ارتفاع أسعار المواد الغذائية يضاعف معاناة سكان طرابلس

من داخل سوق للخضر والمواد الغذائية بالعاصمة الليبية طرابلس، عبّر الليبي عماري سليمان عن صدمته من ارتفاع أغلب أسعار السلع والمنتجات «بشكل كبير»، متهماً حكومة «الوفاق» بـ«عدم مراقبة الأسواق»، وهو «ما سهل للتجار وأصحاب الشركات استغلال حاجة المواطنين». لكن وزارة الاقتصاد والصناعة تقول إنها «تراقب السوق بشكل جيد»، وتتعهد بتوفير السلع خلال شهر رمضان. شكوى المواطن عماري، الذي عبّر عنها من داخل إحدى الأسواق التجارية بوسط طرابلس، ليست الوحيدة، إذ يرى جل الليبيين في مدن شرق وجنوب البلاد، أن أسعار سلع كثيرة ارتفعت بشكل ملحوظ مقارنة بالأشهر الماضية، وإن كان بعضهم يرجع ذلك إلى ظروف الحرب، التي تشهدها العاصمة بين «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر، والقوات الموالية لفائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي بحكومة «الوفاق».
وتزداد مخاوف المواطنين من تواصل ارتفاع أسعار المواد الغذائية مع قدوم شهر رمضان، وعدم قدرتهم على مواكبتها، بسبب تدني مرتباتهم، إذ إن الحد الأدنى للأجور (450 ديناراً) لم يطرأ عليه أي تعديل منذ أكثر من 8 سنوات، (سجل الدولار نسبة 4.35 دينار في السوق الموازية، و1.39 دينار في التعاملات الرسمية).
وأضاف عماري أن «الشعب الليبي مُحب للحياة، وقد اعتاد الحروب والخلافات السياسية منذ إسقاط نظام معمر القذافي. لكن الأسعار المتزايدة، خصوصاً في اللحوم والخضراوات تلتهم مرتبات الموظفين»، مشيراً إلى أن سعر كيلو الموز أصبح يتراوح ما بين 5 إلى 6 دنانير، والخيار والكوسة 5 دنانير، والتفاح 7 دنانير، في حين وصل سعر كيلو اللحم 40 ديناراً، وهو ما يعزيه بعض الاقتصاديين أيضاً في البلاد إلى «جشع التجار»، و«غياب الرقابة الحكومية»، مطالبين برفع الحد الأدنى للأجور إلى 2500 دينار شهرياً، كي تتمكن الأسرة الليبية من مواجهة حالة الغلاء المطردة.
من جانبه ذهب عماري، الذي يعمل في متجر لبيع الملابس، إلى أن غلاء المعيشة ضاعف معاناة مواطني الضواحي الجنوبية للعاصمة، بالإضافة إلى انقطاع الكهرباء والمياه في بعض الأحياء بسبب تضرر شبكات التيار من القصف العشوائي، وهو ما تسبب في نزوح مئات العائلات من منازلهم إلى بنايات المدارس والمصانع المعطلة. وكان السراج قد اجتمع مع الدكتور علي العيساوي، وزير الاقتصاد والصناعة، الثلاثاء الماضي، لبحث توفير السلع الغذائية خلال رمضان، ولفت بيان لحكومة «الوفاق» إلى أن الاجتماع بحث «تجنب أي تأثيرات سلبية على السوق الليبية، وتوفير متطلبات السوق خلال رمضان بأسعار في متناول المواطن».
وما تعانيه جل الأُسر محدودة الدخل في طرابلس، اشتكى منه آخرون في عدد من مدن الجنوب وشرقها. ففي أجدابيا، التي تبعد نحو 160 كيلومتراً جنوب بنغازي، عبر بعض المواطنين عن غضبهم من ارتفاع أسعار الخضراوات والفاكهة بشكل مفاجئ قبل شهر رمضان، بالإضافة إلى اقتراب سعر كيلو اللحم من حاجز 40 ديناراً، وسط مخاوف من تزايد سعره أكثر خلال الشهر المقبل. واستغرب الدكتور عطية الفيتوري، أستاذ الاقتصاد بجامعة بنغازي، من موجة الغلاء، خصوصاً مع اقتراب شهر رمضان، وقال على حسابه عبر «فيسبوك»، إن أسعار السلع الغذائية، مثل اللحوم الحمراء والدواجن والبيض والأرز والشاي والسكر والزيت والخضراوات والفاكهة، شهدت ارتفاعات ملحوظة «دون مبرر لذلك».
واستبعد الفيتوري أن يكون سبب ارتفاع الأسعار زيادة الطلب في هذا التوقيت، خصوصاً وأن السلع ليست محلية الصنع، وقال بهذا الخصوص: «جميع هذه المنتجات مستوردة، وتستطيع الشركات تغطية الطلب، وتحصُل على خصومات من المصدر، وليس رفع أسعارها»، موضحاً أن «المشكلة تكمن في استغلال بعض الموردين لهذا الموسم، ليرفعوا الأسعار، حتى وإن انخفضت تكاليف توريدها... فغالباً ما تكون هذه السلع محتكرة من قبل عدد من الموردين المحليين الذين يتقاسمون السوق».
واتهم الفيتوري، الحكومة والأجهزة الرقابية، بالضعف في مواجهة زيادة الأسعار، وقال إن «هذه التصرفات ترهق محدودي الدخل في ظل نقص السيولة الخانقة، وتأخر المرتبات».
كان صندوق موازنة الأسعار بوزارة الاقتصاد، التابعة للحكومة المؤقتة في شرق البلاد، قد بدأ صرف حصص الجمعيات الاستهلاكية من السلع التموينية لمناسبة حلول شهر رمضان.