أردنيان مفرج عنهما يرويان حيثيات اعتقالهما في سجون الأسد

كانا بين 45 اعتقلوا بعد فتح الحدود

معبر نصيب السوري المقابل لمعبر جابر على الحدود السورية ــ الأردنية (رويترز)
معبر نصيب السوري المقابل لمعبر جابر على الحدود السورية ــ الأردنية (رويترز)
TT

أردنيان مفرج عنهما يرويان حيثيات اعتقالهما في سجون الأسد

معبر نصيب السوري المقابل لمعبر جابر على الحدود السورية ــ الأردنية (رويترز)
معبر نصيب السوري المقابل لمعبر جابر على الحدود السورية ــ الأردنية (رويترز)

بعد مرور أشهر على الإفراج عنه، يروي علاوي البشابشة جانباً من ظلمة السجون في سوريا، التي تنقل بين عدد منها، خلال 31 يوماً أمضاها في ظروف قاسية، «بل وحياة تستحيل على الآدمي الاستمرار معها»، في صدف غريبة، وهو الذي طاله الاعتقال في اليوم الأول من إعادة افتتاح الحدود البرية المشتركة بين الأردن وسوريا، منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. التجربة التي يتشارك فيها مع الأردني بشار صبري الربيع، الذي أفرج عنه في التاسع من أبريل (نيسان).
يستعيد البشابشة يومياته في المراكز الأمنية السورية، والتي وصفها في حواره مع «الشرق الأوسط»، بـ«كابوس خشي أنه لن ينتهي»، حيث لم توجه له أي تهمة، ومُنع من الاتصال بأي من أفراد أسرته، فيما يشبه «حالات الاختفاء القسري»، مستدركاً: «أن هذا الكابوس رغم حقيقة أن الأردنيين تلقوا معاملة أفضل من الجنسيات الأخرى التي جاورها في المهاجع والزنازين ذاتها».
لم تتوقف مخيلة البشابشة منذ لحظة الاعتقال الأولى عن رسم سيناريوهات قاتمة حول مصيره المجهول، حيث بدأت مسيرته موقوفاً لدى فرع الأمن السياسي في مدينة درعا على الحدود السورية مع الأردن، وهو الذي أراد، فقط، زيارة دمشق. وكان قد سأل قبل دخوله الحدود، عن انتهاء مدة حكم منعه من الدخول إلى سوريا على خلفية قضايا مالية شملها العفو العام، ومرت عليها خمسة أعوام، ما يعني أن القرار صار لاغياً بالتقادم.
من درعا الحدودية مع الأردن، بدأت رحلة البشابشة في استجوابات وتحقيقات، مروراً بفرع الفيحاء للأمن السياسي في دمشق، وصولاً إلى المخابرات الجوية التي لا تتعامل مع المعتقلين بأسمائهم، بل عبر أرقام، حيث على السجين أن يحفظ رقمه، ويحجز له متراً وبضع سنتمترات في زنزانة مساحتها ضيقة جداً تستضيف عدداً من المحتجزين؛ وصل في تجربته إلى 6 أشخاص.
يقول البشابشة إن معاملة السوريين له في السجن لم تكن خشنة، لمعرفة المحققين بقضيته، فهي بعيدة كل البعد عن تهم الإرهاب، أو الإساءة لشخص «السيد الرئيس»، فهاتان القضيتان «تحملان العذاب لمن تجرأ على الاقتراب منهما».
بعيداً عن ذلك، فإن تفاصيل الحياة اليومية للسجناء في الزنازين السورية «تفوق الخيال الإنساني، حيث يقدم لهم طعام لا يستقر في جوف إنسان، كما يجبر كل منهم على استخدام الحمام لمدة دقيقة واحدة في الصباح وأخرى في الليل، مع إجبارهم على خلع ملابسهم الداخلية، والذهاب إلى الحمام عراة، دون توفير مستلزمات النظافة الشخصية».
وإلى أمد مجهول، بقي البشابشة ينتظر مصيره المحتوم، بالاختفاء الأبدي أو الموت، حتى أجرى معه المحققون آخر إفادة حول خلفيات القضية المالية السابقة التي شملها العفو الرئاسي العام، ثم طلب منه أن «يبصم» على أقواله، لينتقل بعدها إلى سجن «الجماعية»، حيث عرف من خلال زملائه في السجن، أن هذا النقل قد يحمل له بداية إفراج محتمل.
