تسرب نفطي في المحيط الهادئ يفسد جنة استوائية متضررة بسبب التعدين

عمال يحاولون تنظيف الساحل من آثار تسرب الزيت من إحدى الحاويات النفطية العملاقة (نيويورك تايمز)
عمال يحاولون تنظيف الساحل من آثار تسرب الزيت من إحدى الحاويات النفطية العملاقة (نيويورك تايمز)
TT

تسرب نفطي في المحيط الهادئ يفسد جنة استوائية متضررة بسبب التعدين

عمال يحاولون تنظيف الساحل من آثار تسرب الزيت من إحدى الحاويات النفطية العملاقة (نيويورك تايمز)
عمال يحاولون تنظيف الساحل من آثار تسرب الزيت من إحدى الحاويات النفطية العملاقة (نيويورك تايمز)

على جزيرة رينيل، تلك البقعة البعيدة التي تذروها الرياح في المحيط الهادئ، يبدو كل شيء مرتبطاً بالمياه، من الغابة الاستوائية المطيرة حتى سفوح الحجر الجيري الصخرية.
وتعد المياه شريان الحياة الرئيسي لأهل الجزيرة الفقراء، وهي أيضاً مصدر الدخل والمعيشة الرئيسي. غير أن انسكاب مئات الأطنان من زيت الوقود الثقيل من إحدى الحاويات النفطية العملاقة قد أسفر عن إفساد المياه قبالة السواحل الجنوبية للجزيرة. وليس هناك خيار أمام سكان الجزيرة سوى مواصلة الاعتماد عليها في الصيد.
يقول ويليام تيكاجي، 60 عاماً، الذي يعيش في كوخ مبنيّ على الشاطئ: «قالوا لنا هناك سموم في البحر، ولكننا فقراء وليست لدينا أموال، وسوف نواصل الصيد رغم كل شيء».
وتتكشف أمارات الكارثة البيئية الكبيرة هنا قبالة سواحل جزيرة رينيل المرجانية التي تبعد مسافة 2000 كيلومتر إلى شمال شرقي أستراليا، وهي موطن أحد مواقع التراث العالمية عبارة عن بحيرة كبيرة محاطة بغابة استوائية كثيفة. وبدأت الأزمة في التكشف قبل ثلاثة أشهر مضت، عندما اصطدمت سفينة نقل عملاقة، تحمل خامات معدنية وفي طريقها إلى الصين بإحدى الشعاب المرجانية الصلدة في أثناء إحدى العواصف الاستوائية العاتية التي كثيراً ما تضرب تلك الجزيرة التي لا يتجاوز تعداد سكانها ألفي نسمة.
ولا يزال الوقود الزيتي يتسرب من الناقلة الضخمة حتى اليوم، مشكّلاً بقعة زيتية هائلة لطّخت شواطئ الجزيرة البيضاء الناصعة بلونها الداكن القميء ومعرّضة النظام البيئي البحري بالغ الحساسية لمخاطر عظيمة – في تذكرة مريعة بالتكاليف التي يتكبدها البشر والبيئة جراء عمليات التنقيب عن واستخراج المواد الخام من بطن الأرض.
وليست هناك خدمات أو مرافق أساسية لدى سكان بولينيزيا من أهل الجزيرة المنكوبة، لا هواتف أو تلفاز أو إذاعة، وأقرب رعاية صحية ممكنة تبعد مسافة معتبرة بالطائرة إلى مدينة «هونيارا» عاصمة جزر سليمان بالمحيط الهادئ، التي تعد جزيرة رينيل أحد مكوناتها الرئيسية. وهناك عدد محدود للغاية من السيارات العاملة لدى سكان الجزيرة، والمطار هناك ليس أكثر من حقل عشبي بسيط على طول طريق ترابي وعر غير ممهد.
ولكن أكثر ما يميز جزيرة رينيل في واقع الأمر هي عمليات التعدين، ومشاريع البنية التحتية، والعمالة الأجنبية الوافدة على الجزيرة. إذ تمزق شاحنات التعدين طرقات القرى الفقيرة هناك ليلاً ونهاراً، متجهةً من الغابة إلى الميناء وبالعكس، مخلفةً وراءها آثاراً من الغبار والأتربة وغيرها.
ولا تعد كارثة التسرب النفطي أولى كوارث جزيرة رينيل جراء التعدين: فلقد خلّفت عمليات التعدين جروحاً بيئية بليغة في سواحل الجزيرة فضلاً عن ثغرات هائلة في الغابة الاستوائية.
كانت السفينة الجانحة تحمل خام البوكسيت الخام المستخدم في صناعة الألمنيوم. وتراجعت عمليات استخراج خام البوكسيت على الطرف الغربي من الجزيرة وراء مزاعم الفساد المتفشي، وخداع أصحاب الأراضي، والانتهاكات الرقابية.
ولكن في ظل فرص قليلة من الإيرادات المنتظرة، ومع الطفيف من القدرات الممكنة، أو ربما الرغبة الكامنة، للمحافظة على مصالح الشركات العاملة، سمحت حكومة جزر سليمان بإجراء عمليات التعدين وقطع الأشجار على وتيرة غير مستدامة.
وتعد جزر سليمان، وهي أرخبيل يضم مئات الجزر في غرب المحيط الهادئ، من أفقر البلدان على وجه الأرض، مع برلمان وطني دائم التغير يفتقر إلى الاستقرار السياسي. وتقع العاصمة «هونيارا» في جزيرة «غوادالكانال» التي شهدت قتالاً ضارياً بين القوات الأميركية واليابانية خلال الحرب العالمية الثانية. وظلت البلاد تحت الحماية البريطانية حتى سبعينات القرن الماضي.
وبدأت عمليات التعدين لاستخراج خام البوكسيت اعتباراً من عام 2014، ويذهب جُل الخام المستخرج إلى الصين التي تعد إلى حد كبير أكبر منتج للألمنيوم على مستوى العالم. وينذر القطع الصيني الجائر لأشجار الجزيرة بكارثة القضاء على الغابة الاستوائية المطيرة في رينيل. ورغم كل ذلك لم يعد على سكان الجزيرة الأصليين من فائدة تُذكر على حياتهم أو معيشتهم هناك.
- خدمة «نيويورك تايمز»



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».