بعد 14 عاماً على الانسحاب السوري... الهيمنة انتقلت من دمشق إلى «حزب الله»

عبد الرحيم مراد لـ«الشرق الأوسط»: لو سيطر الحزب على الحكم لكان الوضع أفضل

جنود سوريون ينسحبون من لبنان عبر منطقة المصنع الحدودية في أبريل 2005 (أ.ف.ب)
جنود سوريون ينسحبون من لبنان عبر منطقة المصنع الحدودية في أبريل 2005 (أ.ف.ب)
TT

بعد 14 عاماً على الانسحاب السوري... الهيمنة انتقلت من دمشق إلى «حزب الله»

جنود سوريون ينسحبون من لبنان عبر منطقة المصنع الحدودية في أبريل 2005 (أ.ف.ب)
جنود سوريون ينسحبون من لبنان عبر منطقة المصنع الحدودية في أبريل 2005 (أ.ف.ب)

قبل 14 عاماً خرج آخر جندي سوري من لبنان، منهية بذلك حقبة سياسية لا يزال الفرقاء اللبنانيون يختلفون حول تسميتها أو وصفها، إذ يعتبرها البعض «رعاية بتفويض دولي»، فيما يصرّ البعض الآخر على وصفها بالاحتلال.
هذا الاختلاف في وصف الوجود السوري في لبنان الذي استمر من عام 1976 حتى أبريل (نيسان) عام 2005، وما رافقه من تحكّم في مفاصل السياسة اللبنانية وانعكاساته المستمرة في لبنان، ينسحب على الواقع اللبناني اليوم بعد كل التغيرات التي طرأت على المنطقة. إذ في حين يرى خصوم النظام السوري أن انسحابه الكامل لم يتحقّق، معتبرين أن الواقع اليوم أصبح أكثر خطورة بعدما انتقلت السيطرة على لبنان من دمشق إلى إيران عبر «حزب الله» وحلفائه، يرفض الفريق الآخر هذا الأمر ويطالب بعلاقة مميزة مع دمشق، فيما يقرّ البعض بأن لبنان ساحة مفتوحة لكل المحاور ولا يقتصر على محور دون غيره.
ويقول نائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي إن الحديث اللبناني عن العلاقة مع سوريا قديم وهو جزء من لعبة عدم التوافق الوطني والصراع دائم حولها، مع إقرار الفرزلي بأن لبنان ليس بلداً مستقلاً بل هو ساحة مباحة للجميع ويرتبط بمحاور متعددة وسوريا وإيران جزء منها. وفيما يرفض الفرزلي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» الحديث عن احتلال سوري للبنان، يقول: «كانت هناك رعاية سورية بتفويض دولي»، وهو ما يوافقه عليه الوزير السابق عبد الرحيم مراد والنائب في حركة أمل علي خريس، بينما لا يزال يتمسّك النائب في «التيار الوطني الحر» ماريو عون بوصف الوجود السوري في لبنان بـ«الاحتلال» مطالباً في الوقت عينه كما مراد وخريس بعلاقة مميزة بين البلدين مع رفضهم الحديث عن تدخل سوري أو إيراني في لبنان. وهنا يرى مراد أنه لو كان هناك تدخّل إيراني أو سيطرة من «حزب الله» على مفاصل الحكم لكان الوضع أفضل مما هو الآن، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «نتمنى لو كان الأمر كذلك».
في المقابل، يعتبر وزير العدل السابق أشرف ريفي أن الدولة وبعد 14 عاماً من الانسحاب السوري لم تستعد سيادتها بشكل كامل، وقال أمس: «في مثل هذا اليوم انسحب جيش النظام السوري من لبنان بقدرة وإرادة اللبنانيين الذين ثأروا في ساحة الحرية. الهدف لن يتحقق إلا بعد استعادة الدولة سيادتها الكاملة».
