الاقتصاد العالمي يسير بسرعتين... أميركية قوية وأخرى ضعيفة

توجهات البنوك المركزية في أوروبا واليابان تخدم الدولار

هناك بعض الإشارات الدالة على ضعف الأوضاع الاقتصادية الأميركية حيث تباطأت وتيرة الإنفاق الاستهلاكي إلى نحو نصف المعدلات المسجلة في الربع السابق (رويترز)
هناك بعض الإشارات الدالة على ضعف الأوضاع الاقتصادية الأميركية حيث تباطأت وتيرة الإنفاق الاستهلاكي إلى نحو نصف المعدلات المسجلة في الربع السابق (رويترز)
TT

الاقتصاد العالمي يسير بسرعتين... أميركية قوية وأخرى ضعيفة

هناك بعض الإشارات الدالة على ضعف الأوضاع الاقتصادية الأميركية حيث تباطأت وتيرة الإنفاق الاستهلاكي إلى نحو نصف المعدلات المسجلة في الربع السابق (رويترز)
هناك بعض الإشارات الدالة على ضعف الأوضاع الاقتصادية الأميركية حيث تباطأت وتيرة الإنفاق الاستهلاكي إلى نحو نصف المعدلات المسجلة في الربع السابق (رويترز)

ارتفع الدولار الأسبوع الماضي في ظل تمكن الاقتصاد الأميركي من إثبات مدى مرونته مقارنة بأقرانه من الاقتصادات العالمية، حيث ساهمت قوة أرباح الشركات وتزايد الطلب الداخلي على تبديد توقعات حدوث تباطؤ كبير في العام 2019. ويبدو أن الاقتصاد العالمي يتحرك الآن بسرعتين مختلفتين، ففي حين يعتبر الاقتصاد الأميركي متفوقاً على أساس نسبي؛ إلا أن الأوضاع الاقتصادية لا تزال أكثر ضعفاً خارج الولايات المتحدة.
وأكد تقرير صادر عن وحدة الأبحاث الاقتصادية والمالية العالمية في «بنك الكويت الوطني» أنه مع استمرار ارتفاع عائدات سندات الخزينة الأميركية ومواصلة الاقتصاد الأميركي تفوقه النسبي، تمكن الدولار من تخطي حالة الحذر المفرط التي اتسمت بها سياسات الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)... حيث أشار الاحتياطي الفيدرالي إلى ظهور عقبة أكبر أمام رفع أسعار الفائدة، تتمثل في أن التضخم لا يزال «ضعيفاً».
وينظر الآن إلى أسعار الفائدة على أنها محايدة بالفعل. ومن المتوقع أن يكشف تقرير تضخم الأنفاق الاستهلاكي الشخصي في أميركا عند صدوره الأسبوع المقبل ما إذا كان معدل التضخم قد تراجع أكثر من المستويات المستهدفة من قبل الاحتياطي الفيدرالي. إلا أنه رغم ذلك، سيتعين على الفيدرالي أن يصبح أكثر قلقاً تجاه التباطؤ الحاد لمعدلات النمو وتراجع التضخم للنظر في خفض أسعار الفائدة على المدى القريب.
بالإضافة إلى ذلك، ساهمت السياسات النقدية التيسيرية المعلنة مؤخراً خارج الولايات المتحدة في تعزيز جاذبية الدولار الأميركي. حيث استبعد البنك المركزي الأوروبي رفع سعر الفائدة حتى العام المقبل، كما قام البنك المركزي الكندي بالتوقف عن الإشارة إلى رفع أسعار الفائدة في المستقبل، وأوضح بنك اليابان المركزي التزامه بالحفاظ على معدلات فائدة منخفضة حتى العام 2020 «على الأقل». وأضاف التقرير أن برودة الطقس والإغلاق الحكومي أديا في وقت سابق من العام إلى زيادة المخاوف المتعلقة بتباطؤ نمو الاقتصاد الأميركي في الربع الأول. إلا أنه رغم ذلك، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي فعلياً بنسبة 3.2 في المائة على أساس سنوي خلال هذا الربع مقابل 2.2 في المائة في الربع الرابع من العام 2018.
وفي حين تدعم البيانات المتوفرة فكرة ارتكاز الولايات المتحدة على قاعدة اقتصادية أكثر ثباتاً مقارنة بالاقتصادات الرائدة الأخرى، كان هناك بعض الإشارات الدالة على ضعف الأوضاع الاقتصادية. حيث تباطأت وتيرة الإنفاق الاستهلاكي إلى نحو نصف المعدلات المسجلة في الربع السابق، وتراجع الاستثمار في الأعمال التجارية من 5.4 في المائة إلى 2.7 في المائة، إلا أن ذلك التراجع قد يعزى إلى الإغلاق الحكومي وتلاشي تأثير التخفيضات الضريبية التي طبقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب في عامه الأول بالبيت الأبيض.
- أوروبياً
على الضفة الأخرى من الأطلسي، أظهر اقتصاد منطقة اليورو حساسية تجاه تراجع مستويات الطلب الخارجي. وقد أدى ذلك إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادي لأقل من متوسطاتها، مما زاد من مخاوف صانعي سياسات البنك المركزي الأوروبي.
وكشفت أحدث الدراسات الاستقصائية التجارية الرائدة عن وجود بعض الدلائل القليلة على بدء الطلب الخارجي في التحسن على المدى القريب. وارتفع مؤشر مديري المشتريات الصناعي في منطقة اليورو هامشياً بواقع 0.3 نقطة ليصل إلى 47.8 نقطة في أبريل (نيسان) رغم أنه لا يزال يعاني من الانكماش.
كما أعطت القراءة الأخيرة لمؤشر مناخ الأعمال الألماني «إيفو» IFO صورة مماثلة للوضع، حيث سجل مكون التوقعات ارتفاعاً هامشياً في الأشهر الأخيرة ببلوغه 95.2 نقطة في أبريل بالمقارنة بمستواه المتراجع في فبراير (شباط) البالغ 94.0 نقطة، في حين حذر معهد «إيفو» من تدهور معنويات المصنعين «بشكل ملحوظ»، كما خفضت الحكومة الألمانية مؤخراً معدلات النمو المتوقعة للعام الحالي إلى 0.5 في المائة فقط.
إلا أن البنك المركزي الأوروبي ما زال متفائلاً إلى حد ما تجاه تحرك النمو نحو الاستقرار، وأنه سيعاود الارتفاع بقدر متواضع في وقت لاحق من هذا العام. ورغم ذلك، يتمثل التهديد الأخير الذي يواجه ذلك التفاؤل في احتمال قيام الرئيس ترمب بفرض رسوم على السيارات الأوروبية.
وفي غضون ذلك، فإن تقرير وزارة التجارة الأميركية، الذي يبحث ما إذا كانت هيمنة صانعي السيارات الأجانب تشكل تهديداً للأمن القومي الأميركي، ظل متروكاً على مكتب الرئيس دونالد ترمب منذ شهور... وحالياً، هناك مهلة أمام الرئيس الأميركي حتى 17 مايو (أيار) للرد على محتويات ذلك التقرير من خلال فرض الرسوم، علماً بأن قرار الرئيس ترمب لديه القدرة على إحداث صدمة سلبية أخرى لصادرات اقتصاد منطقة اليورو الضعيفة بالفعل.
- يابانياً
وضع بنك اليابان المركزي إطاراً زمنياً لتوجهاته المستقبلية للمرة الأولى، مشيراً إلى أنه سيبقي على أسعار الفائدة عند مستويات منخفضة للغاية لمدة عام واحد «على الأقل»، بما يؤكد التزامه باتباع سياسة نقدية تيسيريه للغاية. وفي السابق، لم يكن بنك اليابان واضحاً بشأن المدة التي سيحتفظ بها بمعدلات فائدة منخفضة للغاية، مشيراً فقط إلى أنها ستكون «لفترة طويلة من الزمن».
وفي اجتماع لجنة السياسة النقدية للبنك، أبقت اللجنة على سعر الفائدة المستهدف على المدى القصير عند «سالب 0.1» في المائة، وللعوائد طويلة الأجل عند «نحو صفر» في المائة. كما أكد بنك اليابان المركزي مواصلته لشراء الأصول المختلفة مثل السندات الحكومية وصناديق المؤشرات.
وقال محافظ بنك اليابان هاروهيكو كورودا أيضاً إن أسعار الفائدة قد تظل شديدة الانخفاض لفترة أطول، حيث إن توترات التجارة بين الصين والولايات المتحدة وتراجع الطلب العالمي يؤثران سلبا على الاقتصاد المعتمد على التصدير. وأضاف: «الضبابية في الاقتصاد العالمي تلفت الانتباه، لذا نرغب في توضيح أننا سنُبقي أسعار الفائدة منخفضة لفترة طويلة للغاية».



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».