في تلك الأثناء، لم يكن الشاب الأردني يعلم أن وساطة نيابية قادها خالد أبو حسان النائب عن مدينة الرمثا الشمالية، التي ينتمي لها البشابشة، للإفراج عنه مباشرة، خلال زيارة وفد نيابي لدمشق في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، طلب خلالها من الرئيس السوري بشار الأسد، الإفراج عن مواطنه (الذي غادر لاحقاً الأراضي السورية برفقته).
يكمل البشابشة سرده، فيقول إنه بعد أن استقر في سجن الجماعية، «ناداني أحد العناصر الأمنية، وقادني إلى مكان آخر في السجن، حيث ترك لي حرية استخدام الحمام والاستحمام، وتناول الطعام، وارتداء ملابس نظيفة. شعرت حينها أن ثمة شيئاً ما سيحدث، لكن سرعان ما اختفى الشعور بعد أن أعادوني إلى زنزانتي القديمة». غير أنه بُلغ لاحقاً بقرار الإفراج، والخروج تحت طائلة التصريح بمكان إقامته في العاصمة دمشق، إلى حين ترتيب ظروف عودته إلى مدينته.
كان علاوي البشابشة أحد الذين تم الإفراج عنهم بين 45 أردنياً اعتقلوا فترة فتح الحدود، وأعلنت السلطات الأردنية، مؤخراً، عن الإفراج عن 8 جدد.
إلى ذلك، تفيد المعلومات المتواترة من أطراف برلمانية ورسمية ومن أهالي المعتقلين، بأن غموضاً لا يزال يحيط بملف المعتقلين، حيث تم الإفراج عن أربعة من الثمانية، ولم يعرف مصير الأربعة الآخرين حتى الآن. في حين أكد النائب الأردني طارق خوري لـ«الشرق الأوسط» أن الأربعة الآخرين المفرج عنهم، قرروا البقاء في سوريا، فيما تفيد معلومات تسربت من وزارة الخارجية بأن هناك أردنيين مفرج عنهم عالقون بسبب احتجاز جوازات سفرهم. غير أن خوري يؤكد على أن إجراءات الإفراج عن الأردنيين، مستمرة، نتيجة للجهود البرلمانية التي يقودها مع زملاء له.
ومن الأربعة الذين تأكد وصولهم إلى الأراضي الأردنية، الشاب العشريني بشار صبري الربيع، الذي أفرج عنه في التاسع من أبريل (نيسان) الحالي، وعاد إلى قريته في الرمثا، بعد اعتقال استمر لنحو شهر.
يقول الربيع لـ«الشرق الأوسط»، إنه خلال تلك التجربة، لم يكن يتصور أنه سيعود إلى بلاده مرة أخرى. ورغم زيارته لسوريا عدة مرات منذ افتتاح الحدود، غير أنه في المرة الأخيرة، اعتقل بسبب استخدامه لكاميرا هاتفه في تصوير مناظر سياحية، واتهمه الأمن السوري بتصوير حاجز أمني.
قال الربيع إنه لم يتعرض للتعذيب خلال التحقيقات معه، سواء في فرع الأمن العسكري في السويداء، الذي أقام فيه نحو 8 أيام، أو فرع فلسطين في دمشق، وقد أقام فيه 23 يوماً، مع نحو 50 محتجزاً آخرين، فيما أشار إلى أن الكثير من السجناء السوريين ومن جنسيات أخرى تعرضوا إلى صنوف مختلفة من إساءة المعاملة، وقال إنهم كانوا يُمنعون من الصلاة، وأضاف: «أبلغونا مراراً أنهم لا يريدون مشاهدة أي سجين يصلي، سواء جماعة أو فرادى».
ولفت الربيع إلى أنه سمع عن وجود عدد السجناء الأردنيين في مركز فرع فلسطين الأمني في دمشق، إلا أنه لا يعرف ما آلت إليه مصائرهم، فيما علم، لاحقاً، أنه تم الإفراج عن 5 أردنيين كان هو سادسهم، من هذا الفرع، ليعلم بعدها، بخبر الإفراج عن اثنين آخرين من سجون سورية أخرى. ومن دون أن تصله أي تفاصيل عن حيثيات الإفراج عنه، يقول الربيع: «أطلقوا سراحي، وأعادوا لي سيارتي وتمكنت من العودة إلى الأردن».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.