بينما بدأت مواجهة حادة بين صحف جزائرية خاصة، متعاطفة مع رجال أعمال تم سجنهم في قضايا فساد، وقائد الجيش الذي هاجمها بشدة، لاحظ ناشطون سياسيون أن جهاز القضاء يتحرك، حسبهم، بوتيرة غير عادية ضد مسؤولين محل شبهة فساد، وذلك بعد أن أصدر الجيش أوامر للقضاة، بشكل مباشر، لاعتقال عدة مسؤولين من عهد الرئيس السابق بوتفليقة، ووضعهم في السجن.
وانتقدت صحيفة «ليبرتيه» الناطقة بالفرنسية، بشدة رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، واتهمته بـ«الضغط على القضاء عن طريق أوامر صارمة، أدت إلى سجن رجل الأعمال يسعد ربراب، من دون أدلة تثبت تورطه في الفساد». علما بأن ربراب هو مالك «ليبرتيه»، وهي ذراعه الإعلامية وواحدة من 27 شركة يملكها ويسيرها هو وأبناؤه.
ويوجد أكبر رجل الأعمال بالمنطقة المغاربية في الحبس الاحتياطي، منذ ثلاثة أيام، بناء على تحريات أجراها جهاز الدرك، التابع للجيش.
وقالت الصحيفة في عدد أمس إن قايد صالح «بصدد تصفية حسابه مع ربراب، فالدرك والنيابة لم يتحركا ضده إلا بإيعاز من قيادة الجيش، التي تجاوزت صلاحياتها، بحكم أن القضاء مستقل وفق الدستور، ولا يمكن لأي جهة، وخاصة الجيش، أن يوجه له تعليمات للتحقيق في قضايا فساد».
وكتبت صحيفة «الوطن» المفرنسة، التي تعد من أشهر صحف البلاد، والمعروفة بقربها من ربراب، أن الملياردير «يقبع في السجن بسبب مواقفه السياسية من النظام». على اعتبار أن ربراب شارك في مظاهرات الأيام الأولى من الحراك، الذي انطلق في 22 من فبراير (شباط) الماضي، وهو يعتبر نفسه من «ضحايا نظام بوتفليقة»، فيما جاء في تحقيقات الدرك أن امبراطوريته الاقتصادية بناها بفضل علاقته بمدير المخابرات سابقا الجنرال توفيق، الخصم اللدود لقايد صالح، والذي هدده بالسجن، واتهمه بـ«المناورة ضد الحراك».
في المقابل، ردت وزارة الدفاع بحدة في بيان على الصحيفتين، وشجبت «محاولة تضليلية مفضوحة، تتمثل في تقديم قراءات مغلوطة لبيان وزارة الدفاع الوطني، المتعلق بكلمة السيد الفريق نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش، التي ألقاها يوم الثلاثاء 23 أبريل (نيسان) 2019 أمام أطر الناحية العسكرية الأولى»، في إشارة إلى تصريحه بأنه طالب من القضاء محاربة المتورطين في فساد.
وقال البيان إن وزارة الدفاع الوطني «تُكذّب قطعيا افتراءات، جاء بها محررو مقالات صحافية، لا سيما المتعلقة بالأوامر (المزعومة) للسيد الفريق رئيس أركان الجيش، بخصوص فتح الملفات المرتبطة بالفساد، وتسيير المرحلة الانتقالية. وقد سجلت وزارة الدفاع الوطني باستغراب هذه التأويلات غير البريئة، وهي تؤكد مرة أخرى عزيمة وإصرار الجيش على أداء مهامه بما يخوله الدستور». مضيفا أنه «في إطار روح الواجب الوطني، يندرج التزام وتعهد السيد الفريق نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، بضمان سلامة وأمن مواطنينا خلال مسيراتهم السلمية، ومرافقة الهبة الشعبية في مسار البناء الديمقراطي، إلى جانب توفير الضمانات الكافية للهيئات القضائية لأداء مهامها بكل حرية، دون قيود ولا ضغوطات، خاصة في مجال مكافحة الفساد ونهب المال العام».