وهذا ما عبّر عنه أيضاً الباحث السياسي مكرم رباح، الذي اعتبر أن «الوضع اليوم أخطر مما كان عليه خلال الوجود السوري في لبنان حيث انتقلت السيطرة من النظام السوري إلى إيران عبر حلفائها وبعدما تمّت لبننة (حزب الله) بطريقة سيئة من خلال انخراطه بالشأن اللبناني». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «هذا الأمر ينبئ بمرحلة مقبلة قد تكون أكثر سوءاً في ظل العقوبات التي تتعرض لها طهران وحزب الله، في وقت لبنان ليس أولوية بالنسبة إلى اللاعبين الدوليين». من هنا، يؤكد رباح أن «حزب الله» وحلفاءه يمسكون بمفاصل الدولة، في الحكومة والبرلمان، معتبراً أن الحزب يناور عبر وضع حليفه وزير الخارجية جبران باسيل في الواجهة لتنفيذ سياسته، وذلك بعد منح رئيس الجمهورية ميشال عون الشرعية المسيحية لدور الحزب، وخير دليل على ذلك كيفية التعامل مع القضايا اللبنانية.
وبين هذا وذاك، يؤكد الفرزلي أن لا سيطرة لجهة دون أخرى في لبنان، موضحاً: «اليوم لا شكّ أن هناك محاور سياسية متصارعة في لبنان لها امتدادات إقليمية، إيران وسوريا جزء منها، ما يجعل لبنان ساحة مباحة للجميع وليس لمحور دون آخر، وهذا ما ظهر جلياً خلال تشكيل الحكومة»، مضيفاً: «فلنكن واقعيين. القول باستقلال كامل كلام غير واقعي، لكن اعتبر أنه بعد انتخاب رئيس الجمهورية ميشال عون نسبة الاستقلالية ارتفعت كثيرا وهي تتجه إلى وضع أفضل بكثير من خلال السياسة التي ينتهجها في عهده».
بدوره يقول النائب ماريو عون إن «النظام السوري غير القادر على حل مشكلاته ليس له القدرة على التدخل في لبنان»، مضيفاً: «لتحقيق ذلك يجب أن تكون هناك عمالة له في الداخل، وهذا غير موجود». ويشدد كذلك، على أن «حزب الله وإن كانت تربطه علاقة مميزة مع إيران إنما هذا لا يعني أن طهران تتدخل أو أن حزب الله يسيطر على الدولة»، ويضيف: «هو فريق لبناني كما غيره له امتدادات خارجية».
وفيما يشدّد الفرزلي على معارضته لتواجد أي دولة في لبنان عبر أي فريق يقول: «لا شكّ أن حزب الله، كما غيره من الفرقاء اللبنانيين مرتبط بإيران ولا يمكن أن يقدم على أي فعل قد يضرّ بها، لكن في الوقت عينه هذا الفريق مهدّد كتنظيم والاحتلال الإسرائيلي لجزء من الأراضي اللبنانية لا يزال مستمرا»، مضيفا: «فليسقطوا الحجج التي تبرّر علاقة هذا الفريق مع هذه الدولة أو تلك».
ولا يختلف الوزير السابق عبد الرحيم مراد كثيراً مع الفرزلي في مقاربته لواقع العلاقة بين بيروت ودمشق، لكنه يعتبر أن لبنان أخطأ في اتخاذ قرار «سياسة النأي بالنفس» عن سوريا التي هي المنفذ الوحيد بالنسبة إليه. ويرفض القول إن هناك تدخلاً أو سيطرة من قبل «حزب الله» أو إيران قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «كل ما يقال في هذا الإطار ليس إلا حجج واهية في الوقت الذي لا تزال فيه سوريا منشغلة بنفسها كما إيران التي تواجه بدورها ضغوطا وعقوبات، وبالتالي بات المطلوب اليوم التنسيق مع سوريا وتوطيد العلاقة معها للاستفادة اقتصاديا وتجاريا»، مؤكدا أن الوضع في لبنان خلال الوجود السوري كان أفضل بكثير مما هو عليه اليوم.
لكن مطالبة حلفاء سوريا بالتطبيع مع دمشق، تجد فيها «القوات اللبنانية» على لسان مسؤول الإعلام والتواصل شارل جبور «محاولة لاستعادة ما فقده النظام السوري بعدما بات لا يملك أي سلطة داخل البلاد وبالتالي في بيروت»، مشدداً على التمسك بسياسة النأي بالنفس، ومؤكداً على أن لبنان اليوم ليس خاضعا لأي وصاية. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «المشكلة في إيران أنها تدعم فريقاً دون آخر على حساب مفهوم الدولة لكنها لا تصل إلى حدود السيطرة».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.