القيام بدورهم، وهذه الدعوة تمثل المنهج الحق الذي يسير عليه حفظه الله، وفق تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وأنها ستحقق نتائج ملموسة في مكافحة التطرف».
ولفت رئيس جمعية أهل الحديث في برمنغهام إلى تأكيد حرص الملك عبد الله (رعاه الله) حرصه على وحدة الأمة، لافتا إلى أنه «سبق أن دعا إلى قمة إسلامية في مكة المكرمة قبل سنوات، كانت نتائجها في صالح الوحدة الإسلامية والتعاون الإسلامي».
من جهته يقول الشيخ محمد مفتي أسلم رئيس جمعية علماء بريطانيا لـ«الشرق الأوسط»: «إننا نثمن دعوة خادم الحرمين الشريفين للتصدي للفكر المتطرف، وتستحق التقدير والتفعيل، كونها تأتي تعبيرا عن الإدراك الكامل لواقع الإرهاب وخطورته، وكونها صادرة من شخصية في وزن وثقل خادم الحرمين الشريفين تزن كلامها بدقة، وتعي ما تقول، ومتى تقول، وتدرك حجم التحديات وموازين القوى». وأضاف: «نحن في جميع ندواتنا ندعو الشباب إلى الالتزام بالفكر الوسطي للإسلام».
وأوضح أن العاهل السعودي يحظى بتقدير الجالية المسلمة في الغرب، مؤكدا أن «تحذيره من خطورة الإرهاب ودعوته القادة وعلماء الأمة إلى حماية الإسلام ممن اختطفوه وقدموه للعالم على أنه دين تطرف يؤكد للمسلمين حول العالم أهمية الوحدة لمواجهة الإرهاب المستشري، الذي يشوه صورة الإسلام».
وفي السياق نفسه، يقول الشيخ عبد القيوم من قادة الجالية البنغالية في بريطانيا وإمام مسجد شرق لندن: «نحن نعيش اليوم عصر الفتن، وكلمة الملك عبد الله لقادة الأمة الإسلامية وعلمائها للتصدي للتطرف، جاءت في وقتها تماما». وأشار إلى أن المركز الإسلامي في شرق لندن يقوم بدوره من خلال الندوات اليومية والأسبوعية والمحاضرات بعد صلاة العصر باللغة البنغالية والصومالية والإنجليزية في تبسيط مبادئ الإسلام والالتزام بالمنهج الوسطي في الدعوة، «حتى لا ينفر الشباب المسلم منا».
وأضاف عبد القيوم: «نلتزم بكتاب الله وسنة رسوله، (وكذلك جعلناكم أمة وسطا)». وقال: «نحن نريد أن نجذب الشباب إلينا ولا ننفره منا». وأوضح: «كلمة خادم الحرمين الشريفين جاءت معبرة عما يشعر به، رعاه الله، من غيرة على دينه وأمته»، لافتا إلى أنها «جسدت ما يمثله خادم الحرمين من ثقل ومكانة في زعامة العالم الإسلامي»، مضيفا أن «دعوة الملك تؤكد حرصه على المسلمين وغيرته على ما يشهده العالم الإسلامي من أحداث جسام».
أما الشيخ حافظ رباني، فهو من جمعية علماء بريطانيا، يتحدث اللغة العربية بطلاقة، وهو من خريجي جامعة الإمام في المدينة المنورة، وهو من كبار علماء الشريعة في بريطانيا، فقد تحدث عن مؤتمرهم المقبل «للتوحيد والسنة» يوم الأحد المقبل في مدينة واكفيلد، الذي سيحضره علماء ومشايخ من السعودية والهند وباكستان، وسيكون عنوانه «الإسلام دين الأمن والأمان والسلام»، وقال: «في دروسنا نركز على المنهج الوسطي، وندعو الشباب المسلم إلى التعود على زيارة مراكزنا الإسلامية، والبعد عن الفكر المتطرف، الذي يشوه صورة ديننا الحنيف». وقال إن دعاوى أصحاب الفكر المتطرف تصب ضد الإسلام والمسلمين، وأضاف: «وسطية الإسلام في الأخلاق جعلت المسلم رجلا بين اللين والقوة، فالخلق المحمود، والرحمة والمودة في التعامل، لم تلغِ العدل وقول الحق»، مشيرا إلى أن الوسطية جعلت المسلم ينظر إلى الحياة نظر عدل، قال الله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَة وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} (القصص: 77). وهذه سمة من سمات هذا الدين العظيم، كيف لا وهو من عند الله سبحانه وتعالى؟
أما بالنسبة لمبادرة خادم الحرمين فهو صاحب المبادرات الإسلامية والإنسانية لوحدة المسلمين وأحد رواد التضامن الإسلامي، مؤكدا أن كلمته خاطبت القلوب والعقول المنصفة في العالم، وكان صاحب المبادرة في قول كلمة الحق، في ظل صمت المجتمع الدولي.
وأضاف أن «كلمة خادم الحرمين الشريفين جاءت معبرة عما يشعر به - حفظه الله - من غيرة على دينه وأمته»، لافتا إلى أنها «جسدت ما يمثله الملك من ثقل ومكانة في زعامة العالم الإسلامي».