لكن خبراء في القانون قالوا إن قايد صالح «العسكري» تجاوز الدستور، عندما أقحم نفسه في شؤون القضاء، الذي يعد مؤسسة مدنية، يقودها وزير تابع للحكومة.
في غضون ذلك، نظم أمس بالعاصمة عمال شركة للصناعات الإلكترونية، مملوكة لربراب، مظاهرة احتجاجا على سجنه. كما خرج الآلاف من عمال شركة للمياه المعدنية يملكها ربراب في مظاهرات بتيزي وزو (100 كلم شرق العاصمة)، تنديدا بسجنه، وطالبوا قائد الجيش «بوقف استفزازاته ضده». كما يحتج على سجنه منذ أيام عمال مجموعة اقتصادية للصناعات الغذائية، ملك له أيضا، ببجاية (250 كلم شرق)، حيث يوجد مقرها. ويشتغل بشركات ربراب أكثر من 18 ألف شخص، يتخوفون من مصير مجهول في حال صادرت الحكومة كل أملاكه.
ومن أهم رجال الأعمال الموجودين بالسجن حاليا الإخوة كونيناف الأربعة، ملاك أكبر شركة مقاولات في البلاد. وكانت لهم علاقة قوية مع السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق، الذي أقام شبكة من الولاءات وسط رجال الإعمال، كانوا «الركيزة المالية» لـ«النظام البوتفليقي» على مدى 20 سنة. زيادة على سجن رجل الأعمال علي حداد منذ 3 أسابيع.
في نفس السياق، ذكر مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط»، أن رجال أعمال آخرين ضمتهم الحكومة إلى لائحة بها 100 شخص، ممنوعون من السفر، أهمهم عمر بن عمر، مالك شركة كبيرة للعجائن، والإخوة بن حمادي، ملاك شركة للصناعة الإلكترونية. وقد أجرت الشرطة القضائية التابعة للدرك، حسب نفس المصدر، تحريات في حساباتهم المصرفية وفي حركة رؤوس أموال تابعة لهم، وهو إجراء يسبق، عادة، الاعتقال ثم السجن الاحتياطي.
وحول الوتيرة السريعة والمفاجئة، التي يتعامل بها القضاء مع ملفات الفساد، كتب المحامي والناشط السياسي البارز، مقران آيت العربي «وراء كل رجل أعمال ضالع في الفساد، عشرة مسؤولين فاسدين في قمة الدولة، وإن كانت هناك إرادة فعلية لمحاربة الفساد، فلا بد أن تبدأ العملية بأفراد العصابة، التي استولت على كل شيء بما في ذلك رئاسة الجمهورية، التي كانت وراء الفساد السياسي والمالي. ثم يأتي دور رؤساء الحكومات ووزراء وعسكريين... وبعد ذلك يمكن الانتقال إلى بعض رجال الأعمال، بدءا بالذين مولوا العصابة بمال الشعب».
وتحدث المحامي عن «حبس انتقائي لا يتعدى محاولة تقسيم الشعب، بين مؤيد ورافض، وقد يرمي من جهة أخرى إلى إبعاد الأنظار عن المطالب الحقيقية للثورة الشعبية السلمية. فلو بدأ الحبس برئيس العصابة وأفرادها، لصفق الجميع. ولكن هذه المناورات الجديدة، التي تحضّر في الظلام، تدخل ضمن الرغبة غير المعلنة في بقاء نظام الفساد. لذلك علينا جميعا أن نحافظ على وحدة الثورة السلمية وانسجامها، وأن نواصل هذه الثورة حتى الاستجابة لجميع المطالب، وعلى رأسها رحيل النظام للشروع في بناء الجزائر الجديدة. وعلى الثورة أن تعرف من هو معها، ومن هو ضدها، ومن يجلس على كرسيين في انتظار من سينتصر في النهاية».
التحرك القضائي «السريع» ضد جرائم فساد قديمة يثير شكوك الجزائريين
اندلاع مواجهة بين قيادة الجيش والإعلام الموالي لرجل أعمال مسجون
التحرك القضائي «السريع» ضد جرائم فساد قديمة يثير شكوك الجزائريين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة