«خادم الشعب» زيلينسكي... «سيد قصر الرئاسة» في أوكرانيا

الفوز الكاسح للممثل الهزلي السابق قلب الموازين الداخلية والخارجية

«خادم الشعب» زيلينسكي... «سيد قصر الرئاسة» في أوكرانيا
TT

«خادم الشعب» زيلينسكي... «سيد قصر الرئاسة» في أوكرانيا

«خادم الشعب» زيلينسكي... «سيد قصر الرئاسة» في أوكرانيا

«فعلناها معاً»! هكذا صاح الممثل الهزلي الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، معلناً النصر أمام آلاف من أنصاره، في أول تعليق صاخب بعد ظهور النتائج الأولية لانتخابات رئاسية حاسمة ينتظر أن تقلب الموازين، وتفتح على مرحلة جديدة في تاريخ أوكرانيا على الصعيدين الداخلي والخارجي. الحقيقة أنه لو قال أحد لزيلينسكي قبل ستة شهور فقط أنه سيغدو رئيساً للجمهورية السوفياتية السابقة بنحو 75 في المائة من أصوات الناخبين، وأنه سيكون قادراً على إطاحة أقوى رموز السياسة بـ«الضربة القاضية»، لضحك الممثل الهزلي طويلاً، ولأجاب بعبارته الشهيرة: «أنا لست سياسياً»!
لكن للتاريخ مقالب، ونجم الكوميديا الذي نال شهرة واسعة، لأنه مثّل في مسلسل تلفزيوني رائج دور مدرّس تاريخ ناقم على الفساد في بلاده، وقادته الظروف للترشح على مقعد الرئاسة بهدف مواجهة الفاسدين، أعاد تكرار المشاهد ذاتها تقريباً، وهو يخوض حملة انتخابية قوية أدخلته تاريخ أوكرانيا. لقد فعل ذلك حتى من قبل أن يخطو خطواته الأولى في قصر الرئيس، فهو غدا الرئيس الأول في البلاد المسلح بإجماع غالبية كبرى منحته أصواتها، من دون أن تعرف حتى خططه أو برامجه.
كان التصويت انتقامياً. وكانت كلمة «لا» في وجه المرشحين الآخرين أعلى بكثير من كلمة «نعم» التي أدخلت فجأة الممثل الهزلي إلى مسرح الحياة السياسية الكبير.

فلاديمير زيلينسكي - أو «فولوديمير» حسب اللهجة الأوكرانية في نطق الاسم السلافي المعروف - غدا أصغر رؤساء الجمهورية الأوكرانية، بل وجمهوريات الفضاء السوفياتي السابق سناً، إذ قفز فجأة إلى قصر الرئاسة وهو لمّا يتجاوز 41 سنة.
ولد الرئيس الجديد في 1978 في مدينة كريفييه ريي - أو كريفوي روغ بالروسية، وتعني «القرن المقوّس» - في جنوب غربي أوكرانيا لوالدين يهوديين. ومع أنه درس الحقوق في جامعة المدينة، إلا أنه لم يعمل قطّ في المحاماة، بل اتّجه إلى التمثيل مبكراً عبر خوضه أولاً مسابقة للمواهب، ثم انضمامه إلى أكثر من فرقة مسرحية كوميدية. ولقد حاول والده أن يرسله في بعثة دراسية إلى إسرائيل، غير أنه رفض وفضل ممارسة هواية التمثيل التي عشقها.
لقد كان يمكن لبعثته تلك أن تقلب مجرى حياته وتحوّله «مهاجراً جديداً في الدولة العبرية»، بيد أنه فضّل البقاء في وطنه الأوكراني، وانضم إلى فريق تلفزيوني قدم نحو 25 عملاً ناجحاً بمقاييس الكوميديا. لكن النقلة الكبرى وقعت له في عام 2015 عندما أطلق الجزء الأول من مسلسل «خادم الشعب» الذي جعل منه مرة واحدة أشهر ممثل كوميدي في البلاد. وأدى هذا النجاح إلى تقديم جزأين جديدين للمسلسل التلفزيوني الذي فتح لزيلينسكي مع حلول نهاية العام الماضي طريق السياسة العليا.

«خادم الشعب»...
من مسلسل إلى حزب سياسي
دارت أحداث المسلسل حول مدرّس تاريخ مغمور ناقم على الفساد المحيط به. ويتعرض هذا المدرّس لمقالب وتهديدات كبرى بعد انتشار مقطع فيديو ينتقد فيه فساد السلطة، ومن ثم يقوده التحدي إلى الترشّح على مقعد الرئاسة في قرار «كيدي» لمواجهة الضغوط، لكنه... يفوز بالرئاسة.
هكذا من دون سابق إنذار يجد زيلينسكي نفسه محاطاً بالتحديات... على عاتقه تقع مسؤولية مواجهة استحقاقات التغيير والإصلاح التي كان يحلم بها. هل يمكن إطلاق وصف أكثر تعبيراً عن حال الرئيس الفائز حالياً في الانتخابات المثيرة؟
دفع نجاح المسلسل الشركة المنتجة «كفارتال 95» إلى تأسيس حزب يحمل اسم «خادم الشعب» في مارس (آذار) الماضي بعد انتهاء العمل في الجزء الثالث من المسلسل. وفي نهاية ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه أعلن زيلينسكي الترشّح للانتخابات الرئاسية. وحتى هنا لعبت «اللمسات الإخراجية» دوراً مؤثراً في إحداث الصدمة الإيجابية المرجوّة من جانب الجمهور. ففي ليلة رأس السنة الماضية، وبينما كان الأوكرانيون ينتظرون الخطاب التقليدي السنوي لرئيس الجمهورية، بثت القناة «1+1» الأوكرانية - التي كانت صاحبة العرض الحصري لمسلسل «خادم الشعب» - مقطع فيديو أثار الجدل في البلاد، ظهر فيه زيلينسكي وهو يعلن عزمه الترشح للانتخابات الرئاسية.
فوجئ المشاهدون ببيان زيلينسكي المثير، الذي تأخر عرض الخطاب الرئاسي بسببه. وأعلنت القناة التلفزيونية لاحقاً أن ما حدث كان مجرد «خطأ فني»، لكن الأحداث اللاحقة أثبتت عكس ذلك.
اللافت أن الممثل التلفزيوني كان أعلن قبل ذلك أن إطلاق حزب سياسي يحمل عنوان «خادم الشعب» ليس مشروعاً سياسياً، ما يعني أنه حتى اللحظة الأخيرة لم يكن قد عزم أمره على خوض معركة السياسة العليا. هنا يبرز اسم إيغور كولومويسكي، الملياردير اليهودي الذي يملك مصالح ومؤسسات كثيرة؛ منها شبكة التلفزيون التي كانت تبث مسلسل «خادم الشعب»، والذي يُقال إنه كان وراء ترشيح الرئيس المنتخب. وهذه النقطة لها أهمية خاصة في فهم طبيعة الصراعات الحاصلة داخل أروقة السياسة الأوكرانية، التي جعلت زيلينسكي يتقدم بهذا الاكتساح. فلقد تعاقب على السلطة في أوكرانيا منذ إعلانها «استقلالها» في عام 1991 ساسة كلهم ينتمون إلى طبقة رجال المال والأعمال. وساعد هذا الواقع في الترويج بشكل واسع لشعارات زيلينسكي في مواجهة فساد النخب الحاكمة، وعكس في الوقت ذاته درجة التذمر في الشارع من تحكّم «الأوليغارشية» بمقاليد السلطة، وخوضها صراعات كثيرة بين أقطابها أرهقت الجمهورية السوفياتية السابقة، وأدخلتها في دوامة من الأزمات المتواصلة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وإذا صحت المعطيات عن وقوف كولومويسكي وراء ترشيح زيلينسكي، لن تكون المفاجأة مقتصرة على هذا الظهور المفاجئ والكبير للممثل الهزلي على مسرح السياسة، بل يعني ذلك أيضاً انتقال أقطاب «الأوليغارشية» إلى «قواعد لعبة» جديدة يتحكمّون معها بمقاليد السياسة من وراء الستار بدلاً من التربّع مباشرة على مقاعدها. وهي مرحلة مرت بها روسيا في تسعينيات القرن الماضي، وجرّت عليها الفوضى والمصائب.

انتهى وقت الهزل وحان أوان العمل الجاد

قال زيلينسكي، في تعليقاته الأولى بعد الفوز، إنه يحتاج إلى بعض الراحة بعد الحملة الانتخابية المُرهقة، متعهداً بالبدء سريعاً في مواجهة التحديات المطروحة أمامه. وهي مهمة تبدو شاقة ومحفوفة بالمخاطر.
وحقاً، تبدو التحديات أمام الرئيس الفائز معقّدة ومتشابكة. ذلك أنه يواجه حرباً أهلية عاصفة في الشرق، وسيتحمّل مثل أي رئيس أوكراني آخر، تركة قضم روسيا شبه جزيرة القرم وإلحاقها بأراضيها. ثم إنه يواجه استحقاقات التقارب مع حلف شمال الأطلسي (ناتو) والاتحاد الأوروبي، وهو أمر مدعوم من جانب غالبية الأوكرانيين. لكن وسط هذه التحديات الخارجية، تبدو الأولوية أمامه للخطر الداخلي: خزينة شبه فارغة، واقتصاد هشّ يعاني أزمات مزمنة، وسيوف تشحذ ضده من جانب أقطاب السلطة السابقة التي لا يبدو أنها ستتركه مطلق اليدين في التعامل مع رغباته الإصلاحية المعلنة.
وبالفعل، برزت التحديات الداخلية في اليوم التالي مباشرة لظهور نتيجة الانتخابات. إذ أكد رئيس حملته الانتخابية ديمتري رازومكوف، أن الرئيس المنتخب يعتزم تقديم مشروعات قوانين حول الديمقراطية والمساواة أمام القانون للنظر فيها من قبل البرلمان الأوكراني. وتابع أن جوهر المبادرة «تقديم السلطة للشعب» من خلال «رفع الحصانة عن الجميع وإخضاعهم للمحاسبة من النواب والقضاة إلى رئيس البلاد». إلا أن رازومكوف أقرّ بأن هذه «لن تكون عملية بسيطة، لأن مجلس الرادا (البرلمان) سيئ للغاية في التصويت». وعكست هذه الإشارة أحد التحديات الكبرى التي تواجه زيلينسكي على المستوى الداخلي، حيث يبدو الرئيس الفائز وحيداً في مواجهة أحزاب قوية لها تمثيل واسع في البرلمان، وهو ما دفع إلى ترجيح أن يركّز خطواته الأولى على توسيع نشاط حزبه «خادم الشعب» وتحضيره للمنافسة على غالبية برلمانية مريحة في الانتخابات النيابية المقرر أن تشهدها أوكرانيا في الخريف المقبل.
في المقابل، سارع خصوم زيلينسكي داخل البرلمان والأحزاب السياسية إلى إعلان عزمهم على «قصقصة أجنحته قبل أن يتقن الطيران»، وفق تعبير صحيفة أوكرانية. وفعلاً، يجري التحضير لتقديم مشروع قانون لتعديل فقرات دستورية تتعلق بصلاحيات الرئيس وتقليصها بشكل قوي لصالح تعزيز صلاحيات رئاسة الوزراء، وفقاً للنسخة المقدّمة من التعديلات.
هذه أول معركة كبرى سيواجهها الرئيس الشاب عديم الخبرة في السياسة بمواجهة «حيتان» تمرّسوا على الصراعات السياسية منذ ربع قرن. حتى أن معلقين في روسيا وصفوا المشروع المقدم إلى البرلمان بأنه «انقلاب دستوري».
مع هذا، لزيلينسكي حلفاء في هذه المواجهة، وهم رغم أنهم محسوبون على حكم «الأوليغارشية»، فإن صراعاتهم السابقة مع الرئيس بيترو بوروشينكو، قد تجعلهم يميلون لدعم طموحات الرئيس الجديد. وهنا برزت تصريحات رئيسة الوزراء السابقة والمرشحة الرئاسية يوليا تيموشينكو، التي أكدت ضرورة تشكيل حكومة جديدة لأوكرانيا فوراً، رافضة انتظار الاستحقاق الانتخابي البرلماني. وأردفت تيموشينكو: «هل يتوجب على الحكومة الحالية أن تتحمّل نصف سنة؟ ليس لهذا السبب أعطى الناخبون 75 في المائة من الأصوات للتغيير. ينبغي منح الرئيس الجديد على الفور فرصة لتغيير قوات الأمن والمدعي العام ورئيس جهاز الأمن الأوكراني ووزير الدفاع». وهذا، حسب تيموشينكو، سيسمح بـ«إظهار الإرادة السياسية للرئيس الجديد، الذي يجب أن يقدّم إلى العدالة جميع ممثلي الحكومة الحالية، الذين شاركوا في الفساد».
من ناحية ثانية، يواجه زيلينسكي أيضاً استحقاقات تحسين الأداء الاقتصادي في ظل ظروف معقدة وصعبة. ونجاحه في تحويل الحملة الانتخابية إلى استعراض واسع أثار ضحك الجمهور طويلاً بسبب الانتقادات الساخرة اللاذعة التي وجّهها لأداء الحكومات المتعاقبة على إدارة شؤون البلاد، لن يعفيه من استحقاق اتخاذ تدابير تقشفية صارمة سرعان ما ستواجَه بتذمّر شعبي. كذلك فإن محاربة الفساد في المنظومة الاقتصادية للبلاد لا تبدو مهمة أكثر سهولة من محاربة الفساد السياسي المُستشري.
في مسلسل «خادم الشعب» ينتهي الجزء الثالث بخوض معركة واسعة مع أقطاب الحكم المتنفذين والفاسدين الذي يواجههم الرئيس القادم من فصل تعليم التاريخ لطلاب المرحلة الثانوية. وتسفر المعركة عن إلقاء القبض على الرئيس وزجّه في السجن، بينما ينجح حزب قومي متشدد في السيطرة على السلطة في البلاد.
تدخل هنا في العمل التلفزيوني الكوميديا السوداء. وقد يكون هذا الجزء الوحيد من المسلسل الذي لن يرغب نجم الكوميديا الناقدة الصاعد على سلم ظروف معقدة ومتشابكة إلى مقعد الرئاسة في تجسيده على أرض الواقع.